تقارير وملفات إضافية

إذا مُنح الفقراء أموالاً مباشرة، فهل ينفقونها على الأساسيات أم يبدّدونها؟ دراسة تكشف مفاجأة بالطبيعة البشرية

المال المجاني يؤتي ثماره على ما يبدو، وقد يكون أفضل وسيلة من أجل مكافحة الفقر.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن باحثون من مؤسَّسة Foundations for Social Change الخيرية بمدينة فانكوفر، وجامعة كولومبيا البريطانية الكندية، نتائج تجربة استمرَّت 12 شهراً. 

تلخَّصَت فرضية التجربة في منح مدفوعاتٍ نقدية بقيمة 7500 دولار لمرة واحدة لخمسين شخصاً مِمَّن أصبحوا مُشرَّدين مؤخَّراً بدون قيود، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي. 

مثَّلَ المشروع نوعاً مختلفاً من “الدخل الأساسي”، وهو طرحٌ متنامٍ للحدِّ من الفقر (وحتى النهوض بأسر الطبقة المتوسِّطة) حول العالم. 

تقول الفكرة إنه مع الدخل الأساسي، يمكن للحكومات أن تقضي وقتاً في مناقشة الحلول المُعقَّدة للفقر، ولكن هناك بديل أن تمنح الناس الأموال التي يحتاجونها لدعم أنفسهم بالطريقة التي يرونها مناسبة. 

وقالت كلير ويليامز، المديرة التنفيذية لمؤسَّسة Foundations for Social Change، إن الدراسة المشتركة الجديدة، والمعروفة باسم New Leaf Project، أسفرت عن نتائج تحمل “مفاجأةً سارة”. لم يقتصر الأمر على حصول 67% من المتلقين على الأمن الغذائي في شهرٍ واحدٍ فحسب، بل أظهر الإنفاق علاماتٍ على إعادة التأهيل بشكلٍ عام. 

ووفقاً للدراسة، أنفق المتلقي النموذجي 52% من أمواله على الإيجار والطعام، و15% على الضروريات الأخرى مثل الأدوية والفواتير، و16% على الملابس والمواصلات. 

وما يُعزِّز النتائج السابقة في إنفاق المتلقي على ما يُسمَّى “السلع الإغرائية”، كان هناك أيضاً انخفاضٌ بنسبة 39% في الإنفاق على الكحول والسجائر والمخدرات. وانتهى الأمر بالمشارك المتوسِّط بتوفير ألف دولار بحلول نهاية التجربة. 

لعلَّ هذه النتائج وحدها جديرةٌ بأن تمنحنا تفاؤلاً بأن الدخل الأساسي، مع نهجٍ صحيحٍ في توزيعه، يمكنه أن يرفع مستوى معيشة الناس. لكن النتائج تسلِّط الضوء أيضاً على بعض الحقائق المهمة الأخرى عن أفضل طريقة تتعامل بها المؤسَّسات النافذة، والأشخاص الذين يديرونها، مع المحتاجين. 

قدَّم المؤرِّخ الهولندي روتجير بريغمان نسخةً من هذه العبارة في سلسلة مؤتمرات Ted Talk في العام 2017، وأصبحت شعاراً للمدافعين عن الدخل الأساسي. 

وتتمثَّل الفكرة الأساسية في أن الأشخاص الذين مروا بأوقاتٍ عصيبة لم يشهدوا تلك الأوقات لأنهم فشلوا في حياتهم بطريقةٍ ما، وبالتالي لا يستحقون الضروريات الأساسية. في كثيرٍ من الأحيان يعني “الوقوع في أوقاتٍ صعبة” ببساطة أن تولد في حياةٍ من الفقر، كما هو الحال بالنسبة لما يقرب من 10% من سكَّان العالم، ما يربو على 770 مليون شخص، الذين يعيشون حالياً على أقل من 1.9 دولار في اليوم. 

حتى في الولايات المتحدة، يولَد طفلٌ من كلِّ سبعة أطفال في فقر، ويقف ملايين من الأمريكيين على أعتاب الفقر تفصلهم عنه فقط فاتورة مفاجئة واحدة أو رسوم علاجٍ غير مُتوقَّعة في مستشفى. وكما كَتَبَت ويليامز في بيان الدراسة، فإنه “في حين أن التأثير الاقتصادي للتشرُّد يكلِّف الجميع، فإن التكلفة البشرية هي في النهاية التي تكون مُدمِّرةً للغاية”. 

وكما يجادل بريغمان وغيره من الداعمين لهذه الفكرة، فإن أيَّ حلٍّ للفقر يجب أن يبدأ بمعالجة الظروف التي يستشرى فيها الفقر، وليس تصحيح الطبيعة الشخصية أولئك الذين يعانون منه. 

باستثناء المشكلات المُعقَّدة للصحة النفسية، فإن الناس الذين يعانون من الفقر -أو أولئك الذين يعانون من التشرُّد كما وَجَدَت الدراسة الأخيرة- يدركون تماماً التحديات التي يواجهونها. عندما يتسرَّب المطر من سقف منزلك أو حين تشعر بأن معدتك خاوية، فهذا ليس لغزاً على الإطلاق. أنت تعلم أن توافر النقود معك سوف يسمح لك بإجراء إصلاحٍ لسقف منزلك وشراء بعض الطعام. 

حين بدأ المستفيدون في تجربة منظمة GiveDirectly غير الربحية في كينيا في تلقي مدفوعاتٍ عبر الهاتف المحمول منذ عدة سنوات، وَجَدَ الباحثون أن الأموال ذهبت على الفور إلى النفقات الأكبر مثل النفقات على الطعام والحليب ورسوم التعليم والملابس الجديدة للأطفال، في حين بدأ البعض في الاستثمار في أعمالٍ تجاريةٍ صغيرة. 

صحيحٌ أنني حين زرت القرى كمراسلٍ صحفي، قابلت رجلاً استخدم المال للمراهنة على مباريات كرة القدم المحلية، لكن هذه النتيجة كانت نادرة الحدوث. لا يستطيع معظم الأشخاص الذين تحدَّثت معهم تخيُّل استخدام الأموال في أيِّ شيءٍ غير المشتريات التي من شأنها أن تساعدهم وتساعد أسرهم على الازدهار. 

باعتبارنا بشراً يكرهون الخسارة، ويعانون عادةً من خسارة 5 دولارات أكثر من تمتُّعهم بكسب 10 دولارات، فمن السهل للغاية بالنسبة لنا أن نرضخ لكيفية إنجاز الأمور كما في الماضي. إننا بشكلٍ عام نفرط في التدقيق في الجوانب السلبية للأفكار الجديدة والجريئة أكثر من التركيز على سلبيات ما اعتدنا على القيام به. 

ضع في اعتبارك الدراسة الأخيرة، التي وَجَدَت أن المدفوعات النقدية البالغة 7500 دولار وفَّرَت ملاذات آمنة للسكن بمعدل 8100 دولار للشخص الواحد. وعبر المشاركين الخمسين، بلغت المدخرات 405 آلاف دولار. 

قالت ويليامز لشبكة BBC البريطانية: “يتمثَّل الاعتقاد السائد في أن الوضع الراهن رخيص، لكنه في الواقع مُكلِّفٌ للغاية”. 

ومن زاوية السياسات العامة، تُعَدُّ هذه النتائج واقعيةً للغاية. لكن لا ينبغي لهذه النتائج أن تثير دهشة الأكاديميين والسياسيين فحسب، بل يجب أن يتوقَّف عندها أيُّ قائدٍ من أجل التمعُّن فيها، خاصةً أولئك الذين شعرت منظماتهم ومؤسَّساتهم بآثار جائحة كوفيد-19 بعمق. 

لا يحتاج القادة التنظيميون إلى البدء في إعادة التفكير في هياكل الرواتب لدعم موظفيهم بشكلٍ أفضل. ولكن خلال فترات الاضطراب الشديد، مثل جائحة كوفيد-19 والركود الناتج عنها، تُعَدُّ النتائج الجديدة مفيدة. يجب عليهم تذكير الأشخاص في مواقع التأثير بمدى القوة الكامنة في العمل البسيط والمباشر. 

إذا كان الآباء يكافحون من أجل تحقيق توازنٍ بين العمل ورعاية الأطفال، فانظر كيف يمكنك إنشاء الفرص والموارد للآباء لمشاركة تجربتهم وأساليبهم مع بعضهم. إذا قال الناس إنهم يشعرون بالإرهاق، ففكِّر في طرقٍ مرنة لجداولهم لتلبية احتياجاتهم الشخصية على نحوٍ أفضل. إذا اضطررت إلى تسريح موظفين، فخذ صفحة من مجلة أو شركة تساعد الموظفين المُسرَّحين في العثور على وظائف جديدة. 

ليست هذه التوصيات هي فحسب الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله، بل إنها تقود أيضاً إلى عملٍ أفضل. وَجَدَت دراسةٌ حديثة أجرتها مؤسَّسة غالوب، وهي شركة تقدِّم استشاراتٍ إدارية وبحوثاً إحصائية، على أكثر من 2.7 مليون موظف عبر 112 ألف فريق عمل أن تعزيز مشاركة الموظَّفين أوجَدَ مجموعةً كاملةً من النتائج الأفضل. 

على سبيل المثال، أظهرت الشركات الأنشط إنتاجيةً أكبر بنسبة 18%، وربحيةً أفضل بنسبة 

23%، من الشركات الأقل نشاطاً في إشراك الموظَّفين. ووجدت الدراسة أن غياب الموظَّفين انخفض بنسبة 81% حين كانت المشاركة في أعلى مستوياتها. 

بعبارةٍ أخرى، كن حسَّاساً إزاء احتياجات الناس، لكن لا تدع التفكير الزائد في كيفية تلبية هذه الاحتياجات يعرقل طريقك في صنع الفارق. في بعض الأحيان في العمل، كما هو الحال في الحياة، يكون الحل الأبسط هو الحلَّ الصحيح. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى