لايف ستايل

أمضت نصف حياتها حتى الآن.. هذا ما ستصير إليه الشمس بعد موتها

ربما تشبه شمسنا كرة أبدية من الغاز المحترق باستمرار، ولكنّها ستموت ذات يوم. قد يبدو مثل هذا الأمر مشكلة، لا سيما لأي مخلوق يعيش على سطح كوكب الأرض بعد عدة مليارات من الأعوام، لكن هناك أمل إيجابي يجدر النظر إليه بخصوص الشمس بعد موتها. 

إذ أفادت دراسة نشرتها دورية Nature العلمية، في يناير/كانون الثاني
2019، بأن نجمتنا ستخلف وراءها عند موتها كريستالة عملاقة، ولكنّها لن تكون مثل
أيّ بلورة تجدها في نجف المنازل.

قبل أن نبدأ الحديث عن تلك البلورة النجمية العملاقة، نحتاج أوّلاً فهم كيف تعيش النجوم، على غرار شمسنا، وكيف تموت.

تتأجج الشمس بفعل ما يُعرف باسم الاندماج النووي، إذ تسحق جاذبية الشمس الهائلة جزيئات الهيدروجين معاً في قلب ذاك النجم من أجل إنتاج الهيليوم، ويتولّد ذاك الكمّ الهائل من الطاقة الناجم عن عمليات الاندماج، وهو ما يُديم حالة التوازن. 

لذا، ما دام هناك قدر وفير من الهيدروجين يدفع تلك العملية، يحافظ
مركز الشمس على حجمه ودرجة حرارته -البالغة نحو 15 مليون كلفن- وهو ما يخلق في
نهاية المطاف الطاقة التي تشعّ بأنحاء النظام الشمسي، وتعزز تطوّر الحياة على كوكب
صالح للحياة يُدعى «الأرض»!

وعملية احتراق الهيدروجين هذه تستغرق نحو 90% من عمر شمسنا، وهي
فترة من عمر النجوم تُعرف باسم «النسق الأساسي»، ونحن الآن قطعنا نحو
4.5 مليار عامٍ من أيام «النسق الأساسي» لشمسنا، أو ما يقرب من نصف
حياتها.

حسناً، ماذا يحدث عندما ينفد كل هذا الهيدروجين؟

الإجابة بعبارة مبسّطة هي أن الأمور ينتابها بعض الجنون، ففي غياب الضغط الخارجي للطاقة الناتجة عن اندماج الهيدروجين، تتغلّب جاذبية الشمس على مركزها، وتضغطه في مساحة أصغر، وتزيد درجة حرارتها عشرة أضعاف. 

حتّى الآن، لا بأس بما يجري، إذ ستبدأ نواة ذرات الهيليوم الأثقل في الاندماج معاً، وهو ما يخلق ضغطاً خارجياً مرة أخرى؛ للحفاظ على التوازن. 

ولكن من المتوقع أن يبدأ حدوث هذا خلال نحو 5 مليارات عام، مصحوباً بزيادة مفاجئة في الطاقة تُعرف باسم «وميض الهيليوم».

وبالتزامن مع اندماج الهيليوم، يتشكل الكربون والأكسجين، وترتفع
درجة حرارة المركز مرة أخرى.

وبعد فترة وجيزة، تبدأ العناصر الأكثر ثقلاً أيضاً بالاندماج، وستبدو الشمس في العموم بحال أكثر بلاءً، وستبدأ في الانتفاخ، وتُفجَّر المسافات بين الكواكب بالرياح الشمسية العنيفة التي ستبدأ في تجريد الشمس من طبقاتها العليا. 

وعلى الرغم من أن شمسنا ليست ضخمة بما يكفي للانفجار كمستعر أعظم
أو «سوبرنوفا»، فإنها ستتحول إلى نجم عملاق أحمر، وربما تتمدد إلى ما
وراء مدار الأرض. وهذا ليس جيداً، حيث سيهلك كوكبنا لا محالة. 

بعد موت نجمنا، سيخلف وراءه ما تبقّى من البلازما الشمسية، وهو ما
يخلق سديماً كوكبياً جميلاً مفعماً بالعناصر الثقيلة التي تشكّلت حديثاً، والتي
ستخلق بدورها الجيل التالي من النجوم والكواكب.

وفي جوهرها، ستكون ثمّة بقايا ساخنة تُعرف باسم القزم الأبيض، وهو نجم صغير كثيف يتلألأ بألوان زاهية، وهو دليل على أن الشمس كانت في ذاك المكان يوماً.

ويمكن أن تحافظ الأقزام البيضاء على نفسها مليارات السنين قبل أن تتلاشى وتعتم إلى الأبد، لكن هذه ليست نهاية القصة. 

ومن خلال عمليات الرصد التي يقوم بها مسبار غايا الأوروبي، الذي يُجري حالياً قياسات دقيقة للنجوم في جميع أنحاء مجرتنا، كشف الباحثون بجامعة ووريك في المملكة المتحدة سراً لم ينكشف من قبل عن النجوم القزمة البيضاء.

بعد وقتٍ قصير من التكوين، تكون الأقزام البيضاء ساخنة للغاية، وهو
ما يشعُّ الطاقة المكثّفة التي كانت ذات يوم مُحتجزة بمركز النجم في أثناء مرحلة
النسق الأساسي.

وعلى مرّ مليارات الأعوام التالية للتكوين، تقل حرارة الأقزام البيضاء شيئاً فشيئاً، وفي لحظة معينة، يمرّ الأكسجين والكربون الموجودان بتلك الأقزام بمرحلة انتقالية -تتجمّد خلالها المياه السائلة وتتحوّل إلى جليد صلب في درجات حرارة ومستويات ضغط أكثر شدّة- تؤدي إلى تشكيل البلورة العملاقة.

وقال بيير إيمانويل تريمبلاي، من قسم الفيزياء بجامعة ووريك والمشرف الرئيسي على الدراسة، في بيان صحفي، إن «جميع الأقزام البيضاء ستتخذ شكل بلورة في مرحلة ما من تطوُّرها، والأقزام البيضاء الأكثر ضخامةً تمر بهذه العملية أسرع من غيرها، وهذا يعني أن مليارات الأقزام البيضاء في مجرتنا قد أكملت بالفعل العملية وصارت كُراتٍ بلورية في السماء، وستصبح الشمس نفسها قزماً أبيض بلورياً في غضون نحو 10 مليارات عام».

عكف فريق تريمبلاي على تحليل ما رصده مسبار «غايا» لقياس لمعان وألوان 15000 من الأقزام البيضاء على بُعد 300 سنة ضوئية من الأرض. 

وتبيّن لهم زيادة أو «تراكم» في عدد نجوم لها ألوان وسطوع محددين. 

ولاحظ الباحثون أن هذه المجموعة من النجوم تُمثِّل مرحلة مشابهة في
التطور النجمي، حيث تكون الظروف مواتية؛ وهو ما يؤدي إلى تأخير التبريد، ومن ثم
إبطاء عملية شيخوخة النجم. 

ووجد الباحثون أن أعمار بعض هذه النجوم قد طالت بما يصل إلى ملياري
سنة.

وأضاف تريمبلاي في بيانه الصحفي، قائلاً: «هذا هو أول دليل
مباشر على أن الأقزام البيضاء تتبلور، أو تنتقل من الحالة السائلة إلى الصلبة.
وقبل 50 عاماً، كان من المتوقع أن نلاحظ زيادة في عدد الأقزام البيضاء بدرجة لمعان
وألوان معينة بسبب التبلور، والآن فقط لاحظنا ذلك».

الأقزام البيضاء المتبلورة ليست مجرد أجسام نجمية مثيرة، وتكوينها الكمّي لا يشبه أي شيء يمكننا تخليقه في المختبر. 

فعندما تتبلور مادة النجمة البيضاء، تصبح مادّتها مرتبة على مستوى كمِّي، حيث تحازي النوى نفسها في هيئة شبكة ثلاثية الأبعاد؛ لتكوين قلب معدني من الأكسجين وطبقة خارجية غنية بالكربون.

لذا، ها نحن قد أدركنا أنه بعد موت النجوم على غرار شمسنا، لن تنتهي قصصها، فسوف تمر جميع الأقزام البيضاء بهذه المرحلة من التبلور، وتتناثر في المجرة كبقايا نجمية ضخمة تشبه اﻷلماس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى