

* لذلك من الصعب جدا بل من المستحيل أن تشتري إنسانا صاحب مبدأ ، لا يلين ، و لا يقبل بأنصاف الحلول ، و لا يباع و لا يشترى ، رجل المبدأ إنسان عظيم قوى الإيمان عظيم الشأن . و رجل المصلحة إنسان تافه حقير يعبد مصلحته من دون الله ، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ، مذبذب الفكر , مشوش العقيدة , ضبابى النظرة . هو مع مصلحته الحقيقية وإن تعارضت والمصلحة العليا للعباد والبلاد . لذلك فهو منحط أخلاقيا وسياسيا واجتماعيا . إن من أخطر الأمراض النفسية والاجتماعية والسياسية أن يشيع النفاق وعبادة الذات في المجتمع. أصحاب المصلحة لايرون غير أنفسهم ومصالحهم فقط . هل تتذكرون الشاعر ” البحتري ؟” تروي سيرته أنه مدح عشرات الخلفاء ، و ذمهم جميعاً ، يأتي هذا فيمدحه ، وينصرف هذا فيذمه . هذا شأن الإمعة ذو الوجوه المتعددة والألسنة المتنوعة . هل نسينا ما جاء فى الحديث الشريف: ” لا تكونوا إمعة ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، و إن ظلموا ظلمنا ، و لكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، و إن أساؤوا فلا تظلموا ؟ أين نحن اليوم من هذه الأخلاقيات النبوية الرفيعة التى افتقدناها فى شتى مجالات الحياة اليوم ؟ يقول الفضيل بن عياض رحمه الله قال : ” اتبع طريق الهدى و لا يضرك قلة السالكين ، و إياك و طرق الضلالة و لا تغتر بكثرة الهالكين ” .
* إن الإمعة وصاحب المصلحة يشكل خطرا داهما وعاجلا على المجتمع . ولقد دفع الوطن ثمنا باهظا بسبب نفاق ومداهنة هؤلاء القوم لكل الأنظمة التى حكمت سواء أصابت أو أخطات , أفسدت أو أصلحت , لايهم كل ذلك , لكن الأهم أن يكونوا مرضيا عنهم . لذلك فالإمعة ضعيف الشخصية والعقل والدين . يعيش طيلة عمره تابعا ذليلا يقيل الأحذية قبل الأيادي . هو منبوذ من الله ومن الناس والمجتمع . يدفن رأسه فى الرمال كالنعامة لكى لا يراه الناس ولا يعلم أن عورته مكشوفة للجميع . صاحب المصلحة قد يقع في مهاوي الضلالة . فهو ضعيف الفكر والثقافة
* المبادئ والمصالح كالماء والهواء , إذا دخل أحدهما خرج الآخر , فهم نقيضان مختلفان لا يلتقيان أبدا كقضبان السكة الحديد . إن أخطر ما يهدد الوطن اليوم هو تسلل أصحاب المصالح بين أصحاب المبادئ كنوع من التمويه الاأخلاقى حتى يحققوا غايتهم وينفذوا أجندة أسيادهم . وكم شاهدنا وسمعنا عن قادة وزعماء وصلوا إلى مراكز اتخاذ القرار فى جماعات دينية وأحزاب سياسية وجمعيات خيرية ونقابات مهنية , لا من أجل الدين أو الوطن أو السياسة أو المهنة أو فعل الخير, لكن من أجل مصالحهم الشخصية . فلما انكشف أمرهم وافتضح شأنهم , انقلبوا على أعقابهم , وراحوا يسبون ويشتمون وينتقدون مناهج وأفكارا ووسائل وأهدافا عاشوا من أجلها ردحا من الزمن . فكيف نصدقهم اليوم ؟ إن العام الجديد المقبل علينا بعد ساعات معدودات يجب أن يكون عام المكاشفة , عام فضح الأقنعة المزيفة , عام الحق والحقيقة , عام المبادئ الواضحة حتى يستقر الوطن ويطمئن المجتمع . الحقيقة كراكب الجمل , لايمكن إخفاؤها أبدا . والأقنعة المزيفة تسقط مع أول عاصفة .وورقة التوت الصفراء لاتخفى العورات المكشوفة . فاستتروا بالمبادئ وتحصنوا بالحق , والتزموا بمصلحة الدين والوطن والبلاد والعباد يرحمكم الله . والله من وراء القصد والنية .