تقارير وملفات إضافية

الطائرات هي السبب الأول لتفشي كورونا.. وقد يكون لها بديل لا ينقل العدوى ويمنع انهيار العولمة

تعرّضت العولمة، التي تربط بين البشر حالياً بشكل غير مسبوق لهجومٍ من الشعبويين والإرهابيين وجنود التجارة ونشطاء المناخ، والآن أصبحت العولمة مهددة بفيروس كورونا.

فبعد أن صارت العولمة هدفاً سهلاً لتحميلها مسؤولية غالبية الأمور التي تُزعِجنا، حان دور فيروس كورونا، ليضيف تهديداً جديداً للعولمة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.

 إذ يقول المُحلِّلون والخبراء إنّ انتشار كورونا قد يُمثِّل لحظةً حاسمة في النقاشات المُحتدمة حول مدى اندماج العالم أو انفصاله.

قبل وصول الفيروس إلى أوروبا، أدّى تغيُّر المناخ والمخاوف الأمنية والشكاوى من التجارة غير العادلة إلى زيادة حدة المخاوف المُتعلّقة بالسفر الجوي العالمي وسلاسل التوريد الصناعية المُعولمة، علاوةً على تعزيز الشكوك حول إمكانية الاعتماد على الصين بوصفها شريكاً.

ووجّه الفيروس بالفعل ضربةً أخرى للاقتصادات المُتباطئة. كما شجّع الشعبويين على إحياء دعواتهم المشوبة بالعنصرية وكراهية الأجانب، من أجل تشديد الضوابط على المُهاجرين والسياح وحتى الشركات متعددة الجنسيات.

وربما يكون الفيروس مختلفاً عن كل تحديات العولمة، السياسية منها والأيديولوجية.

وقال إيفان فيجفودا، زميل معهد أبحاث Institute for Human Sciences في فيينا: “ننسى دائماً أنّنا تحت رحمة الطبيعة، إذ نجتاز المراحل الصعبة ثم ننساها ونمضي في طريقنا. لكنّ هذا الفيروس أثار الكثير من الأسئلة حول ترابط عالمنا الذي بنيناه، فالسفر الجوي وسلاسل التوريد العالمية جميعها مُرتبطة”.

ومع انتشار الفيروس إلى أوروبا وما وراءها، قال فيجفودا إنّ ذلك “سيجعل الصين تبدو أكثر هشاشة، ويزيد الشكوك حول إمكانية الاعتماد على بكين بوصفها مصنع العالم”.

في حين قال روبن نيبليت، مُدير معهد أبحاث Chatham House في لندن، “إنّ الانتشار السريع للفيروس في آسيا يُمثّل القشة الجديدة التي قد تقصم ظهر العولمة”.

فضلاً عن أنّ التوتّرات السياسية بين الولايات المتحدة والصين حول التجارة، إلى جانب المخاوف بشأن تغيُّر المناخ، أثارت تساؤلات حول منطق وتكلفة شحن القطع من دولةٍ لأخرى، واحتمالية فرض ضرائب الكربون على الحدود.

وإلى جانب خطورة سلسلة التوريد المُعرّضة لخطر تفشّي فيروس كورونا، أو نقاط ضعف الصين ذات الاستبداد المُتزايد، قال نيبليت: “إذا كُنت تمتلك شركة فعليك التفكير مرتين قبل تعريض نفسك لتلك المخاطر”.

ومع استخدام المزيد من الدول للعقوبات والاعتماد الاقتصادي المُتبادل الآن تحديداً “بوصفهما شكلاً جديداً من أشكال الدبلوماسية القسرية، فإنّ ذلك يُضيف إلى أسباب كراهية المخاطرة المُتعلّقة بالعولمة”.

عولمة المرض ليست أمراً جديداً، بحسب ما أوضحه غونترام وولف، مُدير معهد Bruegel للأبحاث الاقتصادية في بروكسل، إذ استشهد بالوفيات الهائلة التي أعقبت وصول الأوروبيين إلى أمريكا، أو الطاعون الذي كان كرنفال البندقية المُلغى يحتفي بذكراه.

وأردف: “المُختلف الآن هو أنّ الأشياء تنتشر بسرعةٍ أكبر في وجود الطائرات”. ورد الفعل الفوري هو التراجع وإقامة المتاريس: “لقد شهدنا بالفعل تراجعاً كبيراً في أعداد رحلات الطيران”.

بدأ المواطنون الواعون مناخياً بالتشجيع على وقف السفر الجوي الاختياري، خاصةً في وجود التقنيات الرقمية التي تسمح بالمشاركة ونقل المعلومات عن بُعد.

وقال وولف: “ربما يتساءل البعض حول ما إذا كُنّا قد اجتزنا ذروة طفرة السفر الجوي. ويتساءل الكثيرون حول ما إذا كانت هناك حاجةٌ فعلية للسفر جواً يومياً إلى كافة أنحاء العالم”.

وبطريقةٍ ما، يُؤكّد الفيروس على خلل العولمة. 

قبل تفشي كورونا، بدا أن سلاسل توريد القطاع الخاص فعّالةً للغاية. والسفر الجوي شامل ولا يتوقّف، لذا فإنّ القطاع الخاص يتحرّك باستمرارٍ حول العالم.

ولكن أيّ ردٍّ مُنسّق من الحكومات سيكون ضعيفاً وغير منظم عادةً، سواءً فيما يتعلّق بتغيّر المناخ أو الصحة أو التجارة، إذ تتعرّض محاولات تعزيز الجهود العامة المُعولمة لهجومٍ من القوميين والشعبويين باعتبارها انتهاكاً للسيادة.

ولا تستطيع الحكومات فعل الكثير لإلغاء تجميد سلاسل التوريد، فضلاً عن أنّ غالبية حكومات أوروبا لا تمتلك المرونة المالية لضخّ المزيد من الأموال الضخمة إلى الاقتصاد.

وتتفق تيريزا فالون، مُديرة مركز أبحاث Center for Russia Europe Asia Studies، على أنّ الموقف السلبي في مُجمله سيكون موجّهاً نحو الصين.

وعادت تيريزا مؤخراً من ميلان، حيث يتحقّق المسؤولون من درجات حرارة المُسافرين، ويتوخّى الأطباء الحذر أثناء الزيارات، ويبقى السكان المحليون على مسافةٍ واضحة من السياح الصينيين.

وقالت: “كان نمو الصين قصةً إيجابية طويلة، لكنّ الأمور بدأت تنقلب الآن”، وخاصةً في ظل ظهور المرض بوصفه “نوعاً من البجع الأسود الذي يُؤكّد على مدى اختلاف الصين”.

وأردفت أنّ العديد من الشركات “تُعيد التفكير في وضعها كل البيض داخل سلة الصين”، خاصةً في أعقاب تبخُّر الآمال بتحوّل الصين إلى بلدٍ أشبه بالغرب.

وتابعت قائلةً إنّنا “نشهد المزيد من المركزية وفقدان الثقة في الصين” من ناحية إحصاءاتها وقدرتها على إدارة الأزمات. وتجلّى ذلك بالتزامن مع محاولة زعماء الصين التأثير على ما سمّوه “إدارة الخطاب” مع المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، في محاولةٍ للتقليل من خطر الوباء.

وتتجاوز أزمة الثقة في الصين قدرتها على التعامل مع الفيروس بحسب سيمون تيلفورد، مُدير مؤسسة أبحاث Forum New Economy في برلين.

إذ إنّ انعدام الثقة “سيزيد من الموجة السائدة حالياً بين الشركات لتقليل الاعتماد والمخاطر”.

لكن تيلفورد أضاف أنّ انتشار الفيروس في أوروبا سيكون له تأثيرٌ واضح على السياسات، ومن المحتمل أن يمنح دفعةً لليمين المُتشدّد المُناهض للعولمة والهجرة: “نحن نشهد بالفعل الكثير من المخاوف الشعبوية حيال مزايا العولمة على أنّها تُفيد الشركات مُتعدّدة الجنسيات والنخب والأجانب، وليس السكان والشركات المحلية”.

وسيتمتّع الساسة الذي يُصرون على التحكُّم في الحدود والهجرة بدعمٍ كبير، رغم أنّ الفيروس يجتاز الحدود بسهولة.

وأردف تيلفورد: “ستكون حجتهم هي أنّ النظام الحالي يفرض تهديدات اقتصادية وصحية وأمنية في الوقت ذاته، وهي تهديداتٌ وجودية، وأنّنا لا نستطيع تحمُّل الانفتاح بهذه الدرجة لإرضاء الشركات الكُبرى”.

وربما تجذب هذه الحُجة الناخبين “الذين يكرهون العنصرية العلنية ولكنّهم يخشون فقدان السيطرة، أو المنظومة المُعرّضة للخطر في جزءٍ بعيدٍ من العالم”.

ولا شكّ أنّ الجميع يتّفق على وجود التأثير العرقي للفيروس، رغم أنّه لا يزال تأثيراً بسيطاً.

وقال ستيفانو ستيفانيني، الدبلوماسي الإيطالي السابق: “الأمر يختلف دائماً حين يحدث في منطقتك وبين أشخاصٍ يُشبهونك. فحين يحدث ذلك في الدنمارك أو إسبانيا أو إيطاليا، تشعر أنّ ذلك يحدث بين أشخاصٍ يُشاركونك نفس أسلوب حياتك، فسترى الأمر وكأنّه يحدث لك”.

لكن تيلفورد قال إنّ الفيروس يسمح للناس بالتعبير عن مشاعر العداء تجاه الصينيين، التي ربما كانوا مُتردّدين في التعبير عنها من قبل، رغم شعورهم بها: “هناك بالفعل اتجاهٌ خفي للخوف من الصين في أوروبا والولايات المتحدة لأنّها تُمثِّل تحدّياً للهيمنة الغربية”.

وأُثيرت هذه المخاوف من خلال حملة إدارة ترامب ضد شركة Huawei، عملاقة الاتصالات الصينية، فضلاً عن التقارير حول القمع والرقابة الصينية من خلال استخدام التكنولوجيا المُتطوّرة.

وأبلغ الكثير من الصينيين الذين يعيشون في الغرب أو يُسافرون إليه عن ارتفاعٍ سريع في نسبة المضايقات وتجنُّبهم في الأماكن العامة ووسائل المواصلات. وأوضح تيلفورد: “هذه دلالةٌ على مدى قرب تلك المشاعر من السطح”.

وتُشارك وسائل الإعلام أيضاً في هذا الشعور بالبُعد والاختلاف الثقافي، بحسب ستيفانيني وتيلفورد.

إذ أشار ستيفانيني إلى نقاشات وزارة الخارجية الإيطالية حول ما إذا كان يجب إرسال برقيات تعزية، نظراً لأعداد الوفيات وبُعد مسافتها.

وقال تيلفورد: “تحصل الأحداث التي تقع في أستراليا على تغطيةٍ شاملة، لكن الفيضانات والوفيات الهائلة في بنغلاديش لا تُذكر تقريباً”. وأردف أنّ تفشّي الفيروس في الصين “يبدو بعيداً جغرافياً وثقافياً، مع لمسةٍ من العنصرية، وكأنّنا ننظر للأرواح المفقودة بمقاييس مُختلفة”.

في حين أعرب عالم الاجتماع الإيطالي إيلفو ديامينتي عن مخاوف أكثر فلسفية. إذ كتب في صحيفة La Repubblica الإيطالية، يوم الإثنين الـ24 من فبراير/شباط، أنّ وصول الفيروس إلى إيطاليا “أثار الكثير من التساؤلات حول قناعاتنا، لأنّه يزيد تعقيدات الأنظمة الدفاعية في مواجهة التهديدات الأمنية، فضلاً عن أنّه يجعلها تبدو غير ضرورية. لم تعُد هناك حدود لا يُمكن اختراقها في العالم”.

وكتب ديامينتي أنّ مكافحة الفيروس تتطلّب من “المرء أن يُدافع عن نفسه ضد العالم”، ويختبئ في منزله، ويُغلق التلفاز والإذاعة والإنترنت: “سيتعيّن علينا أن نموت بمفردنا، حتى لا نموت بسبب عدوى من الآخرين أو نصير من ناقلي الفيروس. وهذا خطرٌ أكبر من خطر فيروس كورونا في حدّ ذاته”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى