الأرشيفكتاب وادباء

الفريضة الغائبة فى عالمنا اليوم .

من روائع الأديب الكاتب
السعيد الخميسى
   ** ستظل العدالة الاجتماعية هى الفريضة الغائبة فى عالمنا اليوم .  وما اندلعت ثورة يناير وامتد لهيبها إلى كل ميادين مصر إلا بسبب الظلم الاجتماعي والرشوة والمحسوبية والفساد والتزوير وتلفيق القضايا للأبرياء والشرفاء وكل صاحب رأى وكل صاحب قضية . ويوم أن تتحقق العدالة وترفرف رايتها فوق ربوع الوطن خفاقة عالية , ويوم أن يستمتع المواطن بدفء شمس الحرية والعدالة الاجتماعية , يوم أن يهنأ الوطن والمواطن وتستقر الأحوال وينضبط الميزان. يوم أن يعيش المواطن عيشة هنية ويموت موتة سوية . يوم أن يتقدم الوطن للأمام ولا يتحكم فيه أراذل الأمم والشعوب . دخلت فاطمة زوجة عمر بن عبد العزيز عليه فإذا هو فى مصلاه سائلة دموعه . فقالت : ياأمير المؤمنين : ألشئ حدث..؟ فقال رضى الله عنه ” يافاطمة إني تقلدت أمر أمة  محمد صلى الله عليه وسلّم فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في  أقطار الارض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.كان رضى الله عنه حريصا كل الحريص بقضية العدالة الاجتماعية الفريضة الغائبة فى عالمنا اليوم .
* لقد ضرب عمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه المثل الأعلى فى العدالة الإجتماعية والشفافية التى يرى ظاهرها من باطنها أمام رعيته . يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله وقال”
إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وايم الله لا أوتي برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة، لمكانه مني فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر.” أمير المؤمنين يتوعد بعقوبة من يتجاوز حدوده ويتعدى دائرة الحلال إلى الحرام . وهو بذلك يضرب المثل الأعلى والقدوة الحسنة لكل حكام المسلمين فى تحقيق العدالة بين الناس . فلا محسوبية ولا رشوة ولا محاباة لفئة على حساب فئة .
* كما أن عمر رضى الله عنه يوضح للناس فى وجود الولاة وهم  “المحافظون ” مهمة المسئول فيقول لهم فى خطبة بليغة ليعرفوا
حقوقهم و واجباتهم قائلا: ” إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، و يشتموا أعراضكم، و يأخذوا أموالكم و لكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم و سنة نبيكم عليه الصلاة و السلام، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له على يرفعها إلى حتى أقص منه. فقال عمرو بن العاص: ياأمير المؤمنين أرأيت إن أدب أمير رجلا من رعيته أتقصه منه؟ فقال عمر: و مالي لا أقصه منه و قد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقص من نفسه ” . إنها العدالة الناجزة التى تعطى كل ذى حق وحقه وليس كيومنا هذا بلغ الظلم مداه وغابت العدالة عن أرض الواقع .
*لقد جاءوا لعمر بن عبد العزيز  بالزكاة فقال أنفقوها على الفقراء والمساكين فقالوا ما عاد في أمة الإسلام فقراء ولا مساكين، قال فجهزوا بها الجيوش، قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا، قال فزوجوا بها الشباب, فقالوا من كان يريد الزواج زوج، وبقي مال فقال : اقضوا الديون على المدينين، قضوه وبقي المال, فقال: انظروا في أهل الكتاب(المسيحيين واليهود) من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا وبقي المال، فقال: أعطوا أهل العلم فأعطوهم وبقي مال، فقال: اشتروا به حباً وانثروه على رؤوس الجبال, لتأكل الطير من خير المسلمين . ونحن نتساءل أين الخير اليوم ومعظم الشعب يئن تحت خط الفقر ورقابهم تحت سيف الفقر والفاقة ينتظر أن ينزل عليهم فى أى لحظة..! ؟ أرأيتم عدالة اجتماعية فى عهد عمر رضى الله عنه أشمل من ذلك ؟
* إن العدالة الإجتماعية هى الفريضة الغائبة فى كل النظم السياسية التى حكمت عالمنا العربى فى السنوات العجاف الخالية . ولو طبقت تلك العدالة تطبيقا عادلا ماوجدنا متسولا فى الشوارع . وماوجدنا فقيرا يكابد فقرا . وماوجدنا مريضا يموت ولايجد من يداويه . وماوجدنا جائعا لايجد من يطعمه ويسقيه . وما وجدنا مشردا لايجد بيتا يأويه . وماوجدنا موظفا عموميا شريفا ينفق راتبه فى أول ثلاثة أيام ثم بقية الشهر يبحث عن من يقرضه ويعطيه . وما وجدنا مصريا يهجر وطنه عشرات السنين بحثا عن راتب يكفيه . وما وجدنا اضرابات عمالية وفئوية تعطل الإنتاج وتضره وتؤذيه . وما وجدنا اضطرابات أمنية ولا خلافات سياسية ولا مشاكل اقتصادية . إن الظلم الاجتماعي هو اقصر الطرق إلى الفوضى وعدم الاستقرار فى شتى نواحي الحياة .
* لن تستقر سفينة أى وطن وسط أمواج الحياة الهائجة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا, طالما أن ميزان العدالة الإجتماعية مختل ومعوج . فلايعقل أبدا أن يتقاضى بعض كبار الموظفين الملايين من خزينة الدولة شهريا دون وجه حق , وآخرون يتقاضون الملاليم , وهذا مواطن وذاك مواطن . لكنه الظلم الإجتماعى البشع الغبى الذى فرق بين المواطنين فى الحقوق والواجبات بل وجعل هولاء عبيد وهولاء أسياد . الدولة القوية ترتكز على أعمدة العدالة وتستمد قوتها من قانون المساواة . والدول الهشة الضعيفة كريشة فى مهب الريح توجهها حيث تشاء وتصبح مرتعا خصبا للفتن والاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار وهذا ما لا يتمناه أى إنسان لوطنه .
* مصر غنية بمواردها الطبيعية وبأرضها وموقعها الجغرافى المتميز وبكنزوها وخيراتها ونيلها وثرواتها البشرية وقوتها الشبابية . لكن للأسف نهبها الناهبون , وسرقها السارقون  , وتسلط عليها المتسلطون , وجار عليها الباغون , .لو كان هناك عدالة اجتماعية ومساواة بين كل شرائح الشعب فى نيل حظه من ثروات هذا الوطن , لكان الحال غير الحال والظروف غير الظروف والمناخ غير المناخ والأرض غير الأرض .إن الاستقرار الاقتصادي والسياسي لن يتحقق بغير العدالة الاجتماعية ولو أنفقنا ملء الأرض ذهبا ومثله معه . إننا نبحث عن العدالة الاجتماعية فى نفق الحياة المظلم وهى موجودة بين أيدينا ولكن هناك سوء توزيع . يستمتع بها علية القوم وسادتهم وكبراؤهم . أما بقية خلق الله فينامون على الأرض ويلتحفون السماء بحثا عن إحسان المحسنين وصدقات المتبرعين وهذا لا يليق بوطن خلقه الله منذ آلاف السنين , أليس كذلك ؟ القضية واضحة كالشمس فى رابعة النهار فهل من مستمع وهل من مجيب..؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى