آخر الأخبارتراند

إلى من ينكر علو الله واستواءه على عرشه سبحانه وتعالى نجيب

بقلم الصحفى والإعلامى الكبير 

فاروق نصار

عضو مجلس الإدارة

عضو مؤسس فى المنظمة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين

من ينكر علو الله واستواءه على عرشه سبحانه وتعالى ، ودائماً يسأل :

أين كان الله قبل خلق السماوات ، وقبل خلق الجهات ، وقبل خلق العرش ؟

فالجواب عن هذا السؤال جاء صريحاً من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وذلك في حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض؟

قال: كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش ثم استوى عليه. رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، وصححه الترمذي في موضع، وحسنه في موضع، وحسنه الذهبي. و(عماء) يعني: (سحاب)، ورويت بالقصر (عمى) أي: ظلمة، أو عمىً بمعنى شأنه مُعَمَّى على خلقه.

أولا :

أن عرش الرحمن سبحانه كان على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن .

ثانيا :

قبل خلق العرش ، وقبل خلق السموات والأرض ، وقبل خلق الجهات ، كان الله تعالى ولا شيء قبله ، ولا شيء غيره ، ولا شيء معه ؛ كما روى البخاري (7418) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ : اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ ، قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا ، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ : اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ ، قَالُوا : قَبِلْنَا ، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ ؟ قَالَ : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْء غَيْره لَا الْمَاء وَلَا الْعَرْش وَلَا غَيْرهمَا , لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ غَيْر اللَّه تَعَالَى ” انتهى .

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم ما رواه مسلم (2713) : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ … ) .

وعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : ” قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ؟ قَالَ : ( كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ) رواه الترمذي ( 3109 ) وابن ماجه ( 182 ) وأحمد ( 15755 )
والحديث صححه الطبري ، وحسَّنه الترمذي والذهبي وابن تيمية ، وضعفه الألباني في ” ضعيف الترمذي ” .
وقال الترمذي : قال أحمد بن منيع : قال يزيد بن هارون : العماء : أي : ليس معه شيء .
وقيل : معنى ” عماء ” : السحاب الأبيض .

فالحاصل : أن الله جل جلاله ، تفرد بالأولية ، فلم يكن معه مخلوق في الأزل ، بل كان الله ولم يكن شيء قبله ؛ ثم خلق الخلق فاستوى على عرشه ، كما أخبر في كتابه ، على ما شاء سبحانه ، لا منازع له في ملكه ، ولا شريك له في سلطانه .

ثالثا:

هذا السؤال الذي يورده النفاة على من يثبت علو الله تعالى على خلقه ، واستواءه على عرشه ، إنما يصح أن يتوجه عليهم إذا كانوا يقولون إن الله تعالى يحتاج إلى عرشه ، أو إلى سماواته ، أو إلى شيء من خلقه ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، فأما إذا كان المثبتة يقررون مع ذلك ما يؤمن به كل مسلم ، من أن الله تعالى له الغنى المطلق عن خلقه كلهم ، لا منازع له في ملكه وسلطانه ، وأن العرش والسموات ، والخلائق جميعا ، إنما قامت ، واستمدت وجودها ، وبقاءها من ربها ، الذي منه الإيجاد لها ، والإعداد لما سخرها له ، والإمداد بالبقاء والرزق ، وأن العرش محتاج إلى ربه ، مرتفع بقوته وقدرته : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) فاطر/41 ، إذا كان الأمر كذلك ، فما وجه ورود هذا السؤال عليهم ، وما إلزامهم بشيء من لوازمه إلا البهت والعدوان .

ثم إن السؤال وارد على النفاة أيضا ، ولا يخلصون منه إلا إذا أثبتوا ما دل عليه الشرع والعقل من علو الله على خلقه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ ثُمَّ خَلَقَ الْعَالَمَ ؛ فَلَا يَخْلُو :
إمَّا أَنْ يَكُونَ خَلقهُ فِي نَفْسِهِ ، وَانْفَصَلَ عَنْهُ ؛ وَهَذَا مُحَالٌ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ مُمَاسَّةِ الْأَقْذَارِ وَغَيْرِهَا.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلقهُ خَارِجًا عَنْهُ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ ؛ وَهَذَا مُحَالٌ أَيْضًا تَعَالَى أَنْ يَحِلَّ فِي خَلْقِهِ .
وَهَاتَانِ لَا نِزَاعَ فِيهِمَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلقهُ خَارِجًا عَنْ نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ ، وَلَمْ يَحِلَّ فِيهِ ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ ، وَلَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ إلَّا هُوَ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (5 /152) .
فحينئذ ، يقال : ما المحذور الذي يلزم من أثبت لله ما أثبته لنفسه من علوه على خلقه ، واستوائه على عرشه ، ثم لا يلزم مثله ، أو أشد منه نفاة ذلك ؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضا :
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّصِّ إثْبَاتُ لَفْظِ الْجِهَةِ وَلَا نَفْيُهُ كَمَا فِيهِ إثْبَاتُ الْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالْعُرُوجِ إلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى الْجِهَةَ : أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ ؟ فَاَللَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِي جِهَةٍ : أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ ؟ أَوْ تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ ؟ فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ لَفْظُ التَّحَيُّزِ : إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَحُوزُهُ الْمَخْلُوقَاتُ فَاَللَّهُ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ ؛ بَلْ قَدْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ ؛ أَيْ مُبَايِنٌ لَهَا مُنْفَصِلٌ عَنْهَا لَيْسَ حَالًّا فِيهَا : فَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ : فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ” انتهى مختصرا ، من “مجموع الفتاوى” (3 /41-42) .

الأدلة على علوّ الله تعالى على خلقه وأنّه سبحانه فوق السموات

استدلّ  أهل السنة  على علو الله تعالى على خلقه علواً ذاتياً بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة :

أولا : فأما الكتاب فقد تنوعت دلالته على علو الله ، فتارة بذكر العلو، وتارة بذكر الفوقية ، وتارة بذكر نزول الأشياء من عنده ، وتارة بذكر صعودها إليه ، وتارة بكونه في السموات…

فالعلو مثل قوله : ( وهو العلي العظيم ) البقرة/255 ، ( سبح اسم ربك الأعلى ) الأعلى/1.

والفوقية: ( وهو القاهر فوق عباده )  الأنعام/18 ، ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) النحل/50.

ونزول الأشياء منه، مثل قوله : (  يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) السجدة/5 ، ( إنا نحن نزلنا الذكر ) الحجر/9 وما أشبه ذلك .

وصعود الأشياء إليه ، مثل قوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر/10 ومثل قوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) المعارج/4.

كونه في السماء ، مثل قوله: ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض  ) الملك /16.

ثانياً: وأما السنة فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره :

فمما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر العلو والفوقية قوله ( سبحان ربي الأعلى )  كما كان يقول في سجوده وقوله في الحديث : (  والله فوق العرش ) .

(2) وأما الفعل ، فمثل رفع أصبعه إلى السماء ، وهو يخطب الناس في أكبر جمع ، وذلك في يوم عرفة، عام حجة الوداع فقال علية الصلاة والسلام ( ألا هل بلغت؟ ) . قالوا : نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا: نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا : نعم . وكان يقول : (  اللهم ! أشهد )  ، يشير إلى السماء بأصبعه ، ثم يُشير إلى الناس . ومن ذلك رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث .  وهذا إثبات للعلو بالفعل .

(3) وأما التقرير، كما جاء في حديث الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أين الله؟ قالت : في السماء. فقال : ( من أنا؟ ) قالت : رسول الله . فقال لصاحبها : ( أعتقها، فإنها مؤمنة ) .

فهذه جارية غير متعلمة كما هو الغالب على الجواري ، وهي أمة غير حرة ، لا تملك نفسها، تعلم أن ربها في السماء، وضُلّال بني آدم ينكرون أن الله في السماء ، ويقولون: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال بل يقولون : إنه في كل مكان !!.

ثالثاً: وأما دلالة الإجماع ، فقد أجمع السلف على أن الله تعالى بذاته في السماء ، كما نقل أقوالهم أهل العلم كالذهبي رحمه الله في كتابه : ” العلوّ للعليّ الغفار ” .

رابعاً: وأما دلالة العقل فنقول إن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء ، وإذا كان صفة كمال، وجب أن يكون ثابتاً لله لأن كل صفة كمال مطلقة ، فهي ثابتة لله .

خامساً: وأما دلالة الفطرة: فأمر لا يمكن المنازعة فيها ولا المكابرة ، فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء، ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه ، وتتوجه إلى الله تعالى بدفعه، فإن قلبك ينصرف إلى السماء وليس إلى أيّ جهة أخرى ، بل العجيب أنّ الذين ينكرون علو الله على خلقه لا يرفعون أيديهم في الدعاء إلا إلى السماء .

وحتى فرعون وهو عدو الله لما أراد أن يجادل موسى في ربه قال لوزيره هامان : ( يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى .. الآية ) . وهو في حقيقة أمره وفي نفسه يعلم بوجود الله تعالى حقّا كما قال عزّ وجلّ : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) .

فهذه عدّة من الأدلة على أن الله في السماء من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة بل ومن كلام الكفار نسأل الله الهداية إلى الحق .

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى