الأرشيفتقارير وملفات

“الشدة المستنصرية” عندما اكل الناس بعضهم في مصر … اسوأ مجاعه في تاريخ مصر

هل يعيد التاريخ نفسة فى ظل حكم العاصى”عبد الفتاح السيسى”

إنه ما من شرٍّ في العالم ، ولا فساد ، ولا نقص ديني ، أو دنيوي إلا وسببه معاصي الحكام والشعوب ، والمخالفات ، كما أنه ما من خيرٍ في العالم ، ولا نعمة دينية ، أو دنيوية  إلا وسببها طاعة الله تعالى، وإقامة دينه.

أن المعاصي لها تأثير على واقع حياتهم ، وسبُل رزقهم , ومما يدل على ذلك .. أن هؤلاء العقلاء يوصون باجتناب الظلم ؛ لما يعلمون من سرعة تعجيل عقابه , بل حتى العرب قبل الإسلام كانوا يحذرون عاقبة بعض المعاصي، كالبغي ، والغدر، والظلم .

ولله المثل الأعلى ، فهو سبحانه وتعالى ينبِّه عباده إلى الرجوع إليه ، والتوبة ، بمثل هذه السنن ، كالجفاف ، وتأخر المطر ، وضيق الرزق ، ليرجعوا إليه ، ويتركوا ما هم عليه من معاصٍ وآثام ، ولو حصل شيء من الرزق من السماء .. فلأجل البهائم ! كما مرَّ في الحديث قال الله -تعالى-: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [سورة الإسراء: 16].

الشدة-المستنصرية1

اسوأ مجاعه في تاريخ مصر

مرت على مصر العديد من الأزمنة السوداء، وذاقت مصر صنوف المعاناة المتعددة على مر العصور حتى ظن أهل كل عصر إنهم يعيشون في العصر الأكثر قساوة وإنهم قد اقتربوا من نهاية الزمان. ذكر بعض المؤرخون أن عمر الدولة المصرية خمسة آلاف عام وابتعد البعض قليلا بقطار الزمان وقالوا إن عمرها سبعة آلاف عام، إلا إن البعض الأخر قد اختار الأبعد وقيل إن عمرها خمسة وعشرين ألف عام أي أن عمرها قد بدأ تاريخه منذ نهاية العصر الجليدي وقبيل بداية التصحر الذميم.

المقصود بعمر الدولة تاريخيًا هو عمر الإنسان المصري الذي ظل شاهدًا على مختلف الظروف الرحبة والضيقة في تاريخ هذه البلاد العتيقة، يذكر التاريخ المصري أن ما من كارثة عرفها العالم إلا وقد مرت على مصر بالرغم من انتشار عصور الازدهار لفترات كبيرة في تاريخها الممدود. إن التاريخ المصري هو عبارة عن سلسة متلاحقة تتبع كل حلقة ازدهار فيها حلقة أخرى من الاضمحلال، وهذا ليس بالعجيب في دولة امتد تاريخها لآلاف السنوات. إلا إن أكثر الكوارث فتكًا واعتاها قساوة وأبشعها صورًا كانت الشدة المستنصرية التي ضربت مصر في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.

لم يعرف التاريخ المصري ولم يشهد الإنسان المصري ما هو أبشع منها، لقد كانت الشدة المستنصرية سابقة في تاريخ المحروسة لم تشهدها من قبل ولم تشهد مثلها منذ انتهاءها وحتى الآن. انخفض منسوب المياة وجفت الأراضي الزراعية، مات النبات وهلك الحرث والنسل، فقد الناس أعمالهم وفقدت الأموال قيمتها، شح الرزق وخابت الأماني وظن الناس أن الساعة كادت أن تقوم.

قد يظن البعض أن المستنصر كان ظالمًا، طالما حوت فترة حكمه شدة كالشدة المستنصرية فقد يكون الظلم سببًا منطقيًا لمثل هذه الشدائد، بل إنه هو السبب الذي يتبادر سريعًا إلى أذهان الناس. إلا أن المستنصر كان على العكس تمامًا، فلقد كان حاكمًا عادلًا حسن السيرة محبوب من رعيته، حيث كانت لهذه الشدة أسبابًا مختلفة عن الظلم.

الشدة-المستنصرية

المستنصر بالله

إنه أبو تميم معد المستنصر بالله الفاطمي الذي يمتد نسبه إلى الإمام علي ابن أبي طالب. وُلد المستنصر في سنة (٤٢٠ هجريًا) وقد أصبح وليًا للعهد في العام (٤٢١ هجريًا) وهو ابن الثمانية أشهر. تسلم المستنصر أمور الحكم في العام (٤٢٧ هجريا) وهو ابن السابعة. ونظرًا لحداثة سنه وتعاظم شئون الحكم عليه، أصبحت أمه واصية عليه واستبدت بزمام الحكم حتى يبلغ أشده ويستطيع أن يتولى أمور الدولة. إلا إن فترة الوصاية هذه قد طالت كثيرًا وامتدت إلى أزمان أبعد من المرجوة، فلقد كانت أمه تتدخل في شئون الحكم حتى بعد توليه أمور الدولة بشكل كامل وكان لهذا تأثيرًا عظيمًا على الدولة وكان أيضًا أحد أسباب الشدة المفزعة.

عاشت مصر في بداية عهد المستنصر في رخاء شديد وشهد الاقتصاد المصري ازدهارًا واسعًا لم تشهده منذ أزمنة بعيدة. ذَكر التاريخ أن أبواب القصر كانت مفتوحة للعامة والأدوية الموجودة داخل القصر كانت توزع على العامة بالمجان، ظل الحال هكذا حتى حدث ما لا يحمد عقباه وتعاقبت الأحداث العظام المسببة للشدة المستنصرية التي ذهبت بعظمة الدولة أدراج الرياح.

توفي المستنصر في العام (٤٨٧ هجريًا) عن عمر يناهز السبع وستون سنة بعد أن دامت فترة خلافته لفترة تجاوزت الستين سنة. رحل المستنصر بما له وما عليه تاركا لنا ذكرى شنيعة لا يذكرها المصريون إلا بكل مقت وغضب وكره وألم رَسُخ في نفوس المصريين حتى أصبحوا يتوارثوه جينيًا جيلًا بعد جيل. رحل بعد أن خُطب له من على كافة المنابر من المحيط الأطلسي غربًا إلى البحر الأحمر واليمن والحجاز وبغداد والموصل وقد كتب على خاتمه هذه العبارة الرنانة (بنصر السميع العليم ينتصر الإمام أبو تميم).

الأزمات الاقتصادية في عهده

لم تكن الشدة المستنصرية هي الأزمة الاقتصادية الأولى التي ضربت مصر في عهد المستنصر بل سبقها إحدى الأزمات الشديدة. كانت من التقاليد المتعارف عليها لإدارة شئون البلاد هو أن يقوم الخليفة بشراء غلة بقيمة مائة ألف دينار سنويًا حتى يستطيع أن يسيطر على الأسواق وأسعار السلع. يستطيع الخليفة بهذه المؤن المخزنة أن يواجه جشع التجار بالمنافسة ويحارب الاحتكار بوفرة الموارد لديه، وظلت هذه العادة قائمة لسنوات طويلة حتى أصبحت غير ذات جدوى لأن الأمور استقامت والأسعار أضحت بخسة وأشار عليه الوزير (أبي محمد على البازوي) بأنه لا داعي لشراء هذه الغلة. لقلة حنكة الخليفة وعدم امتلاكه لرؤية ثاقبة وبصيرة لامعة انصاع لنصائح وزيره الغشيم حتى حدث ما لم يحمد عقباه.

في العام (٤٤٤ هجريًا) أصابت الأقدار غير المحمودة مصر، حيث انخفض منسوب المياه اللازمة للزراعة فشحت الغلة وارتفعت الأسعار. وما زاد الطين بله أن التجار قد ازداد جشعهم لاستغلال المواقف العصيبة، فلقد سارع التجار لتجويع السوق وتخزين الغلال ولم يعد هناك ملجأ سوي الغلة المخزنة في المخازن السلطانية التي لم يعد الخليفة يشتريها. ولكي يصلح الوزير ما قام بتخريبه قام بمصادرة القمح من مخارن التجار وأودعها في المخازن السلطانية كما قام الخليفة بالتفاوض مع ملك الروم (قسطنطين التاسع) لاستيراد اربعمائة ألف أردب من القمح لكن هذه الصفقة لم تتم بسبب وفاة الملك. ظلت الأزمة لمدة عشرين شهرًا حتى منّ الله على مصر ففاض نيلها وعادت الأوضاع إلى حالها الأول وارتوت الأراضي ونبت الزرع من جديد فأفاض الله بخيره على أهل المحروسة كعادته دائمًا.

الشدة المستنصرية العظمى

كان الفصل الثاني من الأزمات الاقتصادية في عهد المستنصر هو الأكثر بطشًا حيث أن الشدة المستنصرية قد بدأت في العام (٤٥٧ هجريًا) واستمرت لسبع سنين عجاف. كان سبب الشدة الرئيسي هو انخفاض منسوب المياه ولكن ما جعلها أعتى أزمة مرت بها مصر هو أسبابها المتعددة والمعقدة. كان السبب الأول هو تدخل (أم) المستنصر تدخلًا فجًا في أمور الحكم، فأصبح منصب وزير الدولة يعطى لمن تريد دون سواه وتعاقب الوزراء عليه حتى إن التاريخ يذكرنا أن الحال قد وصل في فترة من الفترات بتبديل الوزير اسبوعيًا وأحيانًا يوميًا! وهو ما أدى بالضرورة إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد.

واشتد القحط والوباء؛ فأكلوا الجيف والميتات، وأفنيت الدواب، ولم يبق لخليفة مصر سوى ثلاثة خيول بعد العدد الكثير، ونزل الوزير يومًا عن بغلته، فغفل الغلام عنها؛ لضعفه من الجوع، فأخذها ثلاثة نفر وذبحوها وأكلوها، فقبض عليهم، ثم صلبوا، فاغتنم الجياع ستار الليل فهجموا على جثث المصلوبين وأكلوا لحومهم ولم يبق إلا عظامهم.

وقبض على رجل كان يقتل النساء والصبيان ويبيع لحومهم ويدفن رؤوسهم وأطرافهم، فقتل، واشتد الغلاء والوباء حتى أن أهل البيت كانوا يموتون في ليلة واحدة، وكان يموت كل يوم على الأقل ألف نفس، ثم ارتفع العدد إلى عشرة آلاف، وفي يوم مات ثمانية عشرة ألفا، وكان “المستنصر” يتحمل نفقات تكفين عشرين ألفًا على حسابه، حتى فني ثلث أهل مصر، وقيل أنه مات مليون وستمائة ألف نفس، ونزلت الجند لزراعة الأرض بعد أن هلك الفلاحون، وخلت القرى من سكانها، وخربت ضواحي: الفسطاط – العسكر، والقطائع، وتحولت إلى أطلال خربة.

ولم يكن الخليفة – المستنصر– بمنأى عن تلك المجاعة التي عصفت بمصر، فاضطر أن يبيع كل ما في قصره من ثياب وأثاث وسلاح، وصار يجلس على حصير، وتعطلت دواوينه وذهب وقاره، وكانت إحدى السيدات تتعطف عليه برغيفين كل يوم، ويقال إن أمه وبناته حاولن الفرار إلى بغداد بسب الجوع والفقر.

فاشتد به الجزع والفزع، لما أصاب الرعية، واستدعى والي القاهرة، وشدد عليه بأن يتخذ التدابير اللازمة كي تخرج الغلال إلى الأسواق وإلا فصل رأسه عن جسده.

وكان الوالي ماكرًا، وزاده الحرص على حياته مكرًا ودهاء، فخرج في الحال، واستدعى جماعة من المجرمين المحكوم عليهم بالسجن سنوات طوالًا، وألبسهم ملابس التجار الأثرياء، وحجزهم في غرفة من داره، ثم أرسل فاستدعى تجار الغلال في القاهرة والفسطاط، فلما تكامل عددهم أمر حاجبه (مساعده) فأحضر واحدا من المجرمين.

وفاجأه الوالي بقوله: “ألم يكفك أيها التاجر أن عصيت أمر مولانا الخليفة حتى حبست الغلال ومنعتها عن الأسواق وتسببت في هذه المجاعة التي كادت تودي بالشعب؟” وقبل أن يفيق الرجل من ذهوله وقبل أن يفتح فمه بكلمة للدفاع عن نفسه كان السياف قد أطاح برأسه، وفعل نفس الحيلة مع مجرم آخر. وهنا علت وجوه التجار صفرة الموت! فخروا راكعين متوسلين العفو عنهم على أن يخرجوا ما في مخازنهم من قمح ودقيق إلى الأسواق، ويبيعوا رطل الخبز بدرهم واحد، ولكن الوالي لم يقبل وطلب إليهم أن يكتفوا بدرهم واحد ثمنًا لرطلين، فأعلنوا موافقتهم على طلبه وفي ساعات قليلة كانت الأسواق قد امتلأت بالقمح والخبز والدقيق، ووقف الباعة أمام حوانيتهم ينادون على الخبز كل رطلين بدرهم، وانفرجت الأزمة جزئيًا.

إلى أن كانت الانفراجة الكبرى لتلك المحنة عام 465 هجريًا، عندما عاد النيل إلى معدله المعتاد، وأخذت الحياة تتجدد في شرايين البلاد.

سنين عجاف

لم يعرف المصريين سنين عجاف كهذه السبعة التي أذلتهم، لم تعد هناك حياة كما يعرفها البشر فلقد فقد المصريين الغلة والقمح واللحوم وغيرها من صنوف الطعام. كانت الشدة المستنصرية ضربًا من ضروب الخيال التي يعجز العقل البشري عن تصديقها، فلقد أكل المصريين الميتات والجيف حتى أصبحت الكلاب والقطط تباع بأسعار باهظة لا يقوي عليها إلا كل ثري. وبعد فترة ليست بكبيرة اختفت الكلاب والقطط من الشوارع، أما عن سعر رغيف الخبز فلقد بلغ خمسة عشر دينارًا وثمن البيضة الواحدة من بيض الدجاج عشرة قراريط أما رواية الماء فقد بلغت سعرها دينارًا.

قد يعجز العقل عن تصديق هذه الأهوال ولكن أصبحت الأملاك كافة غير قادرة على شراء الموارد التي أصابتها الندرة وهو مبدأ اقتصادي معروف. ذٌكر في التاريخ أن وزير الدولة ذهب في التحقيق في إحدى الوقائع وعندما خرج لم يجد بغلته فلقد خطفها الناس وأكلوها، أما الطامة الكبري فهي أن الناس بدأت تأكل بعضها البعض.

ولأول مرة في تاريخ المحروسة أكل المصريون بعضهم، بدأت هذه الفاجعة بعد حدوث واقعة سرقة بغلة الوزير، فلقد ألقى الوزير القبض على ثلاثة ممن أكلوا بغلته وقام بصلبهم وعند الصبيحة لم يتبق من هذه الأجساد سوي العظام حيث التهم الناس لحومهم من شدة الجوع. وذٌكر أن هنالك زقاق يسمي بزقاق القتل كانت المنازل فيه منخفضة فعمل سكانها على إنزال الخطاطيف يصطادون بها المارة ومن ثم أكلهم. وصل الناس إلى درجة بيع كل ممتلكاتهم من أجل الحصول على الطعام فلم تعد للأموال فائدة أمام نُدرة الموارد، فلقد ذُكر أن النساء كُن يبعن مجوهراتهن الثمينة من أجل الحصول على قليل القليل من الطعام.

واقعة المرأة

كانت هناك واقعة شهيرة ذكرها لنا هذا التاريخ الأسود عن امرأة باعت عقدًا ثمينًا لها قيمته بحدود الألف دينار لتحصل على القليل من الدقيق لكن الناس نهبوه منها وهي في طريقها إلى المنزل ولم يتبق لها من الدقيق سوى ما يكفي لخبز رغيف واحد، فأخذت هذا الرغيف ووقفت على مكان مرتفع وصاحت بأعلى صوتها “يا أهل القاهرة ادعوا لمولانا”

عقاب السماء العادل

شاءت الأقدار أن لا تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية. وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة (457هـ – 464هـ / 1065م – 1071م) [*]، وسببها ضعف الخلافة واختلال أحوال المملكة واستيلاء الأمراء على الدولة، واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل، فزادات الغلاء وأعقبه الوباء، حتى تعطلت الأرض عن الزراعة، شمل الخوف وخيفت السبل برًا وبحرًا.

وقد تخلل تلك المجاعة أعمال السلب والنهب وعمت الفوضى، واشتدت تلك المجاعة حتى لم يجد فيها الناس شيئا يأكلوه فأكلوا الميتة والبغال والحمير، وبيع رغيف الخبز الواحد بخمسين دينارًا.

وذكر ابن إياس من العجائب التي لا يصدقها عقل زمن تلك المجاعة، ومنها: أن الناس أكلوا الكلاب والقطط، وكان ثمن الكلب الواحد خمسة دنانير والقط ثلاثة، وقيل كان الكلب يدخل البيت فيأكل الطفل الصغير وأبواه ينظران إليه فلا يستطيعان النهوض لدفعه عن ولدهما من شدة الجوع والضعف، ثم اشتد الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله ولا ينكر ذلك عليه أحد من الناس، وصار الناس في الطرقات إذا قوى القوى على الضعيف يذبحه ويأكله.

وذكر كذلك أن طائفة من الناس جلسوا فوق أسقف البيوت وصنعوا الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، فإذا صار عندهم ذبحوه في الحال وأكلوه بعظامه.

وصلت الأزمة إلى المستنصر نفسه، فلم يعد هناك في حظيرته من الدواب شيء وباع رخام قبور آباءه وأجداده من أجل الحصول على الطعام ووصل الحال إنه أصبح مدينا بحياته لأبنة أحد الفقهاء التي اطعمته تصدُقا برغيفين يوميا. مات ثلث سكان المحروسة وبيعت بيوت ثمينة لشراء أرغفة العيش وطحنت المجاعة بالشعب أكثر وأكثر حتى وصل السيل الزبى. لم يستطع الخليفة التحمل أكثر، لذلك طلب يد العون من (بدر ابن عبد الله الجمالي) بعد أن فقد العديد من البلدان التي كانت تحت ملكه وانخفضت عدد المدن بعد أن انفصلت العشرات.

انتهاء الأزمة

انتهت الشدة المستنصرية على يد (الجمالي) الذي اشترط أن يأتي برجاله وأن يفرض سلطته وأن يعيد الأمور إلى نصابها بقوة السلاح وهو ما وافق عليه المستنصر. بعد أن عُين (الجمالي) وزيرًا للدولة عمل على إصلاح نظام الري وقنوات الري التي فسدت وبالتالي اهتم بالزراعة بعد أن قام بمحاربة الجند المتناحرة وطردهم من المحروسة. جعل المحصول كله للفلاحين أول ثلاث سنوات ثم سيجبي في السنة الرابعة.

عُرف عن (الجمالي) إنه كان رجلًا عادلًا مد يده إلى الدولة الفاطمية ونفض من فوقها تراكمات الزمن العصيب وأفاقها من كبوتها. منَّ الله أخيرًا وبعد سبع سنوات عجاف على مصر بأن فاض نهر النيل من جديد وانقشعت هذه الغمة. خلد المصريين ذكرى الوزير (الجمالي) بأن أطلقوا اسمه على أحد أشهر المناطق والأحياء الخالدة في المحروسة وهو حي (الجمالية).

تلك المجاعة ترجع في أسبابها إلى عاملين:

الأول: العوامل الطبيعة وتتمثل في نقص الفيضان ومنسوب مياه النيل، وكانت العامل الرئيسي في اندلاع الأزمة مثال الآن “سد النهضة الأثيوبى“.

الثاني: فساد اخلاق المصريين والجشع والطمع من التجار فلو تعاطف هؤلاء في تلك المحنة مع ما تتعرض له البلاد لكان من شأن ذلك أن يغير من الآثار السلبية لتلك المجاعة ولكنهم نظروا إلى الموضوع من منطلق الأنانية. ولو ساهموا في بداية المجاعة مثلما ساهموا في نهايتها لانقلبت الأوضاع رأسًا على عقب، ولكن أمر الله قد نفذ، ليقضي الله في النهاية أمرًا كان مفعولَا.

هل يعيد التاريخ نفسه فى عصر الخائن عبد الفتاح السيسى وصمت غالبية الشعب على المجازر، والآلاف من الأبرياء  فى السجون وشنق المظلومين .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى