{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة الأحزاب:23-24].
سلسلة مقالات
رئيس محكمة المنصورة الإبتدائية
عضو المكتب التنفيذى لحركة قضاة من أجل مصر
من يظن ان القضاء لا يخطئ فهو خاطى ومن يظن ان القضاء فوق البشر فهو خاطئ ، فئة القضاة كما ان بها الصالحين بها ايضا المرتشون ، رشاوى بأنواعها المادية والجنسية واحيانا الاثنين فى آن واحد “واحدة وعليها واحدة مجانا ”
رأيت فيما يرى النائم – منذ زمنٍ – أننى أسير بطرقات القُدْسِ فَرحًا مستمتعًا بقداسةِ وعبق المكان ، وبعد أيامٍ شاهدتُ فى التلفازِحلقةً خاصةً عن مدينة القدس التى لم أكن – بالطبع – قد رأيتها من قبل إلا فى منامى ، فإذا بى أرى ذات الأسوار و الشوارع والأزقة التى سرت فيها بكل معالمها وتفاصيلها حسبما رأيت برؤياى تلك ، فحمدت الله عز وجل أن مَنَّ علىَّ بتلك الرؤيا ، وبدأت أجد فى نفسى – أحيانًا – نوعًا من الحدس إلى التعبيرعندما يقص أحد الأصدقاء أو الأقارب رؤياه علىّ ، ولاسيما إذا كانت الرؤيا من رموزٍ لم ترد فى كتب المعبرين . حدث أن أحد الأصدقاء قصَّ علىّ أنه رأى فأرةً صغيرةً تفرُّ من بيته ، فأوَّلتُ رؤياه – وفقًا لماجاء بكتب التأويل – أن الفأرة الصغيرة فى الرؤيةِ تعنى امرأةً خائنةً لعوبًا – فزع صديقى واضطرب ، وبعد فترةٍ جاءنى يؤكد لى صدق تعبيرى لرؤياه ، قال : إنه فى الآونة الأخيرة لاحظ على زوجته – وتعمل طبيبةً – اضطرابًا غير معهودٍ ، وبالصدفة وجد معها هاتفًا جوالًا اقتنته سرًّا عنه ، وعندما سألها ارتبكت وقالت : إنه هاتفها القديم ، ثم عادت وقالت : إنه هاتف أختها أرسلته لها لإصلاحه ، وعندما لم تجد حجةً مقنعةً وبان لها انكشاف كذبها قالت : لن أقول لك شيئًا سأتركك فريسةً لأوهامك جزاء شكك فى ، وعندما ضيَّقتُ عليها الخناق اعترفت أنه هاتفها تستخدمه للحديث مع أختها فى أمورٍ سريةٍ لا تريدنى أن أعرفها ، ونظرت فى عينىَّ لتدرك أن كلامها أبعد شيئٍ عن التصديق ، لأنها كانت تؤكد دائمًا كرهها استخدام الهواتف المحمولة لأضرارها وتوقيًا للإزعاج ، والهاتف الأرضى به خاصية الإتصال بالهواتف الجوالة ويمكنها أن تكلم منه أختها فى غيابى بما تشاء من الأسرار ، وإن كنت لا أدرى أى أسرارٍ تلك التى تستدعى كل هذه السرية ، لأنها بالطبع لا يمكنها استخدام الهاتف الجوال فى وجودى والا اكتشفتُ أمرها . المهم تركتها وذهبتُ وتوضأتُ لصلاة المغرب ، ووقفت بين يدى ربى أصلى ، فإذا بها تختلس انشغالى فى الصلاة وتحمل حقيبتها وتفرُّ هاربةً إلى أهلها ، انتهيتُ من صلاتى فإذا بابنتى الصغيرة تقول لى بفزعٍ باكيةً إنها خرجت ولن تأتى يا أبى ، قبلتها وأخذتُ ألاعبها لأخرجها من فزعها ، واتصلتُ بأهل تلك الزوجة ليحملوا ابنتى وأخيها إليها ، وعند خروج الولد الصغير كان يبكى وأنا أودِّعه ، وينظر إلىَّ كأن غيبتى ستطول عليه – شئُ مؤسفٌ حقًا . – لا عليك . – هل سمعت آخر الأخبار . – أريد أن أكمل لك القصة . – أولم تنتهِ بعد . – نعم . لم تنتهِ بعد . – كما تحب . – المؤسف حقًا هو موقف أهلها الذين أرادوا أن يقلبوا الأمور رأسًا على عقب ، فبدلًا من مناقشةِ خطأِ ابنتهم ، وجدتهم يلقون اللوم علىَّ لسؤالى لها عن الهاتف السرى التى كانت تخبئه منى ، وأن ذلك يُعد شكًّا فيها ، وبدأوا – دون طلبٍ منى لرجوعها – يتحدثون إلى الناسِ أنهم سيشترطون علىَّ أن أوقع لهم إيصال أمانة على نفسى بالإضافة إلى طلباتٍ ماليةٍ أخرى ، يريدون تبرئة ساحة ابنتهم من ناحيةٍ وابتزازى ماليًا من ناحيةٍ أخرى ، لقد أخبرنى زوج أختها حاملُ ذلك الحديث إلىَّ – وهو ثقةٌ – أن زوجته قالت له : إننى لا أستطيع العيش بعيدًا عن أختها يومينِ ، وأننى حتمًا سأرضخ لطلباتهم – أخطأت أختها أم لم تخطئ – لاحتياجى للنساء ولحبى لأختها وارتباطى بالأولاد ، وأنها منذ زمنٍ تخطط للحصول منى على صكَّ دينٍ لصالحها ، تسيطر به علىَّ من خلاله . – لماذا ؟ – يا عماد بيك نسيت أن أقول لك : إننى عقب زواجى بها بيومين تقريبًا أتت أختها ببعض متعلقاتها من بيت أبيها ، وبالصدفة وجدتُ مفكرةً صغيرة فى تلك المتعلقات ، فتحتها للإطلاع عليها لأجد أنها تحوى أرقام الهواتف لرجالٍ مختلفين باستثناء القليل من أسماء النساء ، وبحسن نيةٍ بدأتُ أسألها : فقالت إن هؤلاءِ جميعًا هم زملائى وعملى – كطبيبةٍ – يتطلب الإحتفاظ بأرقامهم تحسبًا لأىِّ طارئٍ أثناء العمل ، كدتُ أصدقها لولا أن نظرى وقع على اسم وهاتف رجلٍ كتبتْ قرين اسمه أنه يعمل بأحد فنادق شرم الشيخ بسيناء ، وقبل أن تطوى مفكرتها سألتها عن ذلك الشخص فقالت : إنه شاب يعمل بأحد الفنادق السياحية فى المدينة المذكورة التى تقع قرب المدينة التى كان تكليفها كطبيبةٍ بأحد مستشفياتها ، صادف أن استقل ذات الحافلة التى استقلتها عائدةً إلى موطنها بإحدى مدن شرق الدلتا ، وأنها أخذت عنوانه ورقم هاتفه ليصطحبها وإخوتها عند حضورهم للتنزه فى سيناء ، لم يرق لى ذلك التبرير ، كيف لآنسةً أن تتجاذب أطراق الحديث مدة ست ساعاتٍ – هى المسافة حتى وصولها إلى مدينتها – مع شابٍ غريبٍ عنها إلى الدرجة التى تتبادل معه أرقام الهاتف هكذا بكل سهولةٍ ؟ ثم بأى صفةٍ سيصطحبها وأختها فى بلدٍ غريب ؟ وماذا سيقدم لها ذلك الشاب البائس من عونٍ أو دعمٍ ؟ فضلًا عن أنها من أسرةٍ ميسورة الحال لا تحتاج دعم أحد ، فسألتها إن كانت قد ذهبتِ إلى تلك المدينة التى بها الفندق الذى يعمل به ذلك الشاب ، فأجابت إنها ذهبت إليها مع صديقاتها ، ولم تقابل ذلك الشاب ، قلت لنفسى لماذا تحتفظ ببياناته إذن ؟ لا أخفيك سرًا ، بدأ الفأر يلعب فى صدرى ، وكانت المفكرة تحوى رقم هاتفها القديم الذى استبدَلته – بمجرد خطبتى لها – برقمٍ آخر ذاكرةً أنها فعلت ذلك خشية أن يضايقنى اتصال أحد أصدقائها بها ، إلا أننى لم أنتبه – وقتها – لمعنى كلامها ، فوجدتُ نفسى أتصل بصديقٍ لى يعمل فى شركة الإتصالات التابع لها رقمها القديم ، وطلبت منه بياناتٍ عشوائيةٍ لمكالماتها خلال عدة شهورٍ ، وساعدنى فى ذلك أنها كانت تستخدم نظام الخط ، وكانت المفاجأة عندما وجدتً كمًا هائلًا من الإتصالات واستوقفنى أحد الأرقام ، وجدتُ أنها تتصل به مددا قد تصل إلى ساعة من الزمن رغم حرصها الشديد واقتصادها فى استخدام الهاتف . فوجِئًتْ بى أتفحص تلك الأوراق ، وبسؤالها عن فحوى حديثها لزميلها ، ارتبكت وبدأ الكلام يتحجر فى فمها ، بل إن المفاجأة أنستها أن تُلقى باللوم علىَّ أننى أفتح دفاترها القديمة ولا أثق بكلامها ، كانت أشبه بالفأر فى المصيدة ، قالت : كنتُ أسأله عن أشياء فى العمل ، فقلت : عن أىِّ شيئٍ تسألينه ؟ قالت : سألته عن كذا وكذا ، تركتها حتى انتهت ، فسألتها وماذا أجابكِ ؟ قالت : أجابنى بكذا وكذا ، فقلتُ لها : إن كلَّ ما قلتيه لا يستغرق ربع الساعة ، فبماذا تحدثم باقى الوقت ، ساعتها تصنعت الإنفعال ، وقالت ماذا تقصد ؟ وأخذت المفكرة و بيانات شركة الإتصالات وأحرقت الجميع ، وكأنها تريد أن تُخفِىَ – بأىِّ وجه – معالم جريمةٍ ارتكبتها ، كانت بإحراق تلك الأوراق قد استعادت شيئًا من الدماء التى غارت من عروق وجهها ، وبادرتنى القول : إن اسمه عمرو وإنه مجرد زميل لها يحضر معها ” النوباتجية ” بمستشفى …… بالقاهرة أثنا قضائها فترة الإمتياز به ، وأضافت أنه ذو وجهٍ قميئٍ وقامةٍ قصيرة ، وإنها لا تحب قصار القامة رغم قصر قامتها الشديد وضآلة حجمها ، فرددت قائلًا : كان معكى طيلة الإسبوع ليل نهار ، فهل أوحشكِ حتى تتصلى به بعد عودتكِ للمنزل فى عطلة نهاية الإسبوع ؟ لم تستطع الرد وانتهى الحديث عند هذا الحد . حاولتُ ألا أقف كثيرًا عند أعتاب الماضى ، وإن كنت أوقن أن الماضىَ هوأساس الحاضر وبوتقة المستقبل ، وبدأتُ أغالط نفس وأكذِّب عقلى فيما ارتسم عنها بداخلى من انطباعٍ سيئٍ ، لكنها بين الحين والآخر كان ينفلتُ لسانها – عفوًا – بأمورٍ عن الماضى ، وعندما تدرك انزلاقها للإفصاح عما تخفى من أسرار ترتبك وتلهث وراء تبريراتٍ تزيد الطين بلَّةً ، أو تكون بمثابة من يلقىَ بالبنزين على النار ليطفئها ، بدأ ذلك عندما كنت أتحدث معها – أثناء فترة الخطوبة – عبر الهاتف ، كانت تسرد أقوال أحد الطبيبات الكبيرات بمستشفى سيناء – الذى قضت به فترة التكليف بعد أن أنهت الإمتياز بمستشفى القاهرة ، قالت لى تصور أن الدكتورة ……. قالت لى ألا أدع فرصة للممرضات للتحدث عنى كطبيبةٍ ولا سيما أنا وأحمد ………….. وسكتت فترة ، فقلتُ لها ماذا كنتِ تفعلين أنتِ وأحمد ، ومن أحمد هذا ، وهل كنتما وحدكما ، أفاقت من غفلتها ، و أخذت تغالطنى القول وتقسم إنها لم تقل أحمد ، ثم أخذت تبرر وتقول أحيانًا أنسى وأظن أننى أتحدث إلى دعاء أو أميرة صديقتىوأفضى بما لا يجب أن يقال ، فلا تدقق فى كلامى ، وعندما أدركت أنها تؤكد كذبها بذلك التبرير ، قالت أن النوم هجم عليها فجأةً وأفقدها السيطرة على نفسها – هل ستسغرق قصتك وقتًا كبيرًا لأننى مشغولٌ جدًا ، لا داعى لكل تلك التفصيلات . – لا لن تستغرق وقتًا طويلًا ، لكن لا داعى أن تنظر طيلة الوقت فى ساعتك . – أمرك يا سيدى ، تفضل ، أكمل . مرةً حكت لى أنها كانت – فبل زواجها – تذهب إلى بيت خالتها حيث تتقابل مع ابنها الشاب الذى يصغرها بعدة سنوات ، وتشاهد معه على الحاسوب الخاص به ما تحب من الأفلام ، وأن ذلك يحدث باستمرار سواء كانت خالتها موجودةً أم خارج المنزل ، وعندما حاولتُ أن أفهمها أن تلك خلوةٌ شرعيةٌ مؤثمةٌ شرعًا ، سخرت ، وقالت : إنه أصغر منها ، قلتُ لها هذا الصغير الضى تتحدثين عنه تجاوز العشرين سنةً من عمره ، وقادرٌ على الزواج وإنجاب الأطفال ، الغريب أنها عندما علمت بخبر زواجه اسود وجهها وكأنه زوجها الذى تغار عليه ، فسألتها عن السبب لم ترد . وأثناء مرض والدها الأخير ، أخذتها مبكرًا إلى بيت أبيها لتمكث معه حتى عودتى من العمل ، كانت أمها قد خرجت للعمل – وقتئذٍ – وكان البيت خاليًا إلا من أبيها المريض ، فوجنا بأن ابن عمها – الذى تجاوز العشرين من عمره والذى سبق أن رمته أمها – أمام الجميع – بفعل السوء مع أختها – يفتح لنا الباب ، فسارعت للدخول معه وغلق الباب خلفهما وكأنها عروسً أخذها زوجها وأغلق الباب من خلفها ، أمسكتُ بالباب واستعدتها واعدًا إياها أننى بمجرد الإنتهاء من عملى سآتى بها إلى أبيها ؛ لأنه لا يصح أن تبقى وحدها مع ابن عمها الشاب طيلة تلك المدة ووالدها فى حكم الغير موجود ، وذكَّرتها بما سمعتْه – بنفسها – من كلام أمها عنه وعن أختها ، وأن ذلك هو شرع الله ، وأعدتها للمنزل وهى تلعن شرع الله . وذات مرةٍ حكت أن ابن عم والدتها – وهوشابٌ فى عقده الرابع أقامت عنده فترةً قبل التحاقها بسكن الأطباء بسيناء – كان يعلمها السباحة ، أين ومتى ؟ انهارت كعادتها وأخذت تهذى إلى أن قالت كنا أنا وهو وزوجته نذهب إلى البحر ، وكان يضع يده تحت جسدى كى أطفو على الماء ، أين ؟ تحت جسدى , فى أى مكان كان يضع يده بالضبط ؟ وكيف تسمحين لرجلٍ أحنبىٍ عتكِ ليس من محارمكِ أن يقترب منكِ ويلمسكِ هكذا فى الماء ، مكثنا هكذا قرابة السبع سنوات وأنا أكذِّبُ نفسى حتى عرفتُ كل شيئ – كيف عرفت ما أخفته عنك ؟ – بعض ما أخفته عنى ، وما خفى كان أعظم – أكمل يا سيدى – فى ليلةٍ بعد تحقق رؤياى التى أوَّلتَها ، فوجئتُ بزوج أختها يتصل بى هاتفيًّا ليبرر بعض تصرفاتها – حسبما علم من زوجته – بأنها لم تخرج عن المكالمات الهاتفية لطبيبٍ أحبته ، كان زميلَها فى الدراسة ، وقضت معه فترة الإمتياز بالقاهرة ، وعندما توطدت علاقتها به ، طلبتْ أن يكون تكليفُها فى سيناء حتى تلازمه بعيدًا عن رقابة الأهل ، و أخبرنى أن زوجته أخبرته – أيضًا – أنها هى من كانت تدفع فاتورة خط التليفون وتخفيَها عن والدها حتى لا يعرف مع من تتحدث أختها لطول وكثرة مكالماتها له أثناء الأجازات ، على الفور تذكرتُ حكاية أحمد … وتحذير زميلتها لها أن تلوك سيرتَها ألسنةُ التمريض بالمستشفى ، وجال بخاطرى ما رأته بينهما ودفعها أن تطلق ذلك الكلام ، ألهذا الحد كان شغفها بحبيبها ، لا تصبر على بعده ، تترك السهر معه فى ” نوباتجيات ” العمل ، لتسهر معه ساعات الليل ، تحادثه عبر الهاتف بكلام العشق والهيام ، وعلى حسابها الخاص . فجأةً قفزت إلى ذهنى فكرةٌ ، أمسكتُ بالهاتف واتصلتُ بأعز صديقاتها وموضع سرها الطبيبة أميرة ، وسألتُها عن إجابةٍ لكل أسئلتى ، فحاولت الهروب والمراوغة ، لأجد نفسى مضطرًا أن أطلب منها صراحةً إفشاء أسرار صديقتها جزاء إفشاء الأخيرة لى ما أسرت به إليها عن علاقتها الخاصة بزوجها ، وكيف أن أداءه ليلة دخلتها لم تكن راضيةً عنه ، وأنها انزعجت لطلبه منها أن ترتدى قميص نومٍ أحمر لأنه – بحسب رأيها – يُفتَرَض به ألا يحتاج لعوامل أخرى كاللون الأحمرلإثارته فى أول أيامه معها ، واسترسلتُ فى ذكر ماوصلنى من انتقادها المستمر شخص زوجها الذى يعمل طبيبًا واتهامها له بالبخل ، واحتقارها له لرقة حال أهله ، وعن المائة جنيهٍ التى يرسلها لها والدها – شهريًا – كمساعدةً لها ، وقبولها ذلك المبلغ رغم اعتراضها على سوء معاملة أهلها لزوجها بالمقارنة بزوج شقيقتها الصيدلانية بسبب تلك المساعدة ، شقيقتها الصغرى التى تزوجت قبلها ، وتألمت هى لذلك كثيرًا مما دفع بها إلى محاولة حسدها لإفشال الزيجة ، وعن اشتهارها بالحسد وتشاؤم أصدقائها منها ، ثم سيطرتُ عليها تمامًا عندما واجهتها بأمر الورق الذى كتَبَتْه بخط يدها – قبل زواجها – عن أساليب وفنون الممارسة الجنسية بالدقة التى تُشعر القارئ أنه يشاهد فيلمًا سينيمائيًا ، و تداولته مع زوجتى ، والذى لا زلت أحتفظ به فى خزانة مكتبى . توسَّلَت إلىَّ أن أكتم كلَّ ما عرفتُه عن زوجها وإلا طلقها ، وبدأت تُفرِغُ كلَّ ما فى جعبتها ، قالت : إن زوجتك خُطبَت – من قبل – لشابٍ أحبته بحنون يسكن بالقاهرة ، عندما كان يجيئُ لزيارتهم يبيت معهم بمنزلهم ، وكانت فى الصباح تأتى لنا – فى الجامعة – بصوره ، وتقول إنه يشبه فلاناً من نجوم الطرب أو التمثيل ، كان حبُّه قد أخذ عقلها ، إلى أن أخبرتنا أنه فسخ خطبته بها دون سبب ، وقتها أصيبت بصدمةٍ عصبية شديدة ، أفقدتها التوازن ، ودخلت فى حالة اكتئابٍ عميق ، لدرجة أنها طلبت أن يكون امتيازُها بأحد مستشفيات القاهرة لتكون قريبةً منه ويسهل عليها مطاردته ، وبالفعل تمكنت من الوصول إليه ، واقتحمت سيارته رغمًا عنه ، وطلبت منه أن يذهب بها إلى مكانٍ هادئٍ ، فاقتادها إلى أحد النوادى على نهر النيل ، وعلى مدار مقابلتين تمت بينهما أخذت تتوسل له أن يرجع إليها ، إلا أنه رفض ، بعدها تعرفت على زميلٍ لها يسهر معا ” بنوباتجية ” العمل ، وبدأت تنمو بينهما علاقة ، كانت تصفه بأنه قصير القامة ، تذكرتُ – ساعتها – كيف كانت تنفى شبهة أى علاقةٍ بينها وبين زميلها عمرو بحجة قصر قامته ، فلماذا أقدَمت على علاقة مع شخص قصير القامة ؟ بدأت أدرك أساليبها فى خداعى ، سألت صديقة زوجتى عما إذا كانت قد حدثتها عن ذهابها إلى مدينة شرم الشيخ حيث يعمل الشاب الذى قالت إنه رافقها فى الحافلة قى رحلة العودة من سيناء إلى منزلها ، فذكرت أنها أخبرتها بذهابها بمفردها ، لأنه لو كان معها أحدٌ من صديقاتها لأخبرتها بذلك ، فضلًا عن أنها كانت – قبل زواجها – لا ترتدى إلا الملابس الضيقة . – أحسدك على احتفاظك بهذه التفاصيل الدقبقة – قل ما شاء الله – ما شاء الله ياسيدى – تعرف يا باشا أنا محظوظ – محظوظ – نعم ، بسبب ذلك الخلاف واسترجاعنا لحظات إبرام عقد الزواج تبين لنا بطلان ذلك العقد . – كيف ؟ – أحد الشهود وقع على وثيقة العقد وانصرف قبل إبرام العقد بصيغتى الإيجاب والقبول ، والشهادة المعتبرة فى الشرع هى التى تعاصر التقاء الإيجاب مع القبول ، وتخلف أحد الشهود يُبطِل الشهادة ، ويَبطُل العقد برمته تبعًا لذلك . – هذا الذى يفرحك . – أشعر أنى قد أزحت حملا ثقيلًا من على صدرى ، بثبوت أن تلك المرأة لم تكن يومًا زوجتى ، واكتشافى حقيقتها مبكرًا بعد أن كانت تدعى الشرف والفضيلة . – هل واجهتها بما حكيت لى ؟ – أرسلت لها رسالة ، لكنها لم تجرؤ على الرد – ألم تقابلها ولو صدفةً ؟ نعم , لم أقابلها ، لكن والدتها تفشى للناس دائمًا كل شيئٍ عن تحركاتها من باب التباهى ، مثلًا قالت ذات مرة : إنها لا تخرج إلا للعمل أو للذهاب إلى مكتب المحامى الذى يباشر قضاياها ضدى. – تريد أن تقول أن والدتها تلمح إلى كثرة ترددها على مكتب المحامى ، وأنها تقسم وقتها بين عملها وبين ارتياد مكتبه . – أجل ، بل إن المحامين والموظفين يتعجبون من ملازمتها له فى كل مكان ، فهو تقريبًا لايتخذ إجراءًا إلا وهى معه . – عجيبٌ ذلك الأمر – لقد وصلت خستها إلى محاولة الشوشرة على سمعتى فى عملى بالكذب بتحريضٍ من والدتها وشقيقها . – وما النتيجة ؟ – ضاعت سمعتها هى، واستحقرها الناس ، وزاد احتقارهم لها ولأسرتها بعد طلاق شقيقتها الصغرى ، وبعدما رأوها تتبع المحامى كظله فى كل مكان . – حقًا الناس معادن كما قال نبينا الكريم – أستطيع أن أقول لك إن تلك المرأة علمانية بمعنى الكلمة ومن أسرة علمانية تفصل الدين عن الحياة ، وتبذل كل غالٍ لنيل الملذات . – أنظر تلك هى صورتها أحضرتها لتستعمل فراستك المعهودة فيها – الفراسة لا تصدقنى دائمًا – أنظر إلى افتقارها لأى ملمحٍ من ملامح الجمال أنظر لأنفها الكبير جدًا – كفى لا تكمل ، الجمال جمال الروح – إنها ذات قلبٍ أسود لقد سخرتُ لها الدنيا ووضعتُ قلبى وحبى رهن إشارتها لكنها جحدت وخانت . – هل لديك ما تقوله زيادةً على ذلك ؟ – نعم ، ولكن سأرجئه إلى وقت آخر كى لا أعطلك . – لقد عطَّلْتَنِى بالفعل . – ما الذى دعاك إلى سرد كل تلك التفاصيل . – أنا الآن أبدأ حياةً جديدة ، وأردتُ أن ألقى من على كاهلى ذلك الهم الثقيل . – لنحمله بدلًا منك ؟ – بل لتكتبه للناس لتفحصه ودراسته , لكن دون ذكر أسماء . – أليس الستر أولى ؟ – ليس فى كل الحالات ، قال تعالى فى سورة النساء” لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ” أعتقد أن مجيئ تلك الآية قى سورة النساء يفيد معنى الرخصة فى الجهر بما ظُلِمتُ به ولو كان سيئًا – ونعم بالله – لكن لاحظ أنك تلوم عليها الماضى ، والماضى كان قبل أن تعرفك – الماضى يا صديقى ارتبط بالحاضر ، وأثر فيه ، لم يكن سلوكها معى سلوكًا سويًّا أو بالأحرى لم أشعر معها أننى الرجل الأول فى حياتها ، كانت متناقضاتها تهدم كل لحظةٍ نشعر فيها بالسعادة ، كان الماضى دائمًا يقفز إلى وجدانها ليعكر صفو حياتنا ، لا أنكر أنها حاولت محوه ، لكنها فشلت ، وولَّد ذلك الفشل سلاسل أخرى من الفشل لاحقت ظلالها حياتنا ، كانت تطلب أن نرتاد أماكن معينة ، وعندما أسألها لماذا تلك الأماكن بالذات ، كانت تقول : إنها جاءتها من قبل ، وتريد أن تمحو ذكرياتها القديمة ، وتنشئُ ذكريات جديدةٍ فى تلك الأماكن معى ، فما تلبث فليلًا حتى تنتفض طالبةً مغادرته وكأنها لا تستطيع مواجهة ذكرياتها فى حضورى هربًا من أن تفضحها عيونها , الأكثر من ذلك أنها كانت تعرف الطريق إلى أماكن لم أرتدها من قبل . – مثل ماذا ؟ – المقطم – وهل أخذتَها هناك ؟ بل قل هى التى أخذتنى هناك . – وكيف عرفِت الطريق . – لابد أنها ذهبت من قبل إليه . ذهبت وحدها ؟ اسألها سيادتك . – أكمل – أذكر أنها كانت تتحدث مع أختها عبر الهاتف ناسيةً وجودى بالغرفة المجاورة حيث أخبرَتْها أختها أنها قابلته بالصدفة ، وأنه حدق النظر فيها ظنًا منه أنها هى للشبه بينهما ، فأخذت تسألها عما إذا كان قد تزوج من عدمه ، فأجابتها أختها متسائلةً : و ماذا يهمك فى ذلك ؟ قالت لها : بل يهمنى أن أعرف ذلك ، وعندما سألتُها نفت الموضوع برمته ، وذكرت أنها كانت تسأل عن إحدى صديقاتها ، هكذا كانت عادتها فى مغالطتى ، وكدأب الكاذبين نَسِيَتْ كذبَها وذكرت لى حقيقة ذلك الأمر فيما بعد ، لقد اعتادت الكذب والحلف بأيمانٍ كاذبة والحنث باليمين . – كيف نعرف الحقيقة منها إذن ؟ – أقول لك ، الطريق الوحيد لمن يريد معرفة الحقيقة منها أن يجعلها تضغ المصحف على أولادها وتحلف بما يريد أن تحلف به . – لا حول ولا قوة إلا بالله . – أستأذنك يا باشا فى الإنصراف ، وإن كنتُ لم أشرب شأيًا أو قهوةً ، أو أتناول الغداء معك . – كما تحب ، لكن هل نسيت أننا فى رمضان . – نعم نعم – السلام عليكم ورحمة الله . -عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . انصرف صديقى ، لكن أثر كلامه لم ينصرف عن مُخيلتى ، بهذه السهولة تتحول المودة والعشرة إلى عداء ، امرأةٌ تسعى للنيل من والد أبنائها بهذه الطريقة ، ورجلٌ صدمه جحود امرأته وأم أولاده وغدرها وخيانتها ، الماضى المليئُ بالأخطاء يلاحق الزوجة ولا تعرف أين تفر منه ، بل تستعيده بذات الأخطاء مرةً أخرى وتترك حبل نفسها على غاربه ، تهدم بيتها وتشرد صغارها ، وتجحد نعمة الله الذى وهب لها زوجًا يحقق لها كل آمالها ورغباتها ، وتلجأ إلى افتعال المشاكل معه ظنًا منها أن ذلك سيبرئُ ساحتها أمام الناس بعدما انكشف أمامه جانبٌ من ماضيها ، وإن كانت على ثقةٍ أنها مخطئةٌ ومتهمةٌ أمامه وأمام نقسها ، التربية الإسلامية المفقودة فى بيوتٍ كثيرة ، والتغاضى عن وضع الحدود الصارمة للتعامل بين أبناء العمومة والخئولة بعضهم البعض ، والحيلولة دون حدوث الخلوة المحرمة شرعًا بينهم ، وتربيتهم على اتقاء مواطن الذلل والشبهات قد أودى إلى كوارث يصعب تلافى آثارها ، وفى الغالب يضطر الأهل إلى السكوت عن المنكرات والمحرمات ، ويتعودون على الدياثة شيئًا فشيئًا ، ولا زال الموضوع – بكل تلك الجوانب مطروخًا – للنقاش