الأرشيفتقارير وملفات إضافية

القصير الماكر: بورتريه في ذكرى مولده!

بقلم الكاتب والإعلامى الجزائرى
فيصل عثمان
‏‏‏باحث في العلوم السياسية
يمتطي صهوة الخطابة، ويضع فوق رأسه تاج الكِبر والغرور منذ يومه الأوّل قبل 19 سنة قضاها جالسا على كرسي العصمة الرئاسية، قال للناس يوم مجيئه أنّه أتى لإنقاذهم من خناجر القتلة، فخيّرهم بينه وبين الموت الأسود.
يقول عنه مقرّبوه أنّه النرجسي الأشهر من بين كل النرجسيين الذين جلسوا على ذات الكرسي الذي جلس عليه، يدّعي الصّدق في القول وهو كذوب، ويتدّثر برداء الوطنية وهو خؤون منذ يومه الأوّل، فقد جلس على رؤوس الأشهاد رافعا يده اليمنى على امرأة من نساء وطنه مزمجرا مكشّرا فقط لأنّها رفعت صورة ابنها الذي اختطفته عصابات الملثّمين العتاة الذين كانوا يجولون في شوارع الجزائر كلّ ليلة يستبيحون أعراض النسوة، ينتهكون الحرمات ويذبّحون الأطفال والشيوخ بلا تهمة، يقتّلونهم لمجرّد الشك في انتمائهم لحزب فاز بالانتخابات فانقلبوا عليه، ويقتّلونهم أيضا رغبة في القتل، تلك العصابات هي التي أتت به فوضعت له ولأمثاله حدودا لا يتخطّونها، فأمعن في الفساد كما أمعنت في القتل، وكان بعضهم لبعض ظهيرا.
بدأ مسيرته بالزيف والوعود الكاذبة، في خطاب شهير ارتفعت فيه أكبر ثلاث كذبات في تاريخ الوطن الدامي، فقال للناس بنبرة الواعد المتوعّد: سأعيد للوطن أمنه، وسأنعش اقتصاده، وأرجع له مكانته بين الأمم... وصفّق له الشعب المخدوع طويلا، وتمتمت الأفواه العالمة ببواطن الأشياء أنْ سلام على وطن سيباع في المزاد!
وهكذا انطلت خدعة القصير الماكر على شعب بأجمعه، فصار الوطن ساحة للمفسدين يرتعون فيه حيث شاؤوا، وأصبح مجرم الأمس قائدا، وخائن الأمة سيّدا، فتولّى أبناء “الحركى” المناصب وناصبوا الشعب العداء، وتكرّست المحسوبية والعنصرية والمظالم، وخاب المخلصون شرّ خيبة.
واستمرّت المأساة والقصير الماكر لا يثنيه عن الإجرام شيء، مستمرّ في تدليسه على النّاس بعبقرية كبيرة في الخداع والتآمر، فانقضّ على خصومه بلا شفقة، واخترع لكلّ عهدة انتخابية شعارا محبوكا، كلمات مرصوفة سرعان ما يتكشّف نقيضها حين تطأ أرض الواقع، فقد رفع شعار العزة والكرامة ثم أذاق الناس ذلة ومهانة، ثم شعار المصالحة فكانت تصالحا مع القتلة وتجار الدماء والمجرمين والمفسدين ، وهكذا أنهى عهدتين.

أتى الشعب بفِرية أخرى فرفع شعار القوة والأمن للبلاد، بعد أن غيّر الدستور وداس عليه بقدميه، قبل أن تعجز هذين القدمين عن حمله وتضعانه على كرسي متحرّك فقعد وأقعد شعبا بأكمله على كرسي من يأس وقنوط.
وعد فأخلف، وعد بأنّ أوان الانسحاب حلّ فهلّل الناس واستبشروا، ولم تمض شهور حتى قفز مترشحا، متوعّدا خصومه الأذلّين بعد أن أفرغ الطريق أمامه ولم يبق له إلا خصوم من ورق لا يملكون رأيا ولا رؤية، فالقصير الماكر دجّن الأحزاب وميّعها، وأهلك البلاد وضيّعها، ورفع الوضيع ووضع الرفيع، وجعل من العمالة دينا، ومن المصير المشؤوم يقينا، حتى استيأس المخلصون من التغيير لولا بقيّة من رباطة جأش لا تزال تقض مضجع الماكر وسدنته من كبار الفجرة والإعلاميين ورؤوس الأحزاب ورجال الأعمال.
والقصير الماكر بارع في التلوّن والخداع، يدّعي حب الوطن في المناسبات الوطنية، ويختبئ خلف شيوخ الزوايا الدينية حين يحلّ رمضان، ويرافع ضدّ الفساد وهو سيّده، ويستعمل التقية السياسية رافعا راية الجهاد عاليا حتى تكاد تظنّه من الرّعيل المقاتل لولا أنّ قبلته باريس، وشبيهه في التدليس إبليس، فهو بائع الوطن الذي بدّد آلاف الملايير في سنين ضئيلة، وهو من أفسد التعليم بالتغريب والفرنسة، وشتت الأسرة بالقوانين المدنّسة، فخنّث الرجال، ومكّن للأنذال، وكأنّ به شبها من المسيح الدجّال.
بحثت له عن موطن أعز فيه شعبه لأذكره فلم أجده في التاريخ إلا أفّاكا، متسربلا بكلّ نقيصة، وكأنّه وجد لينزع عن سابقيه وسام الفساد ويحتكره وحده، وأعدت شريط خطبه أمام ناظري وخبرتها على محكّ الواقع فوجدت هذا المقال قد كتب نفسه بنفسه، وذكرت قول رفيق فيما يرويه عن القصير الماكر يوم قرّر قبول مهمّة إنقاذ الجنرالات المجرمين ذات يوم من سنة 1999 حين همس في أذن أحدهم: “نروح نهدّمها” يقصد الجزائر، كيف لا يفعل، وهو النرجسي الذي لم يغفر لمن حرموه من الحكم قبل ذاك بعشرين عاما، فأقسم ألاّ يرحل إلا رئيسا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى