كتاب وادباء

القصص القرآني و واقعنا المعاصر

بقلم الكاتب

جمال محمد k

دكتور جمال محمد

 =========================

                                     سورة الكهف و لعله خير  

  المنع و المنح , المحنة و المنحة , كلمات تتغير معها المفاهيم اذا أعدنا قراءتها و فهمهما من خلال سورة الكهف و قصصها , لتترك بداخلنا مفهوما واعيا وايمانا راسخنا بمعني و مفهوم القضاء و القدر و معني آية ” و عسي أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم , و عسي أن تحبوا شيئا و هو شر لكم , و الله يعلم و أنتم لا تعلمون .”  , فالقرآن وحدة متكاملة يكمل بعضه بعضا و يشرح بعضه بعضا , و هذا هو منهج ابن كثير في التفسير في الأساس , أي تفسير القرآن بالقرآن .

   الايمان بالقضاء و القدر و من ثم الرضا بقضاء الله عز و جل , من أهم ركائز الايمان الست , الذي لا يكتمل ايمان المسلم الا به , بعد أن يستقر في القلب و يصدقه العمل . و هنا قصة قصيرة لتقريب المفاهيم قبل الابحار في بحر سورة الكهف العظيمة , نستشرف منها الأمل و نستشف منها الدروس العظام .

القصص-القرآني-و-واقعنا-المعاصر

لعله خير ( قصة قصيرة ) :

===============

 كان هناك ملك لاحدي الممالك القديمة , و كان له صديق مقرب من نبلاء القوم . و في احدي الأيام أصاب مواشيه  مرض من الأمراض و صار يفتك بهم الواحد تلو الآخر فأتي عليهم جميعا  , ثم انتقل الي الطيور فنفقت جميعها , و كان هذا الرجل لا يفتأ يقول ..لعله خير….لعله خير ,  و الناس تتعجب منه و من حاله . و في احدي الليالي حدث أن أغارت احدي العصابات علي القرية , فداهمت كل البيوت و نهبت كل ما فيها و قتلت من قتلت , حتي أتوا الي بيت هذا الرجل فلم يسمعوا فيه صوتا لحيوان و لا تغريدة لطير فظنوه مهجورا , فما كان منهم الا أن ابتعدوا عنه . و هنا بدأ بعض الناس يفهمون مغزي هذه الكلمة التي ارتبطت بلسان الرجل ..لعله خيرا .

  شكر الرجل ربه , و في ذات الليلة أقام الملك وليمة علي شرفه للاحتفاء به , و أثناء مبارزة استعراضية قطع اصبع الملك , فاذا بالرجل يقول له ..لعله خير . غضب الملك غضبا شديدا و حسبه يسخر منه أو لم يتفاعل مع مصابه فأمر بالقائه في السجن . و أثناء الذهاب للسجن استمر الرجل يردد ….لعله خيرا, و الحراس يتعجبون .

بعد عدة أيام انطلق الملك الي رحلة صيد في البرية يصاحبه حراسه الأشداء , فوقع في أسر قوم يعبدون الأصنام يقدمون لهم القرابين , فقتلوا كل حراسه و اختاروا أعظمهم شأنا و هو الملك بالطبع ليقدموه قربانا لآلهتهم . و بعد أن جردوه من ملابسه و قيدوه علي المذبح و جهزوه للتضحية به , اذا بصائح يصيح ….انتظروا ..انتظروا , ألم تلاحظوا أن هذا الرجل مقطوع الأصبع ؟! … فكيف نقدم لآلهتنا رجلا معيبا , فطأطأ القوم الرؤوس , و ما كان منهم الا أن فكوا قيده و أطلقوه و هو غير مصدق , فانطلق مهرولا راجعا الي بلده وتلك الكلمة لا تفارق سمعه …لعله خير . فلولا قطع اصبعه , لكان الآن مقتولا , و أدرك بالتالي صدق تلك الكلمة…..لعله خير . وفور دخوله القصر , أمر باطلاق سراح الرجل و الاتيان به . ثم حكي له ما حدث و قال , لقد علمت الآن كنه هذه الكلمة و ما وراءها , و لكن ما وجه الخيرية في القائك في السجن ؟!  قال الرجل : أيها الملك لو لم تلقني في السجن لذهبت معك في رحلتك , و لقتلوني بدلا منك ……………..فلعله خير .

سورة الكهف و …..لعله خير :

=================

سورة الكهف أغلبها قصص كريم , تمثل كل أنواع الفتن والابتلاءات , قصة الفتية و تمثل الابتلاء في الدين , قصة صاحب الجنة و تمثل الابتلاء بالمال , قصة موسي و الخضر و تمثل الابتلاء بالعلم الرباني و أخيرا ابتلاء ذي القرنين و يمثل فتنة القوة و السلطان . و الابتلاء ينجح فيه من ينجح و يفشل فيه من يفشل , نسأل الله أن يجنبنا شر الفتن ما ظهر منها و ما بطن . و الي قصة موسي و الخضر و لنا ثلاث وقفات تعكس لنا مفهوما جديدا للمنح و المنع و من ثم الايمان الصادق الصحيح بالقضاء و القدر :

أولا : أصحاب السفينة :

————————

— خرق الخضر للسفينة وكما هو ظاهر لنا نوع من المنع , منع الخير عنهم بسبب تشويه السفينة و الانتقاص من سعرها بالتالي .

— انما حقيقته منح و عطاء و منحة  , فالانتقاص من سعر السفينة أفضل بالتأكيد من فقدانها بالكامل .

— سؤال هام : متي سيدرك أصحاب السفينة أنه منحا و ليس منعا ؟؟  = ( بعد عدة ساعات ).

ثانيا : قتل الغلام :

——————-

— قتل الغلام هو نوع من المنع و المحنة كما هو ظاهر لنا .

— انما الحقيقة أنه منح و عطاء و استبدال غلام شقي بغلام تقي ورع يساعد أبويه علي الطاعة و يكرمهما .

سؤال هام : متي سيدرك الأهل حقيقة الأمر ؟؟ = ( يوم القيامة ).

ثالثا : بناء جدار القرية :

—————————

— هو نوع من المنح و العطاء كما هو ظاهر لنا .

— انما حقيقة الأمر أنه منع لأصحاب القرية اللئام من الحصول علي كنز الغلامين حتي يبلغا أشدهما .

سؤال هام : متي سيعرف أصحاب القرية أنه منعا و ليس منحا ؟؟ =  ( بعد عدة سنوات ).

 و هنا أسأل عدة أسئلة :

لماذا حدث الانقلاب  ؟؟…………………………لعله خير .

لماذا اختار الدكتور مرسي السيسي ؟؟…………لعله خير .

لماذا خان من خان  ؟؟………………….لعله خير.

لماذا نخلف من تخلف عن ركب الثورة  ؟؟………..لعله خير .

لماذا أخطأ الاخوان في حساب بعض الأمور ؟؟………….لعله خير .

لماذا انتصر الباطل و ظهر الي الآن .  ؟؟…………لعله خير.

لماذا لم يتحقق النصر الي الآن ؟؟………………..لعله خير

لماذا ظهرت التسريبات في هذا التوقيت ؟؟…………….لعله خير

لماذا تم اعلان الحرب وشن الهجمات ؟؟……لعله خير .

لعله خير ………….لعله خير ………….لعله خير .

متي سنعرف اجابة تلك الأسئلة يقينا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ = اجابة لن يعرفها الا الصابرون الثابتون المتيقنون من نصر ربهم, في يوم قريب ان شاء الله .

” و يقولون متي هو , قل عسي أن يكون قريبا .”

———————————————-

          و هنا مربط الفرس لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد , فليست الأمور كما تبدو علي الدوام , فما نراه منحا قد يكون منعا و العكس صحيح , و يحتاج الأمر فقط الي ايمان كامل بالقضاء و القدر و أن الأمور تجري بمقادير الله , تلك الدرجة من الايمان التي تزرع يقينا صادقا بموعود الله , و صبرا و مثابرة دائمين و رضا بحاضر قد يكون غصا , مستندا الي صدق توكل علي الله رب الأسباب , الله الوكيل الذي هزم الأحزاب وحده بالريح , الذي يعز من يشاء و يذل من يشاء , …أمور ما أحوجنا اليها في أيامنا هذه , تنير لنا طريق الهدي و الصبر و تزرع الأمل و تهون من مصائب و صعاب بادية للعيان .

فقط مطلوب منا في مرحلتنا هذه اذا كان القصص القرآني قد وقر في القلوب وقرا ينبت يقينا و أملا , لنحصد فرحة و نصرا , أن نتمسك بخالق الأسباب و موجدها و مسببها , تمسكا يجعلنا في الأساس ننشغل في كيفية ارضائه سبحانه وتعالي و التقرب اليه , انشغالا يفوق انشغالنا بالأسباب , لأن النصر سيأتي في النهاية بكيفية و أسباب لم تخطر ببال المنشغلين بالأسباب عن رب الأسباب , و لنا في غزوة الخندق التي نعلم تفاصيلها جيدا , البرهان الساطع .

 كلمتي أقولها للمتشائمين في هذه الفترة , ارجعوا الي كتاب ربكم و قصصه  الكريم لترسموا طريقا جديدا مرصوفا بالأمل المشرق , و الثقة في موعود الله لعباده الصالحين , فقط أروا الله منكم خيرا , و ليكن تفكيركم و انشغالكم كيف ترضون ربكم و تتقربون اليه , فوالله ما من سبيل الي نصر أو عزة اذا لم نحقق هذه الأمور في الأساس . و لنتعاهد علي قيام الليل و لو بركعتين فقط نتذلل و نتضرع و ندعو في قنوتنا رب الأسباب أن يسبب لنا الأسباب التي غابت عنا , و أن يرد كيد الكائدين في نحورهم فللاسلام رب يحميه , وهو بالغ أمره بعز عزيز أو ذل ذليل , غير مقصرين في أخذنا بأسباب النصر كل قدر استطاعته و كل يدلو بدلوه .

نحمد الله عز و جل أن ثبتنا الي أن وصلنا الي هذه المرحلة و لكن الابتلاءات و التماحيص لم و لن تنتهي , و نحمده أن أرانا الحق حقا و رزقنا اتباعه و أن اصطفانا لنكون من جنده , فهل سنثبت للنهاية  أم هناك من سيتشاءم و يتقاعس و قد أوشكت السفينة علي الرسو الي بر العزة و النصر ؟

من  المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا .”…..اللهم اجعلنا منهم .

اللهم كن لنا و لا تكن علينا و دبر لنا فاننا لانحسن التدبير.

اللهم ثبت أقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين .

فستذكرون ما أقول لكم و أفوض أمري الي الله , ان الله بصير بالعباد .

                            

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى