تقارير وملفات إضافية

المصريون يخشون من عودة سنوات الركود والحكومة تلجأ لـ”النقد الدولي”.. ما الذي ينتظر اقتصاد البلاد؟

يخشى المصريون أن يؤدي استمرار القيود والتدابير المفروضة في جميع أنحاء البلاد بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد إلى ركود الاقتصاد وتعطل الملايين عن العمل، بعد أن كان بدأ ينتعش ويحقق معدلات نمو مرتفعة بعد سنوات من المعاناة. لكن الحكومة تقول إنها لا تزال تراهن على قدرة اقتصاد البلاد على استيعاب تداعيات الأزمة. ولذلك رأت ضرورة عدم إغلاق البلاد بشكل كامل واستمرار العمل في قطاعات عدة، بينها قطاعات البناء والزراعة والاقتصاد غير الرسمي. 

وتسببت إجراءات الإغلاق بمصر في تدهور اقتصادي كبير وتأثر ظروف العمل، وذلك بعد انهيار نشاط القطاع الخاص غير المنتج للنفط، وانخفاض النشاط التجاري بأرقام كبيرة.

وبحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية نشر الثلاثاء، فإن نشاط القطاع الخاص غير المنتج للنفط  ينهار بوتيرة غير مسبوقة في مصر، إذ انخفض مؤشر مديري المشتريات إلى 29.7  نقطة عن 44.2 في مارس/آذار، وهو أدنى مستوى له منذ أبريل/نيسان عام 2011، وفقاً لشركة IHS Markit، وانخفض النشاط التجاري، والأعمال الجديدة والصادرات بمعدلات قياسية في البلاد.

تلقت قطاعات حيوية ضربات قاصمة بسبب الإجراءات الاحترازية مثل السياحة والصحة والطيران والصناعة. يقول محمود الضبع، وهو أحد وكلاء السفر والسياحة في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، لوكالة فرانس برس: “لا أصدق أننا طلبنا من السياح الرحيل حفاظاً على الأرواح بسبب كورونا.. إنها المرة الأولى التي أرى فيها شرم الشيخ خاوية تماماً هكذا”.

وكان الضبع يتوقع أن يكون هذا الموسم هو الأفضل في المدينة السياحية منذ عام 2010، مشيراً إلى أنه يشعر بـ”الصدمة”. وبدأت السياحة بالتعافي في مصر بعد سنوات طويلة من التراجع بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية التي أعقبت ثورة العام 2011، التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك.

وأفادت إحصاءات البنك المركزي المصري عن ارتفاع إيرادات السياحة لتسجّل خلال العام المالي 2018-2019 نحو 12,6 مليار دولار، متخطية إيرادات عام 2010.

وبدأ الاقتصاد يتعافى نتيجة برنامج إصلاحي اقتصادي تقوم به الحكومة منذ 2016، وحصلت بموجبه على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكن ومع بدء وصول وباء كوفيد-19 إلى مصر، فرضت السلطات تدابير احترازية شملت تعليق الطيران وحظر التجوال ليلاً، وغلقاً جزئياً للمحال التجارية والمقاهي والمطاعم، وتخفيض أعداد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، ما أدى إلى تعطيل خدمات أساسية للمواطنين وأعمال كثيرة.

وكشف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي، في مارس/آذار، أن خسائر قطاع الطيران نتيجة التدابير الاحترازية قد “تتجاوز 2,25 مليار جنيه (142,5 مليون دولار)”.

يأتي التوقف المفاجئ للاقتصاد المصري، الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة والتحويلات المالية لاكتساب العملة الصعبة، بعد فترة من انكماش القطاع الخاص غير المنتج للنفط.

وبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، فإن إصلاح أضرار ما تسببت به كورونا سيستغرق بعض الوقت، إذ تعاملت الشركات في مصر مع الأزمة بخفض التكاليف ومستويات المخزون ونشاط الشراء، كما امتد التقشف إلى الوظائف، وانخفض التوظيف بأسرع معدلاته خلال ما يزيد على ثلاث سنوات.

من جهتها، تقول عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة بجامعة القاهرة علياء المهدي لفرانس برس، إن تباطؤ النمو ونقص فرص العمل قد يكون له “تأثير مؤقت على معدلات الفقر في البلاد”. وحسب أحدث الإحصاءات الرسمية تصل نسبة الفقر في مصر إلى 32,5% في عامي 2017-2018، مقابل 27,8% في 2015، أي بزيادة قدرها 4,7%.

وخفضت وزيرة التخطيط هالة السعيد توقعاتها لمعدل النمو الاقتصادي بنهاية العام المالي الجاري 2019-2020 ليصل إلى 4,2% بدلاً من 5,8%. 

وعدّل صندوق النقد الدولي من جهته توقعاته لمعدل النمو الاقتصادي في مصر إلى 2% بنهاية العام الجاري، مقابل 5,6% تم تحقيقها في 2019، لكن على الرغم من ذلك رأى الصندوق أن مصر هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي ستحقق معدلاً إيجابياً.

من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية بالقاهرة أنجوس بلير، تعليقاً على أسباب تقييم صندوق النقد، إن “25% من القوى العاملة في مصر تعمل في الزراعة التي لا تزال غير متأثرة بالفيروس.. كما أن العديد من الشركات الأخرى لا تزال تعمل”. ويضيف: “بعض أعمال البناء مستمرة، كذلك يستمر القطاع غير الرسمي الكبير رغم تباطؤ الظروف”.

ويصل عدد المنشآت العاملة في القطاع غير الرسمي (المؤسسات غير المسجلة) في مصر إلى مليوني منشأة تقريباً، ويعمل به نحو أربعة ملايين عامل، وفقاً لجهاز التعبئة والإحصاء المصري.

تقول المهدي: “في وقت الأزمات الذي تتعطل فيه المؤسسات الاقتصادية سواء في القطاع العام أو الخاص يبرز دور الاقتصاد غير الرسمي كمحرك من محركات دفع النمو”، مشيرة إلى أنه يُسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة بين 17 و20%.

أعلن البنك المركزي المصري في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان، أن احتياطات مصر من النقد الأجنبي انخفضت من 45,510 مليار دولار إلى 40,108 مليار دولار في نهاية مارس/آذار، موضحاً أن الانخفاض نتج عن خروج رؤوس أموال أجنبية من الأسواق الناشئة وبينها مصر، وأيضاً لتمويل واردات حكومية من السلع الأساسية.

وقال مدبولي نهاية الشهر الماضي إن حكومته بدأت محادثات جديدة مع صندوق النقد حول برنامج لمدة عام، يشمل دعماً فنياً ومالياً لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد.

ويقدر محللون قيمة ما قد تحتاجه مصر لإسعاف أزمتها بنحو 8.4 مليار دولار، في حين يرى آخرون أن تكون قروض صندوق النقد الدولي لمصر على دفعات، الأولى بنحو 2.8 مليار دولار، والثانية 4 مليارات دولار. مُرجحين أن يتم الحصول على الدفعة الأولى خلال الشهر الجاري، أو في يونيو/حزيران القادم على أقصى تقدير.

وتبرّر الحكومة المصرية عودتها لصندوق النقد بهدف الاستمرار في الحفاظ على استقرار مؤشرات الاقتصاد المصري، وتحوطاً من تأثيرات سلبية محتملة قد تعوق قدرته على التعافي وعودة النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى دعم ثقة السوق والحفاظ على المكتسبات والنتائج الإيجابية التي تحققت في السنوات الأخيرة من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي تستند عليه في طلبها من الصندوق.

وليست هذه المرة الأولى التي تقترض مصر من صندوق النقد الدولي خلال آخر 5 سنوات، إذ سبق أن حصلت على موافقة الصندوق في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، في الحصول على مساعدة مالية لمصر من خلال اتفاق للاستفادة من “تسهيل الصندوق الممدد” (EFF) بقيمة 12 مليار دولار أمريكي.

يذكر أن مصر سجلت حتى الآن، بحسب إحصاءات وزارة الصحة، أكثر من 7000 إصابة بكوفيد-19، بينها أكثر من 450 وفاة. وتأمل الحكومة المصرية “في أخذ إجراءات بعد عيد الفطر نحو عودة تدريجية للحياة الطبيعية”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى