دنيا ودينكتاب وادباء

اسلام أم …( سيرة ذاتية )..” الحلقة الأولي “

قصتى الواقعية هدية الى قرائى الأحباب عبرة وعظة

بقلم الأديب الكاتب

دكتور جمال محمد

=========================

ترددت كثيرا قبل سرد قصة اسلام والدتي و ما أحاط بها من أمور خاصة , كونها شخصية في المقام الأول , الي أن خلصت الي وجوب نشر هذه القصة الانسانية , لسببين , أولهما أن نشأتي كانت و بلا أدني مواربة وكما سيتبين سيساوية في المقام الأول , و أقصد هنا فصل الدين عن الحياة تماما , كما بينتهما في آخر مقالين لي علي الموقع , خاصة آخرهما مقال : تشخيص مرض السيساوية , و ثاني الأسباب حتي تنعقد مقارنة تلقائية بين تلك النشأة البعيدة عن الدين و من كتب سلسلة مقالات القصص القرآني و واقعنا المعاصر و غيرها من المقالات , و التي شرفني الموقع بنشرها و كم أتمني أن يكون أغلب رواد الموقع الكرام قد تابعوها …فتلك النشأة حقيقة قد أثرت بشكل كبير علي ما كتبت و ما زلت أكتب و كأنني أبعث بتلك المقالات الي نفسي أربعين سنة عبر الماضي حيث كنت أتمني أن أجد من يشرح لي حقيقة العقيدة و أهميتها عمليا و واقعيا في حياة المسلم في ذلك الوقت , و ها أنا انطلاقا من افتقادي لذلك الأمر في الماضي و الذي هو حقيقة الكثيرين في الحاضر ( خاصة السيساوية ) أبدأ بداية صحيحة لايضاح الأمر و أهميته في تلك الحقبة الانقلابية التي نعيشها وسط سيساوية و ما أكثرهم , لتظهر أيضا أهمية حفظ القرآن و تدبره و الحياة من خلاله في زمن الفتن الذي نعيشه و أخبر عنه الرسول عليه الصلاة و السلام .

القصة

ربما تتلخص في عدة أسطر , و لكن ما يهم حقا هو ما أحاط بها من ملابسات و تجارب انسانية, هي واقع الكثيرين ممن تربوا بعيدا عن التعاليم الدينية و ما أكثرهم , و أنا منهم . أريدكم أن تعايشوا معي بعد اذنكم نشأتي , حتي يتسني لكم الشعور بما شعرت به لحظة احتجت فيها الي أي معلومة عن الدين الاسلامي , فلم أجد , بل وجدتني لا أعرف أي شئ عن الدين و أقصد بهذا …………ولا أي حاجة , فتحملوني من البداية .

النشأة :

====

ولدت عام 1958 من أب مسلم بالطبع و أم مسيحية , و كنت قرة أعين والدي و علي الأخص أمي , التي كانت تنتمي الي طائفة الروم الأرثوذوكس ( فوارق لا يعرف كنهها كل المسيحيين دون مبالغة ) , و لم يكن لها سوي أخت واحدة و جدتي التي تنتمي الي طائفة الروم الكاثوليك و كانت تقيم معنا , و ليس عند خالتي المسيحية و زوجها . ألحقني أبي بمدرسة من افضل مدارس مصر الأجنبية آنذاك و التي كانت تعد علي أصابع اليد الواحدة في الستينيات و كانت تنتمي الي طائفة الأقباط الكاثوليك , أي تتبع الفاتيكان , كما أن الرهبان مصريين و أجانب كانوا ينتمون الي طائفة الكاثوليك . و مما يتضح أن بيتي و مدرستي و أصدقائي كانوا كلهم تقريبا من المسيحيين , و طبعا كنت أعتبر المسيحية ديانة مثلها مثل الاسلام .

لم يكن يشغلني في حياتي أو طفولتي سوي أن أكون دائم التفوق , فكنت أول المدرسة دائما و طالبها المثالي , حتي أن الادارة الأجنبية بالمدرسة , وكنت بالصف الثالث الابتدائي , طلبت من والدي أن ينقلوني الي صف أكبر لقدراتي العقلية و لكنه رفض . كان شغلي الشاغل دائما أن أكون الأول , هكذا رباني أبي , المركز الثاني معناه أني فاشل , ولذلك كان يشار الي بالبنان في المدرسة حتي عندما جاء مندوب أو ممثل الفاتيكان مرة في زيارة لمصر كنت أنا الذي استقبلته بكلمة المدرسة و هديتها , و كنت في الصف الخامس أو السادس الابتدائي . و بالطبع كان بالمدرسة كنيسة لكل مرحلة تعليمية , و أذكر أننا كنا نجلس بداخلها أيام حرب 1967 .

خالتي و أولادها السبعة كانوا ينتنمون الي الطائفة القبطية الأرثذوكسية , و بالتالي كنا نحتفل بكل الأعياد , حتي شجرة الكريسماس كنا نبنيها في المنزل و طبعا رأس السنة و أعياد الأقباط , و كنت سعيدا , أغلب السنة أعياد , و لكن طبعا احتفال الكريسماس في المدرسة ورأس السنة كان له شأن آخر , بل ربما كنا نحتفل بأعياد المسيحيين أكثر منهم .

كانت هوايتي القراءة , و لذلك كان أغلب انشغالي فترة الشتأء كانت في المذاكرة و القراءة , و لم يكن للدين أي أهمية و لا مكان له في حياتي سوي أني أعرف أني مسلم . و أما في الصيف كله كان في حمام السباحة بالنادي الأهلي حيث كنت بطلا للجمهورية في سباحة الفراشة , و أول من حصل علي ميدالية ذهبية في البطولة العالمية للأندية في دارمشتاد بألمانيا الغربية 1974 .

حكيت ما سبق لتتخيلوا معي تلك النشأة المتوجة بالنجاح صيفا شتاء , و كان هذا يعطيني الرضاء الذاتي , ورضاء والدي , فابنهم ناجح في كل شئ , و لكن …….ليس للدين مكان في حياتنا . أبي كان يصلي بالطبع و لكن تلك نقرة و تلك نقرة , ( ماهو أغلب السيساوية بيصلوا مثلا ) , و كنت أصلي لكن ليس بانتظام , حتي عام سبتمبر 1974 , كان انتظامي في الصلاة و لذلك قصة في مقام آخر .

و مما يثير الدهشة أن والدتي كانت هي التي تنصحنا دائما بالصلاة , أكثر من أبي , أنا و أخواتي الاثنتين اللتين كانتا في احدي مدارس الراهبات , و التي تنتمي الي طائفة الروم الكاثوليك .

لم تكن والدتي دائمة الذهاب للكنيسة بسبب اهتمامها بالبيت و أموره و تربيتنا , مع أنها تربت علي يد الراهبات و جدتي كانت تعمل قبلها مع الراهبات, و كانت جدتي دائما تلومها علي ذلك , و لم يكن أبي ليمنعها اذا أرادت الذهاب . و كان أغلب أصدقائنا أيضا من المسيحيين علي طوائفهم المختلفة خاصة المارون و الكاثوليك , لأنهم ” أشيك ” المسيحيين . و للأمانة لم تكن تأكل أمامنا في رمضان . و كانت اللغة الفرنسية هي لغة تعليم أمي و جدتي , فنشأت أتحدث الفرنسية و أغانيها حتي قبل الذهاب للمدرسة .

كان أبي يعمل صحفيا باحدي الجرائد القومية , الي جانب كونه مترجما و له الكثير من الكتب المترجمة , الي جانب عمله في السفارات الأجنبية علي ال”تيكرز” قبل التليكس فكان عملة نادرة لامكانياته , و لكن أغلب اليوم هو بالعمل خارج المنزل لا يعود الا ليلا.

و كما أسلفت كنت أحب القراءة حتي أني قرأت كل ما في مكتبة دار المعارف للنشأ , و بدأت القراءة لطه حسين و العقاد و المنفلوطي و غيرهم من المرحلة الاعدادية , و لكن ……………لم يكن عندي أي اهتمام بالقراءة في الأمور الدينية .

نشأت أخاف و أنتفض من كلمة ” اخونجي “ بسبب أبي الناصري حتي النخاع , و لا أدري لماذا , بس هي كانت حاجة وحشة و خلاص , دول ناس وحشين , و كذا كلمة ” السنية ” , متشددين و متعصبين و وحشين و أجلاف , فلم تكن كلمة الارهاب اخترعت بعد .

هذه كانت النشأة التي انتقلت من خلالها لي كلية الطب 1976.

اعدادي طب :

========

كان كل أصدقائي في اعدادي طب من المسيحيين , عشرة العمر من المدرسة , حتي ان احدي طالبات الدفعة مرة قالت لي انها زعلانة مني ….لأنها لم ترني في الكنيسة الأسبوع الذي قبله , و ان دل ذلك علي شئ , فانما يدل علي أنني كنت محاطا دائما بالمسيحيين , فكأنها كانت تتخيلني في الكنيسة و لم يكن الكثير يصدقون أنني مسلم .

أولي طب :

=======

كانت مرحلة الانتقال و التغيير في حياتي1977 , أول مرة أري شباب بدقون ( ملتحين ) و هذا الكم من المحجبات , و بدأت أحس و أستشعر أن ديني غالي عندي و أني مقصر فيه , و أني …..بحبه . و كانت البداية عند وقوفي خارج المسجد في انتظار أن يختم المصلون صلاتهم لأدخل أصلي , حتي جاءني في مرة أخ من الجماعة الاسلامية ( للأسف أعز أصدقائي الي الآن و أستاذ الكلي الصناعي بعين شمس , بس أصبح سيساوي ) يستوضح سبب وقوفي أخبرته أني لا أعرف كيف أصلي اذا لم أبدأ معهم من البداية , فأخذ بيدي و علمني صلاة الجماعة , و بدأت الصلاة في المسجد وتذوق حلاوتها , كما بدأت قراءة سيرة الرسول عليه الصلاة و السلام للمرة الأولي بتمعن , فبدأ قلبي يلين للاسلام و أستشعر حب ديني , و استمريت في صلاة الجماعة خارج الكلية بالمسجد القريب من المنزل و لم أعد أطيق أن أصلي بالمنزل . و لذلك كل من يسألني عن طريق البداية في طريق الدين , أنصحه أولا بالالتزام بصلاة الجماعة ففيها البركة تحل , و أقول له انتظم شهرين في صلاة الجماعة ثم تعالي نبدأ حديثنا في الدين . هل أنتم معي تتخيلون المرحلة التي كنت فيها أو وصلت اليها ؟؟!!

و لمن سأل كثيرا عن قصة اسلام أمي , أقول له أنه في حينها فقط بدأت أفكر جديا أن أمي ستدخل النار , بل و أصبح هذا الخاطر شاغلي الشاغل , يؤرق مضجعي و يمنعني النوم أحيانا , و استحوذ علي كل تفكيري , فقد عشت حياتي السابقة لم أفكر قط في هذا الموضوع ..بل كانت قناعتي مدام الواحد كويس حيدخل الجنة بغض النظر عن دينه . فلم أكن ساعتها ذاك الذي يحفظ القرآن أو يكتب خواطره حول القرآن , بل الذي بدأ يقرأ القرآن للمرة الأولي في حياته 1977.

هل لكم أن تتخيلوا أو تتصورا بنائي النفسي أو الايماني أو تكويني الشخصي ؟ و أنا أضع علي عاتقي تلك المهمة الشاقة بالنسبة لي , أن أدعو أمي للاسلام و أنا لا أعرف ألف باء الاسلام بل ان كل ما عرفته كان مغلوطا حتي في الصلاة . و بارك الله في أولئك الأخوة من الجماعة الاسلامية الذين جعلوني أحس علي الأقل أني مسلم عليه واجبات تجاه دينه , و أن دينه أغلي عليه من نفسه و أهله , و وضعوني من حيث لا يدرون في بداية طريق الدين القويم.

لم أستطع الانتظار وصممت علي مفاتحة أمي في الاسلام , في أحد الأيام التي تركت فيها الكلية وذهبت للمنزل و أنا أعرف أن أمي وحدها , و أنا أنوي مفاتحتها .

المحاولة اولي :

==========

كانت أمي وحدها و أخبرتها أني أريد مفاتحتها في موضوع هام و أني رجعت من الكلية لذلك , وكنت من السذاجة بمكان لتصوري أن الموضوع سينتهي بكلمتين و بس .

أنا : أمي انتي ليه ماتبقيش مسلمة زينا ؟

أمي : انت فايق و رايق

أنا : أمي بتكلم بجد , انتي ليه ماتبقيش مسلمة زينا ؟

انتي مش مؤمنة بالله و الرسول

أمي : طبعا
أنا : طب خلاص , فين المشكلة
أمي : انت حتعمل زي أبوك مرة كلمني من زمان و جابلي شيخ يكلمني مافهمتش منه حاجة و جابلي 3 كوبايات و قعد يشرح لي و انا مش فاهمة هو عايز ايه !! .

و دار الكلام علي نفس المنوال , و حاولت أستجمع ما أعرفه عن الاسلام …………و كانت المفاجأة = لا أعرف أي شئ عن ديني أدعو به , أو حتي أتحدث عنه أو أكتب عنه موضوع انشاء و أنا الذي كنت أكتب مواضيع الانشاء يقرؤها الجميع في المدرسة و المنطقة منذ كنت في الصف الخامس الابتدائي .

أسقط في يدي , و قلت أؤجل الموضوع , يمكن أمي مش في بالها دلوقتي و مشغولة.

المحاولة الثانية :

=========

بنفس الطريقة , رجعت من الكلية مصمما هذه المرة ألا أترك أمي الا و قد أسلمت .و بدأنا بنفس الأسئلة و نفس الاجابات .

أمي : بكلمك المرة دي بجد , مش ناوية بقي تسلمي ؟
أمي : انت ايه اللي مطلعها في دماغك كدة ؟

أنا لا بسرق و لا بكدب و لا بزني و بحب جوزي و بيتي و أولادي و عايشة ليهم و مولعلكم صوابعي عشرة …أجابت بتلقائية شديدة فقد كانت هذه هي حياتها بالفعل و اهتمامها بنا و باحتياجات المنزل هو كل حياتها .

أنا : أيوة يا أمي مقلتش حاجة بس عشان نبقي كلنا زي بعض

أمي : سيبني بقي أحسن أقول لأبوك

أنا : مش حسيبك غير لما تسلمي , مش ناوية بقي تبقي مسلمة ؟

أمي : لأ

أنا : ليه ؟

و هنا كانت الاجابة الصادمة , الصاعقة , التي حكيت ما حكيت قبلها و أسهمت في بعض التفاصيل لتصلوا معي شعوريا الي شعوري و دهشتي و حزني و ألمي و استغرابي حين سماعها , و كأني طعنت طعنة بسكين احتبست معها الأنفس فلم أعد أستطيع التنفس و لا حتي اصطناع الابتسام من هول الاجابة الغير متوقعة علي الاطلاق , و لكنها سبحان الله , كانت هي البداية التي فتح الله بها علية بعدها لأجد مدخلا , أعرف عن طريقة الأخذ بيد أمي الي الاسلام .

و هذا ما سنكمله ان شاء الله و قدر في المقال القادم , لتتيقنوا معي أن لكل انسان مدخله الخاص المختلف عن غيره , الذي يدل في النهاية الي طريق الله , ذلك الطريق الذي سرت فيه الي أن أكرمني الله بحفظ كتابه و كتابة خواطري حوله , و التي تقرأونها علي هذا الموقع المحترم .

ذاك الطريق الذي يجعلنا حين نصلي نتوق الي الخشوع الذي يلهمنا الصدق في الدعاء , و يجعلنا نستشعر الحاجة الماسة الي ذاك الطريق و نحن نتلوا في كل ركعة ” اهدنا الصراط المستقيم .”

حقيقة , حين أحكي لكم قصة اسلام أمي , أشعر كأني أيضا لم أكن مسلما و صرت مسلما , مما أثر يقينا علي ما أكتبه الآن من مقالات , أحس ما يحتاجه أغلب الشباب البعيدين عن الدين ليبدأوا به طريقهم الي الله , فقد عشت ما يعيشه أغلب الشباب الآن من ضياع و بعد عن الدين , الي أن وصلت الآن لتلك القناعة أن الاسلام هو ………….الحياة .

اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى