تقارير وملفات

الفصل الثاني ———- (بطرس باشا غالي واخوانه في احضان الانكليز )

بقلم الروائى الشهير

محمد عبد الله زين الدين

محمد عبد الله زين الدين

———————————————————————————– —————————-

 1 – ( الخواجة طخ ام صابر وحرج الجرن يارجالة )

دنشواى

….

هناك وعلى مسافات متباينة تراجعت ظلال الاشجار لتدخل في سمت سيقانها المنبثة خلف الروابي الداكنة ولا وجود لآدمي ينفذ خلاله بريق اللظى المتأجج المتراقص مع الرؤية و المنبعث من وابل ملئ بشعاعات تخطف ابصار من هم في اراذل الزمن ويعود متحديا من يجرؤ على منازلته فيرديه صريع عناده , اسوداد قاحل لأديم ارض ينبعث ذلك اللهيب منعكسا على مسطحاتها التي لاتهنأ باستقرار تسمو في حدة ثم تعود لتدنو في براءة لتصل الى احواض تتناقض الوانها في استعراض باهر.

كان الصمت هو السمة الغالبة الا من بعض رفرفة اجنحة تضرب سكون الهواء وكأنها تحثه على الحركة والحياة ,حمامات بيضاء تسبح في الفضاء المنظور للمكان وتهبط حيث الجرن المتخم بحبات الحنطة والتبن المتراكم في كل مكان بوفرة متحدية نقرة الشمس في شموخ واباء لتسعى لملئ حواصلها ولاتدري ان هناك فوهات بارود اعمى تترصدها بكل صلف وجحود تنطلق بارودة لتهتك الصمت وتفر الحمامات طالبة اللجوء حيث اعشاشها في تلك الابراج الباسقة المتفردة وسط احواض الزروع وعرائش طينية , اصوات طلقات اخرى وتندلع صيحات ليعج الجرن بالبشر .

____

كانت لصوت طلقات البارود والصراخ التالي لها الاثر الفعال في خروج اهل القرية الهاجعة المسالمة وان ينقلب حالها الى النقيض

———–

اقدام تسابق الزمن طالبة الفرار بفعلتها الآثمة انهما اثنان من اصل خمسة ضمن شرذمة من عسكر الغز الذين آمنوا بحقهم في السطو على مقدرات الغير وازدادوا صلفا وغرورا وهاهم الان يريد اثنان منهم الفرار من دماء اراقوها الى ان ظهر من وراءهما اولياء الدم يطاردونهما والبراري بلظاها وشمسها الحارقة من امامهما ولاثالث لهما , فوقع احدهما وهو برتبة كابتن الفرقة صريع نقرة الشمس بعد ان ركض حوالي ثمانية كيلو مترات وتركه الاخر وطار فارا الى قرية سرسنا المجاورة وهو طبيب في جند العسكر ولما جاءت التجريدة المنتقمة وجدت بعض الاهالي حول جثة الكابتن الذين مالبثوا ان فروا بمجرد رؤية الغز ولاحق الغز الانكليز احدهم وقتلوه عند فجوة طاحونة تحت الارض فقتلوه شر قتلة لمجرد شكهم في انه المتسبب في قتل الكابتن , اما الثلاثة الباقين فوقعو في ايدي الخفر فحاافظوا عليهم بالرغم من انهم تلقوا طلقات منهم واصيبوا وشاع ان شيخ الخفر قتل جراء ذلك . (مؤذن القرية يؤذن : الخواجة طخ ام صابر وحرج الجرن يارجاله)

دنشواى

————–

لمح مؤذن قرية دنشواي وهو في طريق عودته لداره الريفي البسيط خمسة جنود من عسكر الغز وهم يحملون بنادقهم ولما اقتربوا من الجرن الملحق بدار المؤذن اخذوا يطلقون الاعيرة صوب الحمام الذي لسوء الحظ انه ترك الفضاء وهبط ليلتقط حبات القمح في تلك اللحظة طار صواب الرجل حين وجد النار امسكت في القش والتبن وتصاعد الدخان فجرى محاولا اطفاء الحريق مما اثار خوف الكابتن الانكليزي الذي ظن انه يتجه نحوهم ليعتدي على مجموعته فصوب اليه فوهة بارودته وأطلق عيار نحوه فلم يصبه هو بل اصاب زوجة اخيه ( ام صابر) فارداها قتيلة في الحال فامسك الرجل البارودة من يد الكابتن وحاول جذبها وتشابك الاثنان والرجل يصيح في اهل القرية

—-

الحقوني يارجالة الخواجة طخ ام صابر وحرج (حرق) الجرن الحقونا ياناس

—-

وهجم اهل القرية بالعصي والطوب وهرول الخفر ليحموا الجنود الا ان الغباء الانكليزي كان طوال حياته مستحكما فظنوا ان الخفر جاءوا ليقتلوهم فاطلق احدهم النارعلى هؤلاء الخفر بعدما تملص من ايد الاهالي واطلق اعيرته صوبهم فاصاب منهم من اصاب ووقع شيخ الخفر مدرجا في دمائه وطارت شائعة في البلد بمقتله والباقي من الخفر بالرغم من ذلك تمكن من انتشال وحماية ثلاثة من الخمسة من ايدي الاهالي بعدما جردوهم من اسلحتهم , وفر اثنان هما كابتن الفرقة والطبيب .

—-

2 —- (القضاء الشامخ )

—————————————-

قدم الاحتلال 92 انسان للمحاكمة وتم الصاق التهمة علي 36 منهم في 17يونيو 1908 وجاءت الاحكام تحمل بين جنباتها الجلد والأشغال الشاقة وتم اعدام 4 قرويين منهم ولم يتوانى الاحتلال الانكليزي في دعوة عملائه لاتمام ارهاب المصريين لان حادثة دنشواي بدأت تلوح في الافق بجرأة المصريين على قوات الاحتلال وكان رئيس المحكمة بطرس باشا غالي اول عميل ثم تلاه العميل الثاني احمد فتحي زغلول باشا، وهو الأخ الأصغر سعد باشا زغلول الذي لم يتواجد حينها لانشغاله بالدراسة في فرنسا بعد ان احس وشعر بالخوف على مستقبله السياسي فقام باعلان مقاطعته اخاه بسبب ترأسه لتلك المحكمة وكان مدعي النيابة العميلإبراهيم الهلباوى باشا”.

و كان اللورد كرومر هو الحاكم الإنجليزي الجلف الصلف في مصر في ذلك الوقت وقد تم خلعه بسبب جهاد الوطنيين في خارج البلاد ومنهم مصطفى باشا كامل الذي احرجه بالقاء الضوء على مجزرة الفلاحين بدنشواي في الصحف الغربية وان البلاد كانت تحت ادارته وهو على سدة الحكم في قصر الدوبارة عقب هذه الحادثة وقد تم اغتيال بطرس غالي بعد ذلك علي يد إبراهيم الورداني ليس بسبب دنشواي فحسب بل هناك اسباب اخرى سوف تعرض في حينها , وكان ايضا ابراهيم الهلباوي المدعي العام , حيث نجح ليس فقط في تبرئة جنود الاحتلال الإنجليزى من قتل “أم صابر” وحرق أجران القمح في قرية دنشواى، وإنما نجح أيضا في إثبات أن الإنجليز هم الضحايا، وأن أهالى دنشواى هم المذنبون.. ووفقا لما نشرته جريدة “الأهرام”، قال إبراهيم الهلباوى أمام محكمة دنشواى: (الاحتلال الإنكليزى لمصر حرر المواطن المصري وجعله يترقى ويعرف مبادئ الواجبات الاجتماعية والحقوق المدنية!!).. وقال أيضا: (هؤلاء الضباط الإنكليز، كانوا يصيدون الحمام في دنشواى، ليس طمعا في لحم أو دجاج، ولو فعل الجيش الإنكليزى ذلك لكنت خجلا من أن أقف الآن أدافع عنهم!!).. وقال الهلباوى أيضا: (هؤلاء السفلة، وأدنياء النفوس من أهالى دنشواى، قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنكليز بالعصى والنبابيت، وأساءوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنكليز بيننا خمسة وعشرون عاما، ونحن معهم في إخلاص واستقامة!!). وظل هذا الهلباوي يعاني باقي حياته من مقاطعة المصريين له وعاش لم يدخل مكتبه بعدما اعلن احترافه مهنة المحاماة اي زبون حتى ولو في قضية اعلان وراثة واحد.

والى اللقاء في الجزء الثالث والاخير من الفصل الثاني باذن الله .

 

 

 

 

.

 

 

 

 

 

محمد عبد الله زين الدين

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى