تقارير وملفات

الجزء الثالث للفصل الثاني ( بطرس باشا غالي واخوانه في احضان الانكليز )

(( عندما يعود الوعي ))

بقلم الكاتب الروائى

محمد عبد الله زين الدين

محمد عبد الله زين الدين

———————————–
عادت تمثلات الماضي من جديد تراودني عن نفسها انها الغواية والوقوع في حبائل الكتابة التي لافكاك منها البتة لأستكمل مابدأته, هاهو تمثال بطرس باشا غالي موضوع في الجانب الامامي بالكاتدرائية بالقاهرة في حي العباسية ويظهر جليا ان كانت له حظوة كنسية واضحة , ففي عهد البطريرك كيرلس الخامس قبل الباشا ان يكون وسيطا في مسألة التوفيق بين البطرك من ناحية والمجلس الملي من ناحية اخرى بالرغم ان بطرس غالي قد اتفقت ارادته مع ارادة خديوي مصر توفيق والذي لم يكن طرفا مباشرا في الخلاف القائم بل ان الرجلان كانا مؤيدين للمجلس دون رغبة البابا في باطن الامر وهما من دفعا الى ان يكون الانتخاب هو الفيصل في اختيار اعضاء المجلس الملي ,وفي مجمل القول ان جناب الخديوي قد انحاز الى بعض المثقفين المسيحيين في العام 1874م بانه ايد مطلبهم بانشاء مجلس يعبر عن الارادة الخديوية من ناحية والشعور بنوع من الاستقلالية من ناحية اخرى فكان المجلس الملي الذي يتبنى الجانب اللوجستي من الكيان الكنسي الاورثوذوكسي وكذلك لكرسي الكرازة المرقسية , بما في ذلك الاوقاف القبطية , الا ان نيافة البابا رفض ان يكون المجلس بالانتخاب واراد ان يكون بالتعيين لان ذلك يسلبه جزء من اختصاصاته ومع ان الهدف من كلا الطرفين وهو ظاهريا لخدمة مصالح الشعب المسيحي, وبالرغم من معارضة البابا تمت إجراء الانتخابات بالقوة ولم يعترف البابا بهذه النتيجة، ولكن الخديوي والحكومة أيّدوها وعارضوا البطريرك. وتم تغيير لائحة المجلس بأن يُرفَع البابا من رئاسة المجلس وأن يقوم وكيل المجلس بعمل رئيس المجلس.
ولاحق المجلس الملى البابا يريد الإصلاح وتدريجياً بدأ البابا كيرلس الخامس يضيق بضغط المجلس عليه , كما شعر أنه ينازعه سلطانه وهكذا بدأ يخطط ليتحلص من هذا القيد , فلم يدعه للأجتماع والإنعقاد , وأهمله تماماً وعاد في النهاية المارقين ليعتذروا للبطرك الذي سرعان ما قبل اعتذارهم, و ما ذلك الا بايعاذ من بطرس نفسه ليكون باعين الجميع .هكذا دائما كان بطرس باشا غالي مثله مثل جده الاكبر لايهتم الا ان يكون في خدمة الاقوياء سواء كان واليا ام محتلا آثما حتى انه يستمرئ ان يناور لينال عطوفة باب الخديوية والكرسي البابوي في ضربة واحدة.

المعلم
فلقد كانت عائلة المعلم غالي ابو طاقية جد بطرس الاكبر ناظر المالية و جابي المكوس والضرائب لصالح الوالي محمد علي باشا ضاربا بعرض الحائط مصالح ابناء الوطن في سبيل الحظوة بالمقام الرفيع وان يكون بجوار البيت الحاكم وجاء في مذكرات نوبار باشا (( انه حينما :
فرض محمد علي باشا ضريبة جديدة “الفردة” الممقوتة وهى ضريبة على الأفراد مجحفة بحق الناس الرجال منهم والنساء والأطفال ، وكانت الأساليب التى تستخدم فى جباية هذه الضرائب مروعة .. وتفجرت الاحتجاجات فى كل مكان .
الا ان هذه الاحتجاجات لم تلغى هذه الضريبة نظرا للحاجة الشديدة إلى المال (للإنفاق علي حرب من حروبه ) .. و لتهدئة سخط الناس ..
ذهب إبراهيم باشا إلي المنصورة ومعه وزير ماليته “المعلم غالي أبو طاقية”.. وجلس أمام المشايخ في شكل جمعية عمومية هم يتحدثون ويشكون من كثرة الضرائب وفداحة تقديرها والقسوة في تحصيلها.. وبعد أن استمع إليهم قال بصوت عالى : إن الخطأ ليس خطأ أبى.. إنهم يخفون عنه الحقيقة .. إن صاحب فكرة فرض هذه الضريبة .. هو الخائن الذى ترونه هنا جالسا بجانبى ( أشار بأصبعه علي المعلم غالي وزير المالية) .. ثم أخرج إبراهيم باشا المسدس من جيبه وصوبه تجاه المعلم غالي. وأفرغ الرصاصات في صدره وأرداه قتيلاً في لحظات أمام جموع الحاضرين.. الذين أصابهم الذهول والذعر.. وإنسحب الشيوخ خارجين فارين من الاجتماع.))
وهكذا تم إقرار العدالة على طريقة إبراهيم باشا.. واعتقد الناس أن الضريبة ستلغي ولكن الذي حدث أن وزير المالية قتل والضريبة ظلت كما هي (حتى ألغاها عباس حلمى الأول ).

بطرس

لقد كان بطرس باشا غالي انموذجا للخيانة الصارخة ليست خيانة للوطن فحسب بل هي خيانة للذات قبل اي شء ويعود بنا الوعي لنتذكر كيف انه مال بكل ما اوتي من قوة الى المصالح الغربية واراد ان يحصل على تمرير قانون بمجلس النواب بتمديد طوال فترة الهيمنة على قناة السويس اربعون سنة اضافية في مقابل ان تلقي الشركة المهيمنة حفنة من المال فقد كان لايهتم بفكرة السيادة الوطنية على مقدرات الوطن ولا اساسا قد خطرت له على بال انه من اصحاب المنافع حتى لو جاءت المنفعة في تماس مع عرضه وشرفه ومن ثم فانه براجماتي الاتجاه وكأن الجاني من فرط اجرامه ان يقول للجلادين خذوني الا ان الشائع وقتها انه كان لايريد ان يفتضح امر مؤامرته امام لحركة الوطنية حتى يقوم بتمريرها دون أي ضجة من الرأي العام المصري، ولذا ظل هذا المشروع محل تكتم مدة عام كامل، وكاد العميل ان يحقق غرضه الدنئ لولا الوطني المخلص محمد فريد الذي كشف المستور بعد ان حصل على النسخة الاصلية من مشروع القانون وقد نشرها في جريدة اللواء في العام 1909 وفوت الفرصة عليه فمعنى ان الحركة الوطنية قد طلبت بعرض المشروع على الجمعية العمومية ان ثم حشد ضد خطورة هذا القانون وافق عليه الخديوي عباس حلمي الثاني فورا ثم قام الشاب البطل ابراهيم الورداني صاحب الرابعة والعشرين ربيعا من شباب الحزب الوطني باغتياله أمام وزارة الحقانية في الساعة الواحدة ظهرا يوم 20 فبراير 1910م، ليقذفه بست رصاصات وصلت اثنين منهم الى رقبته فأردته قتيلا فأراح البلاد والعباد من دسائسه ومؤامراته ومن تحقيق اغراضه لولا وعي الحركة الوطنية لكان هناك امتياز القناة ليس الى عام 2008 بل الى ابد الابدين
ولم ينتهي الامر بعد فلقد كانت تلك الشخصية الدنيئة الخائنة مستنسخة والى وقتنا هذا هم يراهنون على غفلة الشعب ونحن نراهن على عودة الوعي وهذا دأبنا وديدننا وسبب كتابه هذا المحرر الا وهو عودة الوعي والضمير المصري.
لمــــــــــراجع :
(1) القول اليقين فى مسألة الأقباط الأرثوذكسيين ليوسف منقريوس .
(2) أيريس حبيب المصرى – قصة الكنيسة القبطية – طبعة 1998 – مكتبة كنيسة مار جرجس بأسبورتنج – أسكندرية – الجزء الخامس ص 25
(3) اب تاريخ ألأمة القبطية – أ . ل . بتشر صدر فى 1889م
(4) مذكرات نوبار باشا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى