سيدتي

احتفظت بفستان زفافها في خزانتها 18 عاماً.. فلسطينيات يروين قصص التحدي والحب الذي تجاوز جدران السجون

جلس عبدالكريم مخضر وجنان سمارة جنباً إلى جنب على أرجوحة يحدقان بمنظرٍ خلاب لتلال الضفة الغربية. إنَّهما معاً أخيراً بعدما أمضيا 18 عاماً مفترقَين.

في قرية عمورية، جنوب مدينة نابلس الواقعة شمال الضفة الغربية، كان لدى الثنائي عدد لا يُحصى من القصص لروايتها، وتشاركا التفاصيل التي حرصا على عدم نسيانها حتى قدوم ذلك اليوم الذي تمكَّنا فيه أخيراً من التحدث وجهاً لوجه، كما يقولان لموقع Middle East Eye البريطاني.

تنهَّد عبدالكريم بعمق وأغلق عينيه وفتح يديه. وقال: “الحرية”. وبالنسبة لجنان، فقد أعادت لجملة نفسها مراراً وتكراراً: “ما مرَّ كان كابوساً. اليوم نحيا الحقيقة، نعيش في الواقع”.

في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، وقفت جنان (44 عاماً)، عند نقطة تفتيش قرب مدينة جنين، حاملةً باقة زهور وبانتظار الإفراج عن خطيبها من أحد السجون الإسرائيلية. وحين ظهر عبدالكريم (48 عاماً)، انتهى انتظارهما المرير من أجل الزواج. عانق أحدهما الآخر، وشبَّكا أصابعهما، ووعدها بأنَّهما لن يفترقا مجدداً.

بعد أيام، تمكَّنت جنان أخيراً من ارتداء فستان الزفاف الذي احتفظت به في خزانتها فترة طويلة جداً، وانتقل الزوجان إلى منزلهما الجديد في عمورية.

صرَّحت جنان لموقع Middle East Eye البريطاني، بأنَّها بدأت في عام 2013 إكمال المنزل الذي بدأ عبدالكريم بناءه قبل اعتقاله. وقالت إنَّها دهنت المنزل كاملاً باللون الأبيض، ليمنح زوجها المستقبلي إحساساً داخلياً بالسلام، بعيداً عن المكان القاتم الضيق الذي كان محتجزاً به. وكانت ترسل له صورةً كل شهر، تُظهِر التقدُّم الذي أحرزته في المنزل.

قال عبدالكريم: “كنتُ أختلف معها في بعض الأمور؛ فلم أفهم اختيارها للون الأبيض، لأنَّني لم أكن أرى إلا الألوان القاتمة في السجن. لكن حين أُطلِق سراحي، ذُهِلتُ من جمال المنزل”.

بدأت العلاقة بين جنان وعبدالكريم عام 1999، حين كانا طالبين بجامعة القدس المفتوحة، في مدينة سلفيت الفلسطينية. وأعلنا خطبتهما في 17 يونيو/حزيران 2002، في خضم الانتفاضة الثانية. آنذاك، كان عبدالكريم مطلوباً من الجيش الإسرائيلي منذ 20 شهراً قبل أن يُعتَقَل أخيراً.

قال عبدالكريم للموقع: “أخبرتُ جنان منذ البداية بأنَّني هدف، وأنَّني قد أُستشهد، أو قد أُصبِح عاجزاً بنيران الجيش، أو قد أُعتَقَل فترة طويلة. كان ردها أنَّها ستبقى بجانبي في كل تلك الحالات، وقد التزمت بوعدها حتى هذا اليوم”.

كان عبدالكريم قد نشأ في الكويت قبل أن تعود أسرته إلى بلادها بعد حرب الخليج 1991. واعتُقِل بعد عودته بفترة قصيرة وحُكِم عليه بالسجن 7 سنوات، لكن أُطلِق سراحه بعد 10 أشهر كجزء من اتفاق أوسلو 1993.

ذهب عبدالكريم إلى نابلس في 28 سبتمبر/أيلول 2002؛ لشراء هدية لجنان، وكان يعتزم زيارتها بعد ذلك. لكنَّ الجيش الإسرائيلي اعتقله عند نقطة تفتيش كان قد أقامها على الطريق إلى قريتها. قالت جنان: “حين سمعتُ بأنباء اعتقاله، صُدِمتُ بشدة ولم أستطع الأكل أو مغادرة السرير لأيام”.

حكمت المحكمة العسكرية الإسرائيلية على عبدالكريم بعد 11 شهراً من اعتقاله. وتواصَل مع خطيبته آنذاك وأخبرها بأنَّها يمكنها الاختيار بين إنهاء خطبتهما أو الانتظار.

وقال عبدالكريم: “لم يأتِ قرار جنان انتظاري من منطلق الشفقة؛ بل من ولائها لوطنها، ورغبتها في أن تكون جزءاً من هذه المعركة”. وقالت جنان: “لم أفوِّت فرصة واتتني لزيارته. الزيارات كانت كالعيد”.

وأضافت: “كان عليَّ البقاء قوية من أجل نفسي ومن أجل عبدالكريم، لكنَّ غيابه كان صعباً ومؤلماً”.

وتابعت: “مرَّ 38 عيداً من دون عبدالكريم… أسرتي، وأسرته أيضاً، دعمتاني بقوة طوال الوقت وحاولتا تعويضي عن غيابه”، مضيفةً أنَّ وفاة والدته في 2010 كانت موقفاً صعباً للغاية. وإعجاباً بوالدة عبدالكريم، أعلنت جنان أنَّها ستُسمِّي أولى بناتها “فريدة”.

وليست حالة جنان وعبدالكريم حالة نادرة؛ بل واقع سيستمر طالما ظلَّ آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

بدأت علاقة مماثلة قبل ثلاث سنوات بين صمود سعدات (34 عاماً)، من مدينة رام الله، والأسير الفلسطيني عاصم الكعبي (42 عاماً)، من مخيم بلاطة للاجئين في نابلس. ووالدها، أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، محتجز هو الآخر ويقضي حكماً بالسجن 30 عاماً في أحد السجون الإسرائيلية.

بدأت علاقة “صمود” مع عاصم عام 2017 أثناء التواصل بينهما من خلال عملها في مؤسسة “الضمير”، وهي مؤسسة لرعاية الأسير وحقوق الإنسان مقرها رام الله.

قالت “صمود” للموقع: “أُعجِبتُ خلال تواصلي مع عاصم بروحه البهيجة، وإقباله على الحياة وعقله المتفتح، بعد كل تلك السنوات الطويلة في السجن”. وأضافت: “كلُّ ما فكرتُ فيه هو أنَّ عاصم يستحق الحب والوقوف بجانبه في السنوات القليلة المقبلة المتبقية له في السجن”.

خُطِب عاصم و”صمود” بعد 7 أشهر، لكن كان عليهما الاحتفال في حفلين منفصلين. فأقام عاصم تجمعاً صغيراً داخل سجن النقب مع زملائه الأسرى الذين وزَّعوا الحلوى وهنَّأوه.

تتجاوز خطبة “صمود” لأحد الأسرى الجانب الشخصي، فهي أيضاً رسالة إلى العالم بشأن الحالة الإنسانية للأسرى السياسيين. فقالت: “رسالتنا من خلال فعلنا هذا هي أنَّنا نحاول اغتنام فرحتنا على الرغم من القيود والسجن المفروض علينا من الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحرمنا من رؤية أحبائنا”.

سُمِح لـ”صمود” برؤية والدها مرة واحدة فقط، في عام 2015، منذ اعتقاله عام 2006. وكانت تخشى أن تمنعها السلطات الإسرائيلية من زيارة خطيبها أيضاً.   

وبعد رفض طلبها الأوليّ للحصول على إذن بالزيارة، كان على “صمود” تقديم التماس للمحكمة العليا. وتمكَّنت في نهاية عام 2019، بعد عملية طويلة ومرهقة، من زيارة كلٍّ من والدها وخطيبها. 

لكن عكس جنان، تُفضِّل “صمود” الانتظار قبل التحضير لزفافها. وقالت: “مُنِعتُ أنا وعاصم من أن نشهد معاً تفاصيل البحث عن فستان، واختيار قاعة الزفاف، وكتابة الدعوات. سنفعل تلك الأشياء معاً حين يتحرر”. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى