صحة

أسطورة تمارين الـHIIT.. كيف صدّقنا هذه الأكذوبة، وهل ممارستها مجدية فعلاً؟

تُعرف التمارين المتواترة عالية الكثافة بـ”تمارين HIIT”، وهي من الأنواع الأوسع انتشاراً في العالم لاسيما في السنوات الأخيرة. تقوم نظرية هذا النوع من التمارين الرياضية على ممارسة التدريبات بشدة عالية لفترات زمنية قصيرة تفصل بينها فترات من الراحة، ويُقال عنها عادةً إنها الطريقة الأكثر فاعلية لاكتساب اللياقة وزيادة القوة وفقدان الوزن.

لكن يبدو أن ما يتم تداوله عن فوائد تمارين HIIT غير دقيقة، حسبما أوضح عالما الرياضة والمدربان الشخصيان لموقع Insider. تنبع تلك الفوائد التي نسمعها عادة من دراسة أجريت في التسعينيات على نخبة من الرياضيين، غير أن النتائج لا تنطبق على الأشخاص العاديين.

في الحقيقة عندما يؤدي الناس تمارين HIIT، فهي لا تكون تمرينات عالية الكثافة في الحقيقة، لكن تقديم التمرين بهذا الشكل يسهّل تسويقه.

بدأت “أسطورة” الـHIIT بعد دراسة أجراها إيزومي تاباتا عام 1996 على نخبة من الرياضيين. استخدم نصف المشاركين الدراجة الثابتة بكثافة متوسطة (70% من الـVO2 max، وهي السعة القصوى لاستيعاب الجسم من الأكسجين خلال ممارسة التمارين المكثفة) لمدة 60 دقيقة.

أما النصف الآخر فاستخدم الدراجة الثابتة 20 ثانية بكثافة بالغة الشدة (170% من السعة القصوى للأكسجين) يعقبها 10 ثوانٍ من الراحة، 7 أو 8 مرات، أي إجمالي 4 دقائق. واستخدموها بكثافة 70% من السعة القصوى للأكسجين 30 دقيقة مرة واحدة أسبوعياً. 

وهكذا تدرّبت المجموعتان 5 أيام أسبوعياً لـ6 أسابيع، وعند نهاية التجربة تبيّن أن المجموعة التي مارست التمارين عالية الكثافة حرقت عدداً أكبر من السعرات الحرارية.

لكن المشكلة تكمن في عدم استطاعة الشخص العادي الوصول إلى 170% من السعة القصوى للأكسجين، ولذا فلا يمكن تعميم نتائج الدراسة على الناس، حسبما أوضح خبير الحركة والمدرب الشخصي لوك وورثينغتون، لموقع Insider: “فالكثافة التي تدربوا بها -170% من السعة القصوى للأكسجين- تُعد مستحيلة على أي شخص ما لم يكن رياضياً محترفاً”.

معظم الناس غير قادرين على الوصول للكثافة المطلوبة لتحقيق فوائد تمارين HIIT، فوفقاً لوورثينغتون، فإن الوصول إلى 100% من السعة القصوى للأكسجين فيه “إنهاك تام. هذا هو الحد الذي يعجز الناس عنده عن الاستمرار. وهم يتقيئون عادة عندما يصلون لهذا الحد، ويصعب للغاية الوصول إليه”.

وأوضح أنه بينما الأمر ممكن نظرياً، لا يوجد أناس كثيرون قادرون على الوصول إلى هذه الدرجة من الشدة، “فيكاد يستحيل تقليد الرياضيين المشاركين في الدراسة”.

تدرب المشاركون في الدراسة التي أجريت في العام 1995 بين 3.5 إلى 4 دقائق ثم عجزوا عن الاستمرار. ولذا فإن كانت مدة فصل تمارين HIIT الذي تذهب إليه 45 دقيقة مثلاً، فأنت لا تؤدي HIIT على النحو الصحيح مثل الدراسة.

تتفق المدربة الشخصية كريستينا مونتالفو، على أن أكبر خرافات صفوف HIIT أن المشاركين فيها يتدربون بشدة عالية طيلة وقت الصف، “غير صحيح! لا يمكن ممارسة التمارين المتواترة عالية الكثافة بلا توقف طيلة وقت الصف”.

وتابعت في حديثها لموقع Insider، “تقل درجة الشدة كلما زاد الوقت. وهكذا، فقد تمارس التمارين المتواترة، لكنها على الأرجح ليست عالية الكثافة بالدرجة التي تظن. معظم الناس لا يتمتعون بالقوة الهوائية أو اللاهوائية اللازمة للحفاظ على معدل ضربات قلب عالٍ من أجل الحفاظ على الكثافة العالية في التدريب. وعادة ما يتحول ما يُسمى بتمرين HIIT إلى صف مطوّل من تمارين الكارديو، ولا بأس في ذلك، لكنه ليس HIIT فعلياً”.

اشتهر تمرين HIIT لأسباب متعددة، إذ كان الوعد بتحقيق نتائج مذهلة من خلال ممارسة التمرينات 7 دقائق فقط سهل التسويق. لكن هناك كذلك حقيقة كونه سهل النشر والمشاركة على نطاق واسع، سواء من خلال البث الحي على إنستغرام أو في الصالات في أنحاء العالم. 

يقول وورثينغتون، “يسهل كثيراً أن تقدم صف HIIT، ولذلك فهذا ما يفعله كثير من المدربين”.

غير أن الدخول إلى مجال العمل في اللياقة أصبح سهلاً، ولذا لا يملك بعض المدربين الخبرة بالعلوم الرياضية لفهم ماهية تمارين HIIT، مع ذلك يقومون به من غير دراية كافية.

وقالت مونتالفو، “يجمع المدرب مجموعة من الحركات العشوائية ويضعها بمعدل معين من التمرين والراحة، وطالما وجد المشاركون صعوبة في تنفيذها، فيعتبرها المتدربون تمريناً جيداً وشاقاً، من السهل جداً إرهاق الناس خلال ممارسة التمارين”. 

تُقدم تمارين الـHIIT بوصفها أفضل حارق للسعرات الحرارية، ونهجاً للقضاء على الدهون في عالم اللياقة، وهو ما ساعدها في الانتشار بقوة.

تقول مونتالفو، “يخلط معظم الناس بين إحساس الجسد والفاعلية، أنت تغادر صف التمرينات الرياضية شاعراً بالإنهاك. وتكون غارقاً في العرق، وتتنفس بصعوبة طوال وقت الجلسة، وتؤلمك كل عضلات جسمك، ما يجعلك تعتقد أن التمرين كان ممتازاً، ليس بالضرورة، فالأمر ليس بتلك البساطة، واللياقة أكبر من ملاحقة بعض الأحاسيس مثل آلام العضلات والعرق فحسب”.

كما أنها ترى مشكلة أخرى لـHIIT تكمن في تسويقه على طريقة الحل الأوحد الذي يصلح للجميع، “إذ تُقدم تمارين HIIT عادة بصفتها الحل الشامل لعامة الناس لاكتساب اللياقة، بينما الواقع هو أن غالبية الناس تحتاج إلى نظام أكثر توازناً في التمرينات من خلال تدريب داخل أنظمة مختلفة من الطاقة”.

لا تعد تمارين HIIT ضرورية إذا كان هدفك هو خسارة الوزن، فبحسب وورثينغتون، “تحتاج لأن تكون في حالة انخفاض خفيف للطاقة، وأن تمارس تمارين القوة للحفاظ على الكتلة العضلية أثناء خسارة دهون الجسم.

لن يُحسن ذهابك إلى صفوف تمارين HIIT قوام جسمك. إذا أردت أنت تخسر بعض الوزن، عليك الانتباه لنظامك الغذائي”.

وإذا كنت تستمتع بتمارين HIIT، فلا بأس من أدائها لكن ليس بإفراطٍ. أما إن لم تكن من المعجبين بها، دعنا نعرفك على طرق أفضل كثيراً للوصول إلى هدفك، سواء كان خسارة الوزن أو زيادة القوة أو اللياقة.

نظراً إلى أن صفوف HIIT تُعد تمارين كارديو (إجهاد وتسارع في نبضات القلب) في الغالب، تتحسن لياقة الكثيرين ممن يؤدونها، وقد يكون هذا صحيحاً إذا كنت لم تمارس التمارين قبلها. لكن إذا كنت تبحث عن زيادة قوتك ولياقتك، فالشعور بالإنهاك بعد كل تمرين لا يعني اقترابك من أهدافك.

قال وورثينغتون، الذي أطلق لتوه برنامج تمارين رياضية لا يتطلب إلا زوجين من الأثقال: “قد تشعر بالإنهاك، لكنك لا تصبح أكثر لياقة”. وبالمثل لا يُعد برنامجه أفضل طريقة لزيادة القوة.

قال كل من وورثينغتن ومونتالفو إن مجرد ذهابك إلى صف التمرينات واستخدام زوجي الأثقال لا يعني أنه تدريب على القوة.

وبحسب مونتالفو، فإنه “عادة ما يكون تمرين القوة الحقيقي منهجياً وأبطأ إيقاعاً مما اعتاد الناس. وما لم يكن مدربك قد حدد عدداً من المجموعات والتكرارات وفترات راحة تتطور مع الوقت، فلا يعد ذلك تمريناً للقوة”.

وأضاف وورثينغتون، “إذا أردت اكتساب القوة فعليك أن تعطي الأولوية لحمل الأثقال مع زيادة الوزن تدريجياً. أما إذا أردت اكتساب اللياقة، فمارس الركض أو ركوب الدراجة أو أي تمرين تحمل آخر تحبه”.

حتى عندما تُؤدى تمارين HIIT بالكثافة التي مورست بها خلال الدراسة أو تقترب منها، فوفقاً لوورثينغتون، يمكن لأداء تلك الصفوف 4 أو 5 أيام أسبوعياً، أن يسبب إرهاقاً كبيراً للجسم، ويجعلك أكثر عرضة للإصابات إن لم تكن حذراً. 

وعندما يبدأ الناس في ملاحقة شعور هرمون الإندورفين المسؤول عن الشعور بالراحة والتحسن المتدفق الذي يعقب الانتهاء من صف HIIT، ينتهي بهم الحال بالضغط على أنفسهم أكثر وأكثر، ما يزيد خطر تعرضهم للإصابات.

قالت مونتالفو، “هناك أشخاص كثيرون أكثر إرهاقاً مما يعتقدون، ولذا فإضافة تمارين HIIT بصفتها النوع الرئيسي من التمرينات (أو الوحيد) يمكن أن تكون كارثية”.

وأضافت “نحن ننظر هنا إلى ارتفاع خطر الإصابة، وزيادة إنتاج الكورتيزول، والإنهاك، والتعب المفرط، وما إلى ذلك. لكن هذا لا يعني أن الجميع سيشعر بتلك الأعراض، إذ ينبغي أن نضع في حسباننا الاحتياجات الفردية الحيوية، لكن الأمر قد يكون مجرد وقت قبل أن يشعر أي شخص بالآثار الجانبية لتبني التمارين عالية الكثافة فقط”.

في حين أنه لا بأس من الذهاب إلى صفوف تمارين HIIT بين الحين والآخر إذا كنت تحبها، ينبغي ألا ينخدع الناس بأنها لازمة لتحقيق أهداف اللياقة أو خسارة الوزن.

قال وورثينغتون، “إذا كنت تحب أن يصرخ فيك أحد وأن تؤدي تمارين القفز والبيربي، فلا بأس في ذلك، لكن تمارين HIIT ليست حلاً سحرياً”.

وأضاف، “كل ما تفعله هو أنك تتحرك وتعرق، وهو أمر مقبول تماماً، لكن إذا كنت تحاول أن تحسن قوام جسمك، فعليك البحث عن توازن للطاقة وممارسة تمرينات القوة”.

ليس من الصعب ابتكار تمرين يجعل الناس تتصبب عرقاً أو تصاب بآلام العضلات أو الإرهاق، لكن هذا في الحقيقة هو كل ما تفعله تمرينات HIIT، دون أن تحقق الفوائد التي يسعى لها أغلبنا.

ختمت مونتالفو حديثها لـInsider بالقول، “إذا كان مدربك، أو الصالة الرياضية التي تذهب إليها لا تصيبك إلا بالإرهاق وآلام العضلات وانقطاع النفس، فهناك الكثير من المنافع المهمة التي تفوتك مثل تحسن المدى الحركي وصحة المفاصل وزيادة القوة وتحسن جودة الحياة وما إلى ذلك”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى