

* إن موقف رمى الجمرات ليس منسكا مبهما ولا غير مفهوم بل هو رمز يتعلم فيه الحاج عملياً أن له عدواً لدوداً خطيرا متربص به . أقسم هذا العدو اللدود بعزة الله أن يغوى بنى آدم ويأخذ بأيديهم بل يجرهم إلى معصية ربهم . إن هذا العدو يجب أن لا يزيد المسلم إلا إصرارا وتصميما على ضرورة عدم الاستسلام له والانقياد وراءه , بل لابد من الانتصار عليه والتغلب على وسوسته لكى لا تسقط الأمة فى مستنقع الشيطان الآثم فتكون كالريشة تتقاذفها الأمواج على أى شاطئ ترسو . قال تعالى : ” قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين . إلى يوم الوقت المعلوم . قال فبعزتك لاغوينم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين . قال فالحق والحق أقول . لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ” هكذا اقسم الشيطان لله عز وجل أنه لن يترك هذه الأمة لسبيل حالها . بل لابد من الإغواء بكل صوره من انحراف وانجراف واتباع خطوات الشيطان . فهل تعلمت الأمة أن الهدف من رمى الجمرات ليس مجرد حصوات صغيرة ترمى بلا فهم أو وعى فى حوض خرسانى أسمنتى , بل هو منهج حياة ضد كل من يريد شيطنة وأبلسة هذه الأمة . لابد من رجم كل من يحاول هدم بنيان هذه الأمة وضربها فى مقتل وتعجيزها حتى تظل مشلولة لاتقف على قدمين ثابتتين .
* وهناك درس سياسي عظيم نأخذه من مناسك الحج ويتمثل فى التعددية واحترام الرأي الأخر. تأمل قوله تعالى فى التخيير بين البقاء فى منى ورمى الجمرات يوماً ثالثا وبين التعجيل والاكتفاء بيومين فقط ” فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ” فهذه تربية سياسية للمسلمين على التعددية ووجود أكثر من رأى فى الموضوع الواحد . وعلى كل طرف احترام وتقدير رأى الطرف الآخر طالما أن ذلك يتم فى الإطار المنضبط للشرع الحكيم . إنها الشورى والحرية وقبول الآخر بلا تأفف أو توجع أو قلق حتى فى فرض من فروض الله . وأيضا يمكننا فهم هذه الصورة الإبداعية من قبول الرأى الآخر ووجوب التعددية فى اختيار نوع النسك الذى يناسب وقت وظروف الحاج ما بين الإفراد أو التمتع أو القِران ، دون أن ينكر أحد على آخر اختياره نوعاً دون الآخر ، وكذلك فى تخيير كل من المفرد والقارن فى التعجيل بالسعى للحج بعد طواف القدوم أو تأجيله إلى ما بعد طواف الإفاضة . وكذلك فى تخيير جميع الحجاج فى التعجيل بأداء الطواف والسعى يوم العاشر من ذى الحجة أو تأخيرهما إلى ما بعد العودة من منى . أين الديكتاتورية ومصادرة الآراء إذا ؟ أين التحجر والاستبداد بالرأى الواحد ؟ لايوجد هذا إلا فى مذاهبكم وقوانينكم فقط . فهل تعلمنا هذا الدرس العظيم من مناسك الحج حتى لا يحكر أحد على رأى احد ولا يصادر أحد رأى أحد ؟
* درس سياسي تربوى آخر وما أكثرها من دروس الحج ألا وهو المساواة المطلقة بين كل الحجيج فى الملبس والمأكل والمشرب وأداء النسك . فكل الحجيج يلبسون لبس الإحرام الأبيض بلا مخيط وهو شبيه بكفن الأموات , لاتفرقة عنصرية , لا حاكم ولا محكوم , لا أمير ولا حقير , لا صغير ولا كبير . لا أسياد ولا عبيد . لا أبيض ولا أسود , لا غنى ولا فقير , لا صحيح ولا مريض . الكل يقف فى صعيد واحد وفى مكان واحد على قدم المساواة , ويؤدون منسكا واحدا , ويلبون إلها واحدا , ويطوفون ببيت واحد ويعبدون ربا واحدا . أين التفرقة والعنصرية والطائفية التي يتهم أعداء الإسلام من متطرفى العلمانية واليسارية والماركسية بها ديننا العظيم . إنهم لوعاشوا ألف سنة يؤلفون قوانين ودساتير ليرتقوا بها إلى دين الله فلن يستطيعوا ذلك ولو اجتمعوا له . لأنهم مرضى نفسيين لايملكون غير الهمز واللمز وسوء الفهم وخبث الطوية ورداءة النية تجاه كل ماهو إسلامي. هذه بعض الدروس التربوية والسياسية والاجتماعية والتى تدل دلالة قاطعة على أن فريضة الحج جوهر قبل أن تكون مظهر ومحتوى قبل أن تكون شكلا . فمتى يستفيد المسلمون من مقاصد دينهم العظيم قبل فوات الأوان ومرور الزمان ؟ إنا لمنتظرون عسى الله أن يهدينا جميعا سواء السبيل ويعيد لأمتنا مجدها وكرامتها وعزتها وقوتها .
ممتاز ما شاء الله عليك. رائع