كتاب وادباء

العدل دولة …… والظلم جولة ….!

 العدل   دولة …… والظلم  جولة ….!

بقلم الأديب والمحلل السياسى 

السعيد الخميسى

السعيد الخميسى 

·       من الحكم المأثورة للشيخ الراحل عبد الحميد كشك رحمه الله أنه قال “إذا احتكمت دولتان صغيرتان إلى هيئة الأمم المتحدة ضاعت الدولتان الصغيرتان معاً، وإذا احتكمت دولة صغيرة ودولة كبيرة إلى هيئة الأمم المتحدة ضاعت الدولة الصغيرة، أما إذا احتكمت دولتان كبيرتان إلى هيئة الأمم المتحدة ضاعت الأمم المتحدة نفسها..!. ” هذا القول المختصر يدل دلالة واضحة على أن ميزان العدالة فى العالم كله ومصيرها يرتبطان ارتباطا وثيقا بميزان القوة . فإن كانت الدولة ضعيفة لاقيمة لها لها ولاوزن بين الأمم فمالها من أشياع ولا يسمع لها ولاتحترم لها كلمة . أما إذا كانت القضية مرتبطة بالأفراد , فإن القضاء يقف مع القوى الظالم ضد الضعيف المظلوم . وكأن قول الشاعر ” لاتطلبوا بالضعف حقا ضائعا…. ماللضعيف الحول من أشياع , أصبح واقعا عمليا يؤيده الواقع المرير الذي تعيشه الأمم والشعوب .
* إن الشعوب لم تخلق لكي تعيش كالأنعام ترعى فى حظائر الملوك والأمراء والحكام , تبحث عن الكلأ والمرعى وتنكس رأسها تأكل من خشاش الأرض ولا يعنيها حرية ولا عدالة ولا كرامة ولا حياة كريمة . وإنما خلقت الشعوب حرة تحاسب حكامها ورؤساءها إن هم ضلوا الطريق وأساءوا استخدام السلطة لصالح أبنائهم وعشيرتهم وأهلهم على حساب جموع الشعب الغفيرة الفقيرة البائسة المطحونة التي لاتجد قوت يومها . لايمكن أن تكون هناك وزارة للعدل والظلم يعشش في أركان الوطن يغدو خماصا ويروح بطانا من كثرة الظلم والبغي والعدوان وأحكام الإعدام بسعر الجملة . مامعنى أن يدخل المواطن أقسام الشرطة على قدميه حيا يرزق سالما معافا ثم يخرج بعد ساعات محمولا على الأعناق جثة هامدة خامدة لاحراك فيها ولانفس ولا روح من هول آلة التعذيب الجهنمية التي لاترحم صغيرا ولا كبيرا ولا امرأة ولارجل.
* إن العدالة يجب أن يبدأ بها أولى الأمر الذين تولوا أمر المسلمين وغير المسلمين فى دولة العدالة والحق والمساواة . فها هو الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز لما تلقىخبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول،فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتىليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريدخلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت،وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد.يقول “رجاء بن حيوة ” : والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا ! ثم نزل، فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
* لم يكتف عمر بن عبد العزيز بهذا الموقف بل نزل في غرفة فيدمشق أمام الناس؛ ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل، ثم استدعىزوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء ، زوجة الخليفة، فقال لها: يافاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام – وتعلمون أن الخارطةالتي كان يحكمها عمر، تمتد من السند شرقًا إلى الرباط غربًا، ومن تركستانشمالاً، إلى جنوب أفريقيا جنوبًا – قال: فإن كنت تريدين الله والدارالآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعاليأمتعك متاعاً حسنًا، واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتُك،والموت موتُك، وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانيةالمسلمين. تلك هى العدالة الناجزة بل الفريضة الغائبة اليوم فى وطننا . فما جاع جائع إلا بسرقة سارق وظلم ظالم وجور جائر .

* قال أحد الحكماء : ” إن العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق, ونصبه للحق, فلا تخالفه في ميزانه, ولا تعارضه في سلطانه, واستعن علي العدل بخلتين: قلة الطمع وكثرة الورع , فإذا كان العدل من إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به ولا صلاح فيها إلا معه وجب أن يبدأ بعدل الإنسان مع نفسه ثم بعدله مع غيره, فأما عدله مع نفسه فيكون بحملها على المصالح وكفها عن القبائح ثم الوقوف على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير, فإن التجاوز فيه جور والتقصير فيه ظلم ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم ومن جار عليها فهو علي غيره أجور. أما عدل الإنسان فيمن هو دونه كالسلطان في رعيته والرئيس مع مرؤوسيه, عدله فيهم يكون بترك التسلط بالقوة وابتغاء الحق .” فمن هذا الكلام يتضح لنا أن استخدام البطش مع الرعية هو أشد أنواع الظلم الذي لاعدل فيه ولاحق .
* إننا لانريد فى أوطاننا غير العدالة , لايمكن أن تكون هناك عدالة فى توزيع ثروات الوطن وهناك الملايين تسكن القبور وقلة قليلة تتمتع بالسكن فى القصور من أموال الشعب وكدهم وليس من تعبهم وعملهم . نريد العدالة فى تولى المناصب العامة فى الدولة فيتساوى أبناء الفقراء والطبقة المتوسطة مع أبناء أكابر القوم الذين تحجز لهم مقاعدهم فى الجامعات والنيابة والقضاء وهم مازالوا أجنه فى بطون أمهاتهم لايعلمون شيئا . إن الوطن الذى يبنى أركانه على الظلم هو وطن ضعيف كبيت العنكبوت يتطاير مع أول ريح عاصفة . يقول ” فرانسيس بيكون “إذا لم تحترم الدولة قواعد العدالة، فإن العدالة لن تحترم قواعد الدولة” . ولن تبنى دولة ملكها على الظلم والطغيان بل تبنى الأمم والشعوب ملكهم ومستقبلهم بالعلم والإيمان بأن ميزان العدالة هو الذى يضبط  حركة المجتمع من الزيغ والانحراف والانجراف وراء أمواج الظلم الطاغية فى بحر الهوى والسلطة الباطشة الباغية فى أى مكان وزمان . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى