الأرشيفتقارير وملفات

الحرب العادلة بين المقاومة والإرهاب

إن المقاومة للظلم أمر فطري في طبيعة كل إنسان، أيًا كان جنسه، وأيًا كان دينه، بل هو أمر مشروع، ويحق لكل أحد، ولا يمكن أن يعد ذلك إرهابًا، بل الإرهاب في الحقيقة هو سلب حقوق الآخرين والاعتداء عليهم.

لكن في السنوات الأخيرة تحديداً منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، قلبت الولايات المتحدة هذه المفاهيم بشكل رهيب، فوضعت هي قاموس جديد لتلك المفاهيم، فأصبحت أي “مقاومة” ضد المصالح الأمريكية “إرهابًا”، وأي حربًا تدخلها الولايات المتحدة وتمارس فيها “إرهابًا للشعوب لتحقيق مصالحها” أصبحت “حربًا عادلة”. لا عجب في ذلك على الإطلاق، فهذه الممارسات التي تمارسها أمريكا ليست بجديدة، فالآباء المؤسسين للولايات المتحدة كانوا قد وضعوا نظرية تقنن نزاعاتهم تقوم على فكرة عدالة أي حرب تدخلها الولايات المتحدة، ما دامت تلك الحرب تحقق الأهداف الإستراتیجیة الأمریكیة، وھو ما عبر عنه البروفسور “روبرت  تكر” أستاذ في جامعة جون ھوبكنز بقوله:

يمكن اعتبار  استخدام  العنف والوحشية في أي حرب ندخلها حربا عادلة

أصبحت تلك المفاهيم الجديدة يخضع لها معظم دول العالم على الرغم من أنها تُحقق مصالح أمريكا لا غير. ولكن ما سبب هذا الخضوع الغريب ؟!

سبب خضوع دول العالم لقاموس أمريكا الجديد

يقول العلماء في علم العلاقات الدولية: إن مفهوم المصلحة الوطنية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم القوة، الذي يعتبر متغيرًا أساسيًا في فهم السلوكية الدولية، فالقوة كمحدد للعلاقات بين الدول انعكاس لمدى مقدرة كل وحدة على التأثير النسبي الذي تمارسه كل دولة على الدول الأخرى.

فكلما  كانت  الدولة  أقوى  كلما  كان لصوتها صدى في اتخاذ القرارات المصیریة الدولیة، وبین المصلحة الوطنية كهدف سامي تسعى الدول إلى تحقیقه من خلال سیاساتھا الخارجیة.

لذا ولأن الولايات المتحدة الآن متزعمة قيادة النظام العالمي فصوتها مسموع لدى كل الدول الضعيفة، حتى وإن قلبت أمريكا المفاهيم فتجعل المقاومة إرهابًا وإرهابها في سبيل تحقيق مصالحها حربًا عادلة!!. فهيا بنا أيها القارئ نتعرف على ذاك القاموس الجديد لمفاهيم: الإرهاب و المقاومة والحرب العادلة.

ما تعريف أمريكا للإرهاب؟!

هنالك تعاريف حكومية أمريكية رسمية للإرهاب لها قدر من الوضوح ففي كُتيِّب للجيش الأمريكي، يُعرًّف الإرهاب بأنه:

الاستخدام المحسوب للعنف أو للتهديد بالعنف بهدف تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية من حيث الجوهر وذلك من خلال التهويل أو الإكراه أو بثّ الخوف

أما مكتب التحقیقات الفیدرالي الأمریكي فیرى:

الإرهاب ھو عمل عنيف أو عمل یشكل خطراً على الحیاة الإنسانیة وینتھك حرمة القوانین الجنائیة في أیة دولة

فالمتأمل لهذه التعريفات يجد أن ھذه التعریفات غیر موضوعیة، وتعبر عن وجھة نظر الحكومة الأمریكیة. بمعنى أن كل عمل ضد الإدارة الأمریكیة فھو إرھاب، أما إرھاب الحكومة الأمريكية الذي تمارسه ضد الشعوب باسم “مكافحة الإرهاب” فقد أغفلته التعریفات السابقة.

إن التعاريف الرسمية للإرهاب هى فى واقع الأمر نفس تعاريف مكافحة الإرهاب التى تُعرف أحياناً:

بالنزاع المنخفض الحدة أو مكافحة التمرد

إنه لعرفٌ شائع أن تُسمى الدول- التي ترى في نفسها دولاً عظمى- إرهابها هي “مكافحة الإرهاب”، والولايات المتحدة ليست بأي حال وحيدة في هذا المجال. فهذه التعاريف الرسمية ليست من الدقة بمكان لتجيب عن كل سؤال بدقة، فهي مثلاً لا ترسم حدوداً واضحة بين الإرهاب الدولي والعدوان، أو بين الإرهاب و المقاومة. وتُطرح هذه المسائل بطُرُق مثيرة للاهتمام، تتصل اتصالاً مباشراً بالحرب المُعلنة مجدداً على الإرهاب.

الفارق بين الإرهاب و المقاومة؟!

ولتوضيح الفارق بين الإرهاب و المقاومة؛ ثمة سؤال يطرح نفسه هنا، وهو: هل الأعمال الهادفة إلى تحقيق حق تقرير المصير، والحرية، والاستقلال لدى شعوب حُرمت قسرًا من ذلك الحق هو عمل مشروع أم لا ؟! ولا سيما في حالة الشعوب الرازحة تحت نير الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والاحتلال الأجنبي. وهل تندرج تلك الأعمال تحت خانة الإرهاب أم المقاومة؟

إن هذه الجملة مقتبسة من قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1987م ، وقد رفض هذا القرار كلا من أمريكا وإسرائيل. بهذا الرفض صارت الولايات المتحدة وإسرائيل الوحيدتان في العالم اللتان أنكرتا أن تكون المقاومة لنيل الحرية والتحرر من الاستعمار والاحتلال الأجنبي عمل مشروع، ووصمت هذه المقاومة بوصمة الإرهاب. ولا عجب في ذلك حقًا فالولايات المتحدة تشطط بعيداً إلى حد وصف الشعوب بـ“الإرهابيين” إذا ما قاوموا العدوان الأمريكي المباشر؛ كالذي حدث في فيتنام وكذلك ما حدث بالعراق أثناء احتلال أمريكا لها. وكذلك إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين والتي تنعت كل من يطمح ويقاوم للحصول على أرض فلسطين بالإرهابي.

وليس باستدلالنا بالأمم المتحدة وقانونها الدولي أننا نعترف بشرعيتها، لكنه وفقط من باب “وشهد شاهدٌ من أهلها”، فينبغي للأمناء والأشراف من الناس حيثما كانوا أن يكون واضحاً بالنسبة لهم؛ أن الأمم المتحدة ليست مجتمعًا من الأمم أصيلا وصـادقًا يعمل لخير أعظم. وينبغي أن يكون جليًا كذلك أن الأمم المتحدة أداة في أيدى زمرة استعمارية من الأمم تم تكريسها وتخصيصها لتحقيق الهيمنة الدولية. فتحكم العالم بشكل متزايد مجموعة مختـارة مـن الدول التي تجد – في وجه المقاومة إنه من الصعب والأصعب المحافظة على الصورة الزائفـة المؤلفة من مصطلحات مثل “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان”.

الإسلام دين إرهاب!

وقد حاول الإعلام الغربي واليهود الخلط بين مفهوم المقاومة ومفهوم الإرهاب، ووجهوا التهم للإسلام – على وجه الخصوص- على أنه دين إرهاب وهذا واضح تماماً وضوح الشمس، وذلك لما فيه من الأمر بالجهاد والحث عليه، ودعوته لمقاومة الظلم والاعتداء، وحتى يُمكّنهم ذلك من تنفير الناس من الإسلام أولاً ولتحقيق مآربهم في البلدان الإسلامية ثانيًا، ويمكن القول بأنهم نجحوا في ذلك أشد النجاح.

اقرأ أيضًا: حرب الأفكار وتجفيف مولدات المقاومة، هل بدأت تؤتي ثمارها

كيف كشفت أحداث 11سبتمبر النفاق والإرهاب الأمريكي؟

عملت الولایات المتحدة الأمریكیة خلال فترة الحرب الباردة على تقسيم العالم إلى حلف الخیر الدیمقراطي الرأسمالي (الأمريكي/الغربي)، وحلف الشر الدیكتاتوري (الشیوعي/ الشرقي). أما و بعد أحداث 11سبتمبر 2001م فقد قُسِمَ العالم على اعتبار أمریكا وأمریكا وكفى؛ فإما أن تتبنى الدول حربھا ضد الارھاب واستراتیجیتھا في ذلك و قیمھا التي تعمل على نشرھا، وإما أنھا تعلن خصومتھا، فمن لیس مع أمریكا فھو ضدھا – و ھي بذلك ألغت تصنیف الصدیق أو الحیادي بل ألغت فكرة الاختيار. هذا تحديداً ما جاء في  خطاب الرئیس بوش الإبن في 20 سبتمبر 2001م :

إن حربنا ضد الإرھاب تبدأ بتنظیم القاعدة في أفغانستان لكنھا لاتنتھي ھناك، إنها لن تنتھي حتى یتم العثور على كل مجموعة إرھابیة في العالم وحصارھا وھزیمتھا، وعلى كل أمة وكل منطقة أن تتخذ قرارھا الآن إما أنكم معنا أو مع الإرھابیین ضدنا

فجأة أصبح العالم كله من وجھة النظر الأمریكیة بعد 11سبتمبر متھمًا بالإرھاب إلى أن یثبت العكس.  وتستقیم ھذه الفكرة مع ما تأخذ به الإدارة الأمریكیة من تحمیل كافة الأحداث على شماعة تنظیم القاعدة، والذي باسمه أیضًا خلقت حربًا عالمیة ثالثة عرفت باسم “مذھب بوش” (Bush Doctrin). فالخلاصة هي إما أن تكون مع أمريكا وإما مع الإرهاب ولا يوجد خيار ثالث!!.

هل حروب أمريكا في أفغانستان والعراق كانت حروبًا عادلة على حد زعمها؟

إن الحرب العادلة ھي محاولة لإضفاء نوع من الأخلاق والشرعیة للحرب، ھي أیضًا محاولة لتجنیب وصیانة الأبریاء من الضرر الأكید، و ذلك باللجوء للمقوم الأخلاقي في إدارة الحروب. بهذا التعريف يمكن القول بأن زعم أمريكا أن حروبها حروبًا عادلة؛ ليس له أساس من الصحة على الإطلاق.

امريكا

في أفغانستان:

كانت حكومة طالبان تحكم %95 من أراضي الدولة وحققـت السلام والاستقرار في هذه المنطقة على نقيض الحكومة السابقة التي كانت غير قـادرة علـى التحكم في الجريمة وحل الصراعات الداخلية. ومع ذلك لم تحصل حكومة طالبان على الاعتـراف من المجتمع الدولي لأنها بوضوح باشرت برنامج بناء الدولة وفق المبادئ الإسلامية.

أفغانستان في عهد طالبان كانت أول دولة إسلامية في عصرنا هذا بالمعني الحقيقي فعلاً لذا عانت ما عانت، فتدخلت أمريكا بها بحجة إيواء أفغانستان أسامة بن لادن وجنود القاعدة، فقررت أمريكا خوض حرباً عادلة- حسب مفهومها- في أفغانستان. لم تكتفِ الولايات المتحدة بضرب أهداف القاعدة وحسب لكن توسعت وشمل القصف الأهداف المدنية بأفغانستان، بل حوّلت التجمعات المدنية الرئيسية إلى “مدن أشباح” منذ اللحظة الأولى فتم إسقاط حكومة طالبان واحتلال أفغانستان، هذا بالنسبة لأفغانستان.

العراق

بالنسبة للعراق

بنت إدارة بوش إستراتیجیتھا على الربط بین ضرب العراق وامتلاك نظام صدام حسین لأسلحة الدمار الشامل- وبالتحدید الأسلحة الكیمیائیة والبیولوجیة. ففي الخطاب الذي ألقاه في 17مارس 2003م الذي أعطى فیه لصدام حسین مھلة 48 ساعة لكي یتنازل عن الحكم قال بوش الإبن:

إن المعلومات الإستخباریة التي جمعتها حكومتنا والحكومات الأخرى لا تدع مجال للشك بأن النظام العراقي مستمر في امتلاك وإخفاء البعض من أكثر أنواع الأسلحة التي تم اختراعها فتكا

إن تقرير تشيلكوت الصادر حديثاً من قِبل الحكومة البريطانية التي شاركت أمريكا في احتلال العراق رد على هذه الترهات، فقد خًلُصَ التقرير إلى أن:

المعلومات حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل كانت معلومات استخبارية مغلوطة لم يتم الوصول لأدلة عليها حتى بعد مرور 13 عام على الحرب

سياسة الأمريكان في حروبهم العادلة. كيف تكون؟

ویمكن القول أن استهداف المدنیین -برغم إعلان الإدارة الأمریكیة بأنه حادث غیر مقصود فى العراق وأفغانستان وغيرها من البلدان تحت مُسمى الحرب على الإرهاب – یرجع  إلى طبیعة  السیاسة  العسكریة  الأمریكیة،  فالنظام  العسكري  الأمریكي  یقوم  على  تجرید  الجندي الأمریكي من القیم والأخلاق، لأن التمسك بھا یقتضي استرجاع مبدأ المراجعة الذاتیة الإنسانیة، ومثل ھذه المراجعة تفرض الرحمة والشفقة، وھي أمور تتناقض مع ھدف المؤسسة العسكریة. فالنظریة الأمریكیة في الحرب تقوم على أساس أن الجبھة المدنیة والاقتصادیة للعدو تعد امتداد للجبھة العسكریة.

الموقف  القانوني الرسمي من معاهدات حقوق الإنسان

وهذا الموقف الأمریكي غیر الإنساني الذي یجعل من المدنیین ھدفًا عسكریًا مغریًا ویعرضھم للتدمیر والحصار والتعذیب انعكس أیضًا على الموقف القانوني الرسمي، فالولایات المتحدة من أولى الدول التي عارضت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام  1947م، واتفاقیات جنیف لعام 1949م الخاصة بحمایة الأسرى والجرحى والمدنیین في المنازعات المسلحة، وبروتوكول جنیف الاختیاري لعام 1977م الخاص بحمایة المدنین في المنازعات المسلحة، ومعاھدة روما لعام 1998م الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب، فكانت الولایات المتحدة والكیان الصھیوني من بین سبع دول رفضت الانضمام لمعاھدة روما من أصل  167 دولة موافقة.

أحداث 11سبتمبر

طبيعة الصراع بين الإسلام والغرب بعد أحداث 11سبتمبر

سواء فعلها ابن لادن أم لم يفعلها، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع رؤيته لجدوى هذه الأعمال في ذلك الوقت تحديداً، على العموم بقي الإسلام بقربه الجغرافي، ونزعته الإستقلالیة، والذاكرة التاریخیة التي یحتلھا عند الغربیین، مصدر قلق وإزعاج للحضارة الغربیة، غیر أن محاربته بشكل مباشر كما حدث مع الشیوعیة لم یوجد لھا مسوغات مقنعة إلى أن جاءت أحداث سبتمبر كنجدة لھم.

فمنذ الوھلة الأولى وبدون أي تحقیقات وُضع الإسلام في دائرة الاتهام، حتى وإن كان الحدیث في البداية عن تنظیم القاعدة وعن بن لادن على وجه الخصوص، غیر أن الحدیث كان عنه كمسلم ولو لم یكن مسلمًا لاختارت الإدارة الأمریكیة أي مسلم آخر لتحمیله ذنب 11سبتمبر، فالإسلام ھو المقصود بالاتھام، وما بن لادن إلا نوع ورمز للإسلام الذي يرفض الذل والتبعية الأمريكية الغربية، لا الإسلام الأمريكي الذي يريده الغرب، لذلك توسعت الحرب الأمریكیة لتشمل العدید من الدول خاصة الإسلامیة بحجة أنھا تدعم الإرھاب وأن امتلاكھا لأسلحة الدمار الشامل – التي ھي نفسھا تمتلكھا – تھدید للبشریة جمعاء.

اقرأ أيضًا: واقــع المســلمين في عالـم ما بعد سـبتمـبر، ما أشبه الليلة بالبارحة!

فالحقيقة أنه لا يوجد تطرف في الإسلام ولكن توجد مبادئ تحدد التصرفات الضرورية للحماية الذاتية وحماية النفس، إنـه حـق حماية النفس الذي يحاول الدعاة ضد الإسلام إنكاره على المسلمين عندما يلفقون أوصافهم العديدة للذين يجرؤون على المقاومة، وفي نفس الوقت فإن المتطـرفين والإرهـابيين الحقيقيـين هـم المتمذهبون والموظفون لقطّاع الطرق الاستعماريين الذين يبحثون عن الهيمنة على العالم.

لذا فعلى الشعوب العربية والإسلامية المقاومة إن تسلك هذا الطريق الذي يكلفها الكثير من دماء أبنائها وأرواحهم دفعا للظلم التاريخي الواقع عليهم من الاستعمار، وقوى التسلط، ومحاولات الإفناء التي تمارسها هذه القوى ضد الشعوب العربية والإسلامية. فالهجمة الأمريكية اليوم تعتمد بكل بساطة مهما تكن هذه الحقيقة مفجعة، على تعاون كامـل مـن قبـل الغالبية الساحقة إن لم تكن كافة الأنظمة الرسمية الحالية في بلاد العرب والمسلمين. هذه الأنظمة التي التقـت أسباب بقائها وحماية مصالحها وعروش فراعنتها مع مخططات المستعمر الأمريكي وأعوانه.

المصادر:

  1. كتاب الهيمنة أم البقاء لنعوم تشومسكي
  2. كتاب السياسة والواقع
  3. رسالة ماجستير بعنوان: مفهوم الحرب العادلة فى السياسة الخارجية الأمريكية . التدخل الأمريكي في العراق – دراسة حالة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى