تقارير وملفات إضافية

المصالح تمزق ليبيا.. أسباب تورط مصر والإمارات والصراع الفرنسي الإيطالي وحقيقة دور الميليشيات الروسية

«إيطاليا في صفِّ تركيا، وروسيا مع فرنسا في نفس الجانب» تحالفات غريبة لن تجدها تقريباً إلا في ليبيا، فما هي مصالح الدول المتورطة في الأزمة الليبية، ولماذا تدخل هذه الدول في مثل هذه التحالفات الغريبة.

هل هناك أسباب اقتصادية تقف وراء مواقف الدول المتورطة في الأزمة الليبية، أم هناك دوافع أهم من الاقتصاد؟

في ليبيا فقط، نرى فرنسا وإيطاليا، الدولتين الأوروبيتين اللتين تعتبران نفسهما وريثتين للإمبراطورية الرومانية، وسدنة الثقافة اللاتينية تتواجهان.

ونرى باريس عاصمة الحضارة الغربية، التي تعطي العالم عادة دروساً في حقوق الإنسان تقف في نفس الصف، مع مرتزقة روس (أعداء أوروبا الغربية التقليديين)، في مواجهة روما مهد الحضارة الغربية.

في ليبيا فقط، تتواجه أهداف مصر والإمارات وتركيا، الدول الثلاث التي يجمعها الدين الإسلامي وقرون من الحضارة المشتركة، حيث يؤيد كل جانب طرفاً مختلفاً في صراع لا يُعلم كيف ستكون نهايته.

في هذا التقرير سوف نرصد مصالح الدول المتورطة في الأزمة الليبية، ودوافع مواقفها المتصارعة في هذا البلد.

بالنسبة لتركيا، فإنها تقول إن العامل الأيديولوجي والأخلاقي هو الدافع الرئيسي لدورها في ليبيا.

تؤيد تركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية الأحزاب الإسلامية المعتدلة في العالم العربي، كما أن لتركيا التي عانت لعقود من آثار الانقلابات العسكرية، حساسية خاصة تجاه ما تعتبره طغاة عسكريين، الذين ينقلبون على الديمقراطية، على غرار اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.

 وفي ليبيا أيضاً توجد قبائل من أصول تركية.

كما لدى تركيا بطبيعة الحال مصالح اقتصادية، إذ كانت ليبيا سوقاً مهمة للمنتجات وشركات المقاولات التركية قبل الحرب الأهلية.

ولكن ازدادت أهمية ليبيا بالنسبة لأنقرة مؤخراً، بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة، الذي يكتسب أهمية خاصة للأخيرة، في ظل اعتبارها أنها تتعرض لمحاولة لتجاوز دورها ونصيبها في غاز شرق المتوسط.

كما وقّع البلدان اتفاقية أو مذكرة ثانية تتعلق بالجوانب الأمنية تسمح لتركيا بإرسال قوات إذا طلبت طرابلس.

إذ تتضمن الاتفاقية أو المذكرة الثانية إمكانية إرسال قوات تركية إلى ليبيا، إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني دعماً عسكرياً.

بالنسبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فإن معركته في ليبيا هي امتداد للمعركة التي بدأها في مصر عندما أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وأيضاً في إطار دعم الحكم العسكري في المنطقة العربية.

وتركز القاهرة تحت حكم الرئيس السيسي دوماً على ترويج مقولة إن دعمها لحفتر من منطلق أنه قائد الجيش الوطني الليبي، ولاتركز القاهرة كثيراً عمن عينه في هذا المنصب الافتراضي، بينما أول ظهور لاسم الرجل جاء إثر إعلانه عن تنظيم إنقلاب عسكري ضد المؤتمر الوطني الليبي المنتخب.

مؤخراً اتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حكومة الوفاق بأنها أسيرة ما وصفها بالجماعات الإرهابية.

ولكن الإرهاب ليس أهم ما يشغل السيسي وحليفه حفتر في ليبيا، والدليل على ذلك أنه عندما قتل أعضاء داعش أقباطاً مصريين في ليبيا ردت القاهرة بقصف درنة خدمة لقوات حفتر، رغم أن الجميع يعلم أن داعش غير متواجدة في درنة

كما أن دعم السيسي لحفتر يتجاهل حقيقة أن قوات حكومة الوفاق وتحديداً قوات عملية البنيان المرصوص هي التي قضت على داعش في ليبيا وأخرجتهم من سرت.

ولكن أيضاً هناك مصالح اقتصادية تقف وراء الدعم المصري المتزايد لحفتر، إذ كانت ليبيا سوقاً تقليدية لمصر خاصة فيما يتعلق بالعمالة، كما أنه يتوقع أنه في حال انتهاء الحرب لصالح حفتر، فإن شركات المقاولات المصرية سيكون لها نصيب معتبر من الكعكعة الليبية، خاصة أن الجيش المصري أصبح أكبر مقاول في مصر وبالتالي فإنه يطمح أن يكون له دور بارز في عملية إعمار ليبيا. 

الباعث الرئيسي للتدخل الإماراتي في ليبيا هو عداؤها للإسلاميين والديمقراطية والربيع العربي.

ولكن هذا لا يمنع وجود مصالح استراتيجية أخرى، ففي كل مكان تدخلت به الإمارات تسعى أبوظبي للاستثمار والهيمنة في إطار مساعيها لتشييد إمبراطورية بحرية مركزها في دبي وأبوظبي.

ويمكن تخيل الوضع في ليبيا إذا حققت الإمارات أهدافها، عبر تأمل نتائج التدخل الإماراتي في اليمن، حيث وصل الأمر إلى سيطرتها الكاملة على جزيرة سقطرى، لدرجة أنها استولت على مطار وميناء الجزيرة، وأبلغت الموظفين العاملين هناك بانتهاء مهامهم، رغم اعتراض الحكومة اليمنية الشرعية.

وكانت صحيفة الإندبندنت البريطانية قد أشارت في تقرير نشر بها، إلى أن الإمارات تسعى لاحتلال الجزيرة وينقل التقرير عن مصادر قولها، إن أبوظبي تسعى لتحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية دائمة ومنتجع سياحي وربما الاستيلاء على تراثها، حيث اعتبرت اليونسكو الأشجار السقطرية جزءاً من التراث العالمي.

يبدو أن الدعم العسكري الإماراتي والمصري لم يكن كافياً لحفتر، حتى لجأ للدعم الروسي، حتى لو بشكل غير رسمي، عبر الاستعانة بمرتزقة شركة فاغنر الروسية.

وهو دعم يظهر تعقّد الأزمة الليبية، فهذا الدعم يأتي في وقت تتقارب فيه روسيا بشكل غير مسبوق مع تركيا، حليفة فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الرئيسية.

بل إن أنقرة تدخل في نزاع مرير مع حليفتها التقليدية الولايات المتحدة، بسبب إصرارها على تشغيل منظومة الصواريخ الروسية إس 400، التي اشترتها من موسكو.

حتى إن الرئيس التركي رفض عرضاً مغرياً من نظيره الأمريكي دونالد ترامب، بإبرام اتفاق تجاري ضخم والعودة لبرنامج الطائرة الإف 35 التي أقصيت منه أنقرة، مقابل مجرد تجميد تشغيل منظومة الصواريخ الروسية.

ولذا يأتي التدخل الروسي في توقيت غريب، تؤكد فيها تركيا على أهمية ليبيا بالنسبة لها.

ولذا لم يكن غريباً أن يعلن الرئيس التركي أنه سيبحث هذا الأمر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

روسيا رغم تقربها الذي لا تخفيه لتركيا، صاحبة أكبر جيش بالناتو، تقف إلى جانب الموقف المصري والإماراتي في الأزمة الليبية، وقد يكون ذلك بسبب الميل الروسي التقليدي لمعارضة كل ما هو إسلامي وديمقراطي، وتأييد كل ما هو عسكري واستبدادي.

وهي في ذلك تتفق مع الأجندة المصرية الإماراتية السعودية، فالدول العربية الثلاث ومعها موسكو تفاخر بأنها أفشلت الربيع العربي، وتودّ وأد آخر معاقله القابعة في طرابلس.

كما أن التدخل الروسي هو جزء من التوسع الإمبراطوري الروسي الذي يقوده بوتين بعد نجاح غزواته في سوريا وأوكرانيا، كما أن الروس قد يأخذون مقابلاً مالياً من داعمي حفتر مقابل خدمات مرتزقة فاغنر.

يظهر تعقد الأزمة في الموقف الإيطالي المؤيد لحكومة السراج، والذي عبّر عنه مجدداً بشكل لا لبس فيه وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، عقب زيارته لليبيا ولقائه بالسراج وبحفتر بشكل منفصل.

فإيطاليا التي ينظر لها نسبياً أنها أقرب لمواقف اليونان ومصر وقبرص في الخلاف مع تركيا حول غاز شرق المتوسط، خاصة أن شركاتها لها نصيب مفترض في التنقيب عن الغاز تقف في صفّ أنقرة بشكل واضح في الأزمة الليبية.

ويفهم من تصريح أرجان هينكامب، المدير العام لمنظمة أطباء بلا حدود ورئيس بعثة المجموعة في ليبيا، أن جزءاً من التأييد الإيطالي لحكومة السراج نابع من أنها أبرمت اتفاقات تسمح بإعادة المهاجرين عبر المتوسط إلى ليبيا.

وتنتقد المنظمة هذه الاتفاقيات لأنها تقول إنها تؤدي إلى احتجاز المهاجرين في معسكرات غير إنسانية تابعة للميليشيات، بينما ترى  إيطاليا الحل في زيادة عدد هذه المعسكرات وتحسين أحوالها.

ولكن إيطاليا لها هدف آخر في ليبيا، إضافة إلى ضبط الهجرة غير الشرعية، التي تعتبر روما جبهتها الأوروبية الأولى.

فهدف روما الأهم في ليبيا هو النفط.

إذ تدخل روما في منافسة شرسة في هذا الصدد مع فرنسا على ليبيا، والمفارقة أن الأخيرة رغم خلافتها مع روسيا بشأن أوكرانيا يقفان في نفس الصف المؤيد لحفتر.

أدى الدعم الفرنسي لحفتر إلى انقسام الاتحاد الأوروبي في موقفه من الحرب الأهلية الليبية.

من وجهة النظر الإيطالية، فإنّ سياسات فرنسا الداعمة لحفتر في ليبيا خطيرة، وتُسهم في إغراق البلد المغاربي في مزيد من عدم الاستقرار.

في يناير/كانون الثاني 2019، أوضح نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني هذا الرأي بشكل صريح ومباشر، ورأى أن فرنسا «ليس لديها مصلحة في استقرار الوضع، ربما لأن لديها مصالح نفطية تعارض مصالح إيطاليا».

 وأدت هذه الكلمات إلى استجابة فرنسية غاضبة، وخلاف دبلوماسي دفع باريس لاستدعاء السفير الإيطالي والمطالبة بتفسير.

والرأي الراجح في الحكومة الإيطالية هو أن مقاربة ماكرون تجاه ليبيا كانت معيبة ومُضلِّلة بشكل أساسي.

وترى السلطات الإيطالية أن القيادة الفرنسية ساذجة حيال الحقائق المعقدة لليبيا، بينما تعتمد كثيراً على فكرة غير واقعية، مفادها أن النصر العسكري يمكن أن يحقق السلام في ليبيا.

بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون، كان دعم باريس لحفتر يتعلَّق بمواجهة ما يراه «تهديدات إرهابية من الإسلاميين»، وتعزيز مكانة فرنسا على الساحة الدولية.

وكما رأى سالفيني وشخصيات إيطالية أخرى، فإن دعم فرنسا لحفتر يتعلق بمصالحها الاقتصادية والتجارية في ليبيا.

ومع سيطرة قوات حفتر تقريباً على جميع احتياطيات ليبيا النفطية، فمن الشائع أن نسمع المسؤولين الإيطاليين يزعمون أن طموحات شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال تقود السياسة الخارجية لباريس حيال ليبيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى