تقارير وملفات إضافية

الحرب الضارية التي تدور على أرض دولة عربية منذ 8 أعوام دون أن نسمع عنها

كان هجوم القوات الجوية الإسرائيلية على مواقع إيرانية وسورية الأسبوع الماضي في سوريا إحدى أكبر الضربات التي وقعت على مدار العامين الماضيين، في إطار تصاعد العنف بين إسرائيل وإيران في سوريا.

كان تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، وحلفائها في حزب الله والمليشيات الشيعية، متدرجاً ولكن لا مفر منه، حسب وصف تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

الآن بعد تقليص أعداد القوات الأمريكية في سوريا، وتعزيز قدرات إيران العسكرية ورغبتها في استخدامها والتكتيكات الإسرائيلية التي تتنامى خطورتها، تصاعدت المواجهة المتنامية بين الاثنتين إلى مستوى جديد.

إذ قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إنه جرى قصف 16 هدفاً تابعاً لفيلق القدس والميليشيات الشيعية التابعة له في وقت مبكر من يوم الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني، وكان من بينها مستودعات ومواقع صواريخ بالقرب من مطار دمشق الدولي، فضلاً عن مواقع في جنوب سوريا وأجزاء أخرى من البلاد.

كما تضررت عدة بطاريات مضادة للطائرات بعد فشل القوات السورية، وفقاً للجيش الإسرائيلي، في إطلاق صواريخ لاعتراض الطائرات الإسرائيلية.

وتجدر الإشارة إلى أنه كان بإمكان القوات الجوية الإسرائيلية استهداف منظومات صواريخ أرض-جو السورية المتطورة من طراز S-300 التي يديرها أفراد روس، لكنها امتنعت عن ذلك.

وعدد الأشخاص الذين قتلوا في هذه الغارة ليس واضحاً. ولكن وسائل الإعلام السورية الرسمية ذكرت أن اثنين من المدنيين لقوا حتفهم. وقال مسؤولون إسرائيليون إن القتيلين إيرانيان، فيما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة إن ما يصل إلى 16 إيرانياً قتلوا بالإضافة إلى خمسة جنود سوريين ومدنيين سوريين.

وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إن الغارات جاءت رداً على أربعة صواريخ أطلقتها وحدة إيرانية قبلها بيوم على هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل بالقرب من جبل الشيخ. وقد اعترضت هذه الصواريخ البطارية المضادة للطائرات في القبة الحديدية.

لكن يبدو أن الصواريخ الإيرانية ليست سوى ذريعة لشن هجوم ضمن حملة انتقامية تصاعدت في الأشهر الأخيرة.

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، قالت إسرائيل بوضوح إنها سترد على أي انتهاك لسيادتها، أياً كان مصدره.

وفي عام 2013، بدأت إسرائيل في مهاجمة أهداف تابعة لسوريا وحزب الله داخل سوريا. وكانت هذه هي المرحلة الأولى.

وكان الغرض الرئيسي من هذه الضربات هو تدمير الصواريخ أرض-أرض والصواريخ أرض-جو الإيرانية وغيرها من التقنيات التي يمكنها تحسين دقة الصواريخ قبل أن تُنقل إلى حزب الله في لبنان.

وكانت هذه الأهداف فريسة سهلة نسبياً. ففي ذلك الوقت، كانت الحكومة السورية ضعيفة للغاية وعلى وشك الانهيار. وانشغل حزب الله وإيران بإنقاذ بشار الأسد، ولم تكن روسيا قد دخلت سوريا بعد.

وكان المسؤولون العسكريون الإسرائيليون يعملون في الخفاء، مستغلين الظروف السائدة. ولجأ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت إلى سياسة الغموض، التي يشن فيها هجماته خفية بعيداً عن الأنظار. ولم يكن يتباهى أبداً بعمليات القوات الجوية الإسرائيلية في سوريا. بل ولم يأتِ حتى على ذكرها.

لكن بعد عام 2015، دخل الجيش الروسي ونشر آلاف القوات في سوريا، كان من بينها قوات خاصة وطائرات حربية وحاملات طائرات ومنظومات استخبارات وقاذفات. وغيروا قواعد اللعبة بصواريخهم وقذائفهم ومنظوماتهم الصاروخية المتقدمة المضادة للطائرات من طراز S-400.

وبدأت حكومة الأسد، بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله بالإضافة إلى الولايات المتحدة، في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيره من الجماعات المسلحة. وأصبح الأسد أكثر ثقة واستعاد مساحات أكبر من الأراضي التي فقدها واستقر في حكمه.

وهكذا بدأت المرحلة الثانية. إذ أرادت إيران تعويضاً عن الثمن الباهظ الذي دفعته، سواء في الخسائر أو الدعم المالي الذي بلغ مليارات الدولارات، لدعم الأسد. وأرادت الحصول على حصتها من أرباح الحرب وتعزيز نفوذها الإقليمي، طامحة إلى أن تصبح قوة مهيمنة.

ونجحت إيران بالفعل في إنشاء ممر بري يربط طهران بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان. كما قررت أيضاً تعزيز قاعدتها في سوريا، فنصبت صواريخ أرض-أرض، وبطاريات مضادة للطائرات، وطائرات بدون طيار، ومعدات استخبارات، وقواعد لإيواء عشرات الآلاف من الميليشيات الشيعية تحت قيادة اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس.

كان هدف إيران -ولا يزال- تحدي إسرائيل ومحاصرتها من خلال تشكيل جبهة ثانية في سوريا بالإضافة إلى حزب الله في لبنان، وكلاهما يمكن الاستعانة به في حالة نشوب حرب شاملة.

وبالطبع، تقف طموحات إيران في طريق المصالح الإسرائيلية. ولذا قررت إسرائيل أن تفعل أي شيء لإحباط الجهود الإيرانية ومنع انتشارها ووصولها إلى الشريط الممتد من دمشق إلى حدود مرتفعات الجولان المحتلة.

إلا أن قول ذلك أسهل من فعله. لقد كان إصرار قادة الجيش والموساد الإسرائيليين في عملياتهم واضحاً، وقصفوا بلا هوادة القواعد والأسلحة والمواقع الإيرانية.

وتوالت الغارات الإسرائيلية، وواصلت الطائرات المقاتلة والقاذفات الإسرائيلية التابعة للقوات الجوية الإسرائيلية ضرب مواقع في سوريا أكثر من 800 مرة بمرور السنوات.

غير أنه مع ازدياد جرأة إسرائيل في محاولاتها لوقف إيران، أصبحت أقل حذراً أيضاً. إذ تناست أحياناً سياسة الامتناع عن التحدث علناً عن الهجمات حتى يمكنها اللجوء إلى الإنكار، خاصة العام الماضي.

ففي غمرة يأس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكسر شلل السياسة الداخلية وصرف الانتباه عن تهم الفساد التي تلاحقه، كان على استعداد لتحمل المزيد من المخاطر واتباع سياسة حافة الهاوية وكشف الأسرار وتهديد إيران.

ونتيجة لذلك، وسعت إسرائيل من استهدافها للمواقع الإيرانية خارج سوريا لتشمل العراق ولبنان.

ورغم هذه الهجمات، لا تزال إيران عازمة على محاربة إسرائيل رغم أنها تواجه مشكلات في الداخل، تشمل العقوبات الأمريكية، وتناقص عائدات النفط، وهو ما نتج عنه اضطراب الاقتصاد الذي أشعل احتجاجات واسعة في الشوارع.

وترفض إيران التراجع أمام الضربات الإسرائيلية. وتواصل نشر قواتها وأسلحتها في سوريا والمعابر الحدودية العراقية السورية والرد على إسرائيل من وقت لآخر، حتى وإن كان بمعدلات بسيطة للتأكيد على حضورها.

كما أظهرت استعدادها للرد بشكل أكثر عدوانية في جميع أنحاء المنطقة، فأسقطت طائرة أمريكية مسيرة في مضيق هرمز في يونيو/حزيران وهاجمت منشأتين نفطيتين في السعودية في سبتمبر/أيلول.

تكشف أحداث هذا الأسبوع أن كلا الجانبين يباشران مرحلة ثالثة هي الأخطر حتى الآن.

فقادة الجيش الإسرائيلي ووزراء الحكومة عالقون بالفعل في معضلة سياسية. إذ لا يمكنهم -ولا يريدون- حل مشكلات غزة الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعامل مع مأزق السلطة الفلسطينية.

ورغم حالة انعدام الحلول هذه، يبدو أنهم الآن أكثر عدوانية بل ومخاطرة. إذ هدد وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن حديثاً، نفتالي بنت، باتخاذ المزيد من الإجراءات العدوانية ضد إيران، حتى أنه لمح إلى أنه قد يلجأ إلى سياسة اغتيال قادة الجيش الإيراني.

وقال بنت يوم الأربعاء بعد الضربات التي شنها في سوريا: «تغيرت القواعد: كل من يهاجم إسرائيل خلال النهار لن ينام ليلاً. كان هذا هو الوضع خلال الأسبوع الماضي، وسيستمر كذلك هذا الأسبوع».

إلا أنه ليس من الواضح إلى متى سيظل بنت في منصبه بالنظر إلى الاضطرابات السياسية التي صحبت فشل قائد الجيش السابق بيني غانتس في تشكيل حكومة ائتلافية وإدانة نتنياهو بتهم الفساد.

من ناحية أخرى، من المحتمل أن أي تصعيد إسرائيلي سيُجابه برد إيراني قد يؤدي إلى مواجهة أكبر بكثير لا يريدها أي من الطرفين، رغم خطابهما.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى