الأرشيفتقارير وملفات

السيسي الشهير “ببلحة”حول مصر إلى سجن مفتوح.. وعلى واشنطن الانحياز للشعب

عبد الفتاح السيسي أحد الرؤساء المفضلين للرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، على الأقل حتى الأسبوع الماضي قبل أن تقوم وزارة الخارجية باستهداف الجنرال الذي حول بلاده إلى سجن مفتوح بينما لا يزال دعم العم سام للوحشية والديكتاتورية في مصر يشوه سمعة أمريكا. لذا يجب على إدارة «ترامب» أن تتوقف فورا عن مساندتها لديكتاتورية «السيسي».
بدأت واشنطن في تقديم مساعداتها إلى مصر بعد الحرب العالمية الثانية رغم أنها لم تكن قد أصبحت دولة تامة السيادة بعد. ورغم ذلك فإن مصر سرعان ما تحولت إلى الفلك السوفييتي بعد قيام «جمال عبد الناصر» بالإطاحة بالملك الفاسد «فاروق». وقام خليفة «ناصر»، «أنور السادات»، بإبرام اتفاق سلام مع (إسرائيل) وعاد ببلاده إلى فلك الغرب. وبعد اتفاق كامب ديفيد دفعت واشنطن القاهرة للحفاظ على السلام: ونتيجة لذلك فإن مصر تلقت 1.5 مليون دولار من المعونة الأمريكية سنويا. وبعد أن تولى «حسني مبارك» السلطة عام 1981 بعد اغتيال «السادات»، فإنه ظل وكيلا أمريكيا حتى تمت الإطاحة به عام 2011 إبان الربيع العربي.
وكان «مبارك» ضحية لتيارات ديمقراطية متصاعدة، فضلا عن ثورة القوات المسلحة ضد محاولته الاستعاضة عن الحكم العسكري بدكتاتورية عائلية. وجعلت الاحتجاجات الشعبية مهمة الإطاحة به أكثر سهولة. وقد حافظت إدارة «أوباما» على المساعدات للنظام المؤقت في مصر حتى انتخاب «محمد مرسي» المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ومع ذلك، فإن الجيش والشرطة والبيروقراطية ونخبة رجال الأعمال جعلوا البلاد غير قابلة للحكم بالنسبة إلى «مرسي». وقد شجع «السيسي» خصوم «مرسي» على الاحتجاج قبل أن يتدخل ويستجيب لنداءاتهم.
الديكتاتورية الجديدة
وقد شعرت إدارة «أوباما» بالحرج بسبب انقلاب «السيسي» عام 2013، ولم يكن بإمكانها أن تتجاهل وحشية النظام الجديد. على سبيل المثال، قتل الجيش أكثر من 800 متظاهر في ساحة رابعة في القاهرة، وهو عدد أكبر من عدد القتلى في في ميدان تيانانمين الصيني. وردا على ذلك، قطعت واشنطن بعض المساعدات وحجبت بعض الأسلحة، لكنها رفضت وصف ما حدث بالانقلاب على الرغم من أن الجيش اعتقل الرئيس وسجن قادة حزبه وأغلق وسائل الإعلام المستقلة وقتل المحتجين وسجن كل من عارض النظام الجديد إلى درجة أن الحكومة كانت بحاجة إلى بناء 16 سجن جديد. ويبدو أن الرئيس «باراك أوباما» أقنع نفسه بأن قطع مساعداته إلى مصر سوف يعطيه نفوذا لاستعادة الديمقراطية.
لم يكن ذلك الاعتقاد أكثر من سراب. ساهمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في ملأ خزائن القاهرة لإبقاء الدكتاتورية الجديدة تعمل بكفاءة، وتم استئناف المساعدات العسكرية الأمريكية في نهاية المطاف بعد توجيهها إلى أغراض مكافحة الإرهاب. لكن المصريين الذين تحدثت إليهم في زيارتين في عام 2014 اشتكوا من أن القمع كان أسوأ مما كان عليه في عهد «مبارك». وواصل وزير الخارجية «جون كيري» زياراته إلى القاهرة على الرغم من أن المحاكم المصرية كانت تصدر أحكاما جماعية بالإعدام في قضايا كانت تشمل مئات المتهمين. واعتذر «السيسي» أحيانا عن انتهاكات الشرطة، بما في ذلك الاعتداء الجنسي على النساء، ولكن لم يفعل شيئا لوقفها.
ولم يكلف الرئيس «دونالد ترامب» نفسه عناء الاهتمام بحقوق الإنسان. وأثناء اجتماعه مع «السيسي» في أبريل/ نيسان أعلن أن الأخير «قام بعمل رائع في وضع صعب للغاية». وأعلن الرئيس الأمريكي أنه «يدعم بقوة السيسي».
ويعتقد أن القاهرة كانت تحمل قائمة أمنيات كبيرة من واشنطن ما في ذلك زيادة المعونات ورفع القيود المفروضة على المساعدات العسكرية وإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتسليم منتقدي النظام. وعلاوة على ذلك، فسر الرئيس «السيسي» على ما يبدو موقف الرئيس «ترامب» على أنه ضوء أخضر لتصعيد حرب النظام على الشعب المصري. بعد قمة مايو/أيار في السعودية، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن «قوات أمن الدولة قامت باعتقال العشرات من أعضاء أحزاب المعارضة كما قامت بحظر أكثر من 100 موقع إلكتروني ينتقد حكومة السيسي». وقد تم سجن المحامين والناشطين في مجال حقوق الإنسان بسبب تنظيم الاحتجاجات والتحفظ على أموالهم. وقال المحامون والقضاة إن السلطة القضائية مكدسة بموظفين موالين للسيسي.
انتقادات متتالية
لكن الحكومة الأمريكية فهمت منذ فترة طويلة الطابع الوحشي لدكتاتورية «السيسي». وأشار تقرير حقوق الإنسان الأخير الصادر عن الخارجية الأمريكية إلى أن «أهم مشاكل حقوق الإنسان هي الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، وأوجه القصور في الإجراءات القانونية الواجبة، وقمع الحريات المدنية. ويشمل الاستخدام المفرط للقوة عمليات القتل والتعذيب غير المشروعة. وشملت مشكلات الإجراءات القانونية التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري والمحاكمات الجماعية والاعتقال دون أوامر قضائية. وتشمل مشاكل الحريات المدنية القيود المجتمعية والحكومية على حرية التعبير ووسائل الإعلام، وكذلك على حرية التجمع وتكوين الجمعيات.
وجاءت التقييمات الصادرة عن المؤسسات الخاصة سلبية بنفس القدر. وصنفت فريدوم هاوس مصر في ترتيب منخفض على مستوى مؤشر حرية الصحافة. وقالت المنظمة إن أداء مصر سيء على مستوى الحريات المدنية وأسوأ على مستوى الحريات السياسية. وقالت المنظمة أن «الحكومة تضطهد بشكل منهجي أحزاب المعارضة والحركات السياسية»، وأن «الناشطين بمختلف أطيافهم يواجهون الملاحقة الجنائية والسجن».
وعلاوة على ذلك، لا توجد أي رقابة فعالة على السلطة التنفيذية. فالفساد متفشي وتسيطر الرقابة على وسائل الإعلام الحكومية والخاصة التي تدعم «السيسي» والجيش. وقد عانت الحرية الأكاديمية و تم تقييد حرية التجمع وتكوين الجمعيات تقييدا ​​صارما. وأظهرت القضايا القانونية درجة عالية من التسييس في المحاكم، مما يؤدي عادة إلى عقوبات قاسية على الأعداء المتصورين للحكومة. ويواجه منتقدو الحكومة حظر السفر. وعلى الرغم من القمع المتفشي، فإن «الإرهاب مستمر بلا هوادة في شبه جزيرة سيناء، كما ضرب البر الرئيسي المصري، على الرغم من استخدام الحكومة للتكتيكات العدوانية في مكافحته».
وكتبت منظمة العفو الدولية عن استخدام «”الاعتقالات التعسفية الجماعية لقمع المظاهرات والمعارضة». وأشارت هيومان رايتس فيرست إلى «أسوأ قمع حكومي منذ عقود». وقال فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري إن مصر لديها عدد كبير من حالات الاختفاء، وهي الظاهرة التي تصاعدت بسرعة منذ عام 2015.
مرجل دون صمام
ولم تتوقف ديكتاتورية «السيسي» عند سحق المعارضة السياسية. وهي مصممة على استئصال أقل شكوى من النظام. في مطلع أغسطس/آب، حكم على 50 من رجال الشرطة، وهم عادة من جنود القمع الحقيقيين، بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعد تنظيمهم إضرابا ضد ظروف عملهم. ومن المفارقات أنهم اتهموا بالتحريض على العنف وترهيب قوات الأمن.
ترغب كل من واشنطن والقاهرة في تحقيق «الاستقرار» ولكن خنق حتى أكثر الانتقادات تواضعا هو أشبه بتصميم مرجل دون صمام للضغط. و عندما يحدث انفجار لا مفر منه فإنه سوف يحرق كل شيء. على سبيل المثال، في عام 2011، لاحظت دائرة أبحاث الكونغرس أن «الانتفاضة الشعبية في مصر كشفت عن موجة من العداء للولايات المتحدة بسبب العلاقة الأمريكية طويلة الأمد مع نظام مبارك».
حتى الأسبوع الماضي، بدا أن واشنطن تحولت مرة أخرى إلى دعم غير مشروط للنظام الحاكم. وحذرت هيومن رايتس فيرست من أن مصر «تتجه إلى حالة من عدم الاستقرار» حيث تفتقر المعارضة إلى قيادة منظمة ومسؤولة وقد أثببت الخيارات السلمية عدم فاعليتها. وفي أبريل/نيسان، شهدت «ميشيل دان» من مؤسسة كارنيغي أن «انتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي الذي لم يسبق له مثيل والذي تمارسه الحكومة منذ عام 2013 يثير النيران بدلا من أن يخمدها». ونقلت هيومن رايتس فيرست شهادات ناشطين مصريين أشاروا إلى «تطرف السجناء من قبل عناصر تنظيم الدولة».
ويتفاقم تأثير القمع السياسي بفعل الأوضاع الاقتصادية المتردية، خاصة إذا اعتمدت الحكومة اقتراح البرلمان برفض توظيف أي شخص ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. وفي مجتمع تلعب فيه الحكومة دورا اقتصاديا ضخما، فإن ذلك سيترك منتقدي النظام يعانون من الفقر والاضطهاد، والنتيجة ستكون على وجه الخصوص أن الخصوم الشباب سيكونون أقل استعدادا لتقديم تنازلات وأكثر عرضة للجوء إلى العنف.
ورغم كل هذه التحذيرات، يواصل «السيسي» انتهاج سياسة القمع. في وقت سابق من هذا العام شنت الحكومة حربا على المجتمع المدني، وأغلقت المنظمات غير الحكومية التي رصدت انتهاكات الديكتاتورية، ووصل الحظر أيضا إلى المنظمات الغربية.
منذ عام 1948، نقل دافعو الضرائب الأمريكيون نحو 80 مليار دولار إلى مصر. وتبلغ قيمة المعونة حاليا 1.5 مليار دولار سنويا يذهب معظمها إلى الجيش. ومع ذلك، استخدم الجيش المصري، منذ سنوات، الأموال النقدية لشراء معدات عسكرية باهظة الثمن مفيدة لمكافحة الحروب غير الموجودة بدلا من مكافحة الإرهاب المتزايد. وقبل عامين وجد مكتب المحاسبة الحكومي أن وزارة الخارجية «لم تقم بتقييم نتائج المليارات من الدولارات من المساعدات الأمنية لمصر». وأوضحت الوكالة أن «عدم وجود تقييم للمساعدات الأمنية لمصر يثير تساؤلات حول كيفية إسهام 1.3 مليار دولار من التمويل الأمريكي سنويا في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية».
ونحن نعلم أن سخاء واشنطن لا يوفر أي نفوذ. وكان «توم مالينوسكي»، مساعد وزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان في إدارة «أوباما»، قد شهد في أبريل/نيسان: «كانت وظيفتي التحدث مع الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء العالم. ولا بد لي من القول إن اللقاءات مع الحكومة المصرية كانت من بين الأقل إنتاجية». وأضاف «مالينوفسكي» قائلا: «كل ما نحصل عليه هو غضب وإنكار واضح لجميع المشاكل واستنكار لقيام مسؤول أمريكي بطرح مثل هذه القضايا ومطالبات بالمزيد من الأموال».
لكن وزارة الخارجية صدمت الشهر الماضي المسؤولين والمراقبين في كل من القاهرة وواشنطن من خلال إلغاء ما يقرب من 96 مليون دولار كمساعدات وتعليق 195 مليون دولار أخرى. من الناحية العملية، هذه مجرد صفعة على المعصم، فالقاهرة ستحصل على 1.3 مليار دولار من المساعدات الأخرى من الولايات المتحدة وسوف تساعد كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الحفاظ على نظام «السيسي» واقفا على قدميه.
ومع ذلك، فقد عادت حقوق الإنسان إلى قلب المناقشات بين الحكومتين. وقال مسؤول في وزارة الخارجية لصحيفة «واشنطن بوست»: «أردنا أن نبعث برسالة غير مسرورة لعدم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان وقانون المنظمات غير الحكومية». ويشكك بعض المراقبين في أن واشنطن استهدفت الحكومة المصرية لعلاقتها مع كوريا الشمالية التي ترجع إلى أكثر من نصف قرن. ويعتقد أن كوريا الشمالية تستخدم بورسعيد لبيع الأسلحة في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط، وكانت واشنطن قد أثارت القضية من دون نتيجة.
واشتكت وزارة الخارجية المصرية من أن حكومة «السيسي» ترى أن هذا الإجراء يعكس ضعف الحكم على العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين على مدى عقود طويلة واعتماد وجهة نظر تفتقر إلى فهم دقيق لأهمية دعم استقرار مصر، وأن النتيجة قد تكون «عواقب سلبية على المصالح المشتركة للولايات المتحدة ومصر». ومع ذلك، اجتمع «السيسي» مع وفد برئاسة صهر ترامب «غاريد كوشنر» كما كان مخططا، وأعرب عن «حرصه على مواصلة العمل على تعزيز العلاقات متعددة الأوجه التي تربط البلدين واتخاذ الخطوات لتعزيز العلاقات المصرية الأمريكية».
حرب مع شعبه
لا تستطيع واشنطن أن تعيد تشكيل العالم، ولكن يجب أن تتقيد سياسها ببعض الاعتبارات الأخلاقية. على الأقل، يجب على الولايات المتحدة أن ترفض احتضان النظم القمعية دون مبررات مقنعة. ولا يوجد أي مبرر لاحتضان نظام «السيسي» اليوم. ولا تحتاج القاهرة إلى رشوة للتخلي عن الحرب مع (إسرائيل، وربما يكون الإرهاب مشكلة متزايدة، ولكن الأموال والأسلحة الأمريكية ليست الحل.
والأسوأ من ذلك أن النظام في حالة حرب مع الشعب الذي يحكمه. وقد دفع «السيسي» المعارضة تحت الأرض تاركا العنف كسبيل وحيد للمعارضة. واليوم تعرف الولايات المتحدة بدعمها لنظام وحشي يقتل بلا قانون ويسجن بلا ضوابط ويراقب بلا هوادة ويثري نفسه بلا خجل.
وتبدو مسؤولية الديكتاتور واضحة بلا لبس. ولاحظت «دن» أنه «عندما سيطر السيسي على مصر في عام 2013، لم يكن هناك تمرد ملحوظ قبل أن يقوم الجنرال باستهداف الآلاف في عمليات القتل خارج نطاق القانون، واحتجاز عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، ومئات حالات الاختفاء القسري». ومنذ ذلك الحين قتل المئات في هجمات إرهابية سنويا بما في ذلك التفجيرات الانتحارية الأخيرة واستهداف المسيحيين، ودخلت البلاد في حالة اقتصادية مزرية. مصر لديها كل هذه المشاكل الآن، جنبا إلى جنب مع الاستقطاب الاجتماعي القوي والقابلية الشديدة لانتشار التطرف.
إذا كان «السيسي»، مثل فرعون حديث، يستطيع البقاء في مثل هذا الوضع، فإن خفض الدعم الأمريكي لن يقوض نظامه أو ينهي انتهاكاته. ولكن يجب على واشنطن أن تأخذ جانب شعب مصر بدلا من حكامها. على المدى الطويل ربما يساعد ذلك في تعزيز الاستقرار والديمقراطية.
المصدر
 دوغ باندو – فوربس
ترجمة فتحي التريكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى