منوعات

استبعاد فيلم من جوائز الأوسكار لأنه نيجيري! فلتذهب عنصرية السينما الأمريكية إلى الجحيم

لقد
استوعبت أخيراً النظرة الأمريكية إلى العالم عندما أجريت مؤخراً مقابلة مع شخص
أمريكي مثقف وناجح وذي وعي سياسي وعرقي. ذكرت شيئاً ما عن الإمبراطورية
البريطانية، فنظر إليّ بصراحة وسألني قائلاً: «ما هذا بالضبط؟».

هذا
ليس انتقاداً للمواطنين الأمريكيين، فكثير من البريطانيين أنفسهم لا يعلمون تاريخ
إمبراطوريتهم. إنها سمة ما يجري تدريسها في المدارس ونشرها في وسائل الإعلام، وهي
ما يُعتبر بمثابة نظرة محدودة إلى الأمور.

لكن
الأخبار المتداولة هذا الأسبوع عن جوائز الأوسكار لعام 2020 أعادت هذه النقطة إلى
الأذهان؛ إذ كانت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة تدرس ترشيح فيلم نيجيري
يُدعى Lionheart لجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية. شاهدت هذا
الفيلم عند صدوره العام الماضي؛ بدافع التجربة الجديدة المتمثلة في رؤية فيلم من
صناعة نوليوود السينمائية المزدهرة في نيجيريا يُعرض عبر شبكة نتفلكس.

يسلط
الفيلم، وهو من بطولة وإخراج النجمة النيجيرية جنيفيف نناجي، الضوء على الأسرة والطبقية
الاجتماعية والتمييز على أساس الجنس والسياسة وشكل الحياة في دلتا النيجر. يقدم
الفيلم صورة أصيلة عن الحياة النيجيرية للمشاهدين الذين لا يعرفون أي شيء عن
نيجيريا. وعلى الرغم من أن عدم ترشيح أي فيلم نيجيري لجائزة الأوسكار من قبل قط
أمر يصعب تصديقه، يُعتبر هذا الفيلم خياراً جيداً ليكون أول ترشيح لنيجيريا. ومع
ذلك، استُبعِد فيلم Lionheart من الترشيحات بحجة كثرة استخدام اللغة الإنجليزية فيه.

في
الواقع، يحتوي فيلم Lionheart على حوارات بلغة الإيغبو
التي يتحدثها ملايين الأشخاص في شرق نيجيريا. لكن الفيلم يعكس الطريقة التي يتحدث
بها كثير من النيجيريين -باعتبارهم مواطني مستعمرة بريطانية سابقة- في حياتهم
الواقعية. ومثلما هو الحال في معظم دول غرب إفريقيا الناطقة بالإنجليزية، يُمارَس
التعليم والسياسة والنشاط الاقتصادي الرسمي باللغة الإنجليزية، التي يبادلها
المواطنون بالعشرات -وبالمئات في حالة نيجيريا- من اللغات الإفريقية التي
يتحدثونها أيضاً. هذا هو إرث الإمبراطورية، وهذا الإرث هو الشيء الذي يبدو أن بعض
المؤسسات الأمريكية غير قادرة على استيعابه، على الرغم من أنها كانت جزءاً منه.

وعلى
هذا النحو، تتوقع الأكاديمية الأمريكية أن تكون الأفلام التي تتنافس على جائزتها
لأفضل فيلم بلغة أجنبية غير ناطقة بالإنجليزية قطعاً. تُعتبر قواعد الأكاديمية واضحة للغاية في هذا الشأن، إذ تنص
على تعريف الفيلم بلغة أجنبية بأنه «فيلم سينمائي طويل (أي مدته أطول من 40
دقيقة) أُنتِج خارج الولايات المتحدة وبحوار غير ناطق باللغة الإنجليزية».

لكن
هذه القواعد تنطوي على مقتضيات غير معقولة. فعلى سبيل المثال، يحتوي الفيلم الجزائري بابيشا -المرشح للفوز بجائزة الأوسكار
لأفضل فيلم بلغة أجنبية- على كثير من الحوارات باللغة الفرنسية، وهي اللغة التي
ورثتها الجزائر عن المستعمرين. ويبدو أن الرسالة هي أنه طالما تحدثت إمبراطوريتك
بلغة يعتبرها الأمريكيون «لغة أجنبية» -بمعنى آخر أي لغة عدا
الإنجليزية- فيمكنك التحدث بها والحفاظ على أصالتك. أما إذا كان لديك تاريخ
إمبراطوري مشترك مع الأمريكيين وكانت اللغة الإنجليزية هي اللغة المشتركة في بلدك،
فإن التحدث بها يؤثر على أصالتك.

إنه
أمر مثير للسخرية على عدة مستويات؛ إذ إن أحد الأسباب التي جعلت البلدان الإفريقية
تستغرق وقتاً طويلاً لبناء صناعات الأفلام الحديثة هو أن بريطانيا بذلت جهوداً
مضنية لقمع هذه الدول، مع فرض استخدام اللغة الإنجليزية عليها. ورأى البريطانيون
أن قوة السينما تمثل أداة دعائية مهمة لأغراضهم الخاصة؛ وبالتالي شددوا على أهمية
فرض الرقابة على أي عمل فني قد يمنح الشعوب الإفريقية إحساساً بالفخر بتاريخها
وتراثها.

والآن
يُستَخدم هذا التاريخ الاستعماري نفسه للتعتيم على تحدي الدول الإفريقية للصعاب
وإنجازاتها في صناعة السينما.

الرسالة
المفهومة من جوائز الأوسكار هي أن الدول الإفريقية التي كانت مستعمرة من بريطانيا
يجب أن تقدم أفلاماً بلغة إفريقية -بغض النظر عن اللغة التي يتحدثونها في الواقع-
من أجل استرضاء أفكار الأمريكيين عن ماهية الأصالة الإفريقية. إنه نوع جديد من
الاستعمار المضاد تمارسه الأكاديمية التي من المفترض أنها ما زالت تتعلم من دروس
الماضي بعد حملة #OscarsSoWhite التى اتهمت المسؤولين عن جوائز الأوسكار
بالانحياز للممثلين البيض.

ومن
الواضح أن مؤسسة
السينما الأمريكية تعاني لفهم
فكرة أن هناك شعوباً إفريقية تتحدث اللغة الإنجليزية. لقد أدرك المشاهدون هذه
الفكرة: زادت إيرادات شباك تذاكر نوليوود بنسبة 36% العام الماضي، وأيضاً أدركتها خدمات
البث: تُعد شبكة نتفلكس وشركة ستار تايمز الصينية من بين المتسابقين للاستفادة من
الطاقة والمواهب المذهلة التي تخرج من صناعات الأفلام الإفريقية من نيجيريا وبلدان
إفريقية أخرى، وأدركها المستثمرون الدوليون أيضاً مثل مجموعة قنوات +CANAL
الفرنسية التي استحوذت للتو على استوديو نيجيري كبير، لكن الأكاديمية لم تدركها بعد.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى