آخر الأخباركتاب وادباء

القبائل البدوية غرب اسكندرية “مجلس فتح المَنْدَل”الحلقة الثالثة

من ذاكرة اسكندرية

سلسة مقالات الأسكندرية من روائع الأديب الكاتب

المهندس/ محمود صقر

ذات يوم بعد خروجي من صلاة الجمعة صحبة عم “سيد” طلب مني أن أذهب معه لمشوار، فسألته: إلى أين يا عم سيد.؟
قال: ستحضر معي جلسة فتح مَنْدَل.!

كنت قد سمعت في طفولتي عن مثل هذه الجلسات التي يستخدمها بعض البسطاء من الناس لكشف المستور، لمعرفة أشياء خفيت عليهم عن طريق استحضار الجن، وبالذات البحث عن شيء مسروق أو مختفي، أو معرفة السارق أو القاتل.

فقلت له: آسف يا عم سيد أنا لا أحضر هذه الجلسات.
فحلف بأغلظ الأيمان أن أذهب معه، لأنها جلسة مهمة لوقوع عملية سرقة داخل القبيلة، ويريدون معرفة السارق، ومكان المال المسروق، والجلسة في بيته وموعدها الآن.

أمام إلحاحه مع بعض الفضول مني قبلت الدعوة وذهبت معه لحضور جلسة فتح المندل.
الجلسة ترأسها عم “سيد” وحضرها صاحب المال المسروق وبعض أفراد القبيلة وأنا معهم كشهود على ما سيسفر عنه فتح المندل.

حضر “المخاوي“، وهو شخص يَدَّعي القدرة على استحضار الجن وتوظيفه لكشف المستور ومعرفة ما غاب عن عالم الناس، كان المخاوي رجلا ملتحيا كبير السن ثائر الشعر كثيف الحاجبين معقد الجبين، يطرح على رأسه شالا متسخ ويلبس جلبابا رثا متسخا، كثير الثقوب والخروق، وحول عنقه طبقات بعضها فوق بعض من عقود منظومة من أحجار وقواقع، من يراه يتمثل صورة الشيطان ذاته.

طلب المخاوي من عم “سيد” أن يُحضِر له طفلا في حدود العشرة أعوام، فحضر الطفل ووقف أمام المخاوي وبينهما طاولة خشبية يعلوها موقد نحاسي داخله جمر وأحجار ساخنة وفوقها بخور، وبجوار الموقد فنجان من الخزف به زيت، وبين لحظة وأخرى يلقي على الموقد من يده شيئا فيزداد الدخان كثافة وانتشارا، ويتمتم بكلمات غير مفهومة، ويهوم بيديه في الهواء، ويضع قطرات من الحبر الأسود داخل الفنجان، ثم يطلب من الطفل النظر في الفنجان ووصف المشهد الذي يراه في الفنجان.

الكل جالس بتوتر وترقب لما سيرويه الطفل، والمخاوي يصوب نظره بحدة نحو الطفل، أما أنا فقد قلت لنفسي، لقد جاءتني فرصة لتكذيب هؤلاء الدجالين وفضحهم، فأنا كمسلم أؤمن بوجود الجن، وأؤمن أنهم أمة مثل البشر فيهم الصالح والطالح، وأن الطالح منهم ينفر من المجالس التي يذكر فيها اسم الله، وأن هؤلاء الدجالين قد يوظفون الطالح من الجن، ولذلك آليت على نفسي أن أنشغل بعمق في ذكر الله وبصوت خفيض ولكنه مسموع.

وقف الطفل صامتا، وظل الدجال يتمتم ويلقي ما في يديه على المبخرة ويتكثف البخار ويكرر الطلب على الطفل برواية المشهد الظاهر أمامه في الفنجان، والطفل لا ينطق بكلمة.

طلب المخاوي تغيير الطفل فأتوا له بآخر، ثم مارس معه نفس التجربة الأولى، والكل يترقب وأنا مستغرق في ذِكر الله، والمخاوي يطلب بإلحاح من الطفل رواية المشهد داخل الفنجان، والطفل الثاني لا ينطق بكلمة.

ساد الوجوم مجلس فتح المندل، وبدأ المخاوي يفقد أعصابه، وظهرت عليه علامات الفشل، وبدأ جو الجلسة يسوده التوتر والتململ، وفي لحظة خاطفة نفد صبر صاحب المال المسروق، وقام بحركة انفعالية مفاجئة، ولوَّحَ برجله في الهواء مصوبا إياها نحو النصبة، فانتثر الجمر والحجر الساخن في حِجْر الدجال، فقام فزعا مذعورا هاربا نحو الباب، وانفضت الجلسة على لا شيء.

تعجب عم “سيد” مما حصل، وقال: إنها أول مرة يفشل فيها هذا الدجال في كشف المستور.

فهل كان هذا الفشل الذريع للدجال ناتج عن ذكر الله في هذا المجلس.؟
الله أعلم.
ولكنني انصرفت فرحا مسرورا بفشل الدجال، وانتهزتها فرصة للدعوة لترك تلك العادات التي لا تتفق مع تعاليم الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى