آخر الأخبار

“إنهم يطاردونني، ربما من أمن الدولة، أقود بسرعة”.. صحفي يبث مباشرة رافضاً التكتم بشأن فيروس كورونا، لكنهم وصلوا إليه

كان
المواطن الصحفي لي زهوا يرتدي قناع وجه وقبعة بيسبول. تطارد السلطات الصينية لي
زهوا البالغ من العمر 25 عاماً، وهو أحد أبناء مدينة ووهان، التي تعد مركز تفشي
فيروس كورونا، المعروف أيضاً بـ “كوفيد-19”. وبينما يسجل مقطع فيديو
لنفسه بسرعة أثناء القيادة، يقول بأنفاس متقطعة: “أنا على الطريق الآن وهناك
شخص ما، لا أعرف، ربما من أمن الدولة، قد بدأ في مطاردتي. أقود بسرعة كبيرة.
ساعدوني”.

في
وقت لاحق وفق تقرير صحيفة The
Guardian
البريطانية خرج لي في بث مباشر لنفسه
من شقة، في انتظار أن يقرع هؤلاء العملاء ذاتهم بابه، ربما لاعتقاله. في مناجاة
محمومة، يفسر سبب تركه وظيفة مستقرة في هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية، CCTV، وكيف جاء إلى ووهان بمفرده.

يقول
لي: “لا أريد أن أبقى صامتاً، أو أغمض عيني وآذاني. ليس الأمر أنه لا يمكنني
أن أحظى بحياة جميلة مع زوجة وأطفال. يمكنني تحقيق ذلك. لكني أفعل ما أفعله لأنني
آمل أن يتمكن المزيد من الشباب، مثلي، من التصدي لما يحدث”. وفي البث
المباشر، الذي نُشر على منصة Weibo
-قبل أن يُحذف من عليها لاحقاً- وعلى موقع يوتيوب
أيضاً، ظهر رجلان يرتديان ملابس مدنية، يدخلان الشقة ثم يوقفان البث.

مع تباطؤ عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا داخل الصين، تقول السلطات إن تفشي الوباء سيبلغ ذروته بحلول نهاية الشهر الجاري وسوف يجري الحد من أي صدمة اقتصادية ناجمة عن إغلاق البلاد لمدة شهرين تقريباً. وقد بلغت الآلة الدعائية أقصى حدودها، إذ سلطت الضوء على طريقة معالجة الحكومة الأزمة، إلى جانب الجهد الذي يبذله العاملون الصحيون والمواطنون.

لكن
بالنسبة لكثيرين، وخاصة الشباب مثل لي، وقع الضرر بالفعل. لم يقف الأمر فقط عند
شعور عدد متزايد من الأشخاص بخيبة أمل في حكومتهم، التي يحكمها الحزب الشيوعي
القوي، بل إنهم بدأوا في المطالبة بإجراء تغييرات مثل حرية التعبير والمحاسبة
الحكومية. يصف البعض ما يحدث بأنه صحوة سياسية – وهو مصطلح استفزازي في بلد سرعان
ما تُوأد فيه أي علامة على وجود المعارضة.

 يقول
كيرجرك ليو، البالغ من العمر 30 عاماً، الذي يدير حانة في العاصمة بكين: “في
الماضي، كنت خائفاً من التورط في المتاعب لذلك لم أقل رأيي علانية كثيراً. لكني
الآن سأتحدث بمعدل أكبر بكثير”. ينشر كيرجيرك المقالات والآراء المعارضة على
الإنترنت وينتقد الحكومة انتقاداً متزايداً. ويقول: “بالنسبة لي، الاستيقاظ
يعني أن علي مواصلة مراقبة ما يحدث في العالم والحديث بشأنه”.

توفي
أكثر من 2000 شخص جراء الفيروس في الصين، الذي تسبب في إصابة ما يقرب من 80 ألف
حالة. تأثر كل المواطنين تقريباً بالوباء، سواء في مدينة ووهان عبر المكافحة من
أجل إنقاذ أحد أفراد الأسرة في غمار مستشفيات مُجتاحة، أو في ظل بيروقراطية محيرة
ونقص في الإمدادات، أو عبر الحجر الصحي وبقائهم محتجزين قيد المنازل، أو حتى من
نتيجة قلقهم من الفيروس وعدم معرفتهم بالتوقيت الذي يمكن أن تعود فيه حياتهم إلى
مجراها الطبيعي. لم يحدث إلا أن ترسخ الغضب من السلطات، وساعد في ذلك التدفق
المستمر لتقارير عن الأسر اليائسة والعاملين الصحيين في ووهان، مع وجود مزاعم فساد
في الجمعيات الخيرية التي تديرها الدولة، ومقاطع الفيديو وصور تظهر السكان
العاديين يتعرضون للإساءة من قبل السلطات المحلية باسم الوقاية من الأوبئة.

أوفدت
وكالة الأنباء المالية Caixin
تقريراً الأسبوع الماضي يفيد بأن السلطات أمرت بتدمير العينات التي جُمعت من
المرضى المصابين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مع فقدان معلومات قيمة عن الفيروس.
وأمر مسؤولو لجنة الصحة العلماء بالتوقف عن إجراء الفحوصات، وأمرت المؤسسات بعدم
نشر المعلومات.

يقول
فيليب وو، وهو كاتب مستقل يبلغ من العمر 25 عاماً من بكين: “عرّى الوباء هذا
البلد تماماً فيما يخص فساده وبيروقراطيته وإجراءات التحكم في المعلومات
والرقابة”.

بالنسبة
للكثيرين، جاءت نقطة التحول في 6 فبراير/شباط الماضي، عندما توفي لي وين ليانغ، وهو طبيب أطلق تحذيراً من
فيروس كورونا وصار بطلاً وطنياً، بسبب الفيروس الذي حاول تحذير زملائه منه. يمثل
لي الكثير من الناس، إذ إنه مواطن عادي عاقبته الشرطة لمحاولته التحدث علانية عن
المرض. تحولت أحد تعليقاته الأخيرة، التي قال فيها: “ينبغي لأي مجتمع صحي أن
يحظى بتنوع في الآراء والمواقف”، إلى تعويذة تجسد المطالبات المستمرة بحرية
التعبير.

قالت ميريديث يانغ، إحدى سكان ووهان التي تبلغ من العمر 27 عاماً، بينما كانت تحيي ذكراه بمفردها في إحدى الحدائق: “لقد كانت وفاة لي وين ليانغ بمثابة زلزال كاد أن يدفع الناس للخروج إلى الشوارع احتجاجاً. ومن المخزي أننا لم نتمكن من ذلك. طالما فكرت وقلت: لماذا يُعامل الأشخاص الطيبون اللطفاء بهذه الطريقة بينما ينعم أولئك الذين يسيطرون على جهاز الدولة بالأمان؟”.

ابتكر
مستخدمو الإنترنت طرقاً جديدة للإفلات من الرقباء على الإنترنت، بما في ذلك نشر
صور لأجزاء من النص وترميز الصور. يُعلّم بعض الأشخاص الآخرين حول كيفية استخدام
الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN)
للتغلب على جدار الحماية العظيم Great
Firewall في الصين والوصول إلى المواقع الأجنبية المحظورة. في حين يضطلع
جيش من المتطوعين بمهمة حفظ وتنظيم مقاطع الفيديو
والشهادات والتقارير التي كانت قد نُشرت عبر وسائل الإعلام الصينية.

قال
دينغ، وهو طالب يدرس علوم الأنثروبولوجيا ويبلغ من العمر 24 عاماً من مدينة
غوييانغ في الجنوب الغربي: “ما إن ترى منشوراً ينتقد الحكومة بشكل كليّ، فإن
غريزتك الأولى لا تدفعك لأن تقرأه، بل لأن تلتقط صورة له على الفور. أعتقد أن
بمقدورك القول إن هذا هو “سلاح الضعفاء” في الوقت الحالي”.

يتجه
الكثير من المواطنين إلى المنصات المشفرة مثل Telegram وSignal
للتعبير عن الآراء التي من المحتمل أن تؤدي إلى إغلاق حسابات برنامج WeChat الصيني الخاصة بهم. مُرر رسم تخطيطي عبر WeChat يشتمل على رموز الاستجابة السريعة QR codes  الخاصة بمنصة Telegram وموقع Github، اللذين يستخدمان لأرشفة المحتوى الخاضع
للرقابة داخل الصين، انتشر الرمز مع عبارة: “بدون حرية التعبير، لا جدوى من
التحدث”.

على
جانب آخر، أحس مستخدمو موقع Douban،
وهو منتدى صيني للنقاش، بالإحباط جراء استمرار الحكومة في حذف منشوراتهم الداعية
للمقاطعة، والمرفقة بوسم “لا أفهم، لا أؤيد”، في إشارة إلى البيان الذي
أجبرت الشرطة لي وين ليانغ على توقيعه، وتعهد فيه بعدم “نشر الشائعات”.

قال
هو جيا، الناشط المخضرم في مجال الحقوق المدنية والمقيم في بكين: “لم يسبق لي
أن رأيت أي قضية أخرى توقظ الناس العاديين مثل هذه القضية. يعرف الناس الآن أن
حرية التعبير هي أساس حماية المجتمع. يمكننا أن نصف ما يحدث بأنه بذرة تغيير- بذرة
هائلة وضرورية”. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى