تقارير وملفات إضافية

إيران تلجأ للصدر لإنقاذها.. قصة تحوله من معارضة طهران للتنسيق معها ضد الحراك العراقي

تحول موقف التيار الصدري تجاه الحراك العراقي، يمثل أكبر تحد يواجه المحتجين العراقيين بعد أن فقدوا الدعم السياسي الذي وفره تأييد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لمطالبهم، والأهم فقدانهم الحماية التي كانت توفرها ميليشياته.

ولماذا وكيف حدث هذا التحول في موقف التيار الصدري تجاه الحراك العراقي.

كان مقتل سليماني نقطة فارقة وبداية تحول موقف التيار الصدري تجاه الحراك العراقي.

وكان لافتاً أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي أكد في أكثر من موضع، أن انتقام إيران القاسي لمقتل سليماني سيكون عن طريق إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، وكانت النخبة السياسية العراقية الموالية لإيران، أول من تلقفت تلك الدعوة، عبر إصدارها قراراً من البرلمان العراقي  بإخراج القوات الأمريكية من البلاد.

وبالرغم من أن تلك الجلسة لم تنته إلى نتيجة مثمرة، نظراً لعدم حضور المكون العراقي السني، والكردي، إلا أنه على ما يبدو أن هناك من أخذ الأمر على محمل الجد.

فى يوم الجمعة الماضي 24 يناير/كانون الثاني 2019، خرج أنصار رجل الدين الشيعي، والسياسي البارز مقتدى الصدر، في مسيرة ضمت مئات الآلاف من انصاره، للمطالبة بطرد القوات الأمريكية من العراق.

وحظيت هذه المسيرة باهتمام وسائل الإعلام الإيرانية الموالية للنظام، وخصصت الصحف الإيرانية المحافظة مساحة لتغطية دور مقتدى الصدر وأتباعه في مواجهة القوات الأمريكية الموجودة في البلاد.

كما أن مقتدى الصدر الذي طالما عارض النفوذ الإيراني في العراق في السنوات الماضية، كان من أوائل الشخصيات السياسية العراقية الحاضرة في عزاء اللواء قاسم سليماني في طهران.

بعد مقتل سليماني، وبالتحديد يوم 13 يناير/كانون الثاني 2020، شهدت مدينة قم الإيرانية اجتماعا وصفته وسائل الإعلام الإيرانية بالمهم، ضم الاجتماع، كبار قادة الحرس الثوري، مقتدى الصدر، وقادة بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران في الحشد الشعبي العراقي.

كان الهدف من هذا الاجتماع، هو بحث آخر التطورات، وإيجاد طريقة انهاء الوجود العسكري الأمريكي فى العراق، أثناء هذا الاجتماع، أعلن الصدر عن تأسيس ما أسماه المقاومة الدولية، ودعا إلى المسيرة التي خرجت في 24 يناير/كانون الثاني.

وعلى ما يبدو، أن مقتدى الصدر قرر إعادة التفكير في موقفه من الجمهورية الإسلامية منذ اليوم الأول بعد مقتل قاسم سليماني.

يقول مصدر رفيع المستوى بوزارة الخارجية الإيرانية، رفض الكشف عن هويته، لأنه غير مخول له التحدث مع وسائل الإعلام، لـ «عربي بوست»، «هناك خطة سياسية جديدة للتعامل الإيراني في العراق، بعد فشل النخبة السياسية في احتواء الاحتجاجات، ومقتل اللواء قاسم سليماني».

أخبر المصدر «عربي بوست»، أنه في ضوء تلك الخطة الإيرانية الجديدة، لإعادة ترتيب أوراق طهران تجاه العراق، قررت المؤسسة السياسية الإيرانية تأسيس لجنة ثلاثية تضم عدداً من مسئولي وزارة الخارجية، الحرس الثوري، ووزارة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري، للتعامل مع المعطيات الجديدة في البلد المجاور.

وبحسب المصدر، من أهم أولويات تلك اللجنة الجديدة، هي إعادة تشكيل طريقة التعامل مع مقتدى الصدر، للاستفادة من شعبيته الكبيرة، وقدرته على إدارة المشهد السياسي، وتشكيل حكومة جديدة.

عندما بدأت الاحتجاجات العراقية منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، راهنت إيران على الشخصيات السياسية، والجماعات المسلحة الموالية لها، لحسم أمر الاحتجاجات.

عندما طالب المحتجون بإقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وتشكيل حكومة جديدة، حاول قاسم سليماني قبل مقتله، بالتعاون مع نوري المالكي رئيس الوزراء السابق والمقرب من طهران، وهادي العامري رئيس كتلة فتح في البرلمان العراقي، تثبيت أقدام عبدالمهدي لأطول فترة ممكنة.

نجح الأمر لفترة زمنية قصيرة، وعندما زاد ضغط المتظاهرين على الحكومة، قرر عادل عبدالمهدي الاستقالة، وتيسير أعمال الحكومة لحين الاتفاق على رئيس وزراء جديد، ومن ذلك الحين إلى الآن، فشلت النخبة السياسية العراقية في إيجاد بديل لعبدالمهدي.

مما جعل طهران تنظر إلى نوري المالكي وهادي العامري، وباقي المسئولين العراقيين الموالين لها، بيأس من قدرتهم على حل الأزمة في البلاد. والتسبب في استمرار الاحتجاجات، التي رفضت أيضاً النفوذ الإيراني في العراق.

يرى حميد عزيزي الباحث السياسي الإيراني، أن مقتدى الصدر هو رجل المرحلة، وهو القادر على تلك الأزمة، يقول عزيزي لـ «عربي بوست»، «يمتلك تيار الصدر أكبر وأهم كتلة برلمانية داخل البرلمان العراقي، ولديه قاعدة جماهيرية عريضة، بجانب أن الصدر كان له نفوذ كبير في اختيار عادل عبدالمهدي، وحكومته».

يرى عزيزي، أن المؤسسة السياسية في طهران، اختارت أن تدعم الصدر، وترفعه إلى مكانة رفيعة بين النخبة السياسية العراقية، في مقابل المساعدة في حل الأزمة السياسية الحالية في العراق.

ويبدو أن هذا بدأ يتحقق، بتكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة العراقية، وهو الأمر الذي رحب به الصدر، بعد أن كان في السابق يقول إنه يفوض المتظاهرين في اتخاذ قرار اختيار رئيس الحكومة.

بل إن الصدر طلب من أنصاره مساعدة قوات الأمن العراقية في فتح الطرق المغلقة منذ عدة أشهر بسبب الاعتصامات والاحتجاجات، مطالباً في ذات الوقت بعودة الحياة اليومية إلى طبيعتها، بعد تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة العراقية.

هناك عامل آخر، لاختيار إيران التحالف مع الصدر في هذا التوقيت، وهو عدم رغبتها في تورط الفصائل المسلحة الموالية لها أكثر من ذلك في قمع الاحتجاجات، خاصة بعد مشاعر الكراهية المتنامية من قبل المتظاهرين تجاه تلك الفصائل التي تورطت في حملات عنف ضدهم.

ترى طهران أن الحل يجب أن يكون سياسياً حالياً، لإنهاء الاحتجاجات، وإرساء الاستقرار في الداخل العراقي، لبدء تشكيل خطة جديدة للتعامل مع تطورات الأمور.

تعتقد الجمهورية الإسلامية، أن مقتدى الصدر، قادر أيضاً على مواجهة الوجود الأمريكي في العراق، فالرجل له تاريخ في مقاومة القوات الأمريكية منذ الغزو عام 2003، لكن في نفس الوقت كان من الضروري أن تقدم مقابلاً مغرياً، لضم الصدر إليها مرة أخرى.

يقول مصدر صحفي إيراني، رفض الكشف عن هويته، مطلع على لقاءات الصدر بالمسؤولين الإيرانيين في الفترة الأخيرة، لـ «عربي بوست»، «إيران والصدر، كلاهما يحتاج الآخر الآن، فإيران لديها سياسة جديدة تجاه العراق، والصدر يريد الحماية الإيرانية، والدعم المالي».

فى هذا الصدد، كان قد أشار موقع «جوان» الإخباري المقرب من الحرس الثوري، إلى أن الصدر بدأ في الميل تجاه إيران، منذ أن هاجمت طائرة أمريكية بدون طيار، مكتبه في مدينة النجف العراقية يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2019.

فى بداية الظهور السياسي لمقتدى الصدر، في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تلقى دعماً إيرانياً لتأسيس جيش المهدي التابع للصدر لمقاومة القوات الأمريكية، مستغلاً القاعدة الجماهيرية لوالده محمد صادق الصدر الذي كان له تاريخ طويل من النضال ضد النظام البعثي بقيادة صدام حسين، والذي قتل على يد القوات الأمنية للأخير.

بعد تورط جيش المهدي في الاقتتال الطائفي، غادر مقتدى الصدر العراق، واختار العزلة في مدينة قم الإيرانية لاستكمال دراسته الدينية في الفقه الشيعي.

 الصدر عاد  مرة أخرى إلى العراق في عام 2011، ليبدأ مرحلة جديدة في تاريخه السياسي، مبتعداً عن إيران، متبنياً خطاباً شعبوياً قومياً، وتبعه الكثيرون.

خاض التيار الصدري الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعام 2018، ليحصل التحالف الانتخابي التابع له «سائرون» على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية (59 مقعداً).

رفض مقتدى الصدر منذ عودته إلى الساحة السياسية، أن يكون أداة في يد إيران مثل بعض السياسين العراقيين، وعارض دور الفصائل المسلحة الموالية لإيران داخل الحشد الشعبي في الحياة السياسية.

منذ بدء الاحتجاجات العراقية، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، والمستمرة إلى الآن، أظهر تأييده الكامل لمطالب المحتجين، والوقوف بجانبهم.

فى سبتمبر/أيلول 2019، انتشرت صور له بجانب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، واللواء قاسم سليماني، في إحدى المناسبات الدينية الشيعية، مما أثار الجدل حول عودة الصدر السباحة مع التيار الإيراني مرة أخرى.

منذ يوم 3 يناير/كانون الأول، وبعد مقتل قاسم سليماني، قرر الصدر بشكل قاطع عودة تعاونه مرة أخرى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

يقول الباحث السياسي الإيراني حميد عزيزي لـ «عربي بوست»، «يبدو أن اغتيال الولايات المتحدة لسليماني، أثار خوف الصدر، فقرر اللجوء إلى الجانب الإيراني لمحاربة أمريكا، ويصبح الرجل الأهم بين النخب السياسية والعسكرية الموالية لإيران في العراق».

لكن هناك من له رأي آخر في هذا الصدد، يرى مصدر مقرب من التيار الصدري، رفض الكشف عن هويته، أن المعارك السياسية لابد من بعض المناورات بها، فيقول المصدر لـ «عربي بوست»، «يرفض الصدر تماماً أي تبعية لإيران، وما زال عند موقفه، لكنه يرى أنه لابد من التعاون مع طهران في ظل التغييرات الجديدة في المنطقة، لمواجهة الاعتداءات الأمريكية، ولضمان عدم تحويل العراق إلى ساحة حرب بسبب وجود تلك القوات على أراضيه».

بعد أن كان مقتدى الصدر، من أشد السياسيين العراقيين المؤيدين لمطالب التظاهرات العراقية، والتي تتوافق مع دعوته للقضاء على الفساد.

انتقد الصدر مؤخراً، تلك الاحتجاجات، قائلاً إن لديه عتباً على المتظاهرين في مختلف الساحات، وإن البلاد لن تتحمل المزيد من التدمير.

في يوم 24 يناير/كانون الثاني، نفس اليوم الذي خرجت فيه المسيرات التي دعا مقتدى الصدر أنصاره للمطالبة بإنهاء الوجود الأمريكي في العراق، جادل بعض المتظاهرون في ساحة التحرير ببغداد، وباقي الساحات العراقية، بخوفهم من تأثير مسيرات أنصار مقتدى الصدر على احتجاجاتهم.

في المساء من نفس اليوم، وحتى صباح يوم السبت 25 يناير/كانون الثاني، تعرضت الاحتجاجات العراقية إلى حملة قمع عنيفة في مختلف المدن العراقية، تحدث بعض المحتجين عن أن التعامل الأمني العنيف ضدهم كان نتيجة لتظاهرات أنصار الصدر التي جاءت استجابة لمطالب إيرانية.

كما اتهم البعض الصدر، بأنه يحاول الانقلاب على الاحتجاجات العراقية، بهدف تحقيق مكاسب سياسية بالتعاون مع طهران.

حسين (اسم مستعار)، أحد المتظاهرين في ساحة التحرير، يقول لـ «عربي بوست»، «أمر الصدر أصحاب القبعات الزرقاء بالانسحاب من ساحة التحرير، وكانت تلك هي الإشارة على انقلابه على الاحتجاجات».

وأصحاب القبعات الزرقاء، هم مجموعة من سرايا السلام، التابعة لمقتدى الصدر والمنطوية تحت لواء الحشد الشعبي العراقي، لكنهم غير مسلحين، كلفهم الصدر بحماية المتظاهرين في ساحات الاعتصامات.

ويرى أستاذ العلوم السياسية ببغداد، حيدر صادق، أن أخطر نتيجة لتعاون الصدر مع إيران مرة ثانية، هي محاولة إنهاء الاحتجاجات العراقية بأي شكل، فيقول لـ «عربي بوست»، «سيكون من الغباء المفرط، أن يفكر السيد مقتدى في أن يكون الأداة الإيرانية الجديدة، لإنهاء الاحتجاجات العراقية، يجب عليه التصرف بحكمة أكثر، ومحاولة تلبية مطالب المتظاهرين».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى