اخبار إضافيةالأرشيف

الجزء الثامن من سلسلة حلقات “رجل أيقظ أمة من ثباتها”

بقلم الإعلامى
محمد المصرى التركى
سنتعرض بمشيئة الله إلى الأسس التي بنى عليها الإمام البنا دعوته،
و إلى همته ، و إلى سرعة انتشار دعوته و أهم أهدافها، و كذا القواعد و القوانين التي أرسى عليها المؤسس الأول للجماعة بنيانه الشامخ ، ثم ننتقل الى القضية الكبرى قضية القدس الحبيبة.
……..،
لقد كانت الساحة الإسلامية في ذلك الوقت مقتصرة على تيارين رئيسيين : الدعوة السلفية والطرق الصوفية ، وكان الخلاف بينهما مستحكما والعداوة حادة ، وكان الفكر الإسلامي رهين أروقة الأزهر ومنظوماته ومصنفاته ، إلا ما خلفته حركة الأئمة جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و محمد رشيد رضا من آثار .
لذلك كانت دعوة الإمام البنا في العودة إلى شمولية الإسلام في كل جوانب الحياة، تجديدا رائدا في مجال التفكير الإسلامي ؛ فبعد أن كان الكتاب المسلمون يجدون عنتا في التدليل على أن الإسلام ليس ضد العلم وأنه يواكب الحضارة ..!! أبرزت حركة الإخوان المسلمين جيلا من الشباب المؤمن المثقف يستصغر الحضارة الغربية في جنب الإسلام ، ويعتقد انه: ” لن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة
 وقد استوعبت جماعة الإخوان المسلمين في صفوفها مختلف قطاعات الشعب وخاصة الشباب المثقف ، وأوقدت جذوة الإسلام في النفوس في جديد .
ونعود مع الإمام البنا إلى الإسماعيلية ، حيث بدأ بناء مؤسسات الجماعة ، فأقام مسجدا ودارا للإخوان ، ثم معهد حراء الإسلامي ، ومدرسة أمهات المؤمنين . وبدأت الدعوة تنتشر في القرى والمدن المجاورة .
وفي عام 1932 إنتقل الإمام حسن البنا إلى القاهرة ، وبانتقاله إليها انتقل المركز العام للاخوان المسلمين .
وكان الإمام يقوم برحلات متتابعة إلى الأقاليم يصحب فيها إخوانه الجدد يربيهم على خلق الدعوة ويؤهلهم للقيام بأعبائها ، وكان يتابع عمله هذا بدأب وتفان حتى غطت جماعة الإخوان المسلمين القطر المصري كله .
و قد أصدر الإمام البنا مجلة ( الإخوان المسلمون ) الأسبوعية ، ثم مجلة ( النذير ) ، وعددا من الرسائل التي تحوي هذه المجموعة بعضها . ولم يتفرغ – رحمه الله – للكتابة والتأليف بل كان جل اهتمامه منصبا على التربية ونشر الدعوة ، وعلى تكوين جماعة ما تزال رائدة البعث الإسلامي في العالم كله .
حرص الإمام البنا على ألا تكون حركته: دعوة الاخوان المسلمين ، إقليمية في حدود القطر المصري فقط!
 كلا.. كلا.. بل كانت عالمية بعالمية الدعوة الإسلامية ، وهو مايدل على عمق فهم الإمام البنا لدينه وللقرآن والسنة فهما دقيقا لايضاهيه فهم فتح الله عليه به ، وإختصه به دون غيره من دعاة العصر ، فأصبح مجددا فريدا في تجديد شباب الإسلام ؛ و الفضل كله لله وحده ، هو من يصطفي من خلقه ويختار ، وهو التفضل الالهي على بعض خلقه حينما يريد أن يفيق المسلمون ، يبعث لهم من يجدد لهم الدين ويوقظهم من غفلتهم
 لذلك وجدنا أن الدعوة تمتد في الأربعينات لتشمل العالم العربي كله ، ولتنطلق بعد ذلك في أقطار العالم الإسلامي مركزة على الدعوة في كل مكان .
وكان الإمام البنا رحمه الله يرسل المبعوثين إلى أقطار العالم يتفقدون أحوال المسلمين وينقلون إلى القاهرة صورة عن واقع العالم الإسلامي .
وكان المركز العام بالقاهرة ملتقى أحرار المسلمين في وقت كانت فيه معظم أقطار العالم الإسلامي رازحة تحت الاحتلال الأجنبي .
فمن رجال حركات التحرير في شمال أفريقيا ، إلى أحرار اليمن ، إلى زعماء الهند و باكستان وأندونيسيا وأفغانستان ، إلى رجالات السودان والصومال وسوريا والعراق وفلسطين
وكان للقضية الفلسطينية عناية خاصة لدى الإمام البنا كما كانت له نظرة ثاقبة في موضوع الخطر اليهودي ، و قد أخذ الإخوان المسلمون منذ بداية الثورات الفلسطينية على عاتقهم هذه القضية ، بجوار جهادهم ضد الانجليز في مصر كما سنعرضه ان شاء الله.
لقد نظر الشاب حسن البنا إلى حال الأمة فوجد مجتمعا على جاهلية أشد من الجاهلية الأولى! مجتمع لا يحمل من الإسلام سوى إسمه! لا يحل حلالا و لا يحرم حراما!
سقطت الخلافة الإسلامية! وإنتشرت الدعارة و الخمور و المنكرات بكل أنواعها! عري في كل مكان! وخلت المساجد الا من العجزة!
سيل الإلحاد ينحدر إلى المجتمع بكل قوة!
وهنا ليس أمام رجل يبني أمة غير الإنطلاق من نقطة الصفر ، و لأن الإسلام بني على التدرج ، و لأنه لابد من عودة الريادة و السيادة و القيادة للأمة من جديد ؛ فقد وضع الإمام البنا أهدافا ثابتة تتولى تحقيقها جماعة الإخوان المسلمين هدفا هدفاً دونما عجلة و لا تعجل على جني الثمار ، فقد يجنيها جيل آخر بعده أو الجيل الذي يليه ، المهم أن يكون العمل جادا بفهم و إخلاص لله وحده مع الأخذ بالأسباب ، و النتائج على من يقول للشيء كن فيكون سبحانه وتعالى: { ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء } ؛ { إن عليك إلا البلاغ } ؛ { فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر }
و قد وضع الإمام أهدافا سبعة و وضع بنودا لبيعة تؤخذ ممن يرغب في سلعة الله ” ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة
ونوجز الأهداف بترتيبها ثم نشرحها مع البيعة بإيجاز:
أولا: المجتمع يتكون من  أفراد و إذا تحقق الفرد المسلم و تربى تربية سليمة على المنهج الرباني ، تحقق الهدف الثاني و هو الأسرة المسلمة ، فالأسرة تتكون من الفرد الرجل و المرأة ، و الأسرة عبارة عن مجتمع صغير ، فحينما تتحق الأسر المسلمة على نفس تربية الأسرة الأولى على القرآن و السنة فلا محالة إذن سيتحقق الهدف الثالث و هو المجتمع المسلم الرباني على المنهج السليم ؛ و بتحقق المجتمع المسلم أصبح الهدف الرابع متاحا و هو الحكومة المسلمة ، و بتحقق الحكومات المسلمة في الدول العربية على وجه الخصوص يقترب الهدف الخامس و هو الوحدة العربية أو إن صح التعبير الوحدة الإسلامية في الأمة و بذلك بات الهدف السادس قريبا وميسورا: الخلافة الإسلامية و بتحقق الخلافة الإسلامية وتحرير الوطن الإسلامي بداية من القدس وحتى عودة الأندلس ، بات الهدف السابع  قريبا بل متاحا و هو: أستاذية الإسلام للعالم و بذلك تعود الريادة والسيادة للمسلمين ، و يتحقق الهدف الأسمى الذي خلق الله البشر من أجله : الإستخلاف في الأرض: « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ »
«ما أريد منهم من رزق» لي ولأنفسهم وغيرهم «وما أريد أن يطعمون»
يقول صاحب الظلال في خواطره:
“… الوظيفة التي خلق الله العباد لها ومنحهم وجودهم ليؤدوها
{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }
وإن هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة من أضخم الحقائق الكونية التي لا تستقيم حياة البشر في الأرض بدون إدراكها واستيقانها سواء كانت حياة فرد أم جماعة أم حياة الإنسانية كلها في جميع أدوارها وأعصارها ، وإنه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة التي تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة
وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة أن هنالك غاية معينة لوجود الجن والإنس تتمثل في وظيفة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده ; ومن قصر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده ; وأصبح بلا وظيفة وباتت حياته فارغة من القصد خاوية من معناها الأصيل الذي تستمد منه قيمتها الأولى وقد انفلت من الناموس الذي خرج به إلى الوجود وانتهى إلى الضياع المطلق الذي يصيب كل كائن ينفلت من ناموس الوجود الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء ( و هو الواجب الأساسي المنوط بتحقيقه كل فرد مسلم حتى ولو لم يتحقق في الكون فواجب عليه السعي لتحقيقه بكل عزم ، تحقيق عبودية البشر لله في الارض وتحقيق مهمة الاستخلاف المراد ) … ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان نعرفها من القرآن من قول الله تعالى:
{ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة }
فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني ، وهي تقتضي ألوانا من النشاط الحيوي في عمارة الأرض والتعرف إلى قواها وطاقاتها وذخائرها ومكنوناتها ، وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى أوسع وأشمل من مجرد الشعائر ; وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
 الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس ، أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا وربا ، عبدا يعبد ، و ربا يعبد ، وأن ليس وراء ذلك شيء ; وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ; وإلا رب واحد والكل له عبيد
والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير وكل حركة في الجوارح وكل حركة في الحياة ، التوجه بها إلى الله خالصة والتجرد من كل شعور آخر ; ومن كل معنى غير معنى التعبد لله ، بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة ; ويصبح العمل كالشعائر والشعائر كعمارة الأرض وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله كلها عبادة ; وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها…” انتهى كلام صاحب الظلال.
وهذه الغاية هي التي وضع لها الإمام حسن البنا الأهداف السبعة ووضع لكل هدف أسس وطرق تحقيقه إستنباطا من القرآن و السنة  كما طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و العلماء ورثة الأنبياء،
ومن هنا نلمح مدى عمق الفهم ونفاذ البصيرة والمواهب التي من الله بها على عبده : الشاب حسن البنا الذي بدأ يرسخ لهذه الدعوة وهو في العشرين من عمره! والفضل وحده في ذلك والمنة من الله وحده عليه وعلينا بأن قيد شابا يجدد للامة دينها الذي ضيعته!
ملحوظة: ونحب أن نلفت الأنظار وننبه العقول إلى أن أهم محور تبنى عليه هذه الأهداف حينما يتحقق هو الهدف الثالث و هو تحقق المجتمع المسلم الفاهم المخلص الذي يعيش لدينه ولأمته ، فبدون هذا الهدف لا و لن يتحقق ما بعده من أهداف ؛ فهو المحور الأساسي والحلقة الرابطة بين كل حلقات الأهداف السبعة ، فحينما يتحقق المجتمع المسلم الذي يحمل المنهج الرباني فسيخرج منه القادة والحكام الربانيون ؛ أما بفقد هذه الحلقة من منظومة الأهداف السبعة فلا سبيل لتحقيق النجاح والقيادة وعودة الريادة والسيادة..!!
وخير دليل على ذلك.. ما عشناه ونعيشه ، فبالرغم من وجود جماعة مسلمة حقا تحمل المنهج الرباني و تربي عليه الأمة منذ عقود في كل بقاع الأرض وفي شتى المجالات غير أن المجتمع مازال في غالبيته العظمى على جاهليته و بلا وعي ..!!
فلننظر إلى ماحدث ويحدث في مصر! من كل وسائل محاربة الإسلام! والمجتمع لا هم له سوى لقمة عيشه ورزقه! وآخر قضاياه ( إن فكر! ) هي أمته ودينه وكرامته!
مجتمع يعيش بكل دونية و لا زال يعطي الدنية في دينه! وحريته! وكرامته! وأمته! رغم أنه مجتمع تحقق فيه الحاكم المسلم! و لأن المجتمع المسلم لم يتحقق فيه فقد أطيح بالحاكم المسلم الرباني بسواعد قوى الشر في مصر أمام مرأى ومسمع ليس المجتمع المصري المسلم فحسب بل أمام الأمة كلها ولاساكن يتحرك!
أعراض تنتهك! وخيرة من في الوطن من شخصيات وعقول مرموقة بين قتيل أو سجين أو مطارد ..!! ولا أحد يحرك ساكنا!
وكذلك في باقي الأمة العربية بل الإسلامية كلها! فسوريا تباد و غزة على الحدود بمليوني مسلم تقتل ببطء منذ عشر سنوات..!! وبورما..!! …..الخ ، و أين المسلمون؟! لا حركة و لا صوت!
لأن المجتمع المسلم لم يتحقق بعد ، و مادام لم يتحقق.. فلو جاء كل يوم حاكم بل حكومة كاملة مسلمة والمجتمع على جاهليته ، فستعاد الكرة  الف مرة و مرة..والحقيقة مرة!!
ولذلك يربينا الله بمانحن فيه من ذل وهوان.. وما ضر الفئة المؤمنة كل أنواع التنكيل وإن أبيدت عن آخرها.. فالأمر محسوم والطريق مرسوم: إما نصر أوشهادة.
 وسيظل الأمر أدهى وأمر في كل يوم يمر ، ما لم يعتبر كل فرد نفسه داعية ومجتمعا وحده ، ويسعى سعيا حثيثا لإنقاذ أمته بتحويل المجتمع من جاهلي إلى مجتمع مسلم حقا ، يعيش ليس لنفسه بل لدينه ولمن حوله ليرضي ربه ؛ ولذلك نجد أنفسنا مطالبين بإغتنام كل فرصة لإحياء هذا المجتمع ، وكل فرد في المجتمع لابد أن يعرف أنه مجتمع بذاته ، مجتمع فردي يتحقق به و بأمثاله المجتمع الأكبر حينما يشارك في تكوينه بتربية نفسه ومن حوله ، وهو مارسخه الامام حسن البنا ولازال إخوانه وتلامذته يعملون على تحقيقه منذ عقود
فلنسارع للحاق بالقافلة وإدراكها قبل الرحيل! ووقتها لن ينفع ندم ولا بكاء ولا عويل! وسيظل المجتمع مستباحا ذليلا خلف أذناب الخنازير يسير!
ومن نحن؟
نحن من أعطانا الله ما نسود به فوق كل سائد!
ننتقل إلى جانب البيعة التي وضعها الإمام البنا لتحقيق وإنجاز هذه الأهداف و سنعرفها في الجزء القادم إن شاء الله والله الموفق نسأله أن يردنا و أمتنا اليه ردا جميلا…….. ،
رجل ايقظ امة من ثباتها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى