آخر الأخبار

التطبيع الإماراتي أجبرهم على الجلوس معاً.. خيبة أمل شعبية من اجتماع الفصائل الفلسطينية، وسياسيون: لا تستعجلوا

لم يكن اجتماع الفصائل الفلسطينية في بيروت حدثاً عادياً، استثناؤه يأتي في ظل ما تعانيه القضية الفلسطينية من مأزق سياسي خطير، إذ انهار مشروع التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في ظل إصرار الأخيرة على إغلاق كل منافذ الحل السياسي بإصرارها على تطبيق خطة الضم، رغم التحذيرات الفلسطينية من مخاطر هذه الخطوة على الاستقرار السياسي في المنطقة.

يأتي اجتماع قيادة السلطة الفلسطينية، بالأمناء العامين للفصائل إضافة إلى حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وحركة “الجهاد الإسلامي”، في ظل مؤشرات التقارب العربي الإسرائيلي، والذي بدأته الإمارات بإبرامها اتفاق سلام منتصف أغسطس/آب، وتزايد احتمالات أن تتبعها دول أخرى كالسعودية والبحرين، وهو ما يراه الفلسطينيون مؤشراً على تخلي الدول العربية عن مسؤولياتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية.

اتفاق الفصائل الفلسطينية على اللقاء في بيروت، كان قد سبقته مؤشرات لتقارب في وجهات النظر بين حركتي حماس وفتح، ففي يوليو/تموز عُقد أول لقاء افتراضي بين نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” صالح العاروري، وأمين سر اللجنة المركزية لفتح، جبريل الرجوب، وتبعته لقاءات مماثلة بين قيادات الحركتين في الداخل والخارج.

كان مأمولاً من هذه اللقاءات أن تحرز تقدماً في ملف المصالحة، حيث جرى الاتفاق على تنظيم مهرجان مركزي في غزة بحضور الرئيس محمود عباس، لكن إغلاق معبر رفح، وتعذُّر وصول الوفود العربية والدولية من الخارج حالا دون تنظيم المهرجان في وقته، لذلك جرى اختيار العاصمة اللبنانية بيروت لاحتضان اللقاء بتوافق كل الفصائل؛ لسهولة الوصول إليها، والدلالة الرمزية لما يمثله لبنان في تاريخ الثورة الفلسطينية.

رفع الفلسطينيون سقف التوقعات بنجاح لقاء بيروت قبل انعقاده؛ نظراً إلى كونه الاجتماع الأول الذي يُعقد على مستوى الأمناء العامين للفصائل منذ تسع سنوات، حينما احتضنت القاهرة آخر اجتماع في 2011، لكن توقعات النجاح تراجعت، بعد صدور البيان الختامي للاجتماع الذي لم يدعُ إلى إجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية، أو تذليل العقبات التي تقف في طريق تطبيق المصالحة كالعقوبات التي تفرضها السلطة على قطاع غزة.

كان الشارع الفلسطيني يأمل من البيان الختامي للاجتماع أن يرى خطوات عملية على الأرض، بدلاً من تكرار التصريحات التي حملت طابعاً دبلوماسياً أكثر من كونها تصريحات تعكس المأزق الذي وصل إليه الفلسطينيون.

وقد توقع الفلسطينيون أن يسفر المؤتمر عن إنهاء سياسة التمييز الجغرافي التي تتبعها السلطة الفلسطينية بين الضفة وغزة، ووقف كافة الإجراءات العقابية التي اتخذتها بحق القطاع منذ 2017، وإعادة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، ورد الاعتبار لمكانة السلطة التشريعية والقضائية، والسماح بحرية الرأي والتعبير، والدعوة إلى انتخابات شاملة، وضمن ذلك إصلاح منظمة التحرير لتشمل الكل الفلسطيني، دون إقصاء أحد.

ما إن صدر البيان الختامي للاجتماع حتى ظهرت التحفظات سريعاً بين الفصائل، وأهمها ما أصدرته حركة الجهاد الإسلامي بإعلانها رفض القبول بدولة على حدود 1967، وتأكيد موقفها الثابت بعدم التفريط في أي شبر من فلسطين التاريخية، وإصلاح منظمة التحرير لتمثل كل الفلسطينيين.

خليل شاهين مدير البحوث بالمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات”، في رام الله، قال لـ”عربي بوست”، إن “الحكم على لقاء بيروت بالنجاح أو الفشل ما زال مبكراً، رغم خيبة الشارع الفلسطيني من مخرجات الاجتماع، التي ظهرت سريعاً بخلافات الفصائل على مخرجات اللقاء”.

وأضاف أن “انتظار نتائج الاجتماع على الأرض سيكون الفيصل في إعطاء النتيجة النهائية لنجاح اللقاء من عدمه، رغم أن المؤشرات الحالية لا تشير إلى إحراز اختراق حقيقي في ملفات كالمصالحة، أو الاتفاق على برنامج عمل وطني يواجه التحديات الراهنة”.

تضمن لقاء بيروت كلمات لقادة الفصائل، أبرزها كلمة الرئيس محمود عباس عبر تقنية (الفيديو كونفرنس)، والذي يشعر بأن التقارب الإماراتي الإسرائيلي يهدد شرعيته، في ظل مخاوفه من سعي الإمارات لسحب البساط من تحته لصالح عدوه اللدود محمد دحلان.

“عربي بوست” علِم من أوساط فلسطينية مشارِكة في الاجتماع، تحفظت على كشف هويتها، أن “قطر وتركيا تدخلتا لإنجاح الاجتماع، لأن أجندته موجهة ضد اتفاق الإمارات وإسرائيل، كما لعب رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، دوراً بتسهيل عقد الاجتماع بعد اعتذار لبنان في البداية، بسبب ضغوط الولايات المتحدة والسعودية”.

أحد التفسيرات المحتملة لإصرار “فتح” على عقد الاجتماع، ومنح إشارات إيجابية للتقارب مع حماس وفصائل منظمة التحرير، هو سعي عباس لتأكيد شرعيته، وكسب تأييد الفصائل؛ خشية انقلاب سياسي محتمل يهدد الضفة الغربية، التي تزداد فيها المخاوف من ظهور تيارات لا تتمتع بالولاء الكامل له، لصالح خصوم محتملين داخل فتح وخارجها، وما يعززه انتشار ظاهرة فوضى السلاح، وازدياد جرائم القتل، وفقدان السلطة كثيراً من صلاحيتها لصالح إسرائيل، وشخصيات تدعمها داخل الضفة.

إياد القرا، رئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين اليومية في غزة، قال لـ”عربي بوست”، إن “لقاء الفصائل في بيروت، رغم تأخُّره لسنوات، كان مطلباً تنادي به كافة القوى السياسية، وقد تعثر انعقاده خلال هذه السنوات بسبب تعنُّت فتح، التي خشيت أن تشرك منافسيها من الفصائل في منظمة التحرير، أو تقاسمها في السلطة”.

وأضاف أن “العامل السياسي الذي دفع عباس إلى القبول بعقد الاجتماع، هو تكرار الحديث الأمريكي الإسرائيلي عن تغيير محتمل في القيادة الفلسطينية، لذلك رأينا خطابه مختلفاً عن السابق، وكرر مفردات من قبيل أنه (لا أحد يتكلم باسم الشعب الفلسطيني من دول الخليج وغيرها)، ورفض مطلق لأي إملاءات خارجية، وهو حديث نابع من قلقه وخوفه من انقلاب سياسي مدبر قد يواجهه في المرحلة القادمة”.

من الواضح أنَّ فتح رغبت من خلال اللقاء، في إيصال رسائل إلى الأطراف المعنية في الخارج، بالخليج أو الولايات المتحدة وإسرائيل، بأن هناك التفافاً فلسطينياً على شرعية السلطة ومنظمة التحرير، لنفي ما يشاع عن انقسام داخلي، قد تستغله هذه الأطراف لتثبيت معادلات جديدة.

لم تكن رسائل حماس غائبة عن الاجتماع، إذ أكد رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي يزور لبنان لأول مرة منذ ربع قرن، أن الأوهام التي يتناقلها كثيرون عن سعي الحركة لبناء دولة في غزة مستقلة عن الضفة غير صحيحة، لأنها رفضت كثيراً من العروض والمليارات لتحقيق هذا الهدف.

كلام هنية موجَّه إلى بعض التيارات في فتح التي تتهم حماس بتقويض دور السلطة في غزة، وتسعى لبناء كيان سياسي يمهد لدولتين منفصلتين في غزة والضفة، وهو ما أخذته السلطة ذريعة لفرض عقوبات مالية واقتصادية على غزة منذ 2017.

منصور أبو كريم، الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، قال لـ”عربي بوست”، إن “المشروع الوطني الفلسطيني كله بات مهدداً، فالسلطة خسرت جزءاً كبيراً من أوراق الضغط التي تمتلكها، ولم تعد قادرة على الاستمرار بهذا الوضع، فإسرائيل تصر على مشروع الضم، والدول العربية تخلت عن دورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، وقطاع غزة لا تمتلك السلطة فيه أي وصاية في ظل حكم حماس، والأخيرة أيضاً لا تستطيع الاستمرار في الحكم ومواجهة تحديات داخلية وخارجية دون تقاسم هذه المسؤولية مع السلطة في رام الله”.

وأضاف: “لذلك بات الطرفان يشعران بحجم المأزق الذي يعانيانه سياسياً واقتصادياً وشعبياً، ويأتي لقاء بيروت لمواجهة هذه التحديات بأقل التكاليف الممكنة، وهو الاتجاه نحو مصالحة وطنية يتقاسم من خلالها كل الأطراف مسؤولياتها”.

من الواضح أن الآمال على نجاح لقاء بيروت ما تزال بعيدة، فالفجوة بين حماس وفتح كبيرة، ولم تستطع أي دولة أن تحرز تقدماً في تقريب وجهات نظرهما، فكيف يمكن جمع كافة الفصائل على موقف واستراتيجية واحدة في ظرف تتزايد فيه التدخلات الدولية في القرار الوطني؟

شاهين أكد أن “جزءاً من تناقضات المواقف الفلسطينية التي ظهرت في لقاء بيروت هو عدم الاتفاق على تعريف المقاومة الشعبية الشاملة، فحماس والجهاد الإسلامي تريان أن هذا التعريف يشمل استخدام القوة العسكرية، بجانب المقاومة الشعبية، وهو ما ترفض فتح تبنّيه؛ خشية إدراجها ضمن قوائم الإرهاب”.

كان من أبرز ما تضمنه البيان الختامي للاجتماع، اتفاق الفصائل الفلسطينية على تفعيل المقاومة الشعبية الشاملة، وهذا المصطلح يجد تفسيرات متناقضة بين الفصائل، فحركة فتح ومعها فصائل منظمة التحرير ترى أن المقاومة الشعبية الشاملة تتم من خلال توظيف القوة الناعمة لمواجهة دولة الاحتلال، ومحاربة الرواية الإسرائيلية، دون دفع استحقاقات على الأرض كوقف التنسيق الأمني، أو السماح لفصائل المقاومة بممارسة نشاطها الميداني بِحرية ودن تضييق.

يتعارض هذا التعريف كلياً مع استراتيجية حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تريان أن المقاومة الشعبية تشمل استخدام كافة الأدوات الممكنة لمواجهة دولة الاحتلال، حتى باستخدام الأسلحة والقوة الخشنة.

في ضوء اتساع الفجوات بين الفصائل الفلسطينية، فإن الأيام القادمة كفيلة بالحكم على اللقاء بالنجاح أو الفشل من خلال الحكم على النتائج، وما يتم تطبيقه على الأرض، رغم أن المؤشرات الحالية لا تشير إلى نجاح اللقاء، في ضوء تباين المواقف بين قادة الفصائل الفلسطينية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى