رياضة

اغتيال متعة كرة القدم.. ماذا تفعل الأكاديميات في عقول الصغار؟

يعلِّمونك كل شيء في الأكاديميات إلا الشغف، يعلمونك دفاع المنطقة، كيف تقطع زوايا التمرير على المنافس، لكنهم ينسون تعليمك أن كرة القدم قائمة على السعادة، وعلى المتعة، وعلى البحث الذاتي عن الأمل. سيخبرونك كيف تصبح لاعباً مثالياً، لكنهم لن يخبروك كيف تصبح لاعباً مبدعاً.

قبل وجود الأكاديميات ومدارس التدريب وبرامج اكتشاف المواهب، كان المكان الوحيد المتاح للشباب لصقل مهاراتهم هو الشوارع والحدائق والمدرسة مع رفاقهم. هنالك لم يكن الأطفال يخشون تجربة الأشياء العادية والأشياء المعقدة، بعيداً عن أعين مدربي الأكاديميات الضاغطة والمتطلبة التي تفتقد الحس الإبداعي. في كرة الشوارع، لا يوجد شيء مستحيل ولم تكن الأخطاء مهمة. كانت محاكاة ما رأيته من نجوم كرة القدم الكبار فعلاً اعتيادياً، أما النجاح في تلك المحاكاة فتعطي الطفل إحساساً بالشغف والزهو وحُب اللعبة يغمره كُليةً. وهنا يمكن رؤية القيمة الحقيقية لكرة القدم في الشوارع.

في برشلونة، يستخدمون طريقة تدريب تدعى “كرة القدم الفوضوية”. هي دورة تدريبية لا يتميز فيها المنافس عن الخصوم، ولا توجد ألوان مميزة للفريق، وما إلى ذلك. الكرة من حق الجميع، ويجب عليك الظفر بها والحفاظ عليها. هذه طريقة تعزز عند الناشئ الرؤية الفنية والركض في المساحات من أجل الحفاظ على الكرة، كما تضعه في وضعيات ومواقف لا يمكن الخروج منها إلا عن طريق حل إبداعي. فتعزز قدرة الناشئ على سرعة اتخاذ القرار، هذه الطريقة التدريبية مستوحاة كُليةً من كرة الشوارع.

يخبرنا الصحفي الإنجليزي جيد ديفيز بأن كرة القدم في الشوارع تشبه كثيراً المباريات المصغرة في التدريبات، لأنها تحفز قناة الإبداع داخل المخ. بينما البريطانيون يقضون كثيراً من الوقت مع الشباب في تعليمهم كيف يصبحون منظَّمين في تمثيل للجزء البراغماتي الذي نراه في كرة القدم الحقيقية. ضرب صديقنا الصحفي مقارنة بين أسلوب لعب نيمار وأسلوب لعب جيمس ميلنر، أحدهما يبحث عن المتعة، الآخر براغماتي إلى أقصى درجة.

دعني أسألك سؤالاً بسيطاً، أعلم أنه كثيراً ما يثير انتباهك:

ما سرُّ ذلك التميز البرازيلي مثلاً في المراوغة؟

معذرة، لقد ابتعدت قليلاً عن مسار الإجابة الأصلي، لذا دعني أُطلعك على رأي أحد أهم فلاسفة كرة القدم الحديثة، يوهان كرويف:

“لا شك في أن أحد أهم أسباب غياب الفنيات والمهارات عند عدد كبير من اللاعبين يتعلق بالمكان الذي تعلَّم فيه هؤلاء الشباب لعب الكرة. في زمني كان الشارع هو أكثر الأكاديميات شعبيةً، في طفولتي كل من كان يحب كرة القدم تعلَّم في شوارع وميادين الأحياء التي كنا نسكن بها. ولكن الأمر لم يكن يتعلق بنا نحن فقط؛ بل بالشباب الأكبر سناً، لذا فبعد انتهاء دوام العمل أو الفصول الدراسية كان الجميع يخرج للشارع لممارستها”. 

يجب الوضع في الاعتبار أن الاحتراف لم يكن قائماً ومنتشراً أيام كرويف مثل الوقت الحالي. لقد كان كرويف ثاني لاعب محترف لكرة القدم في تاريخ هولندا بعد صديقه بيت كيزر.

هناك في تلك الشوارع التي تحولت إلى ملاعب تدريب مفتوحة، كان الأطفال يتعلمون كرة القدم برؤية وتقليد ما كان يفعله من هم أكبر سناً. أنا واثق بأن هذا المشهد كان يتكرر في عدد ضخم من المدن في كل الدول وكل قارات العالم.

خلال السنوات الماضية، حاول البعض استعادة روح كرة الشوارع، على سبيل المثال، أُقيمت في أمستردام بطولة بحضور جماهيري كبير، وسط تطلعات كثيرة، وقبل الانطلاق بدقائق لم يجدوا مرمى بسبب خطأ في التنظيم. خرج أحد الأطفال بفكرة وضع شاحنتي إطفاء بدلاً من المرمى، وهو الأمر الذي أنقذ الموقف وأخرج البطولة بصورة مثالية.
كم من الأطفال استخدموا الحقائب، حافظات الأقلام؛ بل حتى ستراتهم، وأيضاً بعض الأحجار الصغيرة، لصناعة المرمى ولعب كرة القدم.

هذا الشيء ليس فريداً لكنه يتكرر كثيراً في كل أنحاء العالم، ويثبت لنا أن كل ما هو ناقص يمكن تعويضه عن طريق الخيال والشغف.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى