الأرشيفتقارير وملفات إضافية

الدكتاتور ودستور جديد للحكم مدى الحياة وحتى بعد الوفاة

اعداد 
فريق التحرير
 “لا يوجد أبد، الأبد ينتهي بعمر الإنسان، ليس هناك أبد مطلق، الجميع سيموتون، ولن يبقى الحاكم حاكما مئة أو مئتي سنة”. بهذه الكلمات أجاب عبد الفتاح السيسي قبل نحو شهر عن سؤال أحد الشباب في منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ.
ويبدو أن إجابة السيسي ليست تصريحات نظرية؛ فالرجل يعمل مع أركان دولته على قدم وساق من أجل تعديل الدستور؛ ليضمن البقاء في السلطة، التي وصل إليها بعد انقلابه في الثالث من يوليو/تموز 2013 على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر محمد موسبق أن ألمح السيسي إلى عدم رضاه عن الدستور في سبتمبر/أيلول 2015، قائلا “الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط”.رسي.
مطلوب من هذا التعديل أن يتيح لـ”السيسي” التربع على رأس الرئاسة والسلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية في آن واحد إلى ما بعد سنة 2022، تاريخ انتهاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة بحكم الدستور ذاته الذي أقسم “السيسي” على احترامه مرتين في 2014 و2018.
ومن المفارقات العجيبة أن دعاة تعديل الدستور لهذا الغرض يستندون إلى المادة 226 من دستور 2014 التي تسمح لرئيس الجمهورية أو لخمس أعضاء مجلس النواب بطلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ولكنها المادة ذاتها التي تنص على التالي:
“لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات”.
فأي ضمانات يمكن لـ”السيسي” أن يقدمها إلى الشعب المصري إذا كان ينوي خرق الدستور الذي أقسم، مرتين وليس مرة واحدة، على الالتزام بنصوصه؟
موعد انطلاق الحملة كان مطلع ربيع 2019، والبدء في إجراءات المرحلة الأولى فيها، لكن أكثر من طارئ حتم استعجالها، كما يتضح من إعلان محكمة الأمور المستعجلة استعدادها للنظر في دعوى قضائية رفعها عدد من أنصار “السيسي”، تطلب إلزام مجلس النواب بإقرار التعديلات الدستورية.
ورغم عدم اختصاص المحكمة بالبت في قضايا دستورية مثل هذه، فإن اللجوء إلى القضاء يشير إلى أن عجلة حملة التمديد دارت بالفعل، ولن يطول الوقت حتى تتجسد أكثر في مختلف وسائل الإعلام والأجهزة الحزبية و”الشعبية” الموالية.
البعض يُرجع أسباب الاستعجال إلى رغبة “السيسي” في الفصل بين حملة التعديل، وحزمة التقشف الجديدة التي يعتزم اعتمادها في القريب العاجل ومن المؤكد أنها سوف تثقل كاهل الشعب المصري بالمزيد من الأعباء وتسفر عن هبوط جديد في قيمة الجنيه.
كذلك فإن خارطة تحالفات “السيسي” الإقليمية، خاصة مع السعودية والإمارات، لا تسمح بالكثير من التأجيل بالنظر إلى السياقات المعقدة التي يعيشها البلدان في طور ما بعد افتضاح جريمة اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”.
كذلك يتطلع “السيسي” إلى مقدار من التسامح لدى الرئيس الأمريكي إزاء التعديل الدستوري، يماثل تسامحه مع حلفاء واشنطن في الرياض وأبوظبي بصدد مقتل “خاشقجي”.
وليس أقل خطورة ما يتردد من أن أجهزة “السيسي” لا تنوي الاكتفاء بتعديل دستوري واحد حول آجال الرئاسة، بل تتطلع إلى إضافة مادة تتضمن إنشاء “المجلس الأعلى لحماية الدستور”، بحيث تُسند إليه صلاحيات واسعة ويتولى “السيسي” رئاسته مدى الحياة، وفق منطوق المادة.
تعديل آخر يعيد إحياء “مجلس الشورى” الذي ألغى وجوده دستور 2014، بحيث يتقاسم التشريع مع مجلس النواب الخاضع أصلاً لإرادة أجهزة “السيسي” الأمنية والسياسية.
أما الأشد خطورة فإنه استهتار “السيسي” بإرادة الشعب المصري، واستخفافه بما قد يندلع من أعاصير جراء استبداد هو الأسوأ في تاريخ مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى