الأرشيفتحليلات أخبارية

الجيش المصري “كامب ديفيد”..يعتزل العسكرية ويفضل العمل فى التجارة على التطوير العسكري ويطرد المستثمرين

تقرير اعداد
فريق التحرير
«ياريت القوات المسلحة كانت تمتلك 50% من اقتصاد مصر».. بهذه الكلمات تحدث الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، صراحة، عن مشاركة الجيش في الأنشطة الاقتصادية بالبلاد، والتي بدأت منذ عقود.
حديث «السيسي»، كان في ديسمبر/كانون الأول 2016، خلال افتتاحه منشأة عسكرية لإنتاج الكلور لأغراض تنقية المياه، وهي واحدة من المشروعات التي ازدهر نشاط الجيش فيها، منذ أصبح «السيسي»، قائد القوات المسلحة السابق، رئيسا للبلاد في 2014، بعد عام من قيادته الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا «محمد مرسي».
وتخضع المشروعات التجارية التابعة للقوات المسلحة، لثلاث جهات رئيسية، هي وزارة الإنتاج الحربي التي تشرف على 20 شركة، ووزارة الدفاع ممثلة في الهيئة الهندسية التي تسيطر على العشرات، والهيئة العربية للتصنيع المملوكة للحكومة المصرية والمسؤولة عن 12 شركة على الأقل، حسب «رويترز».

تاريخ قديم
وكان الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» (1954- 1970) أسس وزارة الإنتاج الحربي، في 1954، لمساعدة مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج السلاح.
وفي العقود التالية، تباينت حظوظ الوزارة، فألغاها «عبدالناصر»، قبل أن يعيدها مجددا الرئيس الراحل «أنور السادات» (1970-1981) في العام 1971، وفقا لتقرير من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1985.
وانخفضت إيرادات شركاتها في أغلب سنوات التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، إلا أنه مع تولي «السيسي» السلطة تغيرت الصورة من جديد.
وتتوقع وزارة الإنتاج الحربي، أن تصل إيرادات التشغيل من شركاتها العشرين إلى 15 مليار جنيه مصري (837 مليون دولار) في السنة 2018-2019، أي خمسة أمثال ما كانت عليه في 2013-2014، وفقا لرسم بياني أعدته الوزارة.
وتبين أرقام وزارة الإنتاج الحربي، إحدى الجهات الرئيسية الثلاث المنوط بها الإشراف على مشروعات القوات المسلحة، أن إيرادات شركاتها ترتفع ارتفاعا حادا.
ولا تكشف الوزارة عن مآل الإيرادات، بينما قال رئيسا مجلس إدارة اثنتين من الشركات، إن الأرباح تذهب إلى الوزارة أو يعاد استثمارها في النشاط مرة أخرى.
وفي عام 2015، عينت الحكومة اللواء «محمد العصار» لإدارة الوزارة، بعدما كان عضوا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك» (1981-2011).
قال رئيسا شركتين من الشركات الهندسية التابعة للوزارة، إن الحصول على تمويل أصبح أسهل كثيرا في السنوات الأخيرة.
وقال «السيسي» في فبراير/ شباط الماضي، في افتتاح 1300 صوبة زراعية أقامها المهندسون العسكريون إن القوات المسلحة لها قيمة لا تقدر بثمن للاقتصاد.
وأضاف: «أنا هاقول لكم بمنتهى البساطة، زي ما انتو شفتوا الإجراءات التنفيذية للوصول لحجم بالمستوى ده بالإجراءات الكثيرة اللي بتم سواء كان الطرق المطلوبة أو مأخذ المياه الكلام ده لما ييجي القطاع الخاص يعملوا ياخد له 3-4 سنين عقبال ما يقدر يعمل الإجراءات التنفيذية علشان يعمل مشروع بالطريقة دي».

https://www.facebook.com/770030996357866/videos/1626053620755595/?fallback=1

أنشطة متنوعة
وكانت دراسة «القوات المسلحة المصرية وتجديد الإمبراطورية الاقتصادية» التي نشرها معهد «كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط» في أبريل/نيسان 2016، أشارت إلى أن الجيش المصري اكتسب نفوذاً غير مسبوق منذ أن أشرف على الإطاحة برئيسَين.
فـ«أسامة عبدالمجيد»، الذي قضى 4 عقود في الخدمة العسكرية بمصر، شارك خلالها في حرب الخليج الأولى، وشغل منصب مساعد الملحق العسكري في الولايات المتحدة، بات يترأس اليوم، شركة «المعادي للصناعات الهندسية» التي تملكها وزارة الإنتاج الحربي، والتي تأسست عام 1954 لتصنيع قاذف القنابل الآلي والمسدسات والبندقية الآلية.
وفي السنوات الأخيرة بدأت الشركة التي يعمل بها 1400 فرد، تتجه لإنتاج الصوب الزراعية، والأجهزة الطبية، ومعدات الكهرباء، وأجهزة التمرينات الرياضية، ولديها  خطط لافتتاح أربعة مصانع جديدة.
«عبدالمجيد»، قال إن هناك «مشاريع كتيرة جدا داخلين فيها»، حيث تحدث عن أوامر تشغيل، من بينها مشروع تبلغ كلفته 495 مليون جنيه مصري (28 مليون دولار) لوزارة الكهرباء، وعقد لإعادة تدوير النفايات الزراعية في الجزائر بقيمة 400 ألف دولار.
وتعد شركة «المعادي»، واحدة من عشرات الشركات التي تعمل تحت مظلة القطاع العسكري، حيث يمتلك الجيش 51% من شركة تتولى تطوير العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقدر استثماراتها بنحو 45 مليار دولار، وتقع على مسافة 75 كيلومترا شرقي القاهرة.
وتبني شركة أخرى تابعة للقوات المسلحة، أكبر مصنع للأسمنت في مصر، كما تتباين أنشطة أخرى تابعة للجيش من مزارع سمكية إلى منتجعات سياحية.
وبشيء من الامتعاض تذكر اللواء «ممدوح بدوي»، رئيس مجلس إدارة شركة خاضعة لوزارة الإنتاج الحربي أيام التحرر الاقتصادي في عهد «مبارك» خلال التسعينيات، ومنتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، وقال إن «رجال الأعمال كانوا واكلين البلد» أي ينهبونها في تلك الفترة.

تأسست شركة «هليوبوليس» للصناعات الكيماوية، التي يرأسها «بدوي» في عام 1949، لإنتاج القنابل اليدوية، ومدافع المورتر، وفتائل التفجير والكيماويات.
وفي الوقت الحالي لدى الشركة طموحات لكي تصبح شركة الدهانات رقم واحد في مصر.
في 2017، تعاونت شركة «هليوبوليس» مع شركة أخرى للدهانات في مصر، هي «باكين» التي تملك الدولة غالبية أسهمها.
وقال «بدوي» إن الشركتين تعتزمان العمل معا للتنافس مع شركة «جوتن» النرويجية التي تتصدر سوق الدهانات في مصر.
فيما قال رئيس مجلس إدارة شركة «أبو زعبل» اللواء «مجدي شوقي عبدالمنعم» إن شركته اعتادت الاقتراض من البنوك.
وتأسست شركة «أبو زعبل» في عام 1974، لتصنيع قطع المدفعية للقوات المسلحة، وهي تنتج الآن منتجات عديدة من الصلب المخصوص.
أما شركة «حلوان» فتأسست في عام 1954، لصنع المكونات المعدنية للذخائر الثقيلة، وفي الثمانينيات بدأت الشركة تصنيع أواني الطهي، وأدوات المائدة، وطفايات الحريق، واسطوانات الغاز.
وقال رئيسها اللواء «شكري القمري»، إن مبيعات أدوات المطبخ مزدهرة منذ خفضت مصر قيمة عملتها في عام 2016، الأمر الذي رفع أسعار السلع المستوردة.
وأضاف: «احنا مش قادرين نلاحق على الطلب».
ومن أبرز رموز الطموحات التجارية للقوات المسلحة مشروع في مدينة بني سويف (جنوب) على مشارف الصحراء، حيث يضع العمال اللمسات الأخيرة على واحد من أكبر مصانع الأسمنت، في العالم تملكه شركة «العريش» للأسمنت المملوكة للجيش.
وتشعر صناعة الأسمنت بوطأة توسع أنشطة القوات المسلحة، فقد استغرق ثمانية آلاف عامل 18 شهرا لبناء المصنع الذي تبلغ استثماراته مليار دولار، وسيصل إنتاجه عند بلوغ الطاقة القصوى 12.6 مليون طن من الأسمنت سنويا.
وبالإضافة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، يشارك الجيش في تطوير مدينتين جديدتين، هما مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط (شمال غرب)، وهضبة الجلالة في المنطقة الجبلية عند شمال البحر الأحمر (شرق).
وكان من بين المشروعات التي أعلنت عنها وزارة الإنتاج الحربي في 2017، خطة لزراعة 20 مليون نخلة مع شركة إماراتية، وبناء مصنع لصناعة السكر من إنتاجها من التمور.
كما اتفقت مع شركة سعودية للاشتراك في تصنيع المصاعد.
وافتتحت القوات المسلحة أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط في منطقة بدلتا النيل (شمال).
وقد وقعت وزارة الإنتاج الحربي مذكرة تفاهم مع مجموعة «جي سي إل» الصينية الأسبوع الماضي، لإقامة مصنع لإنتاج الألواح الشمسية باستثمارات تبلغ ملياري دولار.
كما تولت الوزارة مسؤولية رصف الطرق داخل المدن من وزارة النقل، وتسيطر الآن على محطات رسوم المرور على معظم الطرق السريعة الرئيسية.
كما أن شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية والتوريدات العامة، التي ولدت من خلال فريق من خمسة موظفين في مكتب صغير بوزارة الإنتاج الحربي في عام 2012، تبرم صفقات مع وزارات التعليم والشباب وتشارك في مشروعات للصرف الصحي والري.
وقد أقامت حوضا للسباحة لأحد الأندية الرياضية الكبرى، وتعمل على تطوير قطاع السكك الحديدية، كما أقامت أكثر من 60 مدرسة وبنت مقرات لمؤسسات ترتبط بالأزهر الشريف أرفع المؤسسات الدينية في مصر مقاما.
وفي ميادين القاهرة المزدحمة التي لا تهدأ فيها الحركة يقف الناس طوابير لشراء سلع مدعمة مثل اللحوم وغيرها من السلع الغذائية من شاحنات تابعة للقوات المسلحة.
انزعاج مدني
ويقول رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب، إنهم يشعرون بالانزعاج لدخول الجيش في أنشطة مدنية، ويشكون من امتيازات ضريبية وغيرها ممنوحة لشركات القوات المسلحة.
وسبق أن حذر صندوق النقد الدولي، في سبتمبر/أيلول 2017، من أن تطوير القطاع الخاص وخلق الوظائف «قد تعوقهما مشاركة كيانات تخضع لوزارة الدفاع».
وترد الحكومة المصرية على ذلك بأن الشركات الخاصة تعمل في ساحة الجميع فيها على قدم المساواة، وأن الجيش يسد ثغرات في السوق مثلما فعل خلال أزمة نقص حليب الأطفال في عام 2016.
وساعد الجيش حينذاك في استيراد كميات لسد النقص، وأعلن كذلك عن خطط لإنشاء مصنع لإنتاج حليب الأطفال.
ويقول «السيسي»، إن الجيش يمكنه إنجاز مشروعات كبرى معقدة أسرع من القطاع الخاص.
في 2016، منح قانون جديد لضريبة القيمة المضافة، صدر في إطار إصلاحات اقتصادية تنفذ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي إعفاءات للقوات المسلحة وغيرها من المؤسسات الأمنية.
ينص القانون على ألا تدفع القوات المسلحة ضريبة القيمة المضافة على السلع والمعدات والآلات والخدمات والمواد الخام اللازمة لأغراض التسلح والدفاع والأمن القومي.
ولوزارة الدفاع الحق في تقرير أي السلع والخدمات التي يسري عليها القانون.
ويشكو رجال أعمال مدنيون من أن هذا يجعل هذا النظام عرضة لإساءة الاستغلال، ففنادق القطاع الخاص على سبيل المثال تضيف ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14% على فواتير خدماتها، فندق «الماسة» التابع للقوات المسلحة كمثال، لم تضف هذه النسبة.
منافسة غير نزيهة
يواجه الاقتصاد المصري، صعوبات منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بـ«مبارك»، غير أن المستثمرين الأجانب ما زالوا يتجنبون مصر باستثناء من يركزون على قطاع الطاقة الأكثر رسوخا.
وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار في 2017 من 4.7 مليار دولار في 2016، وفقا لإحصاءات البنك المركزي.
وقال مسؤول تجاري بإحدى السفارات الغربية، إن المستثمرين الأجانب يرفضون الاستثمار في القطاعات التي تتوسع فيها القوات المسلحة أو التي قد تدخلها، خشية الدخول في منافسة مع الجيش، وما يتمتع به من مزايا خاصة قد تعرض استثماراتهم للخطر.
وأضاف أنه إذا خاض مستثمر نزاعا تجاريا مع القوات المسلحة، فلا معنى لرفع الأمر لهيئة تحكيم، وتابع: «لا يمكنك سوى مغادرة البلاد».
وتتمتع القوات المسلحة المصرية، أكبر جيوش العالم العربي، بمزايا أخرى.
فهي تتمتع بالدعم المالي من السعودية والإمارات اللتين تعدان من أشد أنصار «السيسي»، دعما له منذ الانقلاب.
وبالإضافة إلى القانون الذي يعفي القوات المسلحة من ضريبة القيمة المضافة، توجد قوانين أخرى أيضا في مصر لصالح الجيش.
ففي عام 2015، أصدر وزير الدفاع مرسوما أعفى بمقتضاه حوالي 600 فندق ومنتجع وغيرها مملوكة للقوات المسلحة من الضرائب العقارية.
كما تحصل شركات القوات المسلحة على إعفاء من رسوم الاستيراد بمقتضى قانون صدر عام 1986، ومن ضريبة الدخل بمقتضى قانون صادر عام 2005، ويجوز عدم معاينة الشحنات المرسلة إلى شركات القوات المسلحة.
وليست شركات القوات المسلحة الكبرى وحدها التي جعلت بعض شركات القطاع الخاص تشعر بالقلق.
إهمال عسكري
ويعترض البعض على مثل هذه الإجراءات على أساس أن مهمة الجيش هي حماية البلاد من الأخطار الخارجية.
ويؤكد مراقبون، أن الفشل الحاصل في سيناء (شمال شرق) في مواجهة المتطرفين، وكذا استمرار الاضطرابات العنيفة على مستوى منخفض في القاهرة، دليل علي سعي القوات المسلحة نحو طموحاتها التجارية ما يجعلها تخاطر بالفشل في أداء مهامها الأساسية.
ويشير المراقبون، في هذا الصدد لضعف تدريب المجندين على المهام العسكرية «لأنهم يعملون بدون أجر في مشاريع القوات المسلحة»، ويجري «إهمال صيانة المعدات العسكرية لصالح التركيز على الأعمال التجارية»، ما يعني في نهاية المطاف تدهور قدرة القوات المسلحة للدفاع عن البلاد.
فالمهمة الأساسية لأي قوات مسلحة هي الدفاع عن الدولة، ولكن «بمجرد أن يتجاوز الجيش حدود هذه المهمة، فإنه يمكن أن يغفل عن سبب وجوده ومن ثمّ يفشل في تحقيق هدفه الأساسي»، حسب المراقبين.
وكان تقرير لموقع «ميدل إيست آي» البريطاني نُشر في مارس/آذار 2016، حذر من مخاطر توسع «الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية في مصر» على مدى جاهزية الجيش المصري لخوض الحروب، بسبب تفرغ قادته للهيمنة على كل فروع الاقتصاد والخدمات، وتحصيل المكاسب المالية لهم ولمحاسيبهم المقربين منهم.
وقال التقرير إن «الاقتصاد العسكري المصري تطّور إلى ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات»، مشيرا إلى «استحالة الحصول على أي أرقام دقيقة عن حجم هيمنة الجيش علي الاقتصاد بسبب الغموض الذي يحيط بسياساته في هذا المجال».
لكنه أكد أن العسكر يهيمنون على 50-60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر.
ورغم ذلك يزعم «السيسي»، أن الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة المصرية تعادل ما بين 1 إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الجيش لا يتطلع لمنافسة القطاع الخاص.
ويصعب حصر امتدادات الإمبراطورية الاقتصادية المملوكة للجيش المصري، كما يصعب رصد أرباح المؤسسة العسكرية من أنشطة تجارية تمارسها دون رقابة من الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر، وغيره من الجهات الرقابية، حيث تظل أموال القوات المسلحة خارج موازنة الحكومة المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى