كتاب وادباء

(( الجزء الثاني والاخير —- تتمة الفصل الاول )) —- (( تحت الطلب ))

بقلم الكاتب 

محمد عبد الله زين الدين

محمد عبد الله زين الدين

—-

احمد-عرابى

في هذا الجزء الاخير من سيرة الزعيم البطل احمد عرابي نلقي الضوء على ماهو ابعد من الاحداث التي كانت بمثابة العلة البعيدة لدخول مصر في نفق الاحتلال المظلم فيما يربو على الاربعة والسبعين عاما كاحتلال مباشر ثم تبعية للغرب الى وقتنا الحالي بالرغم من ظواهر الاحداث التي تدل على النقيض من هذا , فنبدأ بالوالي محمد على باشا الذي كان رأيه صائبا حين أوصى من بعده الا يستدرجو لحفر قناة تربط بين البحرين البحر الابيض مع البحر الاحمر( القلزم ) , وكان رأيه ان هذا التصرف الارعن سوف يأتي بالاحتلال الغربي على مصر (( عصر اسماعيل للرافعي )) وماكان تصرف سعيد باشا هو وحاشيته من انبهارهم بالقفزة الرائعة التي قفزها فرديناند ديليسبس بالحصان في استعراض الفروسية الذي كان الخديوي ومعيته حريصين على حضوره الا ضرب من ضروب البلاهة كونه يقرب هذا الاخير من تلك المعية والندماء المقربين لمجرد انه قفز بطريقة اعجبته واعجبت الحضور , ومن ثم اخذ ديليسبس طرف الخيط وعض عليه بالنواجز ولم يضيع الوقت وعرض مشروعه المجحف في حق مصر والمصريين ومالبث ان وافق سعيد وبدأت الألة تدور من الخامس والعشرين من ابريل في العام ثمانية وخمسين وثمنمائة والف الى ان تم افتتاح القناة في السادس عشر من شهر نوفمبر في العام تسعة وستين وثمنمائة والف , واصبحت البلاد في بؤرة شعور ومحط انظار الاوربيين الطموحين في السيطرة على البلاد والعباد , وكانت هناك دائما قصة المؤامرة الحكاية التي لاتنتهي , وما كان عرابي الا سببا بسيطا وقصة يوم الفتنة الدامية الحادي عشر من يونيو في العام الف وثمنمائة واثنين وثمانين الموافق يوم الاحد التي حدثت بين العربجي السيد العجان وبين الخواجة المالطي :

(1) هي العلة الاساسية القريبة وموقف الذئب من الحمل في التدخل الاجنبي حتى الخديوي اسماعيل على الرغم من عزله الا انه اراد ان يعود للحكم بخسة ويطرق على الحديد وهو ساخن فارسل راتب باشا سكرتيره الخاص ليقتل عرابي غيلة ويصفي الزخم الثوري المتنامي للتحرر الوطني ولولا تحذير طلبة عصمت صديق عرابي لاغتيل عرابي , وقبض على المجموعة المنوط بها ذلك الامر وباعتراف الامير آلاي يوسف بك نجاتي على راتب باشا رحلت تلك المجموعة منفية برتبها ونياشينها الى السودان ومنحت حق التحرك الى جميع انحاء العالم بالرغم من اعتراض عرابي ومحمود سامي البارودي , والخديوي ذاته اخذ يماطل في استصدار الامربالعقوبة بحجة انه يريد ان يأخذ رأي الباب العالي في هذا الشأن الا انه وجد معارضة قوية من البارودي (2) والثوريين , وعاد لياخذ برأي القناصل الاجانب مما اثار حفيظة عرابي والبارودي الذي اتهمه بالضعف والتبعية واخذ عرابي يلح في استصدا فتوى تدل على كفر الخديوي لانحيازه البالغ لصناع المؤامرة والضباط الترك والشركس اعداء الحركة الوطنية والمصريين فقد كانوا يتعالون عليهم ولا يتزوجون منهم ولاحتى يعاملون المصريين برفق , كما كان الخديوي لايريد عقاب تلك المجموعة كي لاينفض الشركس والترك من حوله ومن ثم ركن الخديوي برأيه للقناصل الغرب ولما حدثت المقتلة بالاسكندرية وهدأت سافر الخديوي الى الثغر ليتفقد الاحداث الا انه كان في الحقيقة يذهب الى مقر قناصل الغرب ليتم حمايته لانه وجد ان التدخل الاجنبي بات وشيكا الحدوث فطاوعته نفسه ان يرتمي في احضان الغرب ليثبت شرعيته كحاكم للبلاد حتى ولو تحت اسنة حراب الاحتلال وهو الذي كان بالامس يتلمس الطريق للاستقواء بالوطنيين من الجيش ليفوز بقصب السبق في حكم مصر دون الضغوط الغربية التي ازاحت والده من سدة الحكم واتت به الا انه افاق على الحقيقة ان حكمه في ظل الاستعمار اهون من الوطنيي الذين يريدون استعادة القرار الوطني من تحت سمعه وبصره بل وارادوا ان يستقلوا عن تبعية الغرب تحت بروز البرجوازية الوطنية ونمو التقنية الفنية في ادارة المشروعات الزراعية والاستقلال الاقتصادي وكان من ابرز من ساهم في ري شجرة الحرية في ذلك المضمار هو شريف باشا

(3)—- الخيانة في الوطن العربي وبخاصة مصر رائحتها مختلفة عن سائر البلدان , وهي تحت الطلب دائما , ومن السهل ان نجد بين مواطنينا عيون لاتقرأ فيها الا الغش والطمع والخداع والجوع والتعطش الى الدماء الساخنة ونهش الحقوق بالبراثن والازورار عن الحق وضرب كل قيمة بعرض الحائط , فهاهو خنفس (على يوسف) يقبض ثمن خيانته الفين من الجنيهات علاوة على لقب الباشوية ولقب سير من المملكة البريتانية , وبالرغم من ذلك يعود للتبرم انه يريد المزيد لان الاتفاق كان على اساس عشرة الاف جنيىه وليس اثنان فقط ولم لا وسلطان باشا كان قد اخذ عشرة ولم يفعل مثله لانه قد اعتبر نفسه تحت الطلب و العنصر الفعال في الانقضاض على الحركة الوطنية بهزيمة عرابي ودخول مصر في بيت الطاعة للبول دوج الانكليزي , فعلا بدخول مصر الى قبرها كان لابد من سيارة دفن الموتى المكتوب عليها شعار (( تحت الطلب)) .

 —————————————————————————————————————————————————————————————-

(1) السيد العجان عربجي حنطور بالاسكندرية استوقفه خواجة مالطي يريد الذهاب الى شارع السبع بنات وفي الطريق اخذ يتوقف مرات متكررة ليحتسي كؤوس الخمر الى ان افلس ولما طالبه سيد العجان صاحب الحنطور بالاجرة قذف اليه قرشا مما اثار العربجي ولما بدأ في الهجوم عليه وضع الخواجة سكين في احشائه وارداه قتيلا وهنا ثار المواطنين على المالطي فانطلقت رصاصة لتقتل مصري آخر وقامت مقتلة بين الوطنيين والاجانب ولم تتوقف الا بعد حصاد الارواح من الجانبين , وتسببت في اثارة حفيظة الاحتلال الانكليزي الذي رفضت باقي الدول الغربية ان تشارك في التدخل حتى ان الفرنسيين قد انسحبوا ليتركوا الانكليز يخوضون التجربة في احتلال مصر .

(2)محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري ، هو رائد مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي الحديث فقد جدد القصيدة شكلا وموضوعا ولقب برب السيف والقلم ، وأحد زعماء الثورة العرابية اختاره الثوار العرابيين ليكون وزير الحربية لانه كان ذو حس وطني ولا يفضل ابناء جلدته من الشراكسة على الضباط المصريين ، ولد في السادس من أكتوبر الف وثمانمائة وتسعة وثلاثين م في القاهرة لأبوين من أصل شركسي من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي (أخي برسباي). وكان أجداده ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة ويجمع الضرائب من أهلها فكان من اسرة تنعم بالثراء والنعمة.

كان والده ضابطا في الجيش المصري برتبة لواء، وعُين مديرا لمدينتي بربر ودنقلة في السودان، ومات هناك وكان محمود سامي حينئذ في السابعة من عمره , ندم البارودي باشتراكه في هوجة عرابي

وقد كتب عدة قصائد في هجاء عرابي، إذ جاء في مخطوطةٍ له لم تنشر من قبل:

أستغفر الله إلا من عداوته.. فــــإنهـا لجـلال الـلـه إعـظام

دع السلام لقوم يصبرون له.. واسكت فخلفك عند الفخر قدام (3)ولد محمد شريف باشا الملقب بأبو الدستورفي ثمانية وعشرين نوفمبر الف وثمانمائة وستة وعشرين بإسطنبول وفي رواية أخرى بالقاهرة. من أب تركي الاصل هو احمد شريف باشا وهو شيخ الاسلام لدي الباب العالي . عين الابن شريف باشا رئيس وزراء مصر خلال عهد الخديو توفيق, تكرر بلوغه منصب رئاسة الوزارة اربع مرات، وبعد انتهاء عمل والده فى مصر عادت أسرته إلى إسطنبول حيث تم تعيين والده قاضيا للحجاز، ، ولما قابل محمد علي باشا بحكم الزيارات التي كان يقوم بها لمصر بحكم عمله , كان اعجاب محمد على بنجله، وأقنع والده بتركه تحت رعايته.

والتحق بالمدرسة الحربية التى أنشئت عام الف وثمانمائة وستة وعشرين بأمر من محمد على باشا، وأرسله محمد علي في زيارات دبلوماسية الى الباب العالي وأوروبا فكان يمثل مصر بصفة غير رسمية فى مؤتمر لندن عام الف وثمانمائة واربعينم، لبحث مصير مصر وعلاقتها بالدولة العثمانية.

ثم بدأ فى التدرج الوظيفى الحكومى، رقاه سعيد باشا لرتبة أميرالاى الحرس الخصوصى، ثم رقاه إلى رتبة لواء، تزوج شريف باشا من ابنة سليمان باشا الفرنساوى،بعدما انهى عمله في السلك العسكري على رتبة فريق عين وزيرا للخارجيةفي العام ثمانية وخمسين وثمنمائة والف, ثم رئيسا لمجلس الأحكام فى يونيو في واحد وستون وثمنائة والف، وكان عليه الإشراف على القوانين و صياغة التشريعات ابان فترة محمد علي، عُين ناظرا لديوان المدارس فى الفترة من السادس والعشرين من يوليو في الف وثمنمائة وثلاث وستين حتى الرابع عشر من إبريل في العام الف وثمانمائة وثمانية وستين م.

أما سبب حصوله على لقب أبو الدستور فيعود إلى أنه حين عُين ناظرا للأشغال العمومية والداخلية فى نوفمبر الف وثمانمائة وستة وستين م، أسس النظام الدستورى فى مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى