تقارير وملفات إضافية

إسرائيل تستبق التقارب الإيراني السعودي بمبادرة تطبيع رسمية مع الخليج، فهل تكون بداية للتخلي النهائي عن الفلسطينيين؟

في تحول دراماتيكي للعلاقة بين الخليج العربي وإسرائيل، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية، الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما قالت إنها بنود خطة الاتفاق بين تل أبيب ودول الخليج لـ«عدم الاقتتال»، بينما أكد وزير خارجيتها أنه طرح بالفعل المبادرة التي وصفها «بالتاريخية» لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

هذا التحول بالرغم من خطورته، إلا أنه لم يكن مفاجئاً، فإسرائيل مهدت كثيراً لهذا اليوم وقطعت شوطاً كبيراً في التطبيع مع عدة عواصم خليجية خفية وجهراً خلال السنوات الأخيرة. لكنه يطرح تساؤلات عدة حول توقيته وحيثياته، والأسباب التي ستدعو عواصم خليجية للمشاركة في هذا التحول، وانعكاس ذلك على علاقة هذه الدول مع إيران، ومستقبل القضية الفلسطينية.

يقول د. ناجي الظاظا، المحلل السياسي الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي لـ»عربي بوست»، إن المبادرة الإسرائيلية المطروحة، مختلفة عن اتفاقية «كامب ديفيد» أو اتفاقية «وادي عربة» التي عقدتها كل من مصر والأردن مع إسرائيل، مضيفاً أن اتفاقيات السلام السابقة شملت على بنود تنهي حالة حرب بين طرفين، أما المطروح اليوم فهو مبادرة «تحالف» خليجية إسرائيلية، يتحول فيها العدو إلى حليف بدون أي سابق للصراع أو الاقتتال، الأمر الذي يدعو للغرابة.

وأردف الظاظا بالقول: «إذا كانت الحالة بين هذه الدول وإسرائيل ناتجة عن احتلال الأرض العربية الفلسطينية، فإن الاحتلال لا يزال قائماً بل وأكثر شراسة والتهاماً للأرض وامتهاناً للإنسان الفلسطيني والعربي. هذه ليست كامب ديفيد جديدة ولكنها تحالف مع عدو الأمة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني».

بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن بنود المبادرة تنص على تطوير علاقات «الصداقة والتعاون» بين الدول تماشياً مع المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ الشرعية الدولية. إضافة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة والناجعة لضمان «عدم تخطيط أو توجيه أو تمويل أعمال عدوانية أو أعمال عنف وتهديدات والتحريض ضد الطرف الآخر من أراضي الدول الموقعة».

كما تلزم الاتفاقية دول الخليج، «الامتناع عن الانضمام أو تقديم المساعدة لأي تحالف أو تنظيم أو لمعاهدة ذات طابع عسكري أو أمني مع طرف ثالث». إلى جانب «تسوية الخلافات التي قد تترتب على هذه المعاهدة ستتم عن طريق الاستشارات بين الأطراف الموقعة».

وربما هذا ما يفسر الحملة الشرسة التي شنتها الرياض على ممثلي وداعمي حركة حماس في السعودية خلال الأشهر الأخيرة، إذ كانت حركة «حماس» نشرت الشهر الماضي بياناً رسمياً ترفض فيه اعتقال الرياض العشرات من أنصارها في المملكة منذ أبريل/نيسان 2019. إذ شملت الحملة السعودية العشرات من الفلسطينيين والأردنيين والسعوديين، تتهمهم بالانتماء لحماس، ودعمها، وجمع التبرعات لصالحها، وتضمنت الحملة عمليات ترحيل واعتقال، وتجميد أرصدة، ورقابة على الحوالات المالية، ووصل عددهم قرابة سبعين شخصاً.

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عبدالله الشايجي إن التقارب الخليجي الإسرائيلي مستغرب لأنه أصبح علنياً ومجانياً ومن دون حياء. مؤكداً أن هذه المبادرة التطبيعية، تنسف المبادرة العربية بالكامل، التي اتفقت عليها الجامعة العربية عام 2002 لحل الصراع العربي الإسرائيلي.

وأكد الشايجي مداخلة له مع قناة الجزيرة مساء الأحد، أنه من غير المفهوم لماذا الإعلان عن هذه المبادرة حالياً، في الوقت الذي تمر فيه إسرائيل بمرحلة ضعف، وغير قادرة على تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد، منوهاً إلى أن لقاءات مسؤولين خليجيين مع نظرائهم الإسرائيليين تنسف المبادرة العربية التي أعلنتها الجامعة العربية.

ولم يخف أستاذ العلوم السياسية استهجانه من إقبال دول خليجية على عقد مبادرات «حماية» مع إسرائيل، مع أنها ليست في حالة مواجهة معها، وأن الغطاء المستخدم لتبرير هذه المبادرات -وهو العداء مع إيران- لا يستوجب ضرورة التحالف مع إسرائيل.

في السياق، كشف وزير الخارجية الإسرائيلي أنه طرح مبادرته للمرة الأولى على وزراء الخارجية العرب على هامش انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي. 

وزير الخارجية إسرائيل كاتس: “أخيرا تقدمت بطرح مبادرة سياسية للتوقيع على اتفاق عدم اقتتال مع دول الخليج العربية، في مبادرة تاريخية تنهي الصراع وتمهد الطريق لتعاون مدني حتى التوقيع على اتفاقية سلام. خلال زيارتي للأمم المتحدة عرضت المبادرة على وزراء الخارجية العرب”

وهذا ليس أول لقاء يجمع مسؤولين إسرائيليين بخليجيين، فوزير خارجية البحرين التقى أكثر من مرة مع مسؤولين إسرائيليين خلال العامين الأخيرين، كما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسقط والتقى بالسلطان قابوس العام الماضي، كما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن لقاءات سرية عقدت بين ولي عهد أبوظبي ونتنياهو، ناهيك عن الوفود السعودية التي زارت إسرائيل أكثر من مرة خلال الأعوام الأخيرة.

تستغل إسرائيل أيضاً، العداوة بين دول الخليج وإيران لتقديم مبادرتها وتستغل اللحظة التاريخية لعقد «كامب ديفيد» جديدة، خصيصاً في ظل الحديث عن فتح قنوات حوار سرية بين إيران والسعودية، ودعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني في الأمم المتحدة السعودية ودول الخليج الأخرى لمبادرة سلام وتعايش تحفظ للخليج أمنه واستقراره وتنهي حالة الخصومة والنزاع بين الطرفين.

وبهذه المبادرة «التاريخية»، ربما تريد تل أبيب قطع أي طريق على أي حوار متوقع بين الرياض وطهران إذا ما عقدت مبادرة التطبيع هذه، لأنها ستلزم دول الخليج وعلى رأسها السعودية بعدم التعاون مع إيران التي تعتبر عدوة لإسرائيل وتهدد أمنها القومي، كما جاء في بنود المبادرة الإسرائيلية التي كشفت عنها الصحافة العبرية.

وأحد الأسباب الأخرى لمسارعة تل أبيب بإنجاز هذه الاتفاقية هو شعور السعودية بالخذلان من قبل إدارة ترامب التي كانت تعدها بالحماية وشن ضربات ضد إيران، إذا ما قامت الأخيرة بالاعتداء على السعودية، لكن هجمات منشآت أرامكو القاسية كشفت عكس ذلك، وأظهرت نوعاً من التخلي الأمريكي عن السعودية ودول الخليج، بعدما أعلن ترامب عدم وجود نية لديه بشن أي حرب على إيران، مؤكداً على أن السعودية يجب عليها أن تدفع أكثر لواشنطن، حتى تتلقى الحماية اللازمة.

لا يمكن شمل جميع دول الخليج بالمشاركة في هذه الاتفاقية، فالرفض الكويتي متوقع بقوة، بسبب موقفها العلني الصارم والقوي ضد التطبيع مع إسرائيل على عكس بقية دول الخليج الأخرى التي لها قابلية كبيرة للتطبيع.

فمن المتوقع بالدرجة الأولى مشاركة كل من السعودية والإمارات وعُمان والبحرين، نتيجة التقارب المستمر منذ سنوات، واللقاءات العلنية والسرية التي عقدت بين وزراء ومسؤولين بين عواصم هذه الدول وإسرائيل. 

كما أنه من غير المستبعد مشاركة قطر أيضاً في هذه الاتفاقية نظراً لمواقفها التطبيعية المتكررة مع إسرائيل، سياسياً واقتصادياً ورياضياً، وهنا سيبرز تساؤلات حول كيفية توليف الدوحة بين هذه الاتفاقية، وبين استمرار احتضان قيادات من حركة حماس ودعم قطاع غزة مالياً.

بحسب الظاظا فإن المواقف العربية الرسمية وحالة التطبيع المتسارعة تؤثر بشكل مباشر على دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولة وكبح جماع التغول الصهيوني على الحقوق العربية والإسلامية، وبالتالي لابد من مقاومة التطبيع شعبياً ورسمياً ليس فقط لمصلحة القضية الفلسطينية ولكن لمصلحة شعوب تلك الدول، فالاحتلال الإسرائيلي لا يحمل استقراراً سياسياً لتلك الدول ولا تنمية اقتصادية فيها، وتجارب كل الدول العربية التي طبعت معه شاهدة.

ويضيف الكاتب الفلسطيني أنه بالرغم من طول أمد الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 70 عاماً ومقاومة الفلسطينيين له وحدهم، إلا أن الشعوب العربية لا تزال تعتبر أن القضية الفلسطينية هي في مقدمة قضاياها الوطنية، رغم تأثيرات الربيع العربي «الطبيعية» على أوليات الاهتمامات الوطنية للشعوب. 

حول ذلك أيضاً يرى الأكاديمي الكويتي الشايجي، أن النظام العربي فشل في إيجاد وضع عادل للقضية الفلسطينية، «وهو ما جعل الفلسطينيين في العراء»، داعياً الدول الخليجية للاقتداء بالكويت في عدم التطبيع مع إسرائيل، مشدداً على أهمية أن يتخذ العرب موقفاً حازماً من المبادرة العربية، بعد أن أصبحت كل دولة تبحث عن مصلحتها بشكل منفرد، حسب تعبيره.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى