اخبار المنظمةالأرشيفكتاب وادباء

السعادة “الجزء الأول”

بقلم الأديب الكاتب

د. محمد سعيد آل تركي

هذا البحث ليس لقراء العناوين!!!

مقدمة

لقد عمل المفكرون والفلاسفة قروناً، وجمعوا ما علموه من أسلافهم من القرون السابقة ما جمعوه، للخروج بتعريف للسعادة وتقرير لها، وما زالوا يعملون على هذا الأمر، حتى خرجوا بنظريات مختلفة ومتباينة عن السعادة ومفهومها، ولكنهم لم يُجمعوا يوماً على تعريف معين للسعادة، وعلى حقيقة معينة في كيفية تحقيق السعادة، فخرج بعضهم بالقول بأن ما يسعد بعضهم لا يسعد الآخرين، أو أن الأشخاص بنفسياتهم المختلفة هم الذين يسعدون أنفسهم أو يشقونها، فهناك فقراء سعيدون جداً وهناك من تحصّل على كل مقومات السعادة ولكنهم أشقياء جداً، وخرج آخرون بفلسفات أن من ظفر بالحريات التي أطلقتها الرأسمالية هو السعيد، ولكنهم تراجعوا عن أقوالهم فيما بعد بعدما ثبت خلاف ظنهم، فاحتار الفلاسفة والمفكرون في الخروج بتعريف صادق للسعادة، والسبب أنهم جميعهم ينتمون إلى العقيدة النفعية التي ترى في عين النفعية ومن خلال النفعية ما تبحث عنه، والسبب الآخر في اختلافهم وتشتت آرائهم وضلال مقاصدهم، أنهم انطلقوا كذلك من الإيمان بالحريات الأربع، التي تقررت من خلال النظام الرأسمالي، حرية العقيدة، والحرية الشخصية، وحرية التملك، وحرية الرأي والتعبير، وثبت لهم فيما بعد أن تلك الحريات لم تصنع أفرادا سعيدين أو شعوبا سعيدة، ثم استسلموا إلى النسبية، أي بالقول أن السعادة والشقاء أمر نسبي، فلا توجد سعادة مطلقة ولا يوجد شقاء مطلق، ولذا فللإنسان الفرد بعد ذلك أن يسعى ويجتهد قدر استطاعته ليصبح سعيداً، فينهل من السعادة ما يقدر عليه، فباتت الأهداف الثلاثة للإنسان الفرد، الشهرة والمال والجنس، هي أعلى المطالب وأقدسها، أما الأفراد في المجتمع بمجموعهم فسعادتهم تتحقق، كما تصوروا، من خلال الدولة وتحقيق الرخاء والرفاهية في العيش من خلال الحرية والديموقراطية، وبالتالي فبهذه التصورات عن السعادة وبهذه الفلسفة يتقرر سلوك الإنسان وتقرر أفعاله وتصوراته، فإن كانت السعادة في الثراء، فسيسعى الجميع وراء الثراء حتى يحققوا السعادة، وإن كانت في الحب والعشق بات السعي واجبا في ذلك الاتجاه، وإن كانت السعادة في الحرية باتت المطالب والسعي وراء الحرية واجباً حتمياً، وهكذا.

وجاء دور المسلمين اليوم الذين يمتلكون كل مقومات صنع السعادة وموادها وأدواتها، والذين صنعوا السعادة أكثر من اثني عشر قرن من الزمان، باتوا اليوم في حيرة من أمرهم بعدما فقدوا السعادة وفقدوا كيفية تحقيقها وصناعتها كما فعل أسلافهم. لقد فقدوها مع تدني أحوالهم وبعد أن أصبحوا تحت سيادة وسلطان الغرب والشرق، فباتوا يفكرون ويعقلون ويشعرون بعقلية الفلاسفة والمفكرين المستعمرين، والأسوأ من ذلك أنهم باتوا يعيشون بأفكار مزدوجة لا تنتمي للإسلام ولا للغرب، ولا تصنع سعادة ولا تحقق رخاء.

إن صناعة السعادة هي مادة الإسلام وقوة تأثيره، فمن خلال أفكاره ونظامه وأحكامه، ومن خلال امتلاكه مفهوماً محدداً للسعادة، ومن خلال امتلاكه جميع المقومات التي تصنع السعادة، كان الإسلام قادرا ومتفوقا ومتحديا جميع الفلاسفة والعباقرة المفكرين في العالم كله؟

  1. أهمية السعادة لحياة الإنسان
  2. كيف تتقرر المسائل المحققة للسعادة
  3. الأفكار والمفاهيم المختلفة لتحقيق السعادة وأثرها على حياة الناس والمجتمعات
  4. حاجات الإنسان العضوية وغرائزه وعلاقتها بتحقيق السعادة
  5. بناء شخصية الإنسان العقلية والنفسية وأثرها في تحقيق السعادة
  6. الأنظمة التي تقرر علاقات الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأثرها في تحقيق السعادة
  7. الإيمان بصحة الأنظمة وأثرها في تحقيق السعادة
  8. كيف تتحقق السعادة للأفراد والمجتمعات والأمم
  9. اثر الحرية على سعادة الإنسان
  10. هل تتحقق السعادة بشكل فردي أم جماعي

السعادة مطلب وغاية، يسعى لتحقيقها كل البشر بلا استثناء، وهي ضرورة للإنسان ليستطيع العيش مطمئنا وراضيا، وتلزمه السعادة والمطالبة والعيش بها حتى يصل إلى درجة يشعر فيها بالأمن في نفسه وماله وأهله، وإن السعي للفوز بالسعادة سعي محمودٌ وطبيعي، ولا ينكره أحد من البشر، مهما اختلفت أديانهم ومشاربهم وأصولهم وتعددت.

ولكن ما كمية السعادة التي بإمكان الإنسان أن يتحصل عليها، فهل بإستطاعة الإنسان أن يتحصل على كل السعادة بحذافيرها، أو أن هناك درجات من السعادة يصل إليها الساعي لها أكثر من غيره؟ أو أن الحصول على السعادة أو جزء منها مقيدٌ ومشروط؟ وهل بإمكان الإنسان الفرد أن تتحقق له السعادة وهو بعيد ومعزول عن باقي البشر؟ أم أن كمالَ السعادة وتمامها تتحقق في إطار مجتمع أو أمة؟

هذه الأسئلة وغيرها تنير الطريق لمن يبحث عن السعادة، فقد تعرض مفهوم السعادة لتفاسير مختلفة ومتعددة، أضلت الباحثين عن السعادة عن بلوغها، فقد فُسرت السعادة بأنها تحصل عند تمام حصول الإنسان على المتع الجسدية، كالمال والشهرة والجنس، أو غير ذلك من الأشياء المادية كالمأكل والمشرب والمسكن، والثراء والرفاهية والترف، وكل ما تكون قد اجتمعت للإنسان هذه الأشياء ازدادت درجة السعادة على قدر اجتماعها له وتحققت، أي كل ما زادت هذه المتع زادت سعادة الإنسان.

بهذا التصور دارت التفاسير اليوم حول السعادة ومفهومها، دون أن تتناول حاجاتِ الإنسان النفسية والمعنوية الملحّة، ودون أن تعترف في سبيل نوال السعادة بهذه الحاجات أو تحسب لها حسابا، وتعاملت مع الإنسان بصفة فردية وكأنه معزولٌ عن المجتمع والعلاقات الاجتماعية المتشابكة الواسعة، وكأن الإنسان لا يحمل الميلَ والشوقَ إلى علاقات مفعمة بالحب، لكل من يتصل بهم من أمّ وأب، وصاحبة وولد، وأخ وأخت، وعم وعمة، وخال وخالة، وجد وجدة وغيرهم، وكأن الإنسان لا يتوق إلى علاقات كريمة يتبادل فبها الخير مع الناس، ويسودها التعاون والتآخي والترابط. إن الإنسان يتوق إلى علاقات ثابتة ودائمية لا تتغير في جميع الأحوال والظروف والأوقات، أي في السراء والضراء، والخفاء والعلن، ويتوق إلى من يأمنه من الناس ويأمنونه، ويثق فيهم ويثقون فيه.

بالتالي تركزت الدعوة إلى السعادة اليوم على المتع الجسدية فقط، وأهملت ما يحتاجه الإنسان حقيقة ليكون في الحياة سعيداً وراضياً ومطمئناً.

صحيح أن الإنسان الفقير الجائع العاري المشرد ليس سعيداً، وكذلك الإنسان الذي لا يحب الناس ولا يحبونه ولا يحب نفسه ليس سعيداً، حتى ولو كان حاصلاً على كل مقومات الحياة ورفاهيتها، أو ذاك الذي يعيش بدون هدف في الحياة ولا غاية ليس سعيداً، حتى ولو نال كل المتع الجسدية، ومثله الذي يعيش فرداً لا تربطه بهذه الحياة إلا نفسه وشهواته.

الحاجات العضوية:

 يجب أن يتناول تفسير السعادة عدة مسائل ضرورية بشكل واضح وجلي، فالإنسان بطبيعة خلقه لديه حاجات عضوية يجب إشباعها وإلا سيكون معرضا للموت أو المرض، تتمثل هذه الحاجات العضوية في حاجته للمأكل والمشرب والمسكن والملبس والحياة الكريمة بصفته الإنسانية.

ويجب كذلك أن يتناول مفهوم السعادة البحث في مسائل حاجة الإنسان لكيفية التعامل مع نفسه بصفته البشرية، وكيفية التعامل مع غيره من بني الإنسان والبيئة التي حوله، وكيفية التعامل مع خالقه، فالإنسان لديه من الغرائز ما يلزم إشباعها وإلا اضطربت حياته واضطرب عيشه وافتقد بالتالي إلى أهم مقومات السعادة، فالإنسان كل الإنسان يمتلك غريزة البقاء وغريزة النوع وغريزة التدين، فإن لم تجد هذه الغرائز تفسيراً واضحاً ونظاماً ثابتاً لإشباعها وتفسيرا لكيفية إشباعها تعثر نيل السعادة والرضا والطمأنينة في نفسه، وتعثر حصول السعادة. 

وكذا يجب أن يتناول النظر لتحقيق السعادة كل الناس مجتمعين، ولا يُنظر إلى الإنسان بصفته الفردية، فسعادة الإنسان لا تكون له وحده معزولاً عن باقي البشر، فهو مخلوق اجتماعي، والسعادة تتأتى له من خلال العلاقات التي تربطه مع بيئته، فإن كانت علاقاتُه مع بيئته تقوم على الخير وأعمال الخير، وتكون متبادلة وثابتة غير متغيره مع غيره من بني الإنسان، وتكون توافق فطرته وتقنع عقله، كان له ما أراد من نوال السعادة وتمامها.

إذن فسعادة الإنسان لا تكون فردية على الإطلاق، إنما سعادة الناس جميعهم تنعكس على الإنسان الفرد وتجعله سعيداً، فلا يُتصور مثلاً أن يكون صاحب الخلق الرفيع سعيداً إذا عاش بين مجتمع سيء الخلق، أو أن يعيش صاحب الأمانة سعيداً في مجتمع من اللصوص وقطاع الطرق، أو أن يعيش النساءُ والأطفال سعداء آمنين إن كانوا يعيشون في الحرب وتحت القصف، ولا يُتصور أن يعيش أحد الزوجين سعيد أو كلاهما، إن كان لا يحب أحدهما الآخر، ولا يُتصور أن يكون مريضٌ سعيداً لو لم يجد من يعالجه، حتى ولو اجتمعت له كل المتع الجسدية، ولا يُتصور أن يعيش الناس كما في العالم الثالث سعداء وهم جائعون وفقراء ومشردون، بسبب الاحتلال والاستعمار والأنظمة الاقتصادية الرأسمالية وغيرها.

فلا بد أولاً من تعريف السعادة بشكل صحيح، ولا بد من دراسة بناء الإنسان العقلي والنفسي، ومعرفة حاجاته العضوية وغرائزِه، ولا بد من معرفة كيفية تحقيق السعادة عند الأفراد، كما يجب معرفة كيفية تحقيقها في المجتمعات.

انتظروا الجزء الثانى قريبا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى