موسي .. و التسع آيات … و التسريبات
من روائع الكاتب الأديب

دكتور جمال محمد
====================

” و لقد آتينا موسي تسع آيات بينات , فاسأل بني اسرائيل اذ جاءهم فقال له فرعون اني لأظنك يا موسي مسحورا . قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السموات و الأرض بصائر و اني لأظنك يا فرعون مثبورا . فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه و من معه جميعا “.
طالما استوقفتني هذه الآيات , متسائلا عدة تساؤلات , أسوق بعضها عن طريق عدة أسئلة , قد تلقي الضوء علي مدي التشابه العجيب بينها و بين ما يحدث حولنا و لنا الآن , و كيف نعتبر منها حتي لا نتساوي مع من قال أساطير الأولين , و كيف رسم الله لنا طريقا نهتدي به للخروج من محنتنا هذه , بل و كيف نتعامل مع تلك الأسباب ( التسريبات مثلا , تغيير الوزارات بعد فشلها المتتابع , انخفاض الجنيه و انهيار البورصة , فشل المؤتمر الاقتصادي , غلاء الأسعار المطرد , اعادة فتح السفارة الاسرائيلية , توابع سد النهضة , الخ ) , و التي أرسلها الله لنا آيات بغير حول منا و لا قوة , كي يثبتنا بها , لنزداد يقينا من نصر وعده الله عباده ( المؤمنين ) ..” و كان حقا علينا نصر المؤمنين ” , و لكن ….. هل تعاملنا معها كأسباب من عند الله تزيدنا يقينا و تمسكا بحبل الله حتي نكون من المؤمنين الذين وعدهم الله نصره ؟؟ .. و هل قربتنا الي الله , نلتمس العون منه ؟؟!! ..أم أبعدتنا عن الله و انشغلنا بها فكنا سببا من أسباب عدم تحقق لنصر الي الآن ؟؟
: تساؤلات حول التسع آيات
## لماذا تسع آيات ؟
## لمن أنزلت الآيات ( بني اسرائيل ..أم فرعون و قومه في الأساس ) ؟
## ماذا كان رد الفعل من فرعون و قومه ؟
## ماذا كان رد الفعل من بني اسرائيل ؟
## هل الآيات استدراج لأهل الباطل ..أم دروس لبني اسرائيل ؟
## ماذا كان مطلوبا من بني اسرائيل ..كرد فعل لعباد الله المؤمنين تجاه هذه الآيات المعجزات ؟؟
وتساؤلات أخري كثيرة ,يكفينا منها ما ذكرت الآن , عسانا نلتمس العبرة , من الآيات ..” لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ”
…
اللهم اجعلنا منهم .
سنة الاستدراج في الأرض :
===============
_ ( فرعون يسير نحو البحر يا سادة فأبشروا ) :
** ” و الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . و أملي لهم , ان كيدي متين “. ( الأعراف : 182,183)
** فذرني و من يكذب بهذا الحديث , سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . و أملي لهم , ان كيدي متين .” ( القلم : 44,45 )
هذا هو المقصد في الأساس , فالي جانب التثبيت من عند الله من غير حول منا و لا قوة لعباده المؤمنين , هذه هي سنة الاستدراج لأهل الباطل و فرعون , حتي يقيم الله الحجة علي أهل الباطل الذين لم يتفكروا في الآيات , و لم يتفكروا في ( التسريبات و غيرها كدلائل و براهين علي كذب ادعاء الانقلابيين و باطلهم ) , بل وينكرونها أحيانا و تجحد بها قلوبهم , و الشاهد هنا أنها كما ذكرت آنفا من عند الله , أسباب ساقها الله الينا , لاقامة الحجة علي قوم فرعون , و أهل الباطل ..فهل يعتبرون ؟؟!!
……..
و الله أعلم
………
لا أظن !! , كما لم يتأثر من يؤيد الانقلاب الغاشم بالتسريبات و لا بمستجدات الأمور و الفشل تلو الفشل , بل ظلوا في طغيانهم يعمهون . .
الرسالة الموجهة من الله الي عباده المؤمنين :
========================
أرسل الله الآية تلو الأخري , أسبابا من عنده , ليثبت عباده المؤمنين , بل و يضع لهم سبيلا مطلوبا منهم , ( و منا الآن ) , نسير عليه ( موسي و فرعون و عباد العجل _ الجزء الثاني ) , فيتحقق نصر الله , بغير حول منا و لا قوة ( موسي و فرعون و عباد العجل – الجزء الثاني ) , و انظروا معي ماذا كان وحي الله الي موسي في تلك المرحلة بعد نزول الآيات تترا :
” ” و أوحينا الي موسي و أخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا و اجعلوا بيوتكم قبلة و أقيموا الصلاة , و بشر المؤمنين “. و قال موسي ربنا انك ءاتيت فرعون و ملأه زينة و أموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك, ربنا اطمس علي أموالهم و اشدد علي قلوبهم فلا يؤمنوا حتي يروا العذاب الأليم . قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما و لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون “.
يتحتم علينا في هذه المرحلة أن نتوجه الي الله بقلوب خاشعة , ذليلة لله , تتضرع اليه وتدعو له , فقد نسينا أن الدعاء سلاح ماض في وجه الباطل وأهله , والدعاء له شروط , منها التوجه الي الله بنية صادقة و قلوب خاشعة , متلمسين أوقات اجابة الدعاء خاصة أثناء قيام الليل و الثلث الأخير من الليل و في السجود و وقت السحر و عند الافطار , و منها الدعاء لله بأسمائه الحسني , و صفاته العلي , ” و لله الأسماء الحسني فادعوه بها ” …خاصة اسمه الوكيل = الذي يكمل النقص في الاستعدادات البشرية التي يشوبها القصور دوما , فيرسل لنا الأسباب , الواحدة تلو الأخري شريطة صدق التوجه الي الله , و كذا أسمائه الحسني , المنتقم و الجبار و العدل و القوي و العزيز و ملك الملوك و المعز و المذل .
لمن أنزلت الآيات ؟؟
===========
كما أخبرنا الله في كتابه الكريم فالآيات كان المعني بها في الأساس فرعون و نظامه ( قارون و هامان ) و المصريين :
” ثم بعثنا من بعدهم موسي بآياتنا الي فرعون و ملائه فظلموا بها , فانظر كيف كان عاقبة المفسدين “.
” ثم بعثنا من بعدهم موسي و هارون الي فرعون و ملائه بآياتنا فاستكبروا و كانوا قوما مجرمين “.
” و لقد أرسلنا موسي بآياتنا و سلطان مبين . الي فرعون و ملائه فاتبعوا أمر فرعون و ما أمر فرعون برشيد “.
” ثم أرسلنا موسي و أخاه هارون بآياتنا و سلطان مبين . الي فرعون و ملئه فاستكبروا و كانوا قوما عالين “.
” و لقد آتينا موسي الكتاب و جعلنا معه أخاه هارون وزيرا . فقلنا اذهبا الي القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا “.
” و اذ نادي ربك موسي أن ائت القوم الظالمين . قوم فرعون ألا يتقون “.
كل الآيات كانت لاثبات طغيان فرعون و كفره و كذب ادعائه الألوهية , و تنبيه المصريين من قوم فرعون الي ذلك , و لكن هيهات هيهات . ” أفرأيت من اتبع هواه و أضله الله علي علم و ختم علي سمعه و قلبه , و جعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله , أفلا تذكرون “.
سيظل المعاندون و المكابرون من مؤيدي الانقلاب الغاشم .. عبيد البيادة في طغيانهم يعمهون , حتي يأتي الله الحكيم بنصره وقتما شاء … ” و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون “.
فكما نصر الله المؤمنين من بني اسرائيل من غير حول منهم و لا قوة , فسينصر الله عباده المؤمنين بغير حول منهم و لا قوة و بغير أسباب بشرية يفكر الكثيرون في سيناريوهاتها الآن . فلا تشغلوا انفسكم بالتفكير في الأسباب , بل حققوا المراد منكم كما أمركم رب الأسباب و مسببها ( المقالين السابقين ) . و لا تشغلنكم قلة جمع أو كثرة ” فما من لموسي الا ذرية من قومه علي خوف من فرعون ملائهم أن يفتنهم , و ان فرعون لعال في الأرض و انه لمن المسرفين “. .
الانشغال بالأسباب و خطورته :
================
كتبت في الحلقة السابقة ( موسي و فرعون و عباد العجل 3 ) علي ذات الموقع , في سياق قصة موسي خاصة عند وقوفه علي البحر , عن الأسباب و كيف أنها تأتي بغير حول منا و لاقوة , في توقيت يقدره الله الحكيم = الذي يضع الأمر في موضعه , شريطة صدق التوجه الي الله , يفعل الله الأسباب ( بفتح الفاء و كسر و تشديد العين ) , لحظة امتلاء القلب باليقين من نصر الله بغير انشغال بأسباب ” قال موسي كلا ان معي ربي سيهدين ,” , و اعيدها هنا مستشهدا بها الآن :
الله الذي هزم الأحزاب وحده بالريح , و أغرق فرعون و جنده في البحر , سييسر لنا الأسباب بقدرته و مشيئته , يكشفها لنا في حينها و يفعلها لنا , مقيضا لنا نصرا باذن الله , فقط مطلوب منا الثبات والصبر و اليقين في هذه المرحلة الصعبة ….منفذين أوامره عز و جل كما بيناها ( موسي و فرعون و عباد العجل – الجزء الثاني ) , متذكرين قوله تعالي ” و قال موسي ياقوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين “.
فوائد هامة جدا نستشفها و نستنبطها من قصة شق البحر :
1 – الله ( الوكيل ) هو رب الأسباب و هو موجدها بغير ترتيب من البشر و لا توقع .
2 – السبب قد يكون موجودا و لكن لم يأذن الله لنا بعد باستعماله .
3 – السبب قد يكون بين أيدينا و ظهرانينا و لم يأذن الله بمعرفته بعد .
4 – السبب قد يكون بين أيدينا و شاءت ارادة الله ( الحكيم ) ألا يعمل السبب .
5 – السبب قد يكون بين أيدينا و حكمة الله الحكيم أجلت استعماله لحكمة ربانية محكمة , و …………………..لعله خير .
دورنا الهام في هذه المرحلة :
================
الحمد لله صاحب المنة و الفضل , كلنا قدم و لم يقصر , كل قدر استطاعته , و لكن أوصي نفسي واياكم بشئ هام جدا , اصلاح النية و صدق النية لله , أن ما نفعل من خير , أو جهاد , انما هو لله ابتغاء مرضاته و رفعة لدينه , عسانا نكون سببا في نصرة الحق و أهله و نصرة دينه, و دحر الباطل و أهله , أي فقط = تفعيل أعمال القلوب و النية لهذا الغرض .
أمر هام في ذات السياق , هو عدم الانشغال بأسباب ما انشغالا شديدا يؤثر علي صدق التوكل علي الله و استمرار التمسك بحبله المتين ( مقال : من بدر الي القدس عبر غزة ) , و للأسف يحدث هذا أحيانا , و سنوضح لاحقا , والأمر الأهم , عدم توقع أن تكون هذه الأسباب ( التسريبات مثلا أو تغيير وزير داخلية أو وزارة ) , السبب المباشر في دحر الانقلاب , انما هي أسباب ساقها الله الينا بغير حول منا و لا قوة , كي يزداد يقيننا بالله و يزداد تمسكنا بحبله المتين , نصلي و ندعو ونزيد من الطاعات , من قيام ليل و فعل خير , بنية اسقاط الانفلاب , فالأسباب لا يأتي تأثيرها مباشرة , انما هو استدراج لأهل الباطل, كما ذكرنا من قبل , و انما يحدث تأثيرها بعد حين بقدر الله من خلال تأثير الفراشة
…………….
Butterfly Effect .
و عندها سنجد تأثير هذه الأسباب خلال وقت قريب يقدره الله الحكيم بحوله و قوته . .
لماذا يحدث الاحباط أحيانا :
===============
يحدث الاحباط بسبب اللهث وراء الأسباب , بمبالغة في الاهتمام , لأيام و أيام , ظنا أنها ستؤتي أكلها قريبا , أو أنها ستكون سببا مباشرا لدحر الانقلاب , فلا يحدث شئ , و لا يتأثر قوم فرعون و لا عبيد البيادة , بل و يسافر العميل و يقابل فلانا و فلانا ,
…….
( يا سادة فرعون يسير مستدرجا الي البحر ) , و نجد من يسأل لماذا تأخر النصر ( سؤال خاطئ , فأمر الله الحكيم لا يتأخر = ” انا كل شئ خلقناه بقدر”. ) ..فنكون في حينها , و بغير قصد من أسباب عدم تحقق النصر . و لنتذكر أن بداية الخلاص لبني اسرائيل كانت بسبب غير متوقع علي الاطلاق وهو : القاء موسي في البحر
التدابير الربانية تكون من حيث لا يتوقع البشر … علي الاطلاق , بداية و نهاية .
” و كان حقا علينا نصر المؤمنين ” , هذا وعد الله , بقي فقط أن نكون من هؤلاء المؤمنين , و أن نري الله منا خيرا , والا فبالله عليكم , فما بال من في السجون !!؟؟
نتمسك بحبل الله , و ندعو و نتضرع , و نتراحم و نتلاحم و نعتصم بحبل الله المتين ,( ” و اعتصموا بحبل الله جميعا و لاتفرقوا “) تزيدنا الأسباب من تسريبات و غيرها يقينا بالله , و أن النصر سيأتي باذن الله من حيث لم نحتسب , وبغير حول منا و لا قوة .
***
و الله أشم رائحة نصر قريب فأبشروا , و أروا الله منكم خيرا .
اللهم انصر دينك و كتابك و عبادك المؤمنين .
اللهم دبر لنا فاننا لا نحسن التدبير .
” و ما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم “.
فستذكرون ما أقول لكم و أفوض أمري الي الله , ان الله بصير بالعباد
اللهم انصر دينك و كتابك و عبادك المؤمنين .
اللهم دبر لنا فاننا لا نحسن التدبير .
” و ما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم “.
فستذكرون ما أقول لكم و أفوض أمري الي الله , ان الله بصير بالعباد
تأثير الفراشة = هو سلسلة التداعيات المترتبة على حدث معين مهما كان صغيرا ،
كتأثير جناح الفراشة على الهواء المحيط.
زر الذهاب إلى الأعلى
بارك اللله فيك … ليس لنا الا الله ندعوه و نرجوه
حسبنا الله و نعم الوكيل نقولها بحقها
فليس لها من دون الله كاشفة
بالفعل أعدت قراءة المقال عدة مرات , لما فيه من أفكار ثرية , تشحذ الايمان و تحث علي حسن التوكل علي رب العباد , و عدم الانجراف وراء الأسباب .. بل التمسك برب الأسباب … شحنة ايمانية نحن في أمس الحاجة لها .
جزاك الله خيرا على هذا اﻻستنباط الرائع الذى يعبر عن يقين بالله
“لماذا تأخر النصر” سؤال خاطئ ، ماشاء الله على عمق خواطر الإيمان.
سبحان الله أيات تتلوها أيات، اخرها حادث ضرب السياح، لكن اين المبصرين ؟
بارك الله فيك أستاذنا … وليتك تكتب مقالة لمن بيننا من أهلنا ويرون أن القضية هى محض سياسة ويتعجبون منا حين نصبغها بصبغة دينية وننتظر نصر الله لنا … ويقولون هكذا تعتبرون أنفسكم المؤمنين والمعسكر الآخر هم الكافرين …بيد أنه مجرد صراع سياسى بين طرفين تجبر أحدهم فانتصر على الآخر عديم الحيلة
جزاك الله خيرا اضاف لنا المقال الكثير من الامل وحثنا على الصبر واضاء لنا شعله امل . انا ارى ان الله وعد بنصر المؤمنين ولذالك تآخر النصر لآن القاعده الكبيره العريضه من اهل هذه البلد ابتعد عن معانى الايمان جملتا وتفصيلا
جزاكم الله عنا وعن المسلمين والإسلام خيرآ أخى الطيب “جمال”