تقارير وملفات إضافية

إليك حجم الأموال التي يحتاجها صندوق النقد لإنقاذ اقتصاد العالم، ولماذا تهدد هذه الدول الغنية بإفساد خططه؟

ربما تعتمد قدرة العالم على التعافي التام من أسوأ ركودٍ في وقتِ السِلم، منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين، على ما سيُقرِّره صانعو السياسات الاقتصادية هذا الأسبوع. 

ومع ما تواجهه الأسواق الناشئة والدول النامية من حالاتِ طوارئ صحية، وانهيارٍ في الطلب، وأزماتٍ نقدية، جراء فيروس كورونا المُستجَد يقع حماة الاقتصاد العالمي تحت ضغطٍ شديد لتخفيف التوتُّرات في اجتماعاتٍ تُعقَد عبر الفيديو لصندق النقد والبنك الدوليَّين، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.  

وتحاول كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، أن تحشد العالم في استعراضٍ مُوحَّدٍ لدعم الاجتماع نصف السنوي للصندوق، الذي يبدأ الثلاثاء المقبل، 14 أبريل/نيسان، كاجتماعٍ عبر الإنترنت. 

قال موريس أوبستفيلد، كبير خبراء الاقتصاد السابق في صندوق النقد الدولي: “إنها لحظةٌ فارقة. قد تكون هذه هي الأزمة العالمية الكبرى التي نواجهها منذ الحرب العالمية الثانية”. 

وقال أوبستفيلد، الذي يعمل حالياً أستاذاً بجامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي الأمريكية، إنه بعد كلِّ هذه الخطوات المُتَّخَذَة لدعم اقتصاداتهم، فإن فشل مجموعة العشرين الرائدة في العمل الآن معاً قد يحوِّل العالم إلى “خزانٍ للأمراض”، وقد يُحفِّز موجةً من الهجرة الخارجية من البلدان الفقيرة “على نطاقٍ فلكي”. 

وقد يؤدي الافتقار إلى إجراءاتٍ قوية إلى تمهيد الطريق للتخلُّف عن سداد الديون، وما له من آثارٍ مُدمِّرة، وكذلك سدِّ الطريق أمام أيِّ نوعٍ من الإنعاش القوي للاقتصاد العالمي. 

وقد كان ارتفاع سعر الدولار موجِعاً بصورةٍ خاصَّة للدول التي سارَعَت إلى الاقتراض بالدولار، والتي ستكافح الآن من أجل تغطية قروضها، خاصةً مع تعثُّر صادراتها. 

وفي حين أطلقت الولايات المتحدة واليابان فيضاناً مالياً من الميزانيات لمكافحة فيروس كوفيد-19 والمشكلات الاقتصادية الناجمة عنه، تفتقر العديد من الاقتصادات الناشئة لإمكانية القيام بذلك. 

ويتوقَّع اقتصاديو مؤسَّسة الخدمات المالية والاستثمارية Morgan Stanley أن الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك الصين، سوف تنكمش بمُعدَّل 4.1% في الربع الحالي من السنة، وهو انخفاضٌ أكبر من الـ3.1% في الربع الأول من العام 2009 حين كان العالم في آخر أزمةٍ له، رغم محدودية هذا الانكماش عمَّا هو مُتوقَّع في الاقتصادات الأغنى. 

وقدَّرَ هؤلاء الاقتصاديون أيضاً في تقريرٍ صادر يوم 3 أبريل/نيسان أن ذروة مُعدَّل النمو خلال التعافي بالنسبة لهذه الاقتصادات سوف تكون 6% في الربع الثاني من 2021، مقابل 7.7% في الربع نفسه من العام 2010. 

وتَّتَخِذ المشكلة شكلاً أكثر حِدَّة في الدول الأفقر، حيث لا يتمكَّن الكثير من سُكَّان المدن بسهولة من ممارسة التباعد الاجتماعي وغسل الأيدي بانتظام، الأمر الذي لم يعد ضرورياً في الدول الغنية. 

ومثل هذه البيئة تجعل صندوق البنك الدولي يعتقد أن الأسواق الناشئة والدول النامية سوف تحتاج إلى تريليونات الدولارات من التمويل الخارجي لمكافحة الفيروس، وسوف تتمكَّن هذه الدول من تغطية جزءٍ فقط من كلِّ ذلك، تاركين فجواتٍ بمئات المليارات. وتتطلَّع نصف الدول الأعضاء بصندوق النقد الدولي (البالغين إجمالاً 189 دولة) إليه من أجل المساعدة. 

وقالت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدوليفي خطابٍ ألقته يوم الخميس، 9 أبريل/نيسان: “اليوم نواجه أزمةً لا مثيلَ لها. والخطوات التي نتَّخِذها الآن سوف تُحدِّد سرعة وقوة التعافي بالنسبة لنا”. 

ومع ذلك، هناك تساؤلاتٌ حول ما إذا كان الصندوق لديه ما يكفي للتصدِّي للأزمة، خاصةً إذا ثبُت أنها طويلة الأمد. 

وبينما يقول صندوق النقد إن لديه صندوق مؤونة بقيمة تريليون دولار، يحسب تيد ترومان، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن الحدَّ الأقصى المُتوفِّر لإقراضٍ جديد هو 787 مليار دولار، بعد الأخذ في الحسبان الالتزامات القائمة وغيرها من العوامل. وقال: “سيحتاج صندوق النقد للمزيد” من الاقتصاد الأمريكي وبقية دول مجموعة العشرين. 

ولا تتعلَّق القضية فقط بقدر الموارد، وإنما بنوعيتها. 

وكشفت الأزمة النقابَ عن فجوةٍ فاصلة في القلب من الاقتصاد العالمي، فما مِن جهةٍ مُقرِضة يمكن اللجوء إليها كملاذٍ أخير بمقدورها توفير السيولة المطلوبة في حالة طوارئ مالية. 

وفقاً لمعهد التمويل الدولي، سُحِبَ نحو 62 مليار دولار من الأسواق الناشئة في الربع الأول من العام الجاري، في اندفاعٍ عالمي للمستثمرين لأجل الحصول على التمويل، وهو ضعف حجم التدفُّقات التي خرجت في ذروة الأزمة المالية العالمية عام 2008. 

وقال مُحلِّلو معهد التمويل الدولي إنه بينما هناك إشاراتٌ على تراجع الضغط المالي على الدول الناشئة -إندونيسيا على سبيل المثال باعت سندات بقيمة 4.3 مليار دولار الأسبوع الماضي للمساعدة في تمويل إجراءات تخفيف آثار الجائحة- هناك مخاطر بأن تُستأنَف التدفُّقات التي ستخرج حين تصبح الضربات التي تتعرَّض لها الأسواق الناشئة أوضح. 

تحرَّكَ نظام الاحتياطي الفيدرالي لملء الفجوة جزئياً، بما في ذلك فتح خطوط مبادلة السيولة الدولارية مع البرازيل، وكوريا الجنوبية، والمكسيك. وأُفيدَ بأن نظام الاحتياطي الفيدرالي سيفعل الأمر نفسه مع الهند، وإندونيسيا، وتشيلي. 

ويتعيَّن على صندوق النقد الدولي أيضاً أن يستعد، ويتهيَّأ، لإزاحة الوصفة التقليدية التي كان يتَّبعها في التعامل مع الدول التي تقع في أزمات، والتي يطالبها بإصلاحاتٍ اقتصادية مقابل المساعدة المالية. 

وقال مارك سوبِل، المسؤول السابق بوزارة الخزانة الأمريكية، والذي يعمل الآن بمنتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمي، وهو مركز استشاري يركِّز على السياسات الاقتصادية والمصرفية: “هذه أكثر من مجرد صدمة خارجية. صندوق النقد بحاجةٍ إلى بعضٍ من إعادة التقييم لتوفير سيولة أسرع وأكثر حرية لأعضائه”. 

ويبدو أن الصندوق يحاول فعل ذلك على وجه التحديد. 

إذ يبحث في استخدام القروض الوقائية قصيرة الأجل لتوفير السيولة للدول، علاوة على خياراتِ تمويلٍ أخرى مثل الاستخدام المتزايد للأصول الاحتياطية، التي تُسمَّى حقوق السحب الخاصة، وهي خطواتٌ تتطلَّب موافقة الدول الغنية. 

وقال تيمور بايغ، المسؤول السابق بصندوق النقد الدولي، إن إحدى المشكلات مع خطوات الصندوق هي أن العديد من البلدان لا ترغب في اللجوء إليه، لأنها تخاف من وصفها بأنها دول تعاني من مشكلات. 

قال بايغ، وهو الآن كبير الاقتصاديين في بنك DBS في سنغافورة: “إن الاعتماد على موارد صندوق النقد ينطوي على عنصرٍ من وصمة العار، ولا تزال الدول التي تضربها الأزمات تنظر إلى هذا الاعتماد باعتباره ملاذاً أخيراً”. 

وبالنسبة للدول الأفقر، هناك خطةٌ أيَّدتها جورجيفا، علاوة على دعواتٍ من ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، للحكومات الغنية بإيقافٍ مؤقَّتٍ لسداد الديون. وقدَّرَ البنك الدولي في مارس/آذار الماضي أن هناك مدفوعاتٍ بقيمة 14 مليار دولار مُستَحَقَّة هذا العام. 

كانت دول مجموعة العشرين قد اتَّحَدَت معاً للتوصُّل إلى خطةِ عملٍ إبان أزمة 2008-2009. 

لكن هذه المرة الأمر أصعب على مجموعةٍ مزَّقَتها الخصومات -الولايات المتحدة والصين على التجارة، والمملكة السعودية وروسيا على النفط، والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). 

غير أن تيم آدامز، رئيس معهد التمويل الدولي، قال إن مجموعة العشرين ينبغي أن تكون على مستوى الحدث. 

وقال: “سيكون هناك اهتمام هائل وتوقعات كبرى”، بشأن اجتماعات هذا الأسبوع. وأضاف: “وعدم الوفاء بهذه التوقُّعات سيكون مُضِراً بالأسواق وبالثقة في مجموعة العشرين”. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى