الأرشيف

السباق بين ترامب وماكرون لحماية محمد بن سلمان الملقب بالمنشار “المصالح فوق العدالة” انحطاط قادة الدول المتشدقة بحماية حقوق الإنسان

تقرير بقلم الإعلامى الكبير
الدكتور صلاح الدوبى
رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا
رئيس اتحاد الشعب المصرى
“عضو مؤسس في المجلس الثوري المصري”
أوقفوا تسليح السعودية” مطلب ترفعه كثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية والهيئات الدولية وطائفة من الرأي العام الغربي ونواب البرلمان للضغط على دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا لوقف  تصدير الأسلحة لدول التحالف العربي الذي تقوده السعودية، لكن المبررات التي تسوقها تلك الدول تكشف التعهدات المتناقضة وانعدام الرقابة على مبيعات الأسلحة.
منذ بدء التحالف العربي في شن غاراته على اليمن، تواجه مبيعات أسلحة دول الغرب للسعودية التي تُتهم بارتكاب جرائم حرب في اليمن، انتقادات متزايدة من منظمات غير حكومية ومن الرأي العام ونواب البرلمان، لوقف عمليات القصف التي تستهدف المدنيين في اليمن، ورفع كل العراقيل أمام إيصال المساعدة الإنسانية والسلع التجارية إلى اليمن.
وفي بريطانيا يخوض ناشطون معارضون لتصدير السلاح البريطاني إلى السعودية في منظمة “الحملة ضد تجارة السلاح” معركة قانونية، بعدما سمح لهم القضاء البريطاني يوم الجمعة الماضي باستئناف قرار سابق بشأن قانونية بيع الأسلحة البريطانية للسعودية، بعد جولات عديدة بين الحكومة البريطانية ومنظمات حقوقية.  
على عكس المعارك الحقوقية التي تجرى في الدول الأوروبية الثلاثة، أوقف مجلس الأمن الاتحادي الألماني تصدير الأسلحة للدول المشاركة في حرب اليمن، فيما أوقفت النرويج صفقات تصدير السلاح للإمارات للسبب ذاته، وتلوح في الأفق إجراءات مماثلة من دول أوروبية أخرى بسبب ضغوط شعبية وبرلمانية.
لكن رغم محاولات باريس، ثالث مُصدِّر للأسلحة في العالم، الظهور في ثوب الساعي لتخفيف التوتر على الأرض اليمنية، وتعبيرها المستمر عن استيائها من “الأضرار الجانبية” في صفوف المدنيين اليمنيين، تبقى من بين المصادر الرئيسية للمعدات العسكرية للسعودية والإمارات، ووفق منظمات حقوقية دولية، تزود فرنسا الرياض وأبو ظبي بالذخيرة الخاصة بالدبابات والمدافع وبالطائرات المقاتلة من نوع رافال.  
وكانت فرنسا قد صادقت في العام 2014 على معاهدة الاتجار بالأسلحة، إلا أنها سرعان ما عاودت نشاطها، فالسعودية والإمارات ظلتا من بين أكبر مشتريي الأسلحة الفرنسية، إذ أبرمت كبرى شركات الأسلحة في فرنسا عقودًا كبيرة في البلدين، بينما لا تخضع إجراءات ترخيص صادرات الأسلحة في فرنسا للفحص أو لضوابط برلمانية.
وفي هذا الشأن، تقول مديرة الفرع الفرنسي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بينيديكت جينرود: “الرياض تقود تحالفًا قتل وجرح آلاف المدنيين، وعدد من هذه الهجمات قد تكون جرائم حرب”، وتضيف “بمواصلتها بيع أسلحة للسعودية، يمكن أن تصبح فرنسا شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وتوجه رسالة مفادها الإفلات من العقاب إلى القيادة السعودية”.
وتواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الانغماس في عمليات عسكرية في العالم العربي، بينما يتلقى الدكتاتوريون العرب مساعدات سياسية وعسكرية سخية للحفاظ على حكمهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يتمسك الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بهذه السياسة تجاه العالم العربي؟
ثمة منطق سائد بين المعلقين السياسيين يفترض أن الغرب مجبر على التعامل مع الدكتاتوريين العرب لأنهم الوحيدون القادرون على وقف تمدد الإسلاميين المتشددين. وهكذا، فهم يعتبرون أخف الضررين.
وما لا يثير الدهشة، هو أن هذه الحجة هي نفس التي يستخدمها الدكتاتوريون العرب لقمع شعوبهم. وهكذا، فإن هؤلاء الدكتاتوريون يكررون خطاب حلفائهم الغربيين. ولكن هل هذه الحجة حقيقية؟ يمكن لبعض الأمثلة أن تبرز زيف هذه الحجة.
في مصر، وفي أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالإخوان المسلمين من السلطة، شن الجيش حملة قمع شديدة ضد معارضيه. ولم تهدف هذه الحملة لقمع الإخوان فحسب، التي غدت قوة مستنزفة من الناحية السياسية، لكنها هدفت إلى إحداث استقطاب في النظام السياسي بشكل يضمن الدعم للجيش أمام الطبقات المدنية الوسطى.
وكان دفع مؤيدي الإخوان نحو العنف أمرًا جوهريًا في سبيل نجاح هذه الاستراتيجية. وهكذا، يظهر الوضع وكأنه صراع بين «المتحضرين» و«الهمج»، وتظهر حاجة إلى وجود رجل قوي لاستعادة النظام، إلى جانب خلق تهديدات أمنية. كل ذلك كان مكونًا رئيسيًا لخلق شرعية النظام الجديد، وهكذا، فإن منطق الحاجة إلى دعم الدكتاتوريين من أجل محاربة الإرهاب تبطل نفسها.
وبناءً على ذلك، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان الدكتاتوريين لمحاربة إرهاب هم نفسهم من خلقوه. وهو سلوك أقل ما يقال عنه أنه عقيم.
هل هناك مصالح شخصية بين ترامب ومحمد بن سلمان
فيما تتراكم الأدلة التي تشير إلى مسؤولية ولي العهد السعودي في عملية القتل الوحشي للصحافي المعارض جمال خاشقجي، لم يزد الرئيس دونالد ترامب إلا تصلُّباً في رفضه الإقرار بأي احتمالية لضلوع الأمير في الجريمة، حسب تقرير صحيفة نيويورك تايمز
قال ترامب إنَّه سينتظر تقريراً من إدارته بحلول الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني بشأن موت خاشقجي قبل أن يُقرِّر كيف سيُحدِّد المسؤولية. لكن بدا أنَّه يُقلِّل من أهمية التقرير حتى قبل أن يصدر، مُشيراً إلى أنَّ التقرير قد لا يُحدِّد بصورة قاطعة المسؤول النهائي ومُهدِّداً بصدامٍ مع وكالاته الاستخباراتية.
قال ترامب في مقابلة بثَّتها محطة الأميركية: «هل سيتمكن أي أحد من المعرفة فعلاً؟ حسناً، هل سيتمكن أي أحد من المعرفة حقاً».
لم يظهر كذلك اهتماماً يُذكَر بالأدلة الجوهرية في القضية: تسجيل صوتي لموت خاشقجي الشهر الماضي أكتوبر/تشرين الثاني داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، قدمته السلطات التركية لوكالة الاستخبارات. فقال ترامب إنَّه لا داعي له كي يستمع إلى التسجيل لأنَّه «شريط معاناة مرعب، إنَّه شريطٌ مُروِّع».
استثمر بقوة في وريث العرش
مثَّلت تصريحات الرئيس مثالاً حياً على كيف أنَّه استثمر بقوة في وريث العرش صاحب الـ33 عاماً، والذي بات ركيزة استراتيجية الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط –من إيران وحتى عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية- إلى جانب كونه مشترياً كبيراً لأسلحة الجيش الأميركي.
ظهرت كذلك كيف قرَّر ترامب بعناد أن يتشبَّث بحليفه. فهو لا يرغب حتى في الاستماع إلى الدليل الذي قد يُزعزِع ثقته، حتى لو أدَّى ذلك لإحداث خلافات مع مسؤولي الاستخبارات. كانت التوترات الداخلية ظاهرة للعيان بالفعل عطلة نهاية هذا الأسبوع، حين أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، بعد ربط تقرير وكالة الاستخبارات المركزية بين محمد بن سلمان وجريمة القتل، بياناً تقول فيه إنَّ تلك «التقارير التي تشير إلى أنَّ الحكومة الأميركية وصلت إلى استنتاجٍ نهائي ليست دقيقة».
بالنسبة لترامب، يكفي أن ينفي الأمير محمد أي تورُّط له في مكالمة هاتفية معه.
يُذكِّرنا دفاع الرئيس عن الأمير محمد ابو منشار كيف أنَّ ترامب كان ينحرف عن الأسئلة بشأن التدخُّل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016 بقوله إنَّ الرئيس فلاديمير بوتين ينفي الأمر دوماً كلما سأله عنه.
وكما هو الحال مع روسيا، باتت تلك التقارير غير مقنعة بصورة متزايدة.
قال بروس ريدل، الخبير في الشؤون السعودية والزميل البارز بمعهد بروكنغز: «إنَّه (ترامب) يُظهِر أنَّهم يائسون. وهم (إدارة ترامب) يُمعِنون النظر الآن في حقيقة أنَّهم لن يكونوا قادرين على نفي استحقاق محمد بن سلمان للوم».
يؤدي موقف ترامب إلى خلق سياسة خارجية أميركية تزداد عزلة في موقفها هذا. فالاتحاد الأوروبي طالب بـ»الوضوح التام» من جانب السعوديين في قضية مقتل خاشقجي، الذي كان يعيش في ولاية فرجينيا وكان كاتب عمود بصحيفة الأميركية. وحتى الدول الأخرى مثل إسرائيل، التي لها روابط استراتيجية مع السعودية، لا تدافع جهاراً عن الأمير محمد.
لكنَّ أعضاء جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس يتهمون الأمير محمد صراحةً بالمسؤولية، ويقولون إنَّهم سيضغطون باتجاه اتخاذ إجراء أقوى بكثير ضد السعودية. فغرَّد السيناتور بوب كوركر، الجمهوري المُمثِّل لولاية تينيسي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، يوم السبت الماضي 17 نوفمبر/تشرين الثاني قائلاً: «كل شيء يشير إلى أنَّ ولي العهد محمد بن سلمان أمر بقتل الصحافي لدى جمال خاشقجي».
وتحرص الإمارات، جارة السعودية، لتهدئة مشروع السياسة الخارجية الأبرز للأمير محمد، أي الحرب في اليمن، حيث تقاتل القوات المدعومة سعودياً وإماراتياً المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وقال الحوثيون أمس الأحد 18 نوفمبر/تشرين الثاني إنَّهم مستعدون لفرض وقف إطلاق نار إن فعل السعوديون الأمر نفسه.
التقى مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد الأسبوع الماضي في أبوظبي، وبحث الرجلان سبل التعجيل بوضع نهاية للحرب، التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وباتت هدفاً رئيسياً للمُشرِّعين الأميركيين.
خلال الزيارة، صرَّح بولتون للصحافيين بأنَّ التسجيل الصوتي التركي «لا يربط بأي طريقة ولي العهد بعملية القتل». ولم يقل ترامب ما إن كان التسجيل الصوتي ألقى الضوء على دور الأمير محمد أم لا، لكنَّه زعم أنَّه لن يخرج بشيءٍ من الاستماع إلى التسجيل.
قال ترامب للمذيع كريس والاس بمحطة Fox News: «أُطلِعتُ بصورة كاملة عليه (التسجيل). في الواقع، قلتُ لمسؤولي الإدارة: ‘أيجب أن أستمع إليه؟’ فقالوا: ‘حقاً لا يجب أن تفعل ذلك. لا داعي للأمر.».
ضمَّت قائمة المُعاقبين سعود القحطاني، وهو مستشار كبير للأمير محمد، لكنَّها لم تضم أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية السابق، الذي قال المسؤولون السعوديون إنَّه كان العقل المُدبِّر لمخطط مواجهة خاشقجي في القنصلية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
قال ترامب: «في الوقت نفسه، لدينا حليف، وأنا أريد التمسك بحليفٍ كان جيداً جداً على أكثر من صعيد».
يؤكد ترامب على الوظائف التي يوفرها تعهُّد لسعودية بشراء ما قيمته 110 مليارات دولار من الأسلحة الأميركية. لكنَّ محللي الشؤون الدفاعية لم يُحصوا صفقات محجوزة وقائمة بالفعل إلا بقيمة 14.5 مليار دولار فقط، والرقم الحقيقي قد يكون أقل من ذلك. ووفقاً لريدل، لم يُنهِ السعوديون صفقة أسلحة جديدة كبيرة واحدة منذ وصل ترامب إلى الحكم.
وتُعَد السعودية ركيزة للاستراتيجية الأميركية الرامية لعزل إيران. ووافقت المملكة على زيادة إنتاجها من النفط لتعويض السوق عن الإمدادات الإيرانية التي سيفقدها بعدما على قطاع الطاقة والنظام المصرفي الإيرانيين هذا الشهر.
لكنَّ الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة خفَّفت الضغط على السوق بمنحها إعفاءات لعديدٍ من كبار المستوردين للنفط الإيراني، وتفكر السعودية الآن في تخفيض الإنتاج.
محمد بن سلمان ضبط  رد الفعل السعودي بعد نقل السفارة الأميركية الى القدس
طوَّر صهر ترامب ومستشاره البارز جاريد كوشنر علاقةً مع الأمير محمد، وينظر إليه باعتباره حاسِماً في جهده من أجل التوسُّط في اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وبالفعل قدَّم الأمير المساعدة بضبطه رد الفعل السعودي على قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس العام الماضي.
لكن منذ ذلك الحين، أوضح والد الأمير، الملك سلمان، جلياً أنَّ السعوديين لن يرغموا الفلسطينيين على قبول اتفاقٍ مع إسرائيل، ويبدو أنَّ جهود كوشنر لتحقيق السلام تلقى عقبات.
بالنظر إلى المشاعر التي ولَّدتها حرب اليمن في الكونغرس، فعلى الأرجح سيستخدم البيت الأبيض قضية خاشقجي كورقة ضغط لإجبار الأمير محمد على تهدئة الصراع بأسرع ما يمكن. لكنَّ خبراء سعوديين حذَّروا من أنَّ هذا سيكون صعباً، لأنَّ أي انسحاب سعودي مفاجئ من شأنه تشويه صورة الأمير أكثر داخل المملكة.
قال ريدل: «من الواضح للغاية أنَّ ما تريده الإدارة هو شراء الكونغرس باليمن. لكن هذا لا يحل المشكلة الكامنة، المتمثلة في أنَّ محمد بن سلمان قوة مُزعزِعة للاستقرار في المنطقة».
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى