آخر الأخباركتاب وادباء

اسلام أم …( سيرة ذاتية ) …” الحلقة الثانية “

بقلم السياسى والدينى

 

دكتور جمال محمد

  ========================

 المسلمين دول قتّالين قُتَلَي

لا أزال أذكر تلك الكلمات التي نطقت بها أمي حين ألححت عليها لماذا لا تسلم , تلك الكلمات التي كانت كطعنة خنجر , أصابتني بعده غصة حاولت بعدها حتي تصنع الابتسام …فلم أستطع . و ان كنت قصصت ما قصصت في الحلقة الأولي حتي يصل من يقرأ كلامي الي ذلك الاحساس القاسي و الشعور بالعجز و أنا لا أستطيع أن أدافع عن ديني الذي لا أعرف عنه شيئا الا الصلاة و الصيام كطقوس مصمتة بلا روح , و وجدت نفسي بداخلي أصب غضبي علي ذلك الاعلام الذي شوه الدين و أوصل أمي التي تعيش معنا تحت سقف واحد , بل و نحن كعائلة , و أنا بالذات أحب الناس اليها , الي تلك القناعة أن الاسلام دين الارهاب

الدعاء

فهل وصلت الرسالة اليك يا قارئ كلماتي ؟؟

…..و هل وصل اليك ما يفعله اعلامنا القذر المسيس بالدين و تشويهه ؟؟ حربا علي الاسلام من بني جلدتنا و الذي وصل الي أوجه في هذه الأيام , و هذا ما ذكرته في آخر مقالتين لي ؟؟ لا أزال الي الأن أحمد الله و لا أوفيه حقه أن ثبتني آنذاك و أن ألهمني الرد المناسب , بل و فتح عليّ بذلك المدخل الي قلب أمي , عندما وجدت نفسي أواجه ذلك العجز مرة اخري في حواري معها , و أنا لا أعرف أي شئ عن ديني كما أسلفت الذكر في الحلقة الأولي , و تعلمت درسا عندها أن الانسان لا يغرق التفكير في ثاني خطوة يخطوها الي الله , فالله يهيئ أسبابا لم تكن لتجول بالخاطر معينا للانسان الذي يصدق في التوجه الي رب الأسباب , مما كان له ذلك الأثر علي ما أكتب في كتاباتي و مقالاتي الي الآن .

أمي : أصل المسلمين دول قتّالين قُتَلَي .

أنا : ليه يا أمي بتقولي كدة ؟؟

ما هو انتي عندك البروتستانت و الكاثوليك بيقتلوا في بعض في انجلترا و ايرلندا , و ياما فيه تفجيرات في بلفاست , و محدش قال عليهم ارهابيين !!

أمي : أنا عارفة بقي ؟ التليفزيون بيقول كدة .

أنا : أقول لك حاجة يعني مثلا لما واحد مسيحي يسرق , يبقي المسيح أو المسيحية بتأمر بكدة ؟؟ العيب في الناس مش في الدين .

المدخل :

======

هذه اللحظة ألهمني الله مدخلا الي قلب أمي آتي ثماره مغدقا … أنا : أمي , عايز أقول لك حاجة .

أمي : قول .

أنا : انتي مش مؤمنة ان كلنا حنموت ؟

أمي : أيوة طبعا .

أنا : و مش مؤمنة ان فيه يوم قيامة , و جنة و نار ؟

أمي : أكيد .

أنا : طيب انتو بتقولوا ان المسلمين حيخشوا النار , و احنا بنقول ان المسيحيين حيخشوا النار , و لازم حد من الاتنين يكون صح و التاني غلط , عارفة ده معناه ايه ؟؟

أمي : مش فاهمة .

أنا : يعني بعد ما نموت حد فينا حيكون في الجنة و التاني حيكون في النار و مش حنكون مع بعض الي ما لا نهاية ألهمني الله أن أتخذ حب أمي لنا و علي الأخص حبها لي مدخلا لتنبيه أمي الي أهمية الدين , فكما ذكرت في ( الحلقة الأولي , لم يكن الدين يمثل تلك الأهمية عندها ) , و أحببت في الوقت ذاته أن أكسب وقتا أقرأ فيه أي شئ عن ديني أحاججها به ,

فاستطردت قائلا ..

أنا : بصي بقي , لازم كلنا نكون مسيحيين أو كلنا نكون مسلمين , عشان نكون مع بعض في الجنة , انتي تقرئي عن الاسلام , و أنا أقرأ عن المسيحية .

تذكرت عندها أني أثناء مروري الكثير في شارع الفجالة ذاهبا الي تدريب السباحة في النادي , وقوع نظري علي كتاب بعنوان ( محمد رسول الله .. و الذين معه ) معروضا في فترينة مكتبة مصر للكاتب عبد الحميد جودة السحار , فقلت لها سأحضر لكي كتابا تقرئيه ..ايه رأيك ؟

و استغللت حب أمي للقراءة و كانت قد قرأت كل كتب نجيب محفوظ و احسان عبد القدوس .. كنت أظن الكتاب عن الصحابة الكرام , لكن ما ان أدلفت الي المكتبة حتي وجدته مجموعة من عشرين جزءا , يشمل سير كل الأنبياء الكرام من لدن آدم عليه السلام .

ترددت قليلا ثم قلت في نفسي , فيم العجلة ؟ , كدة يبقي الخير خيرين , تقرأ أمي عن كل الأنبياء و في نفس الوقت أقرأ معها و أعرف ما اريد معرفته عن الدين .

و بالفعل اشتريت المجموعة كلها و بدأت مع أمي في قراءة تلك المجموعة التي أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسنات الكاتب مع تحفظي علي بعض الاسرائيليات فيها , و بدأنا القراءة في بداية عام 1978 .

في نفس الوقت وقعت عيني علي كتاب بمكتبة أخري قريبة بعنوان ( محمد ..في التوراة و الانجيل و القرآن ) , لكاتب لا أعرفه اسمه ابراهيم خليل أحمد , فاشتريته و كانت المفاجأة , أن الكتاب لأحد القساوسة و كان يدعي ابراهيم خليل فيليبس , يحكي قصة اسلامه بعد أن كلفته الكنيسة بقراءة القرآن لاكتشاف ثغرات , و كيف أنه حين وصل الي سورة الجن كانت لحظة اسلامه و زوجته و أبنائه الأربعة , فوجدت فيه ضالتي , لأتعرف نظرة المسيحية للاسلام عن قرب , و شهد شاهد من أهلها , مما ساعدني في تفنيد طقوس كنسية واهية و بالية , ما أنزل الله بها من سلطان , أزرعها بغضا في قلب أمي ضد المسيحية , و مدخلا لاعمال العقل و التفكير في تلك الأمور , من مناولة الخمر في الكنيسة ليصبح دم المسيح , و أكل الخبز ليصبح جسد المسيح , و طقوس الاعتراف و صكوك الغفران الكنسية . .

و بعدها كانت بداية قراءتي في العقيدة , لأول مرة أعرف معني التوحيد الصحيح , و الولاء و البراء , تلك الأمور التي ضاعت عند أغلب المسلمين في أيامنا هذه , بل سبب رئيسي لما نراه من انقسام مجتمعي , مما كان له أعظم الأثر عليّ , و انعكس علي أغلب كتاباتي خاصة مقال :

( تشخيص مرض السيساوية ) علي الموقع .

انتصف عام 1978 , و تبقي شهر تقريبا علي رمضان , و لم يكن يخلو الأمر من مناقشات حول ما كنا نقرأ , استشفيت منها بداية فهم أمي لصحيح الدين و كيف أن رسالة الأنبياء كلها واحدة ( كتبت عن ذلك الأمر في المقدمة الهامة جدا لسلسلة القصص القرآني و واقعنا المعاصر ) , حتي كان ذلك اليوم حين عدت من الكلية و وجدت أمي تبكي بحرارة

أنا : بتعيطي ليه يا أمي ؟؟ خير ؟؟

أمي : أصل ستنا خديجة ماتت .

أنا : أيوة يا أمي , بس دي ماتت من 1400 سنة .

أمي : عارفة , بس أنا حبيتها قوي , عشان كانت بتحب الرسول ( عليه الصلاة و السلام ) و وقفت جنبه كتير .

كانت فرحة عندي لا توصف , حاولت اخفاءها , بعد أن تيقنت أن البذرة بدأت تنبت , و أن أمي بدأت تلين للاسلام , و تأكدت عندها من أهمية السيرة النبوية الشريفة كسبيل من أهم سبل الدعوة الي الاسلام اذا أُحسن عرضها , و والله الذي لا اله الا هو , الكثيرون من المسلمين في أيامنا هذه لا يعرفون شيئا عن سيرة رسولهم الكريم عليه الصلاة و السلام .

جاء شهر رمضان , و عرض فيه مسلسل علي هامش السيرة لطه حسين , و كان سعادة أمي عندما تري أحداثا بعينها قرأت عنها مسبقا , ثم تراها في المسلسل , و تبدي امتعاضها اذا تم اختصار أحداث ما , بل كانت تشاهد المسلسل و اعادته . كنت قد بدأت بالتنبيه علي امي ألا تقسم بغير الله , فكثيرا ما كانت تقسم بالصليب أو المسيح الحي , و كنت أقول لها لو حلفتي كدة تاني حقولك يا ” شُريكة ” , مش احنا اتفقنا ان مالناش غير ربنا ندعو له و نقسم به و نتوجه اليه بالدعاء ؟ 18 / 11/ 1978 : ===========

أسعد أيام حياتي علي الاطلاق , رجعت من الكلية مبكرا قبل صلاة العصر , و قلت لأمي

أنا : أمي , بقولك ايه ؟ مش جه الوقت اللي تسلمي بقي ؟ مستنية ايه ؟

انتي مش بقيتي مؤمنة ان ربنا واحد و ليس له ابن , و ان الاسلام دين الحق و ان سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام هو لآخر رسل الله ؟

أمي : أيوة , بس …………

أنا : و لا بس و لاحاجة , انتي حتنطقي الشهادة الآن , و بعدين انتي حافظة الفاتحة و كتير من الصور القصيرة و بتشوفينا بنصلي , يعني حتصلي علي طول و مش ناقصك حاجة .

أمي : أشهد ألا اله الا الله و أشهد أن محمدا رسول الله .

حضنتها رحمها الله , حضنا تشاركنا فيه أسعد لحظة في حياتنا , و استيقظ أبي علي آذان العصر , و أبلغته باسلام أمي , فكان غير مصدق , ألف مبروك يا أم جمال ,

أنا :

أمي , النهاردة يوم ميلادك الحقيقي , انتي اتولدتي النهاردة . أصرت أمي علي تغيير اسمها , و ارتدت الحجاب بعدها بعدة أعوام , فقد كانت تخفي اسلامها عن أمها التي تقيم معنا , و انتظمت في الصلاة منذ البداية , و أما الصوم فقد كانت بالفعل تصوم معنا دائما , الي أن كشفت أمام جدتي و أختها عن اسلامها بعدها بثلاث أعوام , و كثيرا ما كانت تضعني في مواقف محرجة مع أهلها أو الجيران أو أصدقائي المسيحيين , حينما تتحدث بانفعال عن تدليس الرهبان و طقوسهم الوثنية

….

وقر الاسلام في قلبها وقرا و ذاقت حلاوته . من الطرائف التي تذكر , و رأيتها علامات ربما يضعها الله لمن سلك سبيله تزيده قربا من الله , ما حدث في أحد الأيام :

أمي : مالك يا دكتور , مكشر و زعلان كدة ليه ؟

أنا : اصل الزمالك كسبان المقاولين 1 / 0 . انتهي الماتش بفوز المقاولون 3 / 1 , و وجدت أمي تضحك بفرحة , و حين سألتها عن ذلك , قالت :

أمي : أصل أنا دخلت المطبخ ودعيت ان المقاولون يجيبوا 3 أجوان …. كانت فرحتها أن الله استجاب دعاءها , مع أنها مكنش يفرق معاها مين يكسب , بس كانت عايزة تشوفني مبسوط .

بعد وفاة أبي رحمه الله 2003 , اضطررت الي ترك منزلي مع أسرتي , لنقيم مع أمي , خاصة أنها بعد وفاته بثلاث أعوام مرضت مرضا شديدا بالقلب , الأمر الذي استوجب معه الرعاية المستمرة و اللصيقة لأمي , فما كان لها أهل غيري , كان همي ارضاؤها ..الأمر الذي جعلني أتحمل كلمة ابني حين بلغ عشر سنوات , نفسي يا بابا نخرج أنا و انت و ماما زي كل الناس , فلم يكن ذلك بالأمر المستطاع , فرعاية أمي كانت تتطلب مكوثي أنا أو زوجتي معها دائما , خاصة آخر عامين , و الذيْن حفظت فيهما القرآن .

لم تترك أمي قراءة القرآن لسنوات طوال الا في آخر عدة أشهر عندما ضعف بصرها , و لم تترك قيام الليل كاملا طوال تلك السنين , و ماتت مباشرة بعد صلاة القيام كاملا , و كانت رحمها الله تدعو لي كما تتنفس , بل ماتت العام الفائت و هي تدعو لي . عند موتها , لم أحزن ذلك الحزن الذي كنت أتوقعه عند فراقها , بل أحسست أني قد مررت بامتحان نجحت فيه , كنت سببا في اسلام أمي , و أرسيت بداخلها العقيدة السليمة , و ماتت و هي من أهل الحق , تدعو لرئيسنا الشرعي بفك أسره , ناقمة علي ذلك الانقلاب , و لا تزال تلك الدعوة ترن في أذني فطالما دعت بها : اللهم انصرنا علي القوم الكافرين .

لم تكن أمي قد حجت , و لكن بحمد الله صاحب المنة و الفضل , استأجرت من سافر لأداء فريضة الحج عنها العام الماضي , و كيف لا و لا تزال بركة دعواتها أعيش بها , أسمعها كل يوم قبل ذهابي الي عملي :

روح يابني ربنا يسترها معاك و يحبب فيك خلقه و ينصرك علي من يعاديك و يرزقك و يعطيك لغاية ما يرضيك .

 

أمى

كلمة أخيرة , ذكرتها في الجزء الأول من المقال , عشت شعورا يشابه شعور من لم يكن مسلما فأسلم , و يعيش هذا الشعور كل من درس العقيدة السوية السليمة بعد سنوات من التيه , و التي أرسي رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام قواعدها طيلة ثلاث عشرة عاما بمكة , و ما مرض الأمة الا لغياب تلك العقيدة من حقيقة توحيد سليم ( و ما يؤمن أكثرهم بالله الا و هم مشركون ) , و أنواع الشرك و النفاق و أسس الحب في الله و البغض في الله , و الذي لن ينصلح حال الأمة الا بالعودة اليه ( يرجي قراءة مقال : تشخيص مرض السيساوية علي الموقع ) , أقولها و كنت أفتقدها , بل ولدت مرة أخري بعد أن وقرت في القلب وقرا , انعكست علي قناعات نعيشها ونعانيها في أيامنا هذه من صراع الحق و الباطل , كما انعكست علي كل ما كتبته علي هذا الموقع المحترم و الذي بحق , أعتبره بيتي الثاني .

اللهم اغفر لأمي و أبي و اجعلهما ممن يدخلون الجنة بغير حساب و لا سابقة عذاب .

اللهم انصر الحق و أهله , و أذل الشرك و أهله , و لا تبلغنا رمضان الا و قد نصرت أهل الحق و أظهرته . اللهم انصر دينك و كتابك و سنة نبيك و عبادك الصالحين

( الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى