الأرشيفتقارير وملفات

..اكل الجثث للتواصل مع أرواحها “أكلة الموتى”…هؤلاء لا يدفنون موتاهم

تقرير إعداد
فريق التحرير
غريب هو الموت، غامض ومهيب، وما زالت أسراره مجهولة، وما بعده يثير الرعب في قلوب الجميع، فإلى أين المصير؟ هذا سؤال يطرحه المتدينون دائما…ولكن هؤلاء ممن لا يبالون بالتساؤلات، ويتمسكون بعادات الأجداد، أو بـ”موضات الموت”، يقدمون نماذج غريبة وفريدة من الموت، بل يحددون بأنفسهم هذا المصير الذي يخشاه الكثيرون.
بعض الشعوب حول العالم، خرجت عن الدارج والمألوف فيما يتعلق بدفن موتاهم وطريقة تكريم الإنسان، فالمتعارف عليه بين الجميع هو “الكفن” و”التابوت”، وكلاهما وسيلة تتبعها الأديان السماوية المعروفة، أو على أقصى تقدير أسلوب الحرق، المعروف في الهند وبعض دول جنوب شرق آسيا من مئات السنين، وبدأ يغزو بعض دول أوروبا لأسباب مختلفة، خلال العقود الأخيرة.
هل تخيلت من قبل أو صادفت ميتاً يحضر حفل زواج؟ أو ميت يحضر احتفال أحفاده بعيد الحصاد؟ لا؟ إذن تعال لتشاهده.. في كل عام، يستخرج شعب “المارينا”، في مدغشقر جثث الأجداد والآباء والأقارب المتوفين، بين شهري يونيو/ حزيران وسبتمبر/أيلول، لإعادة تزيينهم وتغيير الأكفان بأخرى جديدة، ولأن هذه المدة يكون الميت وسط أهله، يؤجل الأهالي جميع مناسباتهم وحفلاتهم إلى هذه الفترة، لتكون المحصلة النهائية، أن الميت يتم دفنه 9 أشهر، ويقضي 3 أشهر الباقية وسط أهله وأسرته.
أما في جزيرة سولاوسي الإندونيسية، فستقابل قبيلة تدين بالمسيحية، اسمها “توراجدا”، ولكن طريقة الدفن تختلف عن المعروفة في المسيحية تماماً، فهناك يأتي نحات لينحت تمثالاً واقفاً، هذا التمثال يأخذ شكل الميت، ولا يتم دفن الميت في المقبرة الصخرية تحت قدمي التمثال إلا بعد 10 سنوات، لأن أسرته ستظل تجمع المال طوال هذه الفترة لأداء واجب العزاء ومراسم الدفن، بجانب ضرورة ذبح الخنازير وتوزيعها على القرية في يوم دفن الميت.
وفي إندونيسيا أيضا، يعتقد أفراد قبيلة البابو، أن تحويل الميت إلى مومياء شرف كبير يعبر عن الاحترام للأجداد، ويعتقدون أن المومياء تحرسهم وتحميهم، حيث يظنون أن أرواح الأجداد تحوم حولهم إلى الأبد، لذلك فهم يقدمون أي زوار يأتون كوافدين إليهم إلى هذه المومياوات كما لو كانت حية، باعتبارها المسؤولة عن الحماية في المكان.
ما زلنا في إندونيسيا صاحبة الألف صدمة، حيث جزيرة بالي، التي تعيش فيها قبيلة وثنية تمارس طريقة غريبة في التخلص من الموتى، فبدلاً من الدفن أو الحرق، يلبس الميت أجمل ثيابه، ويجلس في الغابة مستنداً بظهره لجذع شجرة، لتتكفل الحيوانات المفترسة بالتهام لحمه وجلده، وتكون الديدان أتمت عملها ونظفت العظام، وبعدها يتم ربط الهيكل العظمي إلى الشجرة نفسها، ليظل في هذا الوضع إلى الأبد.
وطبقاً للديانة الهندوسية، المنتشرة في الهند تحديداً، يكرم الميت بحرق جثمانه، وذلك في احتفال كبير يوضع فيه الجثمان على عربة تغطيها الزهور وتجرها الخيولـ للمكان المخصص للحرق، حيث تغطى بالأغصان الجافة لتسهيل الاشتعال، ويغسل الميت بماء الورد ويلف بثوب محاط بأطواق الورد، وبعد انتهاء عملية الحرق يجمع الرماد المتبقي في إناء، ينثره أهله فوق مياه نهر الغانج، لما له من قدسية لديهم، حيث يعتبرونها الفيض الإلهي الذي يطهر الأرواح، لإعادة الخلق من جديد عن طريق تناسخ الأرواح.
ولأن التجديد أيضا وصل إلى الموت، ومحاولات نيل الخلود ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، عرضت مؤسسة سويسرية لدفن الموتى، في موقعها على الانترنت، طريقة للخلود، حيث عرضت على أهالي المتوفي أن يحرقوه، ويأخدوا الرماد ويسخنوه حتى درجة حرارة تزيد عن ألفي درجة مئوية، ويعرضونها لضعط عالٍ جدا، ليحصلوا في النهاية على “ماسة”، ليحصل جسده في هذه الحالة على “الخلود”
أغرب عادات التخلص من الموتى، نجدها في التبت، حيث يقطع الرهبان البوذيون جثة الميت قطعا صغيرة، ثم يتركونها في العراء لتلتهمها النسور والطيور الأخرى، لتحلق بها في السماء، ويعتقد التبتيون أنه خلال لحظات النزاع تترك الروح الجسد، لذا يصبح الجسد مجرد وعاء، وبالتالي انتفاع الطيور به مهم.

كما أن هناك اعتقاداً لدى البوذيون أن الجسد نجس، لا يجوز تدنيس الأرض به بعد موت صاحبه، لذلك فهم يمنعون الدفن ويحرمونه، وكانوا قديماً يضعون جسد الميت فوق قمة جبل، يطلقون عليه اسم “تلال الصمت”، ويتركونه هناك لكي تلتهمه الطيور السامية، وبعد أسابيع يجمعون العظام الجافة تماماً، فيطحنونها ثم يذيبونها بعصير الليمون، للتخلص منها نهائياً.
أما الأكثر غرابة على الإطلاق، فهو ما يحدث في بعض الجزر الاستوائية الواقعة في الكاميرون، حيث ما زالت بعض القبائل تتخلص من موتاها عن طريق أكلهم، بدافع الحب والاحترام، فعندما يكبر الجد أو الأب ويدب الوهن في جسده ويشرف على الموت، يجتمع أهل القرية والأصدقاء المقربين في وليمة لحم البشر، في انتظار موت صديقهم، ولا يشارك في أكله أهله المباشرين.
نفس الطقس كان يحدث في الهند، ولكن السلطات هناك أوقفته على الفور، حيث كان بعض أهالي شرق الهند يأكلون والديهم إذا مات أحدهم، ولذلك لكي يجنبه الإهانة بالدفن في التراب، فيما كانت قبائل تسمى “الدييري” تأكل أصحاب العاهات والإعاقات، لتخليص أرواحهم المتعبة.
أكل الجثث للتواصل مع أرواحها
طقوس الدم، الشموع المُنيرة داخل جماجم بشرية، تاركة ظلالًا مخيفة على الحائط المُعلق عليه وجوه خشبية مخيفة تجسد الشر بعينه، وضِف إلى كل ذلك التضحيات الحيوانية والبشرية أيضًا؛ كل هذه الممارسات تندرج تحت بند السحر الأسود، راعي صناعة الشر منذ بداية الحضارات القديمة، وصولًا إلى يومنا هذا، متمثلًا في تفاصيل صغيرة، مثل ثقافة تصنيع الدمية الورقية التي تجسد الشخص المُراد إيذاؤه، ومن ثم حرقها أو تعذيبها بالدبابيس؛ هذا الطقس الموروث عن سحر الفودو الذي لاقى شعبية كبيرة في قارة أفريقيا.
تلك الممارسات الشريرة المُقبضة تنتمي للسحر الأسود، فماذا لو هناك طقس سحري أطلق عليه «السحر الأسود الأكثر شرًّا»، والذي عُرف باسم «النكرومانسي»؟ حول هذا النوع من السحر نجد الكثير من الغرابة والغموض، وفي هذا التقرير سنكشف لك بعضًا من أسراره.
«النكرومانسية».. اللعب مع الشيطان والجثث طعامًا
كلمة «نكرومانسي» هي كلمة يونانية منقسمة إلى شقين: الشق الأول معناه الجثة، والثاني معناه التنبؤ بالغيب؛ لتعبر الكلمة في النهاية عن استخدام الجثث في طقوس سحر أسود بغرض التنبؤ بالغيب، أو كشف أسرار الماضي، أو التعرف إلى أسرار الكون الخفية، وذُكر هذا المصطلح للمرة الأولى خلال القرن الثالث الميلادي في أحد مؤلفات أوريجانوس أدماتيوس.
طقوس النكرومانسي لا تحدث سوى بوجود جثة بشرية؛ فتلك هي حجر الزاوية في ممارسة هذا النوع من السحر الأسود، وعلى الساحر الذي يقيم هذه الطقوس تشريح الجثة، واستخدامها سلاحًا لصناعة التعاويذ، أو استحضار الأرواح، أو حتى -وفقًا لاعتقاد السحرة- إعادة الموتى إلى الحياة، واستخدام الجثة في هذا الطقس قد يصل إلى أكل الساحر لبعض من أجزاء المتوفى، وغالبًا ما يكون القلب أو العقل؛ ظنًّا منهم أنهما مكمنا المعارف البشرية.
فلو كان هناك ساحر ممارس النكرومانسي في مدينة قديمة مات ملكها، وماتت مع هذا الملك كل أسراره، وأماكن كنوزه وثروته؛ فلو أحضر الساحر جثة الملك وتناول عقله نيئًا أثناء ممارسة بعض الطقوس المظلمة، يمكن للساحر أن يدرك الأماكن السرية لكنوز الملك، ولكن هذا مجرد مثال، فالسحرة عادة لا يمارسون هذا النوع من السحر إلا لأغراض أكبر وأهم من الأموال؛ نظرًا إلى خطورة هذا السحر، والذي أطلق عليه البعض «اللعب مع الشيطان».

التوقيت المُناسب مهم وإلا فُتحت أبواب الأشباح
الغرض من طقس النكرومانسي ليس تحضير الأرواح بمعناه المعروف لنا الآن، بل الغرض هو استدعاء الكيان المادي للمتوفى، ولكن من خلف ستار العالم الآخر، ولذلك هذا الطقس المُخيف يجب أن يحدث خلال عام واحد من موت المتوفى، وتلك –وفقًا لمعتقدات السحره- هي المدة التي يحتفظ بها الشخص المتوفى بكل معرفته عن الدنيا قبل أن يتحول إلى شبح، وفي الوقت نفسه يمكنه رؤية الغيب؛ لانتقاله إلى العالم الآخر.
ساحر النكرومانسي في العصور القديمة لا يريد استحضار شبح؛ ولذلك فاختيار الموعد المُناسب لتنفيذ تلك الطقوس يُعد أمرًا مُهمًا، واختيار المكان أيضًا كان له دور فعّال في تنفيذ الطقس؛ إذ كان يجري إعداد الطقس في مقبرة مظلمة، أو كنيسة مهجورة، أو منزل المتوفى، وعلى من يُحضر للسحر ارتداء ملابس المتوفى، والتي ظلت على الجثة فترة طويلة، وعليه أيضًا إقامة طقوس جنائزية على نفسه، وكأنه قد مات بالفعل مثل الجثة التي ينوي التواصل معها.
الأمر لا يقتصر على الاحتكاك القريب جدًا من الموتى، بل إن هناك أسلوب حياة يجب أن يعيشه ممارس تلك الطقوس، خاصة في ما يخص الطعام، فالساحر عليه ألا يتناول أي طعام يحتوي على ملح، وتقتصر وجباتهم على خبز يُصنّع بطرق معينة ويكون لونه أسود، مع بعض عصير العنب، وفي بعض الأحيان على ساحر النكرومانسي أكل لحوم الكلاب؛ لأنها رمز الآلهة اليونانية هيكات، وهي آلهة السحر والأرواح لدى الثقافة اليونانية.
«الكويمباندا».. لا زال البعض يمارسها حتى الآن
تلك الطقوس المُظلمة، والتي تعود أصولها إلى القرون الوسطى، لم تنقرض كليًّا؛ فهناك بعض من يمارسها حتى الآن، بغرض استحضار المعرفة الروحية، وسبر أغوار الكون ومعرفة أسراره، ومن أشهر الثقافات التي لا زالت تمارس تلك الطقوس هي ديانة «الكويمباندا» الأفروبرازيلية.
ويمارس معتنقو تلك الديانة طقوس النكرومانسي في المناطق الحضرية في البرازيل حتى يومنا هذا، وتلك الديانة تفرعت من ديانة «ماكومبا»، والتي تمثل جميع الديانات غير الإبراهيمية، والتي ظهرت خلال القرن التاسع عشر في تلك المنطقة، وتفرع منها ممارسات طقسية شهيرة مثل الفودو والسانتيريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى