تقارير وملفات إضافية

«إيران صُعِقَت».. الغارديان: اغتيال سليماني يهدد ببداية فصل جديد مروّع في الشرق الأوسط

خلال مسيرته العسكرية الطويلة، ترك قاسم سليماني الشرق الأوسط يعُج بالجثث. والآن وقد انضم سليماني لهم أخيراً، كتبت وفاته النهاية لفصل شنيع من صراعات المنطقة اللامنتهية، لكن ما لبثت أن بدأت فصلاً جديداً قد يثبت أنه أسوأ بكثير. 

تقول صحيفة The Guardian البريطانية: لا يمكن لأحد التنبؤ بما سيحدث تالياً، وبالأخص الخصمين الأساسيين. ولا توحي أي من تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط إلى الآن بأنَّ اغتيال قاسم سليماني بضربة جوية نفذتها طائرة بدون طيار على مطار بغداد الدولي هو جزء من خطة مدروسة. 

أما طهران فمن الواضح أنها صُعِقَت بقفزة ترامب المفاجئة على سُلَم تصعيد التوترات. وفي أحدث جولة انتقامية للحرب بالوكالة في العراق، قُتِل متعاقد أمريكي في هجوم صاروخي يوم الجمعة، 27 ديسمبر/كانون الأول؛ مما أثار ضربات جوية انتقامية ضد معسكرات الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق، التي أدت بدورها إلى اقتحام رجال الميليشيات الموالية لإيران لمجمع السفارة الأمريكية، التي لم تسفر عن أية إصابات.

ونُفِّذَت عملية اغتيال سليماني بعيداً عن أية وكلاء، واستهدفت غرز خنجر مباشرةً في قلب النفوذ الإيراني.

وكان قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري رمزاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويمكن القول إنه كان ثاني أقوى شخصية بعد القائد الأعلى آية الله علي خامنئي. وكان قتله خطوة عسكرية «فجة» ضد قوة إقليمية كبرى. والقوات المسلحة الإيرانية، التي يبلغ قوامها نصف مليون جندي، هي أقوى تشكيل عسكري تواجهه الولايات المتحدة منذ جيش التحرير الشعبي الصيني منذ أكثر من 60 عاماً في كوريا.

لم يكن هناك شيء حتمي بشأن هذا الصراع. ومنذ ست سنوات مضت، بدأت تركة الكراهية التي خلَّفتها الثورة الإسلامية تتلاشى. وكان هناك اتفاق متعدد الأطراف للحد من البرنامج النووي الإيراني في عام 2015، واتفاقية عدم اعتداء متبادلة غير مُعلَّن عنها مع سليماني خلال الحملة المشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في سوريا والعراق.

وفي هذا السياق، قالت كريستين فونتينروز، المسؤولة السابقة عن العلاقات مع دول الخليج في مجلس الأمن القومي لترامب، لصحيفة الغارديان: «لفترة من الوقت عندما كنا ننفذ عمليات ضد داعش، كان لدينا اتفاق شرفاء معه (سليماني) بأن قواته لن تستهدفنا ولن نستهدفه».

لكن مع إلغاء ترامب للصفقة النووية لعام 2015، وانهيار خلافة داعش التي أزالت عدواً مشتركاً، أصبح سليماني ألد أعداء واشنطن.

وقالت كريستين: «كان صيداً ثميناً. حين تعرف أنَّ رجلاً بالغ الشر سيتواجد في موقع يمكنك ضربه، وتعرف أنك لن تحظى بفرصة مماثلة لعامٍ آخر».  

توقعت كريستين، التي تعمل الآن في مؤسسة The Atlantic Council البحثية الأمريكية، أنه في الوقت الذي قد تنفجر فيه الميليشيات المدعومة من إيران في العراق غضباً على الفور، انتقاماً لأحد كبار قادتهم الذي قُتِل مع السليماني -أبوالمهدي المهندس- فستفضل طهران الانتظار واختيار الوقت والمكان وطريقة الانتقام المناسبة، مراراً وتكراراً على مدى السنوات القادمة.

وقالت: «أعتقد أنهم سيحاولون استهدافنا في أجزاء أخرى من العالم؛ ربما في غرب إفريقيا أو أمريكا اللاتينية؛ لإرسال رسالة مفادها أنَّ بإمكانهم الوصول لنا في أي مكان. يجب ألا نشعر بالاطمئنان أبداً. أعتقد أنَّ الولايات المتحدة ستحاول نوعاً ما نشر هجماتنا بطريقة مماثلة».

وأضافت: «لا أعتقد أننا أمام حرب، بل ما ينتظرنا هي سلسلة من الضربات المتباينة شبه المتوقعة من كل جانب ضد مصالح الطرف الآخر».   

هناك عددٌ من الأسباب الوجيهة لافتراض أن هذا المستوى المتصاعد الجديد للصراع، الذي يقف في منتصف المسافة بين الحرب الباردة والساخنة، سيكون مستقراً. فكلا الطرفين لهما تاريخٌ طويلٌ من سوء تفسير نوايا وتجاوزات بعضهما. 

وبينما لا تتضح عواقب اغتيال سليماني، فالأكثر تأكيداً هو أن ترامب لم يفكِّر فيها ملياً. لقد اتَّخَذَ قراره بينما هو في إجازةٍ بمنتجعه في فلوريدا. فَعَلَ ذلك دون خطابٍ رئاسيٍّ كئيب لشرح أفعاله للأمة كما هو معتادٌ في مثل هذه الظروف المحورية في تاريخ البلاد، واكتفى بمجرد تغريدةٍ للعلم الأمريكي تاركاً البنتاغون ليطلق الإعلان. 

على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، فُرِّغَت عملية اتخاذ القرار المُتعلِّق بالأمن القومي من مضمونها، تلك العملية التي كانت في السابق تحسب إيجابيات وسلبيات القرار الأمريكي بعناية. لم يعد هناك ذلك العدد القليل من الاجتماعات السياسية. وقد غادَرَ المُفكِّرون المستقلون في فلك ترامب المسرح، تاركين رئيساً يثق في نهاية المطاف في غرائزه أكثر من أيِّ خبير. 

هذه هي الغرائز التي أدَّت بالولايات المتحدة وإيران، أكثر من أيِّ عاملٍ آخر على الإطلاق، إلى هذه النقطة، ولا سيما كراهية ترامب الصاخبة لسابقه، باراك أوباما، وإرثه الدبلوماسي -صفقة 2015 النووية. صار تدمير الصفقة وخنق إيران اقتصادياً ضرورةً مركزية في السياسة الخارجية الترامبية. 

أما أولئك المعاونون الذين ظلوا في فلك الرئيس، فقد نجوا لأنهم يعرفون كيف يُردِّدون صدى اندفاعاته، ورغبته في تدمير كافة آثار أوباما، وهم الآن يشاركون الرئيس تركيزه على إعادة انتخابه. 

تقول الغارديان: من المُرجَّح أن قرار اغتيال سليماني قد اتُّخِذَ مع الأخذ في الاعتبار انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني -كيف قد يكون ذلك الاغتيال بمثابة الكلمة الأخيرة في مسار الحملة الانتخابية، لتغطي على ظفر أوباما برأس أسامة بن لادن. 

لكنها ستكون قصةً ستُروى على خلفية المزيد من الهجمات، والمزيد من الريبة، والمزيد من الخوف. 

حذَّرَ المُقدِّم المتقاعد دانيال ديفيس، المحارب القديم في أفغانستان والعراق الذي يعمل الآن لدى مؤسسة Defense Priorities الاستشارية، قائلاً: «إذا تصاعَدَت الأمور إلى حرب، من المؤكَّد أنها لن تفيدنا مُطلَقاً. ستكون كارثةً على الجميع». 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى