آخر الأخباركتاب وادباء

البيت الأبيض وصكوك الغفران

بقلم الكاتب والأديب الصحفى

أبو أحمد “الهدهد”

فيينا- النمسا

فى القرن الثالث عشر بدت فكرة جديدة للكنيسة الرومانية لجباية مزيد من الأموال ، فكانت من قرارات المجمع الكنسى الثانى عشر الذى عقد فى روما سنة 1215 أن الكنيسة البابوية  تمتلك حق الغفران وتمنحه لمن تشاء فى شكل صكوك تصدرها مقابل رسوم تفرضها حسب الخطيئة ومكانة ومقدرة المذنب المالية . إستمرت هذه الكارثة على أتباع الكنيسة ما يقرب من 300 عام وإنتهت بإعدام كل من وقف ضدها وظهور معارضة قوية متمثلة  بمارتن لوثر كزعيم للمطالبين بالإصلاح الدينى مع تزامن إنبثاق المذهب البروتستانتى وتبنى المملكة البريطانية له مما قلص كثير من صلاحيات الكنيسة .

عندما وضع الدستور الأمريكى عام 1789 بعد حرب الإستقلال تضمن بنودا تشبه تلك التى فى صكوك الغفران من ناحية المعنى والنتيجةالمترتبة عليها ، فقد منحت لرئيس الدولة سلطة واسعة فى إعفاء مواطنين صدرت بحقهم أحكام قضائية من العقوبة ( منهم من يقضى مدة العقوبة ، من ينتظر الحكم عليه ، من هو فى مرحلة التحقيق ، من قضى فترة العقوبة فعلا ) وقد تعددت الجرائم التى شملها العفو ( السرقة،القتل،الخيانة، المخدرات ،النصب والإحتيال،الهروب من الخدمة العسكرية ، التزوير….إلخ)

وقد شهدت قائمة العفو فى القرن العشرين جرائم جديدة مثل الإحتيال على البنوك حيث المبالغ المنهوبة تصل لملايين الدولارات  وكانت تتم من جانب مناصب عليا فى البنوك ودوائر الدولة . ولأول مرة يشمل العفو رئيسا سابقا للولايات المتحدة ( فقد صدر فى عام 1974 عفو من الرئيس جيرالد فورد عن ملاحقة الرئيس السابق نيكسون فى قضية وتر جيت  ) ولعلنا نشهد فى مطلع العام القادم الرئيس الثانى للولايات المتحدة الأمريكية الذى سيتم العفو عن جرائمه بصط غفران من الرئيس جون بايدن !

والسؤال الذى يتبادر الى الذهن هل هذه الإعفاءات تجرى بدون مقابل ؟ من الناحية النظرية الرسمية والأخلاقية نعم ولكن!!!!  بإختصار شديد فقد تم رصد بعض التمويل لأحزاب سياسية كتبرعات من أسماء شملها العفو بعضها قبل والبعض الآخر بعد صدور العفو ( راجع قائمة الرؤساء والذين صدر لهم العفو ونوع الجريمة بالتفصيل والتاريخ فى صفحة وزارة العدل الأمريكية ) .

  إذا نحن أمام صكوك الغفران مرة أخرى لكن هذه المرة ليست بالصورة الدينية القديمة وإنما بصورة قانونية تمحوا الجريمة والآثار المترتبة عليها. والجدير بالذكرأن هذا الأمر ليس محصوراعلى الولايات المتحدة فقط ، بل هو سائد فى أرجاء العالم بصور مختلفة ، فعلى سبيل المثال نجد فى جمهورية النمسا قانونا يعطى الحق لوزير العدل أن يوقف سير أى قضية  سواء أثناء النظر فيها أو الملاحقة القانونية أو وقف النيابة من التحقيق إبتداء؟  والغريب أن الرأى العام لا يتأثر بأى رد فعل لمثل هذه الممارسات ولا تتناولها وسائل الإعلام بالنقد  أو الإستنكار بصورة مؤثرة ؟  وهناك طرق أخرى يمكن إتباعها  تؤدى الى نفس النتيجة مثل إطالة التحقيق فى القضية أو النظر فيها حتى يملها الناس أو يطويها النسيان (على سبيل المثال وزير المالية القديم  كارل هاينزجراس الذى قامت النيابة بالتحقيق فى  قضايا فساد متعددة ضده أثناء فترة رئاسته للوزارة ( 2000 ـ 2007 ) ولم تصدر بحقه حكم قانونى الى الأن برغم أن بعض المحللين قد توقع له السجن لمدة تصل الى 10 سنوات .

ختاما : فإن فكرة صكوك الغفران ماتزال قائمة وإن كانت سلطة إصدارها قد تم نزعها من الكنيسة وأسندت الى هيئات إعتبارية أو رؤساء وملوك على الأرض .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى