آخر الأخبار

الإندبندنت البريطانية: ما يحدث للمسلمين في الهند مذابح منظمة وليس أعمال شغب

قال أحد الأكاديمين البارزين وأحد كبار المحامين في الولايات المتحدة
الاحد 8 مارس/آذار 2020، إن العنف الديني الذي عمَّ دلهي وطغت أخباره على زيارة
دونالد ترامب للهند الشهر الماضي “يرقى إلى مذبحة منظمة” ضد المسلمين،
وينبغي وصفه على هذا النحو.

فيما لا تزال تداعيات المذبحة التي استمرت لثلاثة أيام في دلهي،
واشتعلت قبل أسبوعين مفضيةً إلى مقتل ما لا يقل عن 53 شخصاً، تثير جدلاً ونزاعاً
شديدين، إذ تواجه الشرطة انتقادات مكثفة لامتنعها عن التدخل ووضع حدٍّ للاضطرابات
قبل تفاقمها، حسبما قال تقرير نشره موقع صحيفة The Independent البريطانية.

سياق الخبر: الانتقادات التي طالت الهند جاءت بعد الانتهاكات التي طالت المسلمين
دون تدخل واضح من السلطات، فيما تنتشر دعوات متزايدة للقبض على أعضاء رئيسيين في
حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في البلاد، بعد اتهامهم بتحريض حشود من عوام الهندوس
على التجمع في العاصمة واستهداف المساجد والمسلمين ومنازلهم ومحالهم التجارية في
سلسلة من التدمير والتخريب المتعمد.

صورة أشمل لما حدث: رغم الانتهاكات التي حدثت، امتنعت حكومة
ناريندرا مودي في الوقت نفسه عن إصدار أي تعليق تقريباً حول العنف الذي عم
المدينة، وردَّت مطالب المعارضة بمناقشة الموضوع في البرلمان، كما رفضت تصريحات
القلق من المجتمع الدولي، وعاقبت وسائل الإعلام التي رأت أن نقلها للأخبار الخاصة
بأعمال الشغب في دلهي غير مقبولة لها.

فيما أصدرت لجنة الأقليات في دلهي يوم الجمعة تقريراً، اشتمل على
تقييمات للخسائر الميدانية في المناطق التي تضررت من أعمال الشغب في العاصمة،
قائلةً إن المسلمين تعرضوا للجزء الأشد وطأة من أعمال العنف، لكنهم مع ذلك امتنعوا
عن إبداء أي انتقادات للشرطة.

جاء في التقرير: “إن تقييمنا يذهب إلى أن أعمال العنف في المنطقة
الشمالية الشرقية من دلهي كانت من جانب واحد ومخططاً لها جيداً، فقد أُلحقت أضرار
بالغة بالمنازل والمتاجر المملوكة لمسلمين بدعم من جهات محلية”.

في حين يقول أشتوش فارشني، مدير “مركز دراسات جنوب آسيا المعاصرة”
في جامعة براون، إن العنف ربما يكون قد بدأ على إثر أعمال شغب اشتعلت بين مؤيدين
ومعارضين لقوانين الجنسية الجديدة التي أصدرتها إدارة مودي، والتي يقول النقاد
إنها تنطوي على تمييز ضد المسلمين، ولكنها ما لبثت أن تحولت “خلال الـ24 ساعة
التالية ليصير من الواضح أن أعمال الشعب أخذت تتحول إلى مذبحة منظمة”.

فارشني أضاف لصحيفة The Independent إن “المذبحة
المنظمة/المدبرة ضد أقلية” (pogrom) تُعرف بتلك التي تقف
دولة فيها أو قواتها جانباً دون اتخاذ أي إجراءات في الوقت الذي تتعرض فيه أقلية
معينة للهجوم. و”الاختلاف الأساسي بينها وبين [أعمال الشغب] هو أن الشرطة
أظهرت علامات واضحة على التحزب ضد طائفة معينة… إذ وقفت تتفرج في الوقت الذي أخذ
الغوغاء يطاردون المدنيين، ويقتحمون المنازل، ويحرقون الممتلكات، ويقتلون في
الناس”.

شهادة على ما حدث: أدلى فارشني مؤلف كتاب “الصراع
الإثني والحياة المدنية: الهندوس والمسلمون في الهند” Ethnic
Conflict and Civic Life: Hindus and Muslims in India، وهو كتاب يتناول تاريخ
أعمال الشغب الدينية في الهند، هذا الأسبوع بشهادته على الأحداث التي وقعت في
الهند خلال جلسة استماع في واشنطن عقدتها “اللجنة الأمريكية للحريات الدينية
الدولية” (USCIRF).

حيث قال إن التحليل لقائمة ضحايا أعمال العنف يُظهر أن نحو ثلثيهم من
المسلمين، وذلك على الرغم من كونهم أقليةً في معظم المناطق المتضررة من أعمال
الشغب في شمال شرق دلهي.

فارشني قال: “وهذا بالتحديد، يشير بالنسبة إلى أي خبير فيما
يتعلق بأعمال الشغب الجماهيرية إلى أن الأمور وإن بدأت كأعمال شغب، فإنها تحولت
إلى مذبحة منظمة، إذ جرى استهداف المدنيين المسلمين على نحو لا يتناسب مع أعدادهم
وتواجدهم في المناطق المتضررة”.

رغم ذلك، فإن تقريراً أولياً للشرطة حول أعمال العنف يزعم أن الضباط
لم يكونوا متاحين بأعداد كافية للقضاء على أعمال الشغب في مهدها، وأجرى ضباط كبار
مقابلات قالوا فيها إنهم انتظروا حينها “توجيهات من قياداتهم (الحكومة)”
للتصرف. وأزيح قائد الشرطة في المدينة، أموليا باتنايك، عن منصبه، وجرت التضحية به
كبش فداء لتسكين الغضب الشعبي، وفقاً لما يقول زملاء له.

توثيق انتهاكات للشرطة: في الوقت نفسه،
انتشرت لقطات تظهر أفراداً من الشرطة وقد انضموا بفعالية إلى الهندوس في أعمال
العنف ضد المسلمين، في انتهاكات شملت إلقاء الحجارة وضرب أشخاص سقطوا وهم يعانون
جروحاً بالغة في شوارع المدينة وأُجبروا على ترديد شعارات قومية هندوسية. وبعد أن
بثّت هيئة الإذاعة البريطانية BBC بعضاً من تلك اللقطات،
دفع ذلك بعض البرلمانيين في المملكة المتحدة إلى طرح استجواب عاجل في مجلس العموم،
مطالبين حكومة بوريس جونسون بالتعبير عن قلقها للحكومة الهندية حيال هذه
الانتهاكات عبر القنوات الدبلوماسية.

براشانت بوشان، وهو ناشط بارز وأحد أشهر محامي التقاضي في الهند، قال
إن المحاكم كان عليها التدخل ودعوة الجيش لاستعادة القانون والنظام، في ظل
“الأدلة الدامغة التي تشير إلى أن الشرطة امتنعت عن إيقاف [الغوغاء]، وحتى
مشاركتها في أعمال العنف”.

في تصريحات له لصحيفة The Independent، قال بوشان إن
“الحكومة كانت متواطئة تواطؤاً تاماً، لا شك في ذلك، وإلا فلم تكن الشرطة
لتتصرف بهذه الطريقة. لقد كان هجوماً برعاية الدولة، ومن جانب واحد تقريباً. لقد
كانت مذبحة منظمة”.

اضاف بوشان إن المحكمة العليا، وبعد أن تلقت عشرات الالتماسات
المتعلقة بأعمال الشغب، يتعين عليها إنشاء فريق تحقيق خاص بها للنظر في المزاعم ضد
الشرطة، وتابع: “أي تحقيق سليم في هذه القضية لا يمكن تركه للشرطة، التي
تحزبت على نحو واضح وتمثل طرفاً متهماً في الحالات التي ينبغي التحقيق فيها. كيف
يُفترض بالضباط الذين شاركوا في أعمال العنف أن يحققوا بشأن دورهم فيها أيضاً. إنه
أمر سخيف”.

مذابح منظمة وليست أعمال شغب: حيث قال فارشني مؤلف
كتاب “الصراع الإثني والحياة المدنية: الهندوس والمسلمون في الهند” Ethnic Conflict and Civic Life: Hindus and Muslims in India،  إن المصطلحات
المستخدمة لوصف الأحداث التي وقعت في دلهي قبل أسبوعين تحدث فرقاً كبيراً، لأنه
“عندما تتحول أعمال الشغب إلى مذابح منظمة، فإن دور الدولة هو حقاً ما يستدعي
الالتفات والمناقشة، ولذلك فإن تصنيف تلك الأعمال أمر مهم. فمهمة الدولة ليست
الوقوف إلى أي طرف معين من أطراف المجتمع، ناهيك عن الوقوف إلى جانب الأغلبية.
وهذا مبدأ أساسي في الديمقراطية”.

أمَّا فيما يتعلق بوسائل الإعلام الهندية، فإن القرارات المتعلقة
بكيفية تأطير الأخبار المتعلقة بأعمال الشغب ذات الدوافع الدينية ليست مجرد مسألة
نزاهة تحريرية، بل قد توقع بأصحابها على الجانب الخطأ من القانون.

ذلك لأنهم يخضعون للوائح معينة، فبموجب “القانون الخاص بالقواعد
المنظمة للمحتوى المعروض على شبكة التلفزيون والصادر عام 1995″، يُعد من غير
القانوني للقنوات التلفزيونية عرض أي محتوى يمكن أن “يعزز من الانقسامات
المجتمعية” أو “من المرجح أن يدفع أو يحرض على العنف أو يحتوي على أي
شيء يعارض الحفاظ على القانون والنظام أو يعزز من المواقف المعادية للقومية
الهندية”.

ثغرات في القانون: كما هو واضح، فإن القانون مفتوح على
تفسيرات واسعة، ويدفع القنوات الإخبارية الرئيسية إلى ممارسة رقابة ذاتية على
نفسها. وهكذا، وفي ذروة أعمال الشغب المشتعلة في دلهي، رفض تلفزيون نيودلهي (NDTV) عرضَ معظم لقطات العنف، وأخذ يصف المصادمات والضحايا بعبارات
مبهمة، مثل “أفراد من مجتمع الأغلبية/الأقلية”.

حيث قُطع البث عن قناتين من جنوب الهند لمدة 48 ساعة بدأت من مساء
الجمعة، بسبب تغطيتها لأعمال الشغب التي وقعت في دلهي. وتضمنت المخالفات، وفقاً
لإنذار حكومي وُجه إلى إحدى القنوات، لقطةً لأحد المذيعين الذين كانوا يعلقون على
الأحداث، وهو يقول: “يبدو أن المخربين والشرطة يداً بيد في هذا الأمر”،
وأشار إلى “أن الوضع قد خرج عن السيطرة” عندما كانت وزارة الداخلية تصفه
بخلاف ذلك.

في بيان أصدرته إحدى القنوات، MediaOne TV، وصف رئيس تحريرها حظرَ
البث بأنه “هجوم صارخ على الحرية والنزاهة في نقل الأخبار، وعمل غير مسبوق
وغير ديمقراطي”.

رفض التحذيرات الدولية: أما في الوقت الذي أخذت الحكومة الهندية
تحذر حتى وسائل الإعلام التابعة لها، فإنها قاومت بشدة التحذيرات الدولية
المتزايدة بشأن الأحداث في دلهي، متهمةً النقاد بالتدخل في الشؤون الداخلية للهند
أو بأن لهم أجندات خاصة بهم.

أما يوم الجمعة، ومع تباين الأرقام بين الأعداد التي أوردتها انتقادات
النواب الديمقراطيين الأمريكيين، وتلك التي تحدث عنها المرشد الأعلى لإيران فيما
وصفه بـ “مذبحة المسلمين” في دلهي، سُئل وزير الخارجية الهندي، إس
جيشانكار، عما إذا كانت الهند تفقد أصدقاءها حول العالم في أعقاب أعمال الشغب،
أجاب: “ربما نتعرف على من هم أصدقاؤنا حقاً”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى