اخبار إضافيةالأرشيف

الحلقة الرابعة من: *الهجرة الفتح الأول في الإسلام*

بقلم الإعلامى
محمد المصرى التركى
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد…
 إستكمالا لما سبق نورد بعض الأمور التي لا يجب أن تغفل، ونوجزها في عناصرها تباعا لعلنا نخرج بفكرة جديدة من هذا الموضوع إن شاء الله:
*ثامنا* هل كانت الهجرة معجزة أم كانت معركة؟ والجواب: لقد كانت معركة ، وكانت معجزة!
 كيف ذلك؟
_ اولا: كانت معركة بين الحق والباطل، كانت معركة وجود بين الإسلام دين الوحدانية و بين الكفر بكل أنواعه، فكان التخطيط المحكم من الجهتين بدءا من خروج الرسول صلى الله عليه وسلم سرا من بيته والتمويه بنوم علي في فراشه ؛ ومرورا بكل الأحداث: من الخروج في وقت الظهيرة سرا والإتجاه إلى الغار وطمس الأثر، وأخذ اخبار تحركات المشركين مع التزود للطريق، و انتظارالدليل ابن أريقط ثلاثةايام، وإختيار طريق معاكس لايتوقع سلوكه !
ورغم كل هذا التخطيط المحكم إلا أن المشركين كانوا بالمرصاد !!
و هنا تكمن المعجزة..!!
فقد وصلوا و أحاطوا بالبيت الشريف قبل خروج الرسول صلى الله عليه وسلم منه و مع ذلك يغادره
الرسول ! ويأخذ الله أبصارهم وهم مستيقظين! ويتلو من القرآن أوائل يس ويحثو على رؤوسهم التراب!!
معجزة!!
و يقصد عليه الصلاة والسلام غار ثور عكس اتجاه يثرب مقصده !! وخبراء الأثر يصلون إلى الغار!! وهناك يذهب الله عقولهم عن مجرد التفكير بالنظر داخله!
روى الإمام البخاري في صحيحه قال : لما صعدَ كفارُ قريشٍ إلى الجبلِ ونظروا ؛ قال أبو بكر: يا رسولَ الله ، لو نظرَ أحدُهم إلى أسفلِ قدميه لرآنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟!
و جاء في محكم التنزيل:{ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
معجزة!!
و يصل الأمر إلى إدراك سراقة بن مالك للرسول صلى الله عليه وسلم ويلحق بهما طمعا في الجائزة!! فتغوص قدما فرسه في الرمال مرتين أو ثلاثة! فيطلب الأمان ويرجع ليخذل عنهما!!
معجزة!!
ومن هنا نقول: لقد كانت الهجرة معركة وكانت معجزة في نفس الوقت… ليرينا الله أنه ناصر لدينه ورسوله حتى لو أدركه العدو ؛ وكذلك أتباعه من بعده إلى قيام الساعة، إذا ما ساروا على نهجه وأخذوا المنهج وحملوه كاملا كما هو وطبقوه قولا وعملا….. ،2/
*تاسعا*
 ماهي الحكمة من الهجرة من مكة إلى المدينة؟ الجواب: الحكمة جلية وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ،فالإسلام جاء للناس كافة ؛ ولكي يوصل رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته لكل الناس لابد أن يغدو ويروح بحرية كاملة ؛ ولكي يجد هذه الحرية لابد وأن تصبح للإسلام دولة.
والسؤال: هل كان المناخ في مكة يسمح بذلك؟ الجواب: كلا..!! بل كانت حربا شعواء وحصارا من كل اتجاه كما هو حال إخواننا في غزة اليوم ! مع الفارق أن المجاهدين في غزة محاصرون من جهة الدول التي تزعم أنها مسلمة!! فكيف لمسلم أن يحاصر أخاه المسلم ويقتله جوعا ومرضا..!!
وهو مالم تفعله قريش نفسها، بل كانت تضيق على الدعوة فقط وتحاصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إقتصاديا، مع حرية حركتهم… ومع ذلك أصبحت الدعوة شبه مجمدة!
إذن لابد من أرض خصبة تنتج رجالا أشداءعلى الكفار رحماء بينهم ؛ فكانت الهجرة إلى المدينة وإلى خير ناس وهم الأنصار فيما بعد.
وبذلك تكونت أول نواة للدولة الإسلامية التي أصبحت قاعدة لنشر دعوة الإسلام، فكانت تلك من أهم حكم الهجرة….. ،
وفي المدينة(يثرب قبل الهجرة) بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بتأسيس دولة الإسلام، وبترسيخ دعائم الحكم الإسلامي، وشرع في استكمال تربية رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه… خرجوا فنشروا الإسلام في الجزيرة، ثم أناروا الدنيا بنور الإسلام.. نسأل الله أن يعيده قريبا كما كان، وأن يقر أعيننا بعودة القدس والأندلس وبفتح رومية، وبأن نرى أستاذية الإسلام للعالم كله اللهم آمين…..،
ننتقل للعنصر *العاشر*
لماذا لم تتم الهجرة بمعجزة مثل معجزة الإسراء بالبراق أو ببساط من الريح سريعا دون تكلف كل هذا  العناء والتعب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟
قد يخطر ببالنا هذا السؤال: كيف يترك الله حبيبه وخير خلقه وصاحبه الصديق يتكبدان كل هذه المشقة ويعانيان كل هذه المعاناة، حتى يصل الحال بهما إلى
الإختباء في غار ثور ثلاثة ايام  وهو في قمة جبل، ثم باقي المشقة في الطريق! وهما معرضان للقتل بل مطلوبان حيين أوميتين!! وجائزة من يجدهما (200 ناقة )وهي ثروة طائلة يسيل لها لعاب أي بشري يحب المال، خاصة إن كان فقيرا….بل قد تغري الدليل ابن أريقط ببيعهما وقبض الجائزة!
لماذا هذا العناء والله سبحانه قادر بكلمة كن يصبحان في المدينة؟
كما نجى الله خليله من النار، وكما شق لكليمه البحر فانقلب طريقا يابسا مر عبره، بل وأعاده بحرا فأغرق فيه فرعون وجيشه! وكما سخر لنبيه سليمان الريح والجن …..الخ ،
والجواب على هذا السؤال: إن من السهولة واليسر أن يحدث هذا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة و الأسوة لأمته وهو النبي الخاتم الذي ليس بعده نبي ولابعد دينه الإسلام أي دين إلى قيام ساعة ؛ فلابد أن يرى أصحابه جهاده ومعاناته في الهجرة لأننا أمة الأخذ بالأسباب، وخير أمة أخرجت للناس، واجبنا الأمربالمعروف والنهي عن المنكر، ولن يكون هذا بسهولة!
 بل إن جهاد الدعوة للناس أشق الأعمال، فلابد من تربية إيمانية كبيرة تستمد من القدوة و هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و من أصحابه لمن يخلفونهم جيلا بعد جيل كي تقام الحجة على من يقعد أو يتخاذل..
فهذا نبيك محمد أحب خلق الله إلى الله وأكرمهم على الله يعاني الجوع ثلاث سنوات في حصار شعب أبي طالب ؛ ثم يخرج مهاجرا بأشد أنواع التعب و المعاناة..!!
 فعندما يكون قدوتنا نبينا فإنا نجتهد في تلبية النداء وفي تحقيق الإستخلاف في الأرض كما أنعم الله به علينا.
 فهذا هو المسلم مبدع في كل الأمور، علامة مضيئة في كل مكان كالمصباح يضيء لمن حوله في الظلام، فلا مجال للكسل والتخاذل في الإسلام ؛ وهذا ماعلمنا إياه الرسول الكريم في الهجرة ، خاصة و أن الدنيا دار ممر للآخرة كما قال تعالى:”الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا” و هو المطلوب في هذه الحياة القصيرة ؛ ليثاب من يستجيب ويؤدي ما عليه، ويعاقب من يخالف ويتخلف عن دعوة ربه وعن دين الوحدانية… والحساب هناك في دار الخلود في الآخرة إما الجنة لمن لبى أو النار لمن أبى نسأل الله العافية….. ،3/
العنصر *الحادي عشر*
حبيب الله صلى الله عليه وسلم يتضرع ويدعو الله بتذلل فما بالنا نحن؟! حينما يدعو الرسول ربه بهذا الإلحاح والتذلل وهو من هو؟ فهو أحب خلقه وافضل انبيائه ورسله الى الناس! فنحن أحوج للدعاء بالتذلل والإلحاح من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،  روى أبو نعيم  : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا إلى الله، قال: «الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا، اللهم أعني على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام، اللهم اصحبني في سفري، واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقومني، وإليك رب فحببني، وإلى الناس فلا تكلني، رب المستضعفين وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السموات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والاخرين أن تحل علي غضبك، وتنزل بي سخطك، وأعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى عندي خير ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بك»
 العنصر *الثاني عشر*
 لماذا يلجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الهجرة وليس لمواجهة قريش بالسيف؟؟ 
وهو سؤال يطرح نفسه أيضا خاصة وقد اصبح له انصار مسلمون و قد عرضوا عليه الهجوم على المشركين في بيعة العقبة الكبرى!
هنا تظهر سماحة الإسلام ورحمة الإسلام والمسلمين بأهليهم ؛ و هو ما يؤكد أن الإسلام جاء ليخاطب أولا الفطرة البشرية السليمة في البشر، ويخاطب فيهم العقل السليم ويدعوهم إلى الحق بكل صبر جميل…
 لقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار ردا قاطعا: ” لم أؤمر بذلك “
فهو حتى العام الثالث عشر كانوا يدعو باللسان فقط ويتجنب الأذى قدر المستطاع و يتحمله!
 أما المواجهة بالسيف فإن انتصر فقد يقول الناس: لقد دخلوا في دينه كرها بالسيف، كما يزعم كثير من المخادعين، كيف ذلك والله يقول: “لا إكراه في الدين”!!
فالدعوة بالعنف تولد نفورا وشرودا وليس إقبالا
ثانيا: لقد رأى العرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يهجر بلده ووطنه الذي ولد فيه هو وأصحابه تجنبا للصدام ولإراقة الدماء…فما أعظمه من دين لمن يعقل ويتدبر!.
ثالثا: الكثير من قريش في مكة متعاطفون مع الدعوة ومعجبون برحمتها وبسلمية الدعوة ؛ فلربما إذا وجدوا حربا، تلاشى التعاطف وتغيرت القلوب! بل وقد تراق دماء مسلمين يخفون إسلامهم.
رابعا: البيئة القبلية والكل أقارب بعضهم البعض فلو كانت المبادرة من المسلمين حربا لربما تحركت العصبية القومية والقبلية في النفوس، خاصة ممن يفكرون ويميلون إلى الدخول في الإسلام ، ولربما تبدل الحال من لوم اللائمين على المشركين الذين أجبروا إخوانهم وأبنائهم على ترك وطنهم لوطن آخرا آمن فرارا بدينهم إلى لوم وإتهام للمسلمين !
والأخطر من ذلك كله.. لو تحزب العرب على المؤمنين وهم قلة لربما إنتهى الإسلام قبل بناء الدولة…… الخ
و هذه كلها استنتاجات نخرج بها إلى أنه الأولى ثم الأولى: الخروج لدار الهجرة لبناءالدولة أولا وإرساء دعائمها.
 ننتقل الى العنصر *الثالث عشر*
 براعة القائد و عظمة البناء والتأسيس مع عزة المؤمن وعفته:
 يقول الامام الغزالي رحمه الله في فقه السيرة: ليست الأمة الإسلامية جماعة من الناس همها أن تعيش بأي أسلوب، أو تخط طريقها في الحياة إلى أي وجهة، وما دامت تجد القوت واللذة فقد أراحت واستراحت.
كلا كلا، فالمسلمون أصحاب عقيدة تحدد صلتهم بالله، وتوضح نظرتهم إلى الحياة، وتنظم شؤونهم في الداخل على أنحاء خاصة، وتسوق صلاتهم بالخارج إلى غايات معينة.
وفرق بين امرئ يقول لك: همي في الدنيا أن أحيا فحسب! واخر يقول لك: إذا لم أحرس الشرف، وأصن الحقوق، وأرض لله، وأغضب من أجله، فلا سعت بي قدم، ولا طرفت لي عين …
والمهاجرون إلى المدينة لم يتحولوا عن بلدهم ابتغاء ثراء أو استعلاء.
والأنصار الذين استقبلوهم وناصبوا قومهم العداء، وأهدفوا أعناقهم للقاصي والداني، لم يفعلوا ذلك ليعيشوا كيفما اتفق …
إنهم- جميعا- يريدون أن يستضيئوا بالوحي، وأن يحصلوا على رضوان الله، وأن يحققوا الحكمة العليا التي من أجلها خلق الناس، وقامت الحياة …
وهل الإنسان إذا جحد ربه، واتبع هواه، إلا حيوان ذميم أو شيطان رجيم؟!.
ومن هنا شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم- أول مستقره- بالمدينة بوضع الدعائم التي لا بد منها لقيام رسالته، وتبين معالمها في الشؤون الاتية:
١- صلة الأمة بالله.
٢- صلة الأمة بعضها بالبعض الاخر.
٣- صلة الأمة بالأجانب عنها، ممن لا يدينون دينها.
وكل ذلك رأيناه من الصحابة مهاجرين وانصارا! ،في الهجرة و قبلها وأثناء الهجرة وبعدها ؛ والتضحية قد تكون تضحية سلبا وقدتكون تضحية عطاء و قد تكون تضحية ايثار، وقد يقابل التضحية عفة نفس وكل ذلك لم يحدث الا في الهجرة من النبي واصحابه من المهاجرين والانصار معا!!!
من الهجرة نعرف اين ومتى يكون الوطن الحقيقي والقرابة الاصلية والعشيرة الاصلية والجيش الاصلي والراية الحقيقية التي ينطوي تحتها الجندي….. الخ
يقول صاحب الظلال:
” إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين.. .الله سبحانه هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع ، فهي بيعة مع الله ، لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ، ولا في ماله.. لتكون كلمة الله هي العليا ، وليكون الدين كله لله”
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل دخلنا في هذه الصفقة مع رب العالمين ولا لسة عايشين عيشة الانعام ناكل ونشرب ونمرح وننام؟؟ والحمدلله رب العالمين والصلاةوالسلام على خير الانبياء والمرسلين جزاكم الله خير…. ،اللهم لاتجعلنا من المتخاذلين .
نترككم في رعاية الله الى ان نلتقي في الحلقة الخامسة والاخيرة ان شاء الله ،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى