تقارير وملفات إضافية

أوروبا تستقبل 1500 طفل، فما مصيرهم؟ شابة سورية تروي التجربة الصعبة بألمانيا

قوبلت موافقة ألمانيا على استقبال مئات اللاجئين القُصّر المتواجدين في اليونان بانتقادات داخلية بسبب قلة الأعداد التي تنوي ألمانيا قبولها، كما أثارت تساؤلات حول: هل يتم لمّ شملهم مع آبائهم وكيف سيعيشون بدونهم، وهل يتعرض اللاجئون القُصّر في ألمانيا لضغوط تغيير دينهم أو ثقافتهم. 

وأعلن بيان للتحالف الحاكم في ألمانيا عقب اجتماع عُقد ليلة 8-9 مارس/آذار عن قراره باستقبال مئات اللاجئين، في إطار دعم اليونان حيال الوضع الإنساني الصعب على جزرها، معتبراً أن الدافع وراء هذا القرار هو أن النظام والإنسانية ينتميان لبعضهما البعض.

ويتعلق الأمر، وفقاً للبيان، بأطفال محتاجين لعناية طبية ملحّة بسبب مرضهم الشديد أو بأطفال وصلوا إلى هناك دون مرافق وتقل أعمارهم عن ١٤ عاماً، غالبيتهم من الفتيات.

ويأتي القرار الألماني ضمن توجه أوروبي لاستقبال ما يتراوح بين ١٠٠٠ و١٥٠٠ طفل لاجئ سوري من بين آلاف العالقين في اليونان.

وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن ثلث طالبي اللجوء على الجزء اليونانية البالغ عددهم ٤٢ ألفاً هم قاصرون، ٥٥٠٠ منهم من دون مرافقة الأبوين.

وأشار التحالف المكون من الاتحاد المسيحي الذي تنتمي له المستشارة أنجيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى أنه يجري التفاوض على حل إنساني على المستوى الأوروبي في الأيام الحالية، لتنظيم تسلم هؤلاء الأطفال عبر “تحالف راغبين” من الدول ومن الدول التي أبدت رغبتها فنلندا وفرنسا والبرتغال وفنلندا ولوكسمبورغ، بحسب وكالة رويترز.

ورغم خروج تظاهرات داعية إلى “فتح الحدود” وإعلان استعداد ١٤٠ مدينة عن رغبتها استقبال المزيد من اللاجئين، رفض البرلمان الألماني منذ أيام قراراً باستقبال ٥ آلاف من الأطفال والقاصرين. ليخرج التحالف الحاكم بهذا القرار الذي يتضمن استقبال ما يقدر بمئات الأطفال فقط. 

وتشير القناة الألمانية الأولى إلى أن التحالف المسيحي يريد تجنب إرسال إشارات توحي بالرغبة في استقبال المزيد من اللاجئين، وبالتالي تجنب استفادة حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المتطرف من الموقف.

وقال كريم الواسطي، عضو مجلس اللاجئين في ولاية ساكسونيا السفلى، لـ”عربي بوست” إن هذا القرار اتخذ لكن لم تتضح التفاصيل حول موعد وكيفية الاستقبال، ولكن مسؤولون ألماناً قالوا إنه سيكون سريعاً.

واعتبر الواسطي “نية الاتحاد الأوروبي استقبال ما يصل إلى ١٥٠٠ طفل فقط تسخيفاً للموقف كله وذراً للرماد في العيون، للقول إنهم قاموا بشيء ولم يقفوا مكتوفي الأيدي”، مشيراً إلى تقديم الاتحاد دعماً مالياً كبيراً (٧٠٠ مليون يورو) لليونان التي جمّدت حق اللجوء مدة شهر، وتمنع اللاجئين والمهاجرين من الدخول من تركيا مستخدمة العنف، لافتاً إلى التركيز فقط على منع تكرار وصول اللاجئين مثلما حدث في عام ٢٠١٥، وتصوير الأمر وكأن أوروبا تواجه غزواً.

ما إن يصل القاصرون والقاصرات من رعايا البلدان الواقعة خارج الاتحاد الأوروبي، حتى يصبحوا تحت عهدة مكتب الأطفال واليافعين “يوغند أمت”، ويتم إرسالهم إلى أحد المرافق المخصصة لإيواء الأطفال.

ووفقاً لموقع مفوضة الاندماج، يتم خلال الأيام السبعة الأولى، وضع تقييم أوليّ للطفل، كعمره (الذي قد يكون بالفحص الجسدي العادي أو حتى بالفحص بالأشعة) ووضعه الصحي وإمكانية لمّ شمله بأحد أقاربه الذين يعيشون في ألمانيا.

وبعد توزيعه إلى مكان ما، يتولى مكتب الأطفال واليافعين رعايته (ووضعه في مأوى مناسب) أو لمّ شمله بعائلته أو أقاربه وتقديم طلب وضع وصيّ له، الذي يبقى وصياً عليه عموماً حتى يصل إلى سن البلوغ. ويكون الوصي عادة أحد موظفي مكتب الأطفال واليافعين أو الأقارب أو متطوعين، وتقرر محكمة الأسرة عادة هويته، بحسب موقع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.

لا يُسمح بوضع اللاجئين القاصرين في مراكز الاستقبال وفقاً لقانون اللجوء، بل يعيشون غالباً مع الأطفال الألمان والأجانب في مرافق مساعدة اليافعين أو المجمعات السكنية، وأحياناً لدى الأسر الحاضنة، وفقاً لموقع مفوضة الاندماج.

وتحدث كريم الواسطي، وهو أيضاً عضو في منظمة “برو أزول” المعنية بحقوق اللاجئين، لـ”عربي بوست” عن وجود استعداد لدى عدد كبير من العائلات حالياً لاستقبال الأطفال لديهم، وعن اتصال العديد منهم بهم في هذا الصدد.

وقد يحصل طالب اللجوء القاصر على حق اللجوء أو الحماية الثانوية (تُمنح لمن لا يمكنهم نيل “حق اللجوء”، ولا يمكنهم العودة إلى بلده الأصلي بسبب خطر حقيقي) أو حتى السماح بالإقامة مؤقتاً “دولدونغ” (تصريح لمن لا يمكن ترحيلهم مؤقتاً رغم رفض طلباتهم للجوء) عند رفض طلب اللجوء. 

ويتم التأكد خلال جلسة الاستماع لدى مكتب الهجرة واللجوء، التي تعقد بحضور الوصي، فيما إذا كانت هناك أسباب فرار خاصة بالأطفال، دفعت مقدم الطلب للهرب من بلده، كالعنف المنزلي أو الزواج القسري أو الاتجار بالبشر أو التجنيد الإجباري أو تشويه الأعضاء الجنسية لدى الأناث.

وليس من الواضح حتى الآن الوضع القانوني للأطفال الذين تعتزم الحكومة استقبالهم، إذ بيّن “الواسطي” أنه من الناحية القانونية، إما سيتم استقبال هؤلاء الأطفال من الخارج بطريقة منظمة ومنحهم إقامة بشكل فوري (الأمر الذي قد يحدث بحسب تخمينه)، أو يتم استقبالهم وفقاً لقواعد اتفاقية دبلن ليقدموا طلب لجوء في ألمانيا، أي تستلم برلين عملياً إجراءات لجوئهم.

وفقاً للرابطة الاتحادية للاجئين القُصّر بدون مرافق، تتراجع عدد طلبات اللجوء التي قدمها الأطفال دون مرافق منذ أعوام، فبعد أن وصلت إلى قرابة ٣٦ ألف طلب في عام ٢٠١٦، بلغت في عام ٢٠١٨ نحو ٤٠٨٧، فيما اقتصرت في النصف الأول من العام الماضي على ١٥١١ طلباً فقط.

ورغم افتراض المرء وجود تسهيلات للمّ شمل القاصرين بأسرهم سريعاً، لكن في الواقع هناك جدل حتى في ألمانيا حول لمّ شمل عائلة القاصر بدون مرافق الحاصل على حق اللجوء.

إذ تؤكد الخارجية الألمانية أنه ينبغي أن يكون طالب اللجوء قاصراً في وقت البتّ في طلبه لمّ الشمل مع والديه، وهو ما قد يعني أن الوقت قد يضيع عليه بسبب بطء الإجراءات.

في المقابل، صدر قرار من المحكمة الأوروبية العليا في عام ٢٠١٨ يؤكد حق القاصر في لمّ شمل العائلة ما دام كان قاصراً حين تقديمه طلب اللجوء بغضّ النظر عن وصوله لسن البلوغ بسبب طول مدة البتّ في طلب لجوئه.

وقال الواسطي إن السلطات الألمانية ترفض تطبيق القرار الأوروبي، متحدثاً عن انتظارهم قراراً من محكمة ألمانية عليا حول تطبيق القرار الأوروبي داخل البلاد. 

ولفت إلى أنه رغم ذلك، فإن المحكمة الإدارية في برلين تفرض على وزارتي الداخلية والخارجية أن تعملا بأقصى سرعة في قضايا محددة، عندما تكون هناك خشية من أن يفقد طالب اللجوء القاصر حق لمّ الشمل، بسبب قرب دخوله سن البلوغ، مشيراً إلى وجود طرق قانونية يمكن اللجوء إليها للحفاظ على حق لمّ الشمل حتى مع تقادم القضية.

أما الحاصلون على الحماية الثانوية من القاصرين (تُمنح لمن لا يمكنهم نيل “حق اللجوء”، ولا يمكنهم العودة إلى بلده الأصلي بسبب خطر حقيقي)، فيخضعون كغيرهم لتقييم السلطات الألمانية التي ترى إن كانت هناك ظروف إنسانية قاهرة لتمنحهم الإذن بلمّ الشمل؛ لأنه ليس لديهم حق لمّ الشمل مقارنةً بالحاصلين على حق اللجوء.

وقامت ألمانيا بعد موجة اللجوء بإحداث فرق كبير بين الحماية الثانوية وحق اللجوء من خلال تعليق حق لمّ شمل العائلة للحاصلين على الحماية المؤقتة في مارس/آذار عام 2016.

وتقول منظمة بروأزول، المدافعة عن حقوق اللاجئين في ألمانيا، إن تعليق لمّ الشمل للحاصلين على الحماية المؤقتة “غير مقبول”؛ لأنه “يتعارض مع أحكام المحكمة الدستورية العليا”، والتي قررت في عام 1987 أنه من حق الأجانب أيضاً استقدام عوائلهم بموجب المادة السادسة من القانون الأساسي.

رغم تسميتهم “لاجئين قاصرين بدون مرافق” يأتي معظمهم مع أحد الأقارب أو المعارف دون الوالدين. 

وهكذا كان حال الطفل ح. م. (للحفاظ على خصوصيته) الذي جاء نهاية عام ٢٠١٥ مع شقيقته الشابة وهو في الـ ١٢ من العمر لولاية براندنبورغ الألمانية، وتم تسجيله كقاصر بدون مرافق وعين مكتب الأطفال واليافعين “يوغند أمت” وصياً قانونياً عليه، هو أحد موظفيها، لعدم امتلاك شقيقته تفويضاً قانونياً يخولها أن تكون وصية عليه.

وتحدثت شقيقته المقيمة في مدينة برينزلاو بولاية براندنبورغ لـ”عربي بوست” كيف تأخرت مقابلة لجوئه عاماً ونصف بسبب عدم وجود وصيّ شرعي لديه، قبل أن يحصل لاحقاً على الحماية الثانوية فقط، ما يعني حرمانه من محاولة لمّ الشمل حتى مطلع عام ٢٠١٨ بحسب قرار من الحكومة الألمانية.

وعن لمّ شمل الوالدين، قالت إن مكتب الأطفال واليافعين كان متعاوناً لكن بطيئاً في التعامل مع الأمر، وتم أخيراً عبر منظمة الهجرة الدولية في تركيا.

وأكدت أن دور مكتب الأطفال واليافعين “يوغند أمت” الحكومي لم يكن سلبياً عموماً، فلم يطلب أن تنفصل عن شقيقها في السكن مثلاً، بل كان إيجابياً مساعداً، يعاونها في حال حدوث مشاكل بينها وبين شقيقها، وظل متابعاً عموماً لوضعه، حتى اليوم رغم قدوم والديه، عبر عقد لقاءين أو ثلاثة معه سنوياً للوقوف على وضعه والنظر إن كان يمر بمشاكل أو لديه احتياجات. 

أكدت الفتاة السورية أنها لم تصادف محاولة أحد من المسؤولين عنه أو الأوصياء القانونيين عن شقيقها (تم تغيير الوصي ٣ مرات بناءً على رغبة شقيقته أو عدم التفاهم)، لممارسة أي تأثير ديني عليه البتة.

وعن إمكانية أن تتم تربية القاصرين على الديانة المسيحية، أي على غير دينهم كما يتم تداوله أحياناً على مواقع التواصل الاجتماعي، أوضح الواسطي أنه اعتماداً على تجاربهم مع دور إيواء القاصرين والأسر الحاضنة يتم احترام معتقدات القاصرين، وإيلاء أهمية لعدم التأثير عليهم دينياً، على أن يقرر القاصرون بأنفسهم بحرية كاملة الدين الذين يريدون اتباعه، ولم يصلهم شيء عن محاولات التأثير دينياً على الأطفال.

وأوضحت الشابة السورية أن الوصيّ الأخير الذي تفاهم معه بشكل مثالي، كان يخرج كل أسبوعين تقريباً مع شقيقها لممارسة نشاط كلعب كرة القدم أو الذهاب لمطعم.

وذكرت أنها انفصلت عن شقيقها في السكن مدة عام قبل قدوم الوالدين العام الماضي، فأقام هو في مأوى لليافعين، ثم عاد على الفور للإقامة مع الوالدين بمجرد وصولهما لألمانيا.

“أنا مراهق، أنا دائماً على حق”، كانت هذه أبرز مشكلة واجهتها الفتاة السورية مع شقيقها الأصغر سناً في ألمانيا في غياب الوالدين.

تقول: “المشكلة الرئيسية هي صعوبة التحكم في تصرفات الطفل أو المراهق، خاصة مع ذهابه للمدرسة والقول له هناك إنه دائماً على حق كونه قاصراً وأن القانون يحميه”.

وأردفت قائلة إن هذه الفكرة جميلة لكنها في نفس الوقت تصعّب من التعامل مع الطفل، مؤكدة أنه لو كان والداها متواجدين معه منذ البداية لكن وضعه أفضل بكثير.

وأشارت إلى صعوبة التعامل مع الطفل في هذه السن، لاسيما أنه كان يعاني حينها من ضغوط نفسية كبيرة وصدمة الوصول لألمانيا بعد رحلة عبروا فيها البر والبحر، لافتة إلى انفصال شقيقها عن والديه مدة ٤ سنوات.

أما أبرز المشاكل التي واجهها شقيقها كطفل في البداية، فكانت صعوبة تقبله الذهاب للمدرسة مع عدم إتقانه اللغة، والتشكيك في جدوى الدوام ما دام لا يفهم ما يتم تدريسه، وعدم قدرته على التفاهم مع محيطه، لافتة إلى أنه بات يتحدث الألمانية بمستوى جيد جداً الآن.

واعتبرت أن مجيء شقيقها لألمانيا بهذا العمر كان قراراً سليماً عموماً، لكنها نصحت بألا يرسل أحد ابنه أو ابنته وحدهما إلى أوروبا، نظراً لقسوة التجربة على الأطفال، خاصة مع الظروف الصعبة جداً حالياً على الطريق من تركيا إلى أوروبا، مقارنة بالوضع قبل ٥ سنوات، في إشارة إلى طريق البلقان الذي كان مُشرَعاً أمام اللاجئين حينها دون عقبات تُذكر.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى