«الأدب هو التاريخ الأكثر صدقا».. جملة نكاد نتفق عليها، وإن كان البعض يمطها لتشمل كل صنوف الإبداع. لكن الأدب كنص مكتوب يوازى التاريخ كنص آخر مكتوب، يمنح هذه الخصوصية شرعيتها.
ضمن ذلك تأتى الرواية، فى مرحلة تالية للشعر الذى ظل لوقت طويل مدونة العرب الأم، لتكون ديوانا مؤرخا فنيا، وتأتى الرواية التاريخية تحديدا لترتكز على هذا التدوين، بشكلٍ يتجاور، فى النماذج الجيدة منه، الخيال، والفن، والإمتاع اللغوى، وتوريط المتلقى فى ذلك العالم الروائى القائم على النفخ فى روح الماضى.
( الجزء الثانى من يوميات جبرتى المحروسه )
بقلم الكاتب المهندس
عبد السلام جابر
و فى العاشر منه خرج من المحروسه و كان شئ لابد منه للعوذه , و إصطحب معه أتابك العسكر الصبحيه الصدقيه و ودعه كبير الشرطه المحمديه الابراهيميه و حملة البيارق و المشعلجيه , و يسبقهم من قدام الطبلخان بنقاقيرهم و صاجاتهم المصديه و حولهم الاشارجيه , حتى وصل فى موكبه و مركبه , الى شيوخ العربان المتأمرين و هم على التكايا متكئين , و فى أصابع أرجلهم بصوابعهم لاعبين , و دخل و سلم و أدى فروض الطاعه و الولاء لكل الشيوخ و الامراء , و سألهم عن المدد اللى بيه وعدوه يوم ما وَزُّوُه على الرئيس عشان يشيلوه , فردوا عليه بكل صفاقه و بجاحه ( و ايش بدنا نسويلك , ما كفاك اللى عطيينك , احنا موكافلينك ) فجرب يوريهم العين الحمرا يمكن يخاف الامرا , فأحس منهم الغدر و انهم موضبين لامر…………………………….. و إلى حلقه قادمه فى الجزء الثالث
فعلا التاريخ هو المرآة الأكثر صدقا وحنكة وتجاربه الإنسانية لا تنقطع وكلها على وتيرة واحدة لكنها مختلفة الصور ومتعددة الأسباب وقضاياه الأكثر درسا واستقصاء وفيه كثير من الفن الإنسانى المشوق ويستطيع الباحث ذو العين البصيرة إستخراج العبر فمثلا فترة المماليك الأخيرة ساد فيه الصراع بينهم بدرجة مؤسفة وتطاولوا على الشعب المصرى بشكل بشع واعتدوا على القبائل العربية فى الواحات ومطروح ونهبوا وسلبوا لتأمين رفاهيتهم إعتمادا على القوة وميول مؤرخنا الرائع ابن إلياس لم تكن مع العربان إنما مع المماليك ولذلك تجد النزعة العصبية فى كتاباته لكنه كان أمينا فى نقل الأحداث فلما إنتصروا على كل معارضيهم من عربان ومن أزهريين ومن مصلحين وقعوا ضحية الخصومات والخيانات تحت سنابك خيل الترك العثمانيين وقضى عليهم بعد أن كانوا من أهيب جند الله على الأرض عندما يذكر إسمهم تهتز له النظم والشعوب لأنها كانت آلة حرب قوية يحسب لها كل حساب فلما التفتوا إلى عرض الدنيا وابتدأوا المظالم ظهر النزاع بينهم وأصبح لهم خونة فى صفوفهم أظهرها الرمال فى مؤلفة الأيام الأخيرة للمماليك ويقول المثل المصرى صاحب بالين كذاب ولأجل هذا أصبح جيش كمامب ديفيد مسخة