من روائع الأديب الكاتب
السعيد الخميسى
* بعد ساعات قليلة إن شاء الله سوف يهل علينا هلال شهر رمضان المعظم , أعاده الله علينا جميعا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام . وأمتنا فى حال أفضل مما هى عليه الآن من تفرق وتشرذم وضعف وهوان وشقاق وانشقاق . لابد من وقفة حساب دقيقة وحقيقية لمراجعة أنفسنا فى هذا الشهر العظيم , نجدد فيها علاقتنا بالله عز وجل , وعلاقتنا بديننا وبمجتمعنا , ونتساءل فى شفافية ووضوح : هل نحن نسير على الطريح الصحيح ؟ هل نحن على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا ؟ هل نحن على مستوى التحديات التى تواجهنا ؟ هل نحن نخشى الله ونتقه حق تقاته ؟ هل نحن مؤمنون حقا بأنه لن يفلح آخر هذه الأمة إلا بما فلح به أولها .
هل أخذنا بأسباب النصر والنجاح والفلاح ؟ هل قدمنا الأهم على المهم , والكليات على الجزئيات , والأصل على الصورة , والممكن على المستحيل أم أننا مصممون على دفع الفاتورة الباهظة بلا مقابل بسبب قصور وهشاشة فى التصور , واعوجاج وانحراف فى التصرف ؟.
كل هذه الأسئلة المشروعة وغيرها من أسئلة تحتاج منا إلى صراحة ووضوح عند الإجابة عليها لأن اليقين اختلط بالشك , والكذب اختلط بالصدق والخيط الأبيض التبس بالخيط الأسود , والنور توارى خلف جدر الظلام السميكة , فأصبحنا لا نرى الأمور على حقيقتها. رزقنا الله وإياكم نفاذ البصر وعمق البصيرة .
-
للأسف الشديد يمكنني القول بأنه إذا كانت شياطين الجن قد صفدت فى هذا الشهر العظيم , فإن شياطين الإنس قد أطلقت العنان لنفسها لكى تفسد على المسلمين صومهم وعبادتهم وكأن شهر رمضان هو شهر المسلسلات والمسابقات والفوازير .
-
يقول الله عز وجل : ” وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيما “ . بنص الآية الكريمة فإن الذين يتبعون الشهوات والملذات لا يريدون لأمتنا غير الانحراف والانجراف بل والغرق بى بحر الملذات والانغماس فى وحل المعصية والبعد عن الله عز وجل . بدلاً من كونه شهر الخير والإحسان والقرآن .
-
أو لم يكف هؤلاء ماهم فيه طوال العام من إفراط وتفريط فى جنب الله ؟ أو لم يكفهم سياسة الإغواء والإغراء والعرى والخلاعة والمجون التى يقدمونها طيلة العام على الشاشات لإبعاد الناس عن دينهم وتسهيل المعصية وتقديمها لراغبى المتعة الحرام مجانا ليل نهار ؟ حينما نعلم أنه تمت الموافقة على بث ” 22″ مسلسلاً جديداً خلال شهر رمضان، وأن المسلسلات التى تم تصويرها تكلفت مليارى جنيه وأن أحد الممثلين حصل على “٨٠ ” مليون جنيه أجراً عن بطولة مسلسل ما، ، وحينما يحصل “١٤” ممثلاً على ما يزيد على “٦٠٠ ” مليون جنيه أجراً.
-
فإننا بلا شك أمام وضع مختل ومعتل . فى الوقت ذاته يتم التضييق على الخطب والدروس ووقت صلاة الجمعة والتراويح فى المساجد لتحسب بالفيتو ثانية , فإن خيالك ممكن أن يذهب إلى حد لا يمكن أن يكون قد ذهب إليه من قبل . !
-
إنني أتوجه بأسئلة حائرة إلى كل الذين يريدون لأمتنا الانحراف ولشبابنا الانجراف وراء سيل الشهوات والملذات والغفلة والنسيان الذى قد يصل أحيانا لحد الهذيان : أين ضمائركم حين تضلون بل وتلهون الناس فى هذا الشهر العظيم بما لا ينفع ولا يفيد لا فى حاضر ولا مستقبل ؟ بل أين دينكم حين تشوهون هذا الشهر بكل الوسائل الشيطانية التى تضر المجتمع وتفسد حال البلاد والعباد ؟
-
إن المؤذن لا يكاد ينطق بعبارة ” حان الآن موعد آذان المغرب ” حتى تطل رؤوس الشياطين من جحورها تبث سمومها فى عقول وقلوب الناس , تقدم مسلسلا بعد مسلسل , وفزورة بعد فزورة , وبرنامجا بعد برنامج , وفيلما بعد فيلم , ولقطة بعد لقطة , ورقصة بعد رقصة , وقصة بعد قصة . وكأنه لا توجد صلاة مغرب ولا عشاء ولا تراويح ولا صلة رحم ولا قراءة قرآن ولا عبادة ولا استغفار ولاحتى عمل بالنهار , إنها الهزيمة بعد الهزيمة والانكسار تلو الانكسار ولا حول ولا قوة إلا بالله . نستعيذ بالله من كل مايفسد صيامنا ويعطل أعمالنا ويضل عقولنا ويطمس جوهر ديننا .
-
ولتعلموا جميعا أن الضمير هو الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان , وإن ضميرك يامن تغوى البشر هو إنسانيتك فإن فقدته فأقم على نفسك مأتما وعويلا وصل على نفسك صلاة لاركوع فيها ولاسجود لأنك أصبحت فى عداد الموتى وإن كنت حيا ترزق .
* إذا كان الفساد ظهر فى البر والبحر فذلك بما كسبت أيدي الناس . فالفساد لايأتينا من الخارج , بل هو من أعماق أنفسنا الأمارة بالسوء . ولا يمكن لوطن ما أن يتقدم وينصلح حاله وأهله فاسدون . وما كان الله عز وجل ليهلك القرى بظلم وأهلها صالحون .
فالجزاء من جنس العمل . ومن أراد الخير فليقدم الخير , ولا يمكن أن تزرع الشوك وتجنى العنب , فمن زرع الشوك جنى الشوك , ومن زرع العنب جنى العنب , فالشئ من معدنه لايستغرب .. فالنفس الصالحة الطيبة كالأرض الخصبة لايخرج منها إلا الثمار الطيبة الناضجة . والنفس الخبيثة كالقيعان لاتمسك ماء ولا تنبت كلأ .
إننا فى حاجة إلى ثورة على الفساد الفردي والمجتمعي , لان الفساد اليوم أصبح يقدم فى صور شتى للخداع والتمويه والتضليل . وعلى كل مواطن صالح أن ينأى بنفسه ودينه وعقيدته ووطنه عن كل هذه المفسدات التى تعطل العمل وتفسد الصوم وتمرض البدن وتجعلنا فى مؤخرة الأمم وأراذل الشعوب . واذكر المسؤولين بقول الله عز وجل ” وقفوهم إنهم مسؤولون “ فهل استشعرتم لحظة الحساب بين يدى الله عز وجل , يامن تقدمون للشعب كل صور العرى والفسوق والمجون والخلاعة وتضييع الوقت فى هذا الشهر العظيم بلا فائدة ؟
* وتشخيصا للداء الذى أصابنا فى رمضان وغير رمضان , أقتبس قول الراحل الدكتور المستشار “على جريشة ” عليه رحمة الله وهو يشخص سبب الفساد فى مجتمعاتنا بصفة عامة فيقول : ” إن الإسلام الذي بين أيدينا هو ذلك الدين الكامل وتلك النعمة التامة , لكن الكثير منا اتبع ما أسخط الله وكره رضوانه . الكثير منا أعرض عن النور.. وارتضى الظلام . أعرض عن الطهر.. وارتضى الرجس . أعرض عن الكمال .. وارتضى القصور والنقص , وارتضى معه الجهل والفتنة والهوى . فتحللنا من كثير من عقيدتنا وأشركنا مع الله الدرهم والدينار والريال والملك وصاحب العزة , حين ابتغينا عندهم الرزق والتمسنا عندهم الجاه , أو اعتقدنا فيهم قضاء الحاجة أو بلغنا فى حبهم حب الله أو زيادة . وتحللنا من كثير من أخلاقنا حيت تركنا الأمانة إلى الخيانة. والصدق إلى الكذب . والوفاء إلى الغدر . والعفة إلى الرجس . والحياء إلى الفجور .
” إن مشكلتنا فى الأساس هى مشاكل أخلاقية أدت إلى تدهور أحوالنا فى كل مناحي الحياة . ” نعم .. نحن كمسلمين مطالبون بمراجعة أنفسنا قبل أن نحاسب ونزن أعمالنا قبل أن توزن علينا , ونتحلل من المظالم قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة . إن الحياة قصيرة وفانية والآخرة هى الباقية فلنأخذ من فراغنا لشغلنا ومن شبابنا لهرمنا ومن صحتنا لمرضنا . فوالله ما بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار . والله من وراء القصد والنية .
اللهم بلغت اللهم فاشهد .
وكل عام وانتم بخير.