تقارير وملفات إضافية

الحرب العالمية الثالثة.. هل هي مُزحة أم أنها حقيقة وعلينا الاستعداد؟

انتشرت المقاطع الساخرة عن الحرب العالمية الثالثة كالنار في هشيم
مواقع التواصل الاجتماعي على غرار تيك توك وتويتر، بعدما اغتالت القوات الأمريكية اللواء الإيراني قاسم سليماني هذا الأسبوع.

وإلى جانب المقاطع الساخرة، جاءت بعض المقاطع الأخرى على الجهة
المقابلة، توبِّخ الناس على المزاح بشأن الحرب، أو تتحدَّث بأن مزاحهم يُعزى إلى عدم تأثُّر حياتهم
المريحة بنشوب حرب جديدة في إيران.

الرأي ونقيضه عن اندلاع حرب عالمية ثالثة دفع الكثيرين للقلق
والتساؤل عن هذه الكارثة التي لو وقعت ستقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب.

مجلة The Atlantic الأمريكية ناقشت في تقرير لها ما مدى تحقق
هذه الحرب وهل هي مزحة أم حقيقة؟

وبحسب المجلة الأمريكية، لم تحل الحرب العالمية الثالثة بنا في
الواقع، ولكن الهاشتاغ World War III كان مظلة انطوى تحتها
النقاش حول تلك الحرب. ومن هنا، تُجسِّد المقاطع الساخرة قدرة الإنترنت على خلق
أنواع لا نهائية من المُحتويات عن أي شيء. على منصة تيك توك، تظاهر شخصٌ بأنه
يتخلَّص من خطاب استدعائه إلى الجيش على أنغام أغنية Criminal للمطربة بريتني سبيرز، وهو ما تناوله آخر في سلسلة تغريدات على
موقع تويتر نقلها عنه تقريرٌ على موقع Buzzfeed بشأن المقاطع الساخرة من الحرب العالمية الثالثة.

ولكن الحرب العالمية الثالثة ليست مجرد هاشتاغ، بل أيضاً رمز،
والشباب يستحضرون ذاك الرمز القديم للتعبير عن مخاوفهم اللاواعية بشأن الحاضر، ومن
خلال القيام بذلك، فإنهم يعيدون من جديد إحياء فكرة «الحرب العالمية»
التي لطالما تشدَّقت بها الأجيال التي سبقتهم. 

على مدار ثلاثة عقود أو أكثر، كانت الحرب العالمية الثالثة بمثابة
هاجس مقلِق؛ وخلال الحرب الباردة، كانت عبارة الحرب العالمية الثالثة اختصاراً
لنوعٍ بعينه من الهلاك، ألا وهو الدمار النووي العالمي. وبعد الانفجارات تأتي التداعيات، من دخان كثيف وشتاء نووي يجسِّد
التغيُّر المناخي الذي يعقب الانفجارات النووية، ونهاية للحرث والزرع الذي يُحافظ
على أجسادنا البشرية، وجوعاً مؤكَّداً يطيح المحظوظين الذين نجوا من الموت في
الحرب.

ربما لايزال أولئك الذين عاصروا هذه الفترة يشعرون بمدى واقعية
التهديد. ولم يتغير الأمر؛ فرغم أن المخزون النووي العالمي
قد تقلّص بنسبة 75٪ منذ ذروة انتشاره بين عامَي 1965 و1985، مازالت آلاف الرؤوس
النووية منتشرة في جميع أنحاء العالم، وتتراوح القدرة التدميرية للواحد من تلك
الرؤوس بين عشرات إلى آلاف ضعف مقارنة بالقنابل التي ظهرت في
فيلم Fat Man and Little Boy وقد دمّرت مدينتي ناغازاكي وهيروشيما في
اليابان خلال عام 1945. ولا يُعتقد أن إيران تمتلك أسلحة نووية، على الرغم من أن
طموحاتها الرامية إلى تطوير وامتلاك تلك الأسئلة لطالما كان في قلب الصراع الأمريكي مع البلاد.

وعلى الرغم من ذلك، ساعدت الخيالات التي أحاطت بالحرب العالمية
الثالثة على إخفاء حقيقة ما صارت إليه الحرب؛ من فوضى متشابكة تشوب القدرة على
إدارة البلاد، وتربُّح، ومناورات سياسية. وفي الوقت الحالي، عادة ما تبدو النزاعات
في مرآة السرديات المُنمّقة وكأنها واضحة ومباشرة، ولكن التاريخ قد كشف بالفعل عن
خيوطها المعقدّة. مثلاً، خلال الحرب الباردة، صارت التوترات المُحتدمة في وضع
ميؤوس منه، تلك التوترات التي نشبت من أجل منفعة سياسية وتبيّن بمرور الوقت أن ذلك
كان أكثر من تُحركها ذريعة أخلاقية. وقد ربطت فيتنام معارضة الشيوعية، التي هي في
حدّ ذاتها عقيدة للصراع الذي انطوت عليه الحرب الباردة، ببناء الدولة الديمقراطية
في منطقة إنهاء الاستعمار. وصارت الحروب بالوكالة شائعة، على غرار دعم الولايات
المتحدة للمجاهدين الأفغان بغرض زعزعة استقرار الاتحاد السوفييتي بدلاً من دعم
الثورة الإسلامية. وربطت حرب الخليج بين ظهور التغطيات الإعلامية الممتدة 24 ساعة
على مدار الأسبوع واقتصاد النفط. أمّا عن حرب العراق وأفغانستان، فقد صار من
الواضح الآن أنها نشبت لتحقيق مكاسب سياسية وتجارية، على حساب مئات الآلاف من
الأرواح.

إن هذه ليست سوى بعض الحروب «الطبيعية، تلك الحروب العسكرية
التي ترتبط بدول قومية لا بتكتلات عصابيّة تشبه لوس زيتاس في المكسيك، أو ميليشيات
مثل الجنجويد في السودان، أو جماعات شبه عسكرية مثل داعش. وهناك أيضاً شركات،
فمثلاً، شركة كامبريدج أناليتيكا للاستشارات السياسية الذي وضع بيعها بيانات
حسابات مُستخدمي فيسبوك معلومات مهمّة في أيدي حملات التضليل. وعبر وسائل التواصل
الاجتماعي، كما قامت منظَّمات مثل جمعية أبحاث الإنترنت الروسية بإضفاء صبغة التضليل على
المعلومات، بثمن بخس، من أجل تعطيل أعمال الدول التي قد تشنّ حرباً تقليدية أو
نووية. وهناك خدمات مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام ممن يقدمون منفذ وصول عالمي
يسير لكافّة الجهات الفاعلة غير الحكومية التي انتشرت لتزيد زعزعة استقرار خصومها.

في مواجهة كل هذه الفوضى، يبرز سؤال: أليس من الغريب أن يرى الشباب
الفعل المعتاد نسبياً والمتمثّل في اغتيال قائد عسكري إيراني بمثابة واحة من
الوضوح السياسي؟ إن تلك المقاطع القصيرة الساخرة تساعد في تضخيم الحدث بما يلائم
سردية مباشرة بعينها. 

يُجسّد سيل المقاطع الساخرة حول خطابات الاستدعاء لتلبية واجب
العسكرية
-والتي انبثقت من خبر إعدام سليماني- الراحة العقلية التي يجلبها مثل هذا الوضوح.
فقد صارت فكرة الحرب العادية -التي تنطوي على جبهة عسكرية مُنظّمة تتقاتل عليها
جيوش قومية- مُستساغة لدرجة أنها عصفت بالمواقع الإلكترونية بأحاديث حول التجنيد
الأمريكي ونظام الخدمة الانتقائية الذي يتعيّن على الرجال الذين تجاوزت أعمارهن 18
عاماً التسجيل به تأهُّباً لاستدعائهم لأداء الخدمة العسكرية. وعلى الرغم من عدم
وجود استدعاءات إجبارية لأداء الخدمات العسكرية في الولايات المتحدة منذ عام 1973،
فإن بعض المقاطع الساخرة المتداولة أبدت الارتياح لقرار التهرُّب من التجنيد
الإجباري، أو الإشارة إلى سنٍّ مزعوم لا يُستدعى أصحابه، أو جنس، أو أسباب طبّية
تجعل أصحابها غير مؤهّلين للخدمة العسكرية.

على موقع Business Insider، كتبت أندريا مور أن الشباب يستخدمون الفكاهة الساخرة لمواكبة ما
يعتريهم من انعدام اليقين. وعلى موقع Buzzfeed News، صوَّر كلٌّ من أوتيلا ستيدمان، وريان سي بروكس، تلك الممارسة
كتعبير عن الخوف في هيئة محتوى يُنشر في بيئات مواتية لجيل مواليد منتصف وأواخر
التسعينات، مثل إنستغرام وتيك توك، بحسب المجلة الأمريكية.

ولكن، ربما لم تكن لدى تلك الشريحة التي تتراوح أعمارها بين 18 و24
عاماً أيّة فكرة عمّا يظنونه أو يشعرون به حينما أعدّوا وتشاركوا تلك المنشورات
على وسائل التواصل الاجتماعي. إذ نشر شاب  يبلغ من العمر 20 عاماً رسالة عن
رفاقه قال فيها مُنظِراً: «لا أحد يدري ما يجري، والأمر ليس تأقلماً إذ لا
يوجد شيء يلزم التأقلم معه» وأضاف أن أصحابه لن تنتابهم المفاجأة إذا لم يكن
لدى الكثيرين ممن نشروا تلك المقاطع والصور الساخرة أدنى فكرة عن الظروف
الجيوسياسية التي يستجيبون لها.

وربما ينطبق ذلك على الناس من جميع الأعمار، ويرجع السبب في ذلك
جزئياً إلى السرعة المحمومة التي يُنتج بها الجميع المعلومات ويستهلكونها على
الإنترنت. تقول تغريدة لاقت انتشاراً واسعاً نشرها رئيس تحرير موقع Arc
Digital، بيرني بيلفيدير :»استعدوا أيها
الحمقى، بعد اكتشاف وجود قاسم السليماني قبل 30 دقيقة، أنا مُستعدّ الآن لأشرح ما
يعنيه اغتيال الرجل -الذي هو أهم 3 ترليون مرّة من بن لادن- بأنه سيتعيَّن علينا
خسارة صفقة لويزيانا».

إن الغرائز وما اعتاده الناس وما يُنشر على الإنترنت صار هو الحياة
بعينها الآن. والغرائز والعادات التي تشكّلت على مدار العقدين الماضيين بشأن الحرب
الأبدية يقتضون الرد أولاً ثم التفكير لاحقاً، هذا إن جاء التفكير في أي وقت.
وتنتشر الأخبار في كل حدب وصوب -بدءاً من اغتيال سليماني إلى كل المقاطع الساخرة
التي أراح الناس بها نفوسهم بعد الواقعة- لدرجة أن تغطيتها تُعتّم المعنى أكثر من
إيضاحه.

وفي غياب المعرفة والنية، فإن أفضل طريقة لتفسير الصور والمقاطع
الساخرة عن الحرب العالمية الثالثة هذه هي محاولة فهم الطريقة التي صارت بها تلك
المنشورات سمة طاغية على أيديولوجية الحياة المعاصرة. إن ذكرى تجربة الحرب
العالمية آخذة في التلاشي
،
إذ تموت آخر الأجيال التي نجت من الحرب التقليدية العالمية. في الوقت نفسه، أصبحت
الحرب التقليدية نفسها قائمة باستمرار بحيث لا يلحظها المرء كأمر طارئ، وأولئك
البالغون من العمر 18 عاماً في يومنا هذا بالولايات المتحدة لم يشهدوا يوماً
واحداً في حياتهم كانت الولايات المتحدة فيه غير منهمكة في القتال في الشرق الأوسط.

أمّا عن الجيل إكس -الذي وُلدوا في الفترة من ستينيات إلى
ثمانينيات الجيل الماضي، فإن الخوف من الإبادة بالحرب النووية جعل نهاية العالم
مُظلمة للغاية، ولكنّها أيضاً مثيرة. فقد بدا أنه من الطبيعي أن تحلم البشرية
بمشاهدة نهايتنا الجماعية. وبغضّ النظر عن افتراضاتك العملية أو معتقداتك الدينية
عن الحياة أو ما بعدها، فإن مجد الوجود الإنساني يصير أكثر سحراً في حالة إبادته
التامّة في المستقبل.

ومع ذلك، فإن المستقبل -بالنسبة للعديد من شباب اليوم- قد يبدو
بالفعل مبهماً لأسباب أكثر رصانة؛ بدءاً من انعدام المساواة الاقتصادية إلى
الانقراض بسبب المناخ- ولا عجب أن تخيلاتهم ستنظر إلى الماضي بدلاً من المستقبل،
فإنه من المريح على نحو غريب أن نتخيل حرباً تقليدية من الحروب المتنوعة التي نشبت
في القرن العشرين، إلى جانب مخاطر التصعيد النووي، لأنها هذا يُمثل عودة إلى فترة
قُتلت بحثاً في التاريخ. 

لقد أسفرت الحربان العالميتان عن فظائع مروّعة، ولكنّهما أيضاً
أثمرتا فترة طويلة من الرخاء والراحة، لا سيّما في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا يربط فكرة نشوب حرب عالمية بأمرٍ آخر؛ وهو الجيل الأعظم -ذاك الذي وُلد في
فترة الحرب العالمية الأولى- وفكرة أن الخدمة العسكرية شرف نبيل، وذلك بفضل انعدام
وضوح الخير والشر، خلال وقتٍ كانت فيه الوطنية بشكلٍ عام والجهد الحربي بشكلٍ خاص
غير خاضعين للاستقطاب؛ على مستوى الخدمات الاجتماعية، والضرائب، والظروف
الاقتصادية التي تمخّضت عن الطبقة الوسطى وجميع امتيازاتها، من الوظائف المستقرّة
إلى ملكية المساكن الزهيدة.

ولكن هذه الحقيقة لم تعد قائمة في وقتنا هذا، فماذا هو الحال في
التو؟ أن يخشى المرء وقوع حرب عالمية يعني أن حُلماً يراوده بنشوبها، وأن يحلم
المرء بحرب عالمية يعني أن ينغمس في حنينه لمنتصف القرن العشرين، ذاك الملاذ الآمن
بين عصرين مذهلين، حينما ازدهرت حياة البشر العاديين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى