لايف ستايل

البعض يكوّن صداقات عن طريق النميمة، وأغلب الناس يثرثرون ساعة باليوم.. كيف فسر العلم القيل والقال؟

يقتات الناس على القيل والقال، ولعلّ هذا هو أحد الأسباب التي جعلت الصحف الشعبية الأمريكية تنشر العناوين المروّعة حول أنباء وفضائح المشاهير في الستينيات حتى اليوم، ويبدو أن الطبيعة البشرية تنجذب للثرثرة منذ عصر أجدادنا الأوائل؛ أهل الكهوف.

إذ يقول أستاذ علم النفس في كلية نوكس في غاليسبورغ، بولاية إلينوي الأمريكية، فرانك ماك أندرو: “نحن أحفاد بشر يتقنون الثرثرة؛ ففي عصور ما قبل التاريخ، كان الذين تفتنهم حياة الآخرين أكثر نجاحاً”، ويوضح لشبكة CNN الأمريكية أنه “من أجل النجاح في زمن أهل الكهوف، كان علينا معرفة ما يحدث مع الناس من حولنا. وإذا لم تكن تجيد تلك النميمة، فإنك بالتبعية أقل نجاحاً”.

بشكل عام، ثمّة دلالات أخلاقية سلبية تقترن بالنميمة، خاصة عندما تفكر في الشائعات المؤذية، أو الصحف الصفراء، وحق الأفراد في الخصوصية. ولكن، حسبما يقول باحثون، فإن ثرثرتنا في الحياة اليومية قد تكون لها فوائد اجتماعية.

النميمة هي أن تتحدث عن شخص غير موجود، وتنشر معلومات غير معروفة عنه على نطاق واسع. وفي المتوسط يقضي الشخص العادي 52 دقيقة كل يوم في القيام بالنميمة، وفقاً لتحليل أجراه باحثون في جامعة كاليفورنيا، بمدينة ريفرسايد الأمريكية، من هذه النميمة حوالي 15% أحكاماً سلبية أو عملية تقييم الآخرين وتصرفاتهم.

لكن في الطبيعي يحب الناس توثيق الأحداث ليس إلا؛ على غرار “فلانة تتأخّر في العمل”، أو “فلان عليه الذهاب إلى المستشفى”. وعن هذا النوع من النميمة، تقول ميغان روبينز، أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا في ريفرسايد، إن هذا النوع من “المحادثات المحايدة” يساعدنا في الواقع على بناء الصداقات، أو خلق مجتمع، أو معرفة المعلومات الضرورية ليحظى المرء بحياة اجتماعية.

إذ يمكن للشخص إقامة علاقة من خلال التحدث عن أشخاص آخرين ومعرفة شيء عن الآخرين في المجموعة، حتى بالنسبة لتلك الأنواع من النميمة التي تنطوي على تقييم للآخرين، حين تُرددها، فإنك تقول للآخر: “أنا أثق بك لأخبرك هذه المعلومات”.

رغم أن ثمة صورة نمطية تشير إلى أن النميمة هواية أنثوية أو تُنسب إلى الطبقات الدُّنيا أو الأقل تعليماً، تقول أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا إن الجميع دون استثناء يفعلون ذلك.

وأضافت الباحثة: “بياناتنا كشفت زيف كل الصور النمطية؛ فبالنظر إلى أننا نوع يتصف بطبيعته الاجتماعية، يتعيّن علينا الحديث عن الناس، فإننا لا نعيش في عزلة، ونحن نتحدّث عن أشخاص غير حاضرين في بعض الأحيان لا محالة”. 

يقول العلماء إن هذه الممارسة تصبح ضارة تماماً عندما لا تقدّم أي فرصة للتعلم الاجتماعي، وهو الحال بشأن التعليقات الوقحة حول مظهر شخص ما الذي يتحول لتنمر وليس نميمة، أو تداول أقاويل غير صحيحة عن آخرين على نحوٍ فجّ، أي إثارة الشائعات.

ومع ذلك، ربما تصير النميمة السلبية، التي تنطوي على تقييم، مفيدةً حين تنقل الثقافة وتجبر الناس على التصرف بشكل أفضل.

إذ تقول ميغان إن هناك دراسة تجزم بأن النميمة تعد مراقبةً للسلوك الأخلاقي للناس، وردعاً للغشاشين المحتملين، أو الكسالى بين أفراد الجماعة لأننا نُبالي بسُمعتنا وخطر نميمة الآخرين حول قراراتنا السيئة.

يمكن أن تعد النميمة أيضاً طريقة لمعرفة القواعد غير المكتوبة. على سبيل المثال، عندما نبدأ عملاً جديداً، تساعدنا نميمة الزملاء في لحظات الراحة المقتطعة من العمل على معرفة الزَّي المقبول في المكتب، ومَن قد نودّ تجنّب العمل معهم ضمن فريقٍ واحد، وما إذا كان الحصول على إجازة مدتها شهر أمراً مقبولاً. 

لا تقتصر هذه العادة البشرية على فئة عمرية بعينها. إذ درست ستيسي توريس، أستاذة علم الاجتماع، هذه العادة بين الأشخاص المسنين الذين يعيشون وحدهم في مدينة نيويورك. وكشف بحثها أن كبار السن يمارسون النميمة في المطاعم المحلية والمتاجر على سبيل التواصل مع الآخرين، والحفاظ على الروابط الاجتماعية والتغلب على الوحدة.

وقالت ستيسي: “إنها شيء نشهده عبر الثقافات والأعمار المختلفة، بالرغم من أنها قد تتخذ أشكالاً متفاوتة”، إذ ترى أن النميمة تمنح الفرصة للتحدث عن الناس بينما تسمح لنا في الوقت نفسه بالحفاظ على الروابط الاجتماعية الإيجابية معهم بوجهٍ عام. وحتى عندما بدت نميمة كبار السن سلبية أو فظة، كانت في الغالب بدافع الاهتمام.

وقالت: “إنهم يملكون ألقاباً لكل واحد منهم، وبعضها مهين، لكن كان واضحاً أنهم يهتمون بعضهم لبعض”. إذ إنهم على سبيل المثال، يدعون أحدهم الآخر بأسماء ساخرة، لكنهم يقولون شيئاً ما عن التواصل معهم على غرار: “هل يعرف أيكم أخبار فلان؟”. وتابعت ستيسي: “كان ثمة اهتمام في كلامهم. وكانوا يتفقدون أحوال بعضهم البعض”.

خُلق البشر ليهتموا لأمر أصدقائهم وعائلاتهم وحتى أعدائهم. ويصف الباحثون هؤلاء الناس بأنهم “مهمون اجتماعياً”. لكن لماذا نهتم بالمشاهير الذين لم نقابلهم فعلياً على أرض الواقع؟

قال فرانك: “ما في الأمر هو أن عقول رجل الكهف الكامنة لدينا ليست مستعدة لتتعامل مع وسائل التواصل الحديثة. وفي تلك الأيام، كانت معرفتك بالكثير عن شخصٍ ما، تعني أهميته الاجتماعية بالنسبة إليك”.  

ينطبق هذا بشكلٍ خاص حالياً بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تعني معرفتنا الكثير عن أناس لا نعرفهم فعلياً. واطلاعنا على تلك المعلومات يخدع عقولنا لنظن أن المشاهير من الشخصيات المهمة اجتماعياً في حياتنا. وقد أثبتت واحدة من دراسات فرانك أننا ننجذب إلى أخبار المشاهير في الصحف الصفراء ممن يماثلوننا في نوع الجنس والفئة العمرية.

وأوضح قائلاً: “إنهم من فئتنا؛ قد يكونون خصوماً لنا أو حلفاء. وأنت تعي أنهم لا يهمون وأنك لن تقابلهم، لكن تأثيرهم في أدمغتنا يماثل الأشخاص المهمين لنا”.

تعطينا النميمة عن المشاهير أيضاً أرضاً مشتركة مع الآخرين. وتمنحنا المعرفة بالثقافة الشعبية شيئاً نتحدث عنه خلال تلك المحادثات القصيرة في اللقاءات أو في الحفلات التي لا نعرف فيها أشخاصاً كثيرين. وقال فرانك: “بل إنك قد تفكر بالبقاء مطلعاً على أخبار المشاهير بوصفه نوعاً من المهارات الاجتماعية. إذ يجعلك ذلك على دراية بالأمور التي يهتم الناس لها”.

في النهاية بعض النميمات مبالغ فيها أو ضارة، إذ قال فرانك: “الأشخاص الذين يمارسون النميمة على نحو سيئ هم إما يثرثرون دون تمييز في كل شيء سمعوه لأي شخصٍ كان، أو أنهم أنانيون ويستخدمون النميمة لتدمير سُمعة خصومهم. 

أما من يمارسونها بشكل طيب لتكوين علاقات اجتماعية مثلاً فهم عالمون بالأمور، لكنهم موضع ثقة في الحفاظ على السرية. وهم يضعون سلامة الآخرين في حسبانهم”.

لذلك تنصح شبكة CNN في نهاية تقريرها من يضيع وقته أو يضر بعلاقاته بالنميمة أن يقلل منها، وتجنب المواقف أو الأشخاص الذين يظهرون أسوأ ما فيك.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى