لايف ستايل

إذا كنت تظن أن الشتاء كئيب فأنت مخطئ.. هكذا تؤثر الحرارة في الصحة النفسية

هل تخيلت يوماً أن تكون هناك
علاقة بين درجات الحرارة والصحة العقلية. فالانتحار هو أحد الأسباب الرئيسية للموت
على مستوى العالم، إذ ينتحر سنوياً ما لا يقل عن 800 ألف شخص.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية WHO، فإن الانتحار هو السبب الثالث لوفاة الأغلبية في الفئة العمرية
ما بين 15 و19 عاماً. كما أن 79% من حالات الانتحار العالمية تحدث في البلدان
المنخفضة والمتوسطة الدخل.

في الولايات المتحدة على سبيل
المثال، حصد الانتحار أرواح 47.173 شخصاً في عام 2017، وهو أكثر من ضعف عدد ضحايا جرائم
القتل.

بالطبع وراء كل انتحارٍ شبكة
مترابطة ومعقدة من العناصر المسببة. واستئصال مجموعة عوامل الخطر التي يمكن ربطها
بالانتحار عمل صعب.

لكن أصبح فهْم هذه العوامل مُلحّاً أكثر من ذي قبل، بسبب زيادة معدلات الانتحار في الولايات
المتحدة باستمرار، بداية من عام 2001 إلى عام 2017.

مجموعة من العلماء من جامعة
ماساتشوستس في أمهرست وجامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية، قرروا التركيز
على دور المناخ في معدلات الانتحار.

نشر الباحثون مؤخراً نتائج دراستهم الأخيرة في دورية Health Economics العلمية.

فبينما تتوسط أزمة المناخ ساحة الخطاب العام، مع تركيز بعض الحكومات على ضرورة التعاطي مع تهديد التغير المناخي بجدية، دخل دور المناخ في السلامة النفسية إلى دائرة الضوء.

وكانت دراسات سابقة حددت روابط بين درجة الحرارة والصحة العقلية،
لكن حتى الآن، ركزت غالبية الدراسات على فترات قصيرة نسبياً، وكانت تبحث عن ارتباط
وليس سببية.

وأيضاً كانت النتائج متضاربة،
ولم تصل كل الدراسات إلى الاستنتاجات ذاتها.

وأمل الباحثون القائمون على
الدراسة الحالية تكملة بعض النواقص الماضية، والحصول على إجابة نهائية.

استخدم العلماء عديداً من
المصادر المختلفة في البحث. أولاً، جمعوا بيانات من أقسام الطوارئ في ولاية
كاليفورنيا، وضمُّوا معلومات عن زيارات مراكز تشخيص أمراض الصحة العقلية، من عام
2005 وحتى عام 2016.

ثانياً، تمكنوا من الحصول على
معلومات عن حالات الانتحار في الولايات المتحدة الأمريكية من عام 1960 وحتى 2016.

وثالثاً، أخذوا بيانات من مسح
تمثيلي على مستوى الدولة، اشترك فيه أكثر من 4 ملايين شخص في الفترة ما بين عام
1993 وحتى عام 2012. تضمنت هذه المعلومات حالات ذهنية أفاد بها الأشخاص عن أنفسهم.

دمج مُعِدو الدراسة أيضاً
معلومات عن العوامل الأخرى التي ربما تؤثر في أي علاقة بين الحرارة والصحة
العقلية، مثل النظر في وجود مكيفات الهواء، ومدى توافر خدمات الصحة العقلية،
والتأمين الصحي، وإمكانية الوصول إلى علاج من تعاطي المخدرات، ومستويات الدخل.

كان مُعِدو الدراسة قادرين
على تطوير «مقاييس مكانية وزمانية دقيقة» بتحليل درجات الحرارة كل شهر
في كل مقاطعة من الولايات المتحدة.

إجمالاً، استنتج كل مُعِدي
الدراسة أن درجات الحرارة الأبرد تقلل من مستوى النتائج العقلية الصحية السلبية،
ودرجات الحرارة الأدفأ تزيد من النتائج الصحية السلبية.

وقدموا مزيداً من التفصيل
وقالوا: «تشير تقديراتنا الأساسية إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بدرجة
فهرنهايت واحدة في المتوسط شهرياً، يؤدي إلى زيادة بنسبة 0.48% في الزيارات
المتعلقة بالصحة العقلية (لقسم الطوارئ)، وزيادة بنسبة 0.35% في حالات
الانتحار».

وأظهروا أيضاً أن تقديراتهم
تظل ثابتة بمرور الوقت، بمعنى آخر، لا يبدو أن الناس يتكيفون مع التغيرات في درجات
الحرارة بسرعة.

يوضح مُعِدو الدراسة أنهم
لم يكتشفوا «أي دليل عن التأقلم الفعال للتأثيرات المحددة في أي مكان، أو بين
أي جماعة، بالولايات المتحدة».

وبالمثل، أظهر مُعِدو
الدراسة أن تقديراتهم ما زالت ثابتة حتى عندما حسبوا مستويات التأقلم بمكيفات
الهواء والحالة الاجتماعية الاقتصادية.

والأهم من ذلك، ظلت العلاقة
واضحة حتى في الأماكن ذات متوسط درجات حرارة مرتفع ومنخفض.

أي إن درجات الحرارة
المرتفعة تؤثر في الصحة العقلية حتى في السكان معتادي الحرارة.

درس العلماء، سنوات طوالاً،
تأثيرات المناخ على الصحة العقلية. لكن من الصعب عادةً الربط بين درجة الحرارة
والنتائج الصحية مباشرة.

ومثال على هذا، ركزت دراسة في عام 2017 على الهند، ووجدت أن
معدلات الانتحار هناك تزيد بزيادة درجات الحرارة.

لكن مُعِد الدراسة أشار إلى
أنَّ معدل الانتحار يزيد فقط عندما تحدث الزيادة بدرجات الحرارة في أثناء موسم
النمو.

في هذا الوقت تقلل درجات
الحرارة المرتفعة من المحاصيل وتنتج عنها ضائقات مالية، وهو ما يعتقد العلماء أنه
يزيد من خطر إيذاء النفس.

ولذلك في هذه الحالة، فالزيادة في درجات الحرارة لا تؤثر مباشرة في معدلات الانتحار.

يعتقد مُعِدو الدراسة
الأخيرة أن الرابط بين زيادة درجات الحرارة وتدهور الصحة العقلية في الولايات
المتحدة قد يكون بسبب اضطرابات النوم.

وبفحص في قواعد بيانية
أخرى، وجدوا أن اضطرابات النوم الناتجة عن درجات الحرارة تعكس بالضبط تقريباً
تأثير درجات الحرارة على الصحة العقلية.

وكتب مُعِدو الدراسة:

«وبينما من الممكن أن
تؤثر درجة الحرارة في الصحة العقلية وفي النوم، كلٍّ على حدة بالطريقة نفسها،
نعتقد أن هذا احتمال بعيد، إذ توثق المستندات الأخرى ارتباطاً قوياً بين النوم
السيئ وموازين الصحة العقلية، وليست لها علاقة بدرجة الحرارة».

في العموم، نتائج هذا التحليل
العميق تجعلنا نقرأه بأسىً. بالطبع هذه الأنواع من الدراسات تُنفَّذ لتحديد عوامل
الخطر؛ أملاً في إمكان فعل شيء ما لتقليل هذا الخطر.

بناء على ذلك، أوصى معدو
الدراسة بما يلي: «نوصي بسياسة مباشرة تنبع من بحثنا، من أجل مُقدِّمي خدمات
الصحة العقلية، لتتأكد أن المرضى يحصلون على نوم كافٍ في أثناء الفترات التي يكون
في النوم على الأغلب مُنغّص (مثل الموجات الحارة)».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى