ففي الوقت الذي تزدحم فيه قنوات مصرية خاصة وعامة بالأغاني والبرامج احتفالًا بـ”عيد الأم” تزدحم على الجانب الآخر البيوت المصرية بالأمهات المكلومات، اللاتي وجه إليهن الانقلاب العسكري سهامه المسمومة فقسَّمهن ما بين أم لشهيد أخرى لمعتقل وثالثة لمصاب يؤكد جميعهن أنهن يملكن سلاحا أقوى مما تملكه عصابة العسكر وهو الصبر والاحتساب والدعاء وغرس قيم الإصرار والعزيمة في باقي الأبناء.
“أمهات الشهداء والمعتقلين” ملف ينزف ألما لمشاعر الأمومة التي تعد أقوى رابطة على سطح الأرض، فمع حلول الـ 21 من مارس، تراقب الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن في مثل ذلك اليوم نظيراتهن وهن يستقبلن من أبنائهن الزيارات والهدايا والرعاية في يوم عيدها.. دون أن ترى أبناءها، تلمح في كل حركة وسكنة ما كان يفعله ابنها معها.. لكنها تفتقد ضمة صغيرها وابتسامته، وحتى مزاحه وضحكته.
عندما ترفع ام الشيد والشهيدة طرف عينيها تراقب في صمت ذلك الطفل الذي يرتمي في أحضان والدته وهو يمسك بيسراه مغلفا معطرًا ويلف يمناه حول عنقها غير مبالٍ بالمحيطين بهم في الأوتوبيس أو الناظرين إليهما من المارين في الشارع.. الدنيا كلها بالنسبة له في حضن أمه الدافئ.. ابتسمت وهي ترى الصغير يغلق عينيه بقوة وهو يضم أمه.. خفضت عينيها محاولة أن تمنع دمعة حارة انحدرت بغتة وهي تردد “ماشاء الله”.. فهكذا كان يفعل ابنها منذ صغره وحتى بعدما شب فتيًّا.. قبل أن تختطفه يد الغدر.. أو تغيبه قضبان الاعتقال.
وخلال الأعوام الماضية، فقدت العديد من الأمهات أبناءهن وبناتهن في خضم الأحداث المتلاحقة من مختلف الفئات والأعمار، بدءا من شباب الثورة والأطباء الميدانيين وغيرهم، بدأت بشهداء 25 يناير 2011، ثم لم يتوقف النزيف في مختلف الأحداث بعدها من ماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود والعباسية، ثم الاتحادية ورابعة والنهضة ورمسيس والحرس الجمهوري والمنصة وكرداسة وغيرها حتى يومنا هذا .